وليس المقصود بالكلام هنا البحث عن أصل وجوب الخمس، ولا عن أمور يتعلّق الخمس بها، ولا عن الشرائط والفروع الأخر، بل إنّما المقصود أنّ الخمس الّذي يجب أداؤه فشطرٌ منه وربما كان في بعض المواضع شطرٌ آخر منه أيضاً للإمام وليّ أمر المسلمين.

وقبل الورود في ذكر المسائل اللازمة بالبحث عنها لابدّ من النظر إلى أقوال أصحابنا الكرام ليكون طريقاً وعوناً إلى المسائل الّتي يبحث عنها، فنقول:

1ـ قال الشيخ المفيد (قدس سرّه) في المقنعة: والخمس لله تعالى كما وصف ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)  كما حكم ولقرابة الرسول كما بيّن وليتامى آل الرسول كما أنزل ولمساكينهم ببرهان ما شرح ولأبناء سبيلهم بدليل ما أخبر وليس لغيرهم في الخمس حق ـ إلى أن قال في تقسيم خمس غنائم الحرب: ـ وإذا غنم المسلمون شيئاً من أهل الكفر بالسيف قسّمه الإمام على خمسة أسهم، فجعل أربعة منها بين مَن قاتل عليه، وجعل السهم الخامس على ستّة أسهم: منها ثلاثة له (عليه السّلام): سهمان وراثة من الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وسهم بحقّه المذكور، وثلاثة للثلاثة الأصناف من أهله؛ فسهمٌ لأيتامهم، وسهم لمساكينهم، وسهمٌ لأبناء سبيلهم، فيقسّم ذلك بينهم على قدر كفايتهم في الستة ومؤنتهم، فما فضل عنها أخذه الإمام منهم، وما نقص منها تمّمه لهم من حقّه، وإنّما كان له أخذ ما فضل لأنّ عليه إتمام ما نقص .

فهو (قدس سرّه) كما ترى قد أفتى بأنّ نصف الخمس للإمام (عليه السلام)، وبأنّ الإمام يأخذ كلّ الخمس فيكون نصفه له ويقسّم نصفه الآخر في المصارف الثلاثة، وبأنّ ما فضل عنها أخذه لنفسه وما نقص منها تمّمه لهم من حقّ نفسه.

2ـ وقد قال قبله الصدوق في كتاب الهداية: كلّ شيء تبلغ قيمته ديناراً فعليه الخمس لله ورسوله ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، فأمّا الّذي لله فهو لرسوله، وما لرسوله فهو له، وذوي القربى منهم أقرباؤه، واليتامى يتامى أهل بيته، والمساكين مساكينهم، وابن السبيل ابن سبيلهم، وأمرُ ذلك إلى الإمام يفرّقه فيهم كيف شاء عليهم حضر كلّهم أو بعضهم .

فهو (قدس سرّه) إنّما حكم بأنّ سهم الله والرسول للرسول، وبأنّ ذوي القربى أقرباء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يتعرّض لأنّ ما كان للرسول فهو للإمام، وإنّما ذكر أخيراً أنّ أمر تقسيم الخمس بين الطوائف الثلاث إلى الإمام (عليه السلام). فمفاد العبارة غير واضح من جميع الجهات وما فيها من أنّ ذوي القربى ـ في مسألة الخمس ـ كلّ أقرباء الرسول خلاف فتوى المشهور المدّعى عليها الإجماع.

3ـ وقال السيد المرتضى (قدس سرّه) في الانتصار ـ بعد ذكر أنّ الإمامية منفردة بوجوب الخمس في موارد خاصّة ـ: وجهات قسمته أن يقسّم هذا الخمس على ستّة أسهم: ثلاثة منها للإمام القائم مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو سهم الله وسهم الرسول وسهم ذوي القربى، وفيهم مَن لا يخصّ الإمام بسهم ذي القربى ويجعله لجميع قرابة الرسول من بني هاشم، وأمّا الثلاثة الأسهم الباقية فهي ليتامى آل محمّد من بني هاشم ومساكنهم وأبناء سبيلهم، ولا يتعدّاهم إلى غيرهم ممّن استحق هذه الأوصاف... وخالف سائر الفقهاء في ذلك وقالوا كلّهم أقوالاً خارجة عنها، والحجة فيها الإجماع المتكرّر .

فقد أفتى نفسه بأنّ نصف الخمس للإمام ونقل عن بعض الإمامية خلافاً في أنّ سهم ذي القربى لا يختصّ بالإمام بل هو لجميع قرابة الرسول من بني هاشم وادّعى في الذيل إجماع الإمامية على ما ذكره ونقله.

4ـ وقال شيخ الطائفة في كتبه المختلفة أقوالاً هي كما يلي:

ألف: قال في النهاية ـ في باب قسمة الغنائم والأخماس ـ: والخمس يأخذه الإمام فيقسمه ستّة أقسام: فقسم الله وقسم الرسول وقسم ذي القربى للإمام خاصّة يصرفه في أمور نفسه وما يلزمه من مؤنة غيره، وسهم ليتامى آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم وليس لغيرهم منه شيء وعلى الإمام أن يقسم سهامهم فيهم على قدر كفايتهم ومؤنتهم في السنة على قدر الاقتصاد، فإن فضل من ذلك شيء كان له خاصّة وإن نقص كان عليه أن يتمّ من خاصّته .

فهو (قدس سرّه) أفتى هنا أيضاً بالمسائل الثلاثة الّتي استفدنا من المقنعة.

ب. وقال في الجمل والعقود: يقسّم الخمس ستّة أقسام: سهمٌ لله وسهمٌ لرسوله وسهمٌ لذي القربى، فهذه الثلاثة للإمام خاصّة، وسهمٌ ليتامى آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وسهمٌ لمساكينهم وسهمٌ لأبناء سبيلهم .

وهنا تعرّض لفرعٍ واحد هو أنّ نصف الخمس للإمام (عليه السلام)، بلا تعرّض للفرعين الآخرين.

ج. وقال في المبسوط: والخمس إذا أخذه الإمام ينبغي أن يقسّمه ستّة أقسام: سهمٌ لله وسهمٌ لرسوله وسهمٌ لذي القربى، فهذه الثلاثة أقسام للإمام القائم مقام النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يصرفه فيما شاء من نفقته ونفقة عياله؟ وما يلزمه من تحمّل الأنفال ومؤن غيرهم، وسهمٌ ليتامى آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولمساكنهم وسهمٌ لأبناء سبيلهم، وليس لغيرهم من سائر الأصناف شيء على حال، وعلى الإمام أن يقسّم هذه السهام بينهم على قدر كفايتهم ومؤنتهم في السنة على الاقتصاد... فإن فضل منه شيء كان له خاصّة، وإن نقص كان عليه أن يتمّم من حصّة خاصّة .

وهنا أيضاً صرّح بأنّ نصف الخمس للإمام، وأنّه إذا أخذ الخمس يقسّم نصفه الأخر بين الطوائف الثلاث، فما فضل عن قدر كفايتهم كان له، وما نقص كان عليه أن يتمّمه، إلاّ أنّه لم يظهر منه وجوب تسليم الخمس كلّه إلى الإمام.

د: وقال (قدس سرّه) في كتاب الفيء وقسمة الغنائم من الخلاف: عندنا أنّ الخمس ينقسم ستّة أقسام: سهمٌ لله وسهمٌ لرسوله وسهمٌ لذي القربى، فهذه الثلاثة أسهم كانت للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعده لمن يقوم مقامه من الأئمة، وسهمٌ لليتامى وسهمٌ للمساكين وسهمٌ لأبناء السبيل من آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يشركهم فيه غيرهم ـ ثمّ ذكر أقوال العامّة، ثُمّ قال: ـ دليلنا إجماع الفرقة المحقّة وأخبارهم، وأيضاً قوله تعالى... .

وقال أيضا: عندنا أنّ سهم ذي القربى للإمام، وعند الشافعي لجميع ذي القربى... دليلنا: إجماع الفرقة .

فهو (قدس سرّه) في هذه المسائل قد أفتى بفرعٍ واحد هو أن نصف الخمس للإمام وأنه المراد بذي القربى المذكور في الآية، وادعى عليه إجماع الفرقة. وقال (قدّس سرّه) في كتاب الزكاة منه: مصرف الخمس من الركاز والمعادن مصرف الفيء، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي وأكثر أصحابه: مصرفها مصرف الزكاة، وبه قال مالك والليث بن سعد... دليلنا: عموم الظاهر والأخبار الواردة في مستحقّ الخمس، وعليه إجماع الطائفة .

وقال في كتاب الفيء وقسمة الغنائم منه: الفيء كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو لمن قام مقامه من الأئمة (عليه السلام) ـ ثُمّ قال بعد ذكر العامّة: ـ دليلنا إجماع الفرقة. وقال أيضاً: حكم الفيء بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حكمه في أيّامه في أنّه خاصّ بمن قام مقامه ـ ثُمّ قال بعد ذكر قول الشافعي بالخلاف: دليلنا: ما قدمناه من إجماع الفرقة .

فإذا ضمّت المسألة كتاب الزكاة إلى هاتين المسألتين كان المستفاد منها أنّ خمس الركاز والمعادن مستثنى من خمس غيرهما وأنّه بجميعه ملك للنبيّ وبعده للإمام كما هو الأمر في الفيء وسيجيء التعرّض له إن شاء الله تعالى.

5ـ وقال أبو الصلاح الحلبي (المتوفّى 447ق): ـ يجب على كلّ مَن تعيّن عليه فرض زكاة أو فطرة أو خمس أو أنفال أن يخرج ما وجب عليه من ذلك إلى سلطان الإسلام المنصوب من قِبله سبحانه أو إلى مَن ينصبه لقبض ذلك من شيعته ليضعه مواضعه، فإن تعذّر الأمران فإلى الفقيه المأمون ـ إلى أن قال: ـ ويلزم مَن وجب عليه الخمس إخراجه من ماله وعزل شطره لوليّ الأمر انتظاراً للتمكّن من إيصاله إليه... وإخراج الشطر الآخر إلى مساكين آل عليّ وجعفر وعقيل والعبّاس وأيتامهم وأبناء سبيلهم لكلّ صنف ثلث الشطر .

فتراه أفتى في الفقرات الأولى قد أفتى بوجوب تسليم الخمس كلّه إلى وليّ الأمر أو نائبه الخاصّ زمن حضوره وإمكان الإيصال إليهما.

وفي الفقرة الثانية الناضرة إلى زمن غيبة وليّ الأمر قد صرّح بأنّ شطراً من الخمس لوليّ الأمر يحفظ له وشطراً آخر منه للسادة يؤدّيه إليهم، والشطر وإن كان هو الجزء إلاّ أنّه لعلّ مراده منه النصف.

6ـ وقال الديلمي (المتوفى 448ق) في كتاب الخمس من المراسم: فأمّا مَن له الخمس فهم الله تعالى ورسوله وقرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واليتامى منهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم خاصّة، فأمّا بيان القسمة فهو أن يقسّمه الإمام (عليه السلام) ستّة أسهم: منها ثلاثة له (عليه السلام) سهمان وراثةً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسهمٌ حقّه، وثلاثة أسهم سهمٌ لأيتامهم وسهمٌ لمساكينهم وسهمٌ لأبناء سبيلهم. ويقسّم على قدر كفايتهم في السنة، فما فضل أخذه الإمام (عليه السلام)، وما نقص تمّمه من حقّه .

7ـ وقال القاضي ابن البرّاج (المتوفّى 481ق) في باب ذكر قسمة الخمس من المهذّب بعد ذكر الآية: فعلى هذا يقسّم الخمس ستّة أسهم: ثلاثة منها وهي سهم الله تعالى وسهم رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسهم ذي القربى للإمام (عليه السلام)، والثلاثة أسهم الباقية يفرّقها الإمام (عليه السلام) على يتامى آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومساكينهم وأبناء سبيلهم لكلّ صنف منهم سهم، وعلى الإمام تسليم (تقسيم ـ خ ل) ذلك على قدر كفايتهم ومؤنتهم للسنة على جهة الاقتصاد، فإن فضل من ذلك شيء كان له، وإن نقص فعليه أن يتمّه ممّا يختصّه .

فكلاهما صرّحا بأنّ نصف الخمس للإمام وليّ الأمر (عليه السلام)، وحيث إنّهما جعلا تقسيم الخمس على الطوائف الثلاث من وظائف الإمام كان اللازم منه أنّه يجب على مَن عليه الخمس أن يؤدّيه كلّه إليه ليأخذ حقّ نفسه ويقسّم حقّ الطوائف المذكورة إليهم، وقد صرحا أيضاً في الذيل أنّ ما فضل من سهم الطوائف له وما نقص فعليه أن يتمّه من حقّه.

8ـ وقال الشيخ علاء الدين أبو الحسن الحلبي في إشارة السبق: وقسمته على ستّة أسهم: هي سهم الله وسهم رسوله وسهم ذي القربى، لا يستحقّّها بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) سوى الإمام القائم مقامه، وثلاثة ليتامى آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومساكينهم وأبناء سبيلهم ممّن جمع مع فقره وإيمانه صحّة النسب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) أو إلى أحد أخويه: جعفر وعقيل أو إلى عمّه العبّاس يعطى كلّ فريق منهم مقدار كفايتهم للسنة على الاقتصاد .

وهو كما ترى قد أفتى بأنّ نصف الخمس للإمام (عليه السلام) ولم يتعرض للفرعين الآخرين.

9ـ وقال ابن حمزة في كتاب الخمس من الوسيلة: وينقسم (يعني الخمس) ستّة أقسام: سهمٌ لله تعالى وسهمٌ لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسهمٌ لذي القربى، فهذه الثلاثة للإمام (عليه السلام)، وسهمٌ لأيتامهم وسهمٌ لمساكينهم وسهمٌ لأبناء سبيلهم ـ إلى أن قال: ـ والرابع (يعني مَن إليه القسمة) يكون إلى الإمام إن كان حاضراً وإلى مَن وجب عليه الخمس إن كان الإمام غائباً... .

وقد تعرّض (رحمه الله) لأمرين: كون النصف من الخمس للإمام، ووجوب دفع الخمس إليه ليقسّمه في مصارفه إذا كان حاضراًَ.

10ـ وقال أبو المكارم ابن زهرة (المتوفى 585ق) في فصل الخمس من الغنية: والخمس يقسّم على ستّة أسهم: ثلاثة منها للإمام القائم بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مقامه، وهو سهم الله وسهم رسوله وسهم ذي القربى وهو الإمام، وثلاثة لليتامى والمساكين وابن السبيل ممّن ينسب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وجعفر وعقيل والعبّاس رضى الله عنهم لكلّ صنفٍ منهم سهمٌ يقسّمه الإمام بينهم على قدر كفايتهم للسنة على الاقتصاد ولابدّ بينهم من اعتبار الإيمان أو حكمه، وذلك بدليل الإجماع الماضي ذكره .

وهو (قدس سرّه) أيضاً كان حمزة إنّما تعرّض لأنّ نصف الخمس للإمام ولوجب الدفع إليه حتّى يقسّمه بين الأصناف.

11ـ وقال الكيدري [هو من أعلام القرن السادس] في إصباح الشيعة: والخمس نصفه للإمام القائم مقام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والنصف الأخر يقسّم ثلاثة أقسام: قسمٌ ليتامى آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وقسمٌ لمساكينهم وقسمٌ لأبناء سبيلهم لا غير، يقسّمه الإمام بينهم على قدر كفايتهم في السنة على الاقتصاد... فإن فضل شيء كان له خاصّة، وإن نقص كان عليه إتمامه من حصّته .

وعبارته كما ترى دالّة على الفروع الثلاثة ـ أعني كون نصف الخمس للإمام ـ ووجوب أداء كلّ الخمس إليه، وكون ما فضل من سهم الطوائف الثلاثة له وكون إتمام ما نقص عليه.

12ـ وقال محمّد بن إدريس في باب قسمة الغنائم والأخماس ومَن يستحقّها من السرائر: والخمس يأخذه الإمام فيقسّمه ستّة أقسام: قسماً لله وقسماً لرسوله وقسماً لذي القربى، فقسم الله وقسم رسوله وقسم ذي القربى للإمام خاصّة يصرفه في أمور نفسه وما يلزمه من مؤنة مَن يجب عليه نفقته، وسهمٌ ليتامى بني هاشم وسهمٌ لمساكينهم وسهمٌ لأبناء سبيلهم... وعلى الإمام أن يقسّم سهامهم فيهم على قدر كفايتهم ومؤنتهم في السنة على الاقتصاد فإن فضل من ذلك شيء كان هو الحافظ له والمتولّي لحفظه عليهم، ولا يجوز أن يتملّك منه شيئاً لنفسه لأنّ الحقّ لهم فلا يجوز له أن يأخذ من مالهم شيئاً... وقد يوجد أيضاً في سواد الكتب وشواذّ الأخبار: «وإن نقص كان عليه أنّ يتمّ من خاصّته» وهذا غير صحيح والكلام عليه ما تقدم قبله بلا فصل... والقرآن والإجماع من أصحابنا دليلان على استحقاقه (عليه السلام) لنصف الخمس... .

 

فهو كما ترى بمقتضى عباراته يفتي بأنّ الخمس يؤدّى إلى الإمام وعليه أن يقسّم سهام الطوائف الثلاث فيهم وبأنّ نصف الخمس بالشرح المذكور في العبارة للإمام (عليه السلام) مدّعياً (عليه السلام) الإجماع، إلاّ أنّه ينكر أشدّ الإنكار أن يكون ما فضل من مهامهم بعد إعطاء مؤنتهم في السنة للإمام وأن يكون عليه إتمام ما نقص من خاصّته، وسيأتي إن شاء الله التعرضّ لشبهاته عند البحث عن هذه الجهة.

13ـ وقال المحقّق في كتبه أقوالاً هي كما يلي:

ألف: قال في كتاب الخمس من الشرائع: الفصل الثاني في قسمته، ويقسّم ستّة أقسام: ثلاثة للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي سهم الله وسهم رسوله وسهم ذي القربى وهو الإمام، وبعده للإمام القائم مقامه، وما كان قبضه النبيّ أو الإمام ينتقل إلى وارثه، وثلاثة للأيتام والمساكين وأبناء السبيل، وقيل: بل يقسّم خمسة أقسام، والأوّل أشهر... وهنا مسائل... الثالثة: يقسّم الإمام على الطوائف الثلاث قدر الكفاية مقتصداً، فإن فضل كان له، وإن أعوز أتمّ من نصيبه.

وظاهره الإفتاء بما عدّه الأشهر من أنّ نصف الخمس للإمام وليّ أمر المسلمين، كما أن جعل تقسيم الخمس على الطوائف الثلاث وظيفة للإمام فيه دلالة على أنّ جميع الخمس يدفع إليه، وقد أفتى في آخر العبارة بأنّ ما فضل للإمام، وإن أعوز أتمّ من نصيبه.

ب ـ وقال في المختصر النافع: ويقسّم الخمس ستّة أقسام على الأشهر: ثلاثة للإمام وثلاثة لليتامى والمساكين وأبناء السبيل ممّن ينتسب إلى عبد المطّلب بالأب... ويلحق بهذا الباب مسائل... الثالثة: يصرف الخمس إليه مع وجوده وله ما يفضل عن كفاية الأصناف من نصيبهم، وعلى الإتمام لو أعوز....

وظاهره الإفتاء بما جعله الأشهر، فقد أفتى بأنّ نصف الخمس للإمام، والمسألة الثالثة أيضاً تدلّ على إفتائة بالفرعين الآخرين.

ج ـ وقال في المعتبر: يقسم الخمس ستة أقسام: ثلاثة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي سهم الله وسهمه (صلى الله عليه وآله وسلم) وسهم ذوي القربى، وبعده للإمام القائم مقامه، وثلاثة لليتامى والمساكين وأبناء السبيل منهم .

وقال فيه أيضاً ـ في المسألة الخامسة من المسائل الملحقة بباب الخمس ـ: يصرف الخمس إليه مع وجوده كما كان يصرف إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي جواز الانفراد بإخراج ما عدا حصّة الإمام تردّد أقربه الجواز. وأمّا مع عدمه فيجوز الانفراد بإخراج حصّة اليتامى والمساكين وأبناء السبيل، وسيأتي بيان ما يعمل في حصّته (عليه السلام)، وعلى الإمام أن يفرّقه على الأصناف قدر حاجتهم، وله ما يفضل عن كفايتهم وعليه أن يتمّ من حصّته ما يعوزهم، كذا ذكره الشيخ في النهاية والمبسوط والمفيد في المقنعة وجماعة من فضلائنا ـ إلى أن قال بعد ذكر الدليل عليه وذكر شبهات المخالف وردّها:ـ والذي ينبغي العمل به اتّباع ما نقله الأصحاب وأفتى به الفقهاء ولم يعلم من باقي العلماء ردّ... .

فهو (قدس سرّه) قد أفتى في المسألة الأولى بأنّ نصف الخمس للإمام، وفي المسألة الأخيرة لم يلفت بوجوب أداء كلّ الخمس إلى الإمام إلاّ أنّه إذا سلّم إليه وقسّمه في الطوائف الثلاث، فإذا فضل عن كفايتهم كان الفاضل له، وإذا أعوز كان الإتمام عليه من حصّة نفسه.

14ـ وقد تعرّض للفروع المذكورة العلاّمة الحلّي (قدس سرّه) في كتبه إليك نصّ ما وقفنا عليه:

ألف: قال في الإرشاد: ويقسّم الخمس ستّة أقسام: ثلاثة للإمام (عليه السلام)، وثلاثة لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من الهاشميّين المؤمنين، ويجوز التخصيص الواحد به على كراهية، ويقسّم (الخمس ـ خ) بقدر الكفاية، فالفاضل للإمام والمعوز عليه .

وظاهره الإفتاء بأنّ نصف الخمس للإمام وبأن الفاضل له والمعوز عليه من دون تعرّض لوجوب دفع كلّ الخمس إلى الإمام.

ب ـ وقال في القواعد: المطلب الثالث في مستحقّه، وهم ستّة: الله ورسوله وذو القربى وهو الإمام، فهذه الثلاثة كانت للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي بعده للإمام، واليتامى والمساكين وأبناء السبيل... وينتقل ما قبضه النبيّ أو الإمام بعده إلى وارثه، وللإمام فاضل المقسوم على الكفاية للطوائف مع الاقتصاد، وعليه المعوز على رأي .

وهو كما ترى قاطعٌ هنا بأنّ نصف الخمس للإمام ومردّد في أنّ الفاضل للإمام والمعوز عليه ولم يتعرّض لوجوب دفع الكلّ إلى الإمام.

ج ـ وقال في المختلف ـ الفصل الثاني في قسمته ـ: المشهور أنّ الخمس يقسّم ستّة أقسام: سهمٌ لله وسهمٌ لرسوله وسهمٌ لذي القربى، وسهمٌ لليتامى وسهمٌ للمساكين وسهمٌ لأبناء السبيل. ذهب إليه الشيخان والسيّد المرتضى وابن الجنيد وابن البّراج وباقي علمائنا. ونقل عن بعضهم أنّه يقسّم خمسة أقسام، وقد اختار قول المشهور .

وقال أيضاً فيه: المشهور أنّ ذا القربى الإمام خاصّة فهو (عليه السلام) يأخذ سهم الله وسهم رسوله بالوراثة وسهم ذي القربى بالأصالة، ذهب إليه الشيخان والسيّد المرتضى وأبو الصلاح وسلاّر وابن إدريس، ونقل السيّد المرتضى عن بعض علمائنا أنّ سهم ذي القربى لا يختصّ بالإمام (عليه السلام)، بل هو لجميع قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من بني هاشم وهو اختيار ابن الجنيد ـ وقد اختار المشهورـ .

وقال أيضاً فيه: قال الشيخان: النصف الّذي لليتامى والمساكين وأبناء السبيل يفرّقه الإمام بينهم على قدر كفايتهم في السنة ومؤنتهم، فما فضل عنها أخذه الإمام منهم وما نقص منهم، تمّمه لهم من حقّه، وإنّما كان له ما فضل لأنّ عليه إتمام ما نقص، وهو مذهب ابن البرّاج وسلاّر، ومنع ابن إدريس ذلك وقال: لا يجوز له أن يأخذ فاضل نصيبهم ولا يجب عليه إكمال ما نقص لهم ـ ثُمّ تعرّض لأدلّة الطرفين وقال في آخر المقال: ـ فإذا قول ابن إدريس لا يخلو من قوّة ومخالفة أكثر الأصحاب أيضاً مشكل، فنحن في هذه المسألة من المتوقّفين .

فهو (قدس سرّه) أفتى بأنّ نصف الخمس للإمام وتوقّف في كون الفاضل له والناقص عليه، والظاهر أنّه غير ناظر إلى وجوب أداء كلّ الخمس إلى الإمام (عليه السلام).

د ـ وقال في التذكرة: يقسّم الخمس ستّة أقسام: سهمٌ لله وسهمٌ لرسوله وسهمٌ لذي القربى وسهمٌ لليتامى وسهمٌ للمساكين وسهمٌ لأبناء السبيل عند جمهور علمائنا... وقال بعض علمائنا: يقسّم خمسة أقسام: سهمٌ لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسهمٌ لذي القربى... إلى آخره. وبه قال الشافعي وأبو حنيفة، لأنّه (عليه السلام) قسّم الخمس خمسة أقسام، وليس بذلك لجواز ترك بعض حقّه .

ثُمّ قال: سهم الله وسهم رسوله للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يصنع به في حياته ما شاء، وبعده للإمام القائم مقامه، لأنّه حقّ له باعتبار ولايته العامّة ليصرف بعضه في المحاويج فينقل إلى من ينوبه في ذلك، وللروايات عن أهل البيت (عليه السلام).

ثُمّ قال: المراد بذي القربى الإمام (عليه السلام) خاصّة عند علمائنا، لوحدته لفظاً فلا يتناول أكثر من الواحد حقيقةً، والأصل عدم المجاز وللرواية... .

وقال أيضاً: الأسهم الثلاثة الّتي للإمام يملكها ويصنع ما شاء، والثلاثة الباقية للأصناف الأخر... يفرّقها الإمام على ما يراه من تفضيل وتسوية، ويفرّق بين الحاضرين ولا يتبع الأباعد، ولو فضل عن كفاية الحاضرين جاز حمله إلى بلدٍ آخر... .

فمقتضى المسائل الثلاث الأول أنّ نصف الخمس للإمام (عليه السلام)، وظاهر المسألة الأخيرة بملاحظة عدّ التفريق بين الطوائف الثلاث من وظائف الإمام وجوب أداء كلّ الخمس إليه، إلاّ أنّه (عليه السلام) لم يذكر حكم ما إذا فضل عن كفايتهم أو نقص.

وقال (قدس سرّه) في مسائل الأنفال: ما يختص بالإمام يحرم التصرّف فيه حال ظهوره إلاّ بإذنه... بل يصرف الخمس بأجمعه إليه، فيأخذ (عليه السلام) نصفه يفعل به ما يشاء، ويصرف النصف الآخر في الأصناف الثلاثة على قدر حاجتهم وضرورتهم، فإن فضل شيء كان الفاضل له، وإن أعوز كان عليه (عليه السلام)، لأنّ النظر إليه في قسمة الخمس في الأصناف وتفضيل بعضهم على بعض بحسب ما يراه من المصلحة وزيادة الحاجة وقلّتها. ولقول الكاظم (عليه السلام) ـ فذكر مرسل حمّاد بن عيسى، ثُمّ قال: ـ ومنع ابن إدريس من ذلك لأنّ الأسهم الثلاثة للأصناف الثلاثة بنصّ القرآن، وهو ممنوع لجواز أن يكون المراد بيان المصرف، ولهذا جاز أن يفضّل بعضهم وأن يحرمه... .

فهو (قدس سرّه) قد أفتى هنا بما هو المعروف وردّ قول ابن إدريس جزماً.

ﻫ ـ وقال في المنتهى ـ في البحث الثالث في كيفيّة قسمة وبيان معرفته ـ: يقسّم الخمس في الأشهر بين الأصحاب ستّة أقسام: سهمٌ لله، وسهمٌ لرسوله، وسهمٌ لذي القربى، وسهمٌ لليتامى، وسهمٌ للمساكين، وسهمٌ لأبناء السبيل... وقال بعض أصحابنا: يقسّم خمسة أقسام: سهم الله لرسوله وسهمٌ لذي القربى لهم، والثلاثة الباقية لليتامى والمساكين وابن السبيل... لنا قوله تعالى ـ فذكر آية الخمس ـ ...».

وقال في بيان المرادُ بذي القربى: قال الشيخان: المراد بذي القربى الإمام خاصّة، وهو اختيار السيّد المرتضى وأكثر علمائنا. وقال بعض أصحابنا: المراد به قرابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من ولد هاشم ـ ثُمّ ذكر أقوال العامّة واستدل لما أفتى به الأصحاب بافراد ذي القربى في الآية المباركةـ .

وقد بيّنّا أنّ سهم الله للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يصنع في حياته ما شاء في غنائم الحرب... وغير الحرب من أنواع الفوائد ومن الفيء وهو المال المأخوذ بغير إيجاف... وبعد وفاته يرجع عندنا إلى الإمام القائم مقامه في مصالح المسلمين... لنا أنّه حقّ له جعله باعتبار ولايته على المسلمين يصرف بعضه في محاويجهم وبعضه في مصالحهم فينتقل إلى المتولّي بالنصّ من قِبله (عليه السلام).

وقال في مصارف السهام الستّة: الأسهم الثلاثة الّتي للإمام يملكها ويصنع به ما شاء في نفقته ونفقة عياله وغير ذلك من المصلحة ومنافعه، والثلاثة أسهم الباقي للأصناف الأخر لا يخصّ القريب منهم دون البعيد... .

ثُمّ قال (قدس سرّه) في مسائل بحث الأنفال: ويصرف الخمس إليه مع وجوده كما كان ينقل في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيأخذ له نصفه (عليه السلام) يفعل به ما شاء والنصف الآخر يصرف في الأصناف الثلاثة وعلى قدر حاجتهم وضرورتهم، فإن فضل كان الفاضل له، وإن أعوز كان عليه التمام، ذكره الشيخان وجماعة ومنعه ابن إدريس ـ ثُمّ ذكر دليل المشهور ثُمّ شبهات ابن إدريس وأجاب عنها، ثُمّ قال: ـ فهذا خلاصة ما يمكن ذكره من الجانبين وعليك بتحقيق الحقّ منهما .

فظاهر مسائله المذكورة في بحث قسمة الخمس أنّ نصف الخمس للإمام وأكّده في مسألة بحث الأنفال أيضاً، وأمّا هذه المسألة فهي ظاهرة الدلالة على وجوب أداء كلّ الخمس في جميع موارد وجوبه إلى الإمام (عليه السلام)، وأمّا فرع أنّ الفاضل له والمعوز عليه فقد ظهر من كلامه الأخير أنّه فيه من المتوقّفين.

وـ وقال في التحرير: يقسّم الخمس ستّة أقسام، فنصفه وهو سهم الله وسهم رسوله وسهم ذي القربى للإمام خاصّة ونصفه للثلاثة... المراد بذي القربى هنا الإمام خاصّة وهو يأخذ سهم ذي القربى بالنّص وسهم الله وسهم رسوله بالوراثة عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)... .

وفي بحث الأنفال منه: يحرم التصرّف فيما يختصّ الإمام حال ظهوره إلاّ بإذن منه... ويصرف إليه الخمس بأجمعه فأخذ نصفه يعمل به ما شاء، والنصف الآخر يضعه في أربابه على قدر حاجتهم وضرورتهم، قال الشيخان: فإن فضل كان الفاضل له، وإن أعوز كان عليه، ومنعه ابن إدريس، وعندي في ذلك تردّد .

فمن جميع كلماته يستفاد أنّه يفتي بأنّ نصف الخمس للإمام (عليه السلام)، وبوجوب كلّ الخمس حال ظهوره إليه، هو تردّد في كون الفاضل في النّصف الأخير له والمعوز عليه.

15ـ وقال الشهيد في الدروس: يستحقّ الخمس الإمام (عليه السلام) واليتامى والمساكين وأبناء السبيل من الهاشميّين بالأب، فهو بينه وبينهم نصفين، وفي رواية ربعي: له خمس الخمس والباقي لهم، وفي أخرى: له الثلث، وظاهر ابن الجنيد أنّ سهم الله يليه الإمام، وسهم الرسول للأقرب إليه، وسهم ذوي القربى لهم، وصنف الخمس للثلاثة الباقية من المسلمين بعد كفاية أولي القربى ومواليهم المعتقين، وهو شاذٌ... ومع وجود الإمام يصرف الكلّ إليه، فيعطي الجميع كفايتهم، والفاضل له والمعوز عليه، وأنكره ابن إدريس .

وهو (قدس سرّه) كما ترى قد أفتى بما عليه المشهور من كون نصف الخمس للإمام، ووجوب دفع الكلّ إليه، وبأنّ الفاضل له والمعوز عليه.

فهذه كلمات خمسه عشر من عظماء الأصحاب أكثرهم من القدماء واثنان من المتأخرين، وقد نقلت عباراتهم من كتبهم وعددها يبلغ خمسة وعشرين كتاباً، وقد اشتملت مسائل أربعة متعرّضة لما للإمام من الخمس نذكرها بهذا الترتيب:

الأولى: أنّ نصف الخمس للإمام.

الثانية: أنّ الحكم المذكور شامل لخمس جميع ما يتعلّق به الخمس.

الثالثة: أنّ النصف الآخر إذا قسّم على الطوائف الثلاث، فما فضل عن كفايتهم للإمام، وما نقص كان عليه تتميمه.

الرابعة: إنّه إذا أخذ الإمام نصيبه ثُمّ مات كان تركته من سهم خمسه المأخوذ بين ورثته كسائر الناس.

وقد كان في كلام كثير منهم أنّه يجب إعطاء كلّ الخمس إلى الإمام حتّى يأخذ نصيبه ويفعل بالباقي ما هو الوظيفة الإلهية.