يؤمن الدين الإسلامي، خلافاً للمذاهب غير الإلهية، وبوحي من إدعائه الشمول والكمال، بأنه يقدم نهجاً مختلفاً لحياة الإنسان الشخصية والاجتماعية المادية والمعنوية.

ويرى بأن الترجمة العملية لهذا النهج وبشكل كامل، يحقق السعادة لبني الإنسان ويمضي بركب الإنسانية إلى المنزل الحقيقي ومقام الخلافة الإلهية.

والإسلام منظومة متكاملة من العقائد الحقة والقيم الأخلاقية والملكات الفاضلة والأحكام والتعاليم الصالحة، تهدف إلى بلوغ السعادة والتكامل الإنساني الحقيقي الذي يتجلى جوهره في نيل السعادة الإلهية وتحقق الفضائل الأخلاقية على الصعيدين الشخصي والاجتماعي.

وبناء على ذلك يعد النظام الأخلاقي في الإسلام _ بصفته مجموعة من التعاليم القائمة على الرؤية الكونية والمعرفة التوحيدية للإنسان، التي ترشد البشرية إلى طريق الحياة السعيدة _ أحد أهم وأبرز أركان الدين الإسلامي. ولهذا يشكل النظام الأخلاقي أرضية إرساء البنى التحتية وسبل بلوغ الحياة الطيبة للمجتمعات الإنسانية في جميع المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، إذ أنه يأخذ على عاتقه مهام ووظائف كثيرة لعلّ في مقدمتها توضيح مجموعة الأنشطة الطوعية للإنسان، وتحديد المعايير العامة للتقييم، وموازنة السلوك الإنساني، وبلورة أبعاد العلاقة الواقعية والنتائج المترتبة عليها سواء الايجابية والسلبية.

إن التجسيد العملي لهذا النظام الأخلاقي في إطار حكومة عامة، لم يتسن للبشرية إلاّ في فترة قصيرة من صدر الإسلام وعلى يد رسول الصدق والرحمة، الذي كان يعتبر تكامل الفضائل الأخلاقية وتحقق القيم الإنسانية الإسلامية هدف بعثته الإلهية.

إن الصورة الرائعة التي جسدته سيادة القيم الإنسانية والسجاِيا الأخلاقية على العلاقات الإنسانية، جعلت من عصر خاتم الأنبياء إنموذجاً متكاملاً لسيادة الدين وتحقق المدينة الفاضلة في الدنيا الزائلة.

وإن الصورة الحقيقية للحياة الإنسانية الطيبة بثت الأمل لدى الكثير من المصلحين الربانيين وطلاب الحق، بعد العصور المظلمة التي أعقبت عصر سيادة الإسلام الحقيقي _ عصور غفلة الأمة الإسلامية وانحرافها التدريجي عن تعاليم القرآن والسنة والعترة، وإيغال ركب البشرية في غواهب الظلام وظلم العلاقات الإنسانية _ بثت الأمل بإحياء وازدهار التعاليم الإسلامية من جديد وإعادة السيادة الإلهية على القوانين البشرية، مما دفعهم إلى قيادة النهضات الإصلاحية والحركات المطالبة بالعدالة والتصدي لمظاهر الظلم والانحطاط الأخلاقي، ولفت أنظار العالم الذي تعصف به الأزمات، إلى هدوء المدينة الإسلامية الفاضلة من جديد.

وان ثورة الإمام الخميني المتمحورة حول الدين والمطالبة بالعدالة، تأتي في سياق تحقيق هذا الهدف الأخلاقي والإصلاحي.

إن العودة إلى عصر سيادة القيم الأخلاقية والإلهية وإقامة الحكومة الإسلامية على طراز نموذجها الأول الذي تحقق في عهد نبي الإسلام الكريم، في ذات الوقت الذي تحرص على تلبية احتياجات الإنسان المعاصر ؛ شكلت أحد الأهداف الرئيسية لمؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأتباعه الصادقين.

ولعلّ من أوائل المبررات الأخلاقية لسماحة الإمام (قدس سره)، تأسيساً بكلام الله المجيد، تحركه الواسع من أجل الله: (قل انما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى). التحرك على الصعيد الشخصي لبلوغ معرفة الله والتخلق بأخلاق الله. وعلى الصعيد الاجتماعي من أجل تحقق المقاصد الإلهية في سيادة القوانين الربانية..

القيام لله _ من وجهة نظر الإمام الخميني _ إنما هو اجتناب التكبر والأنانية على الصعيد الشخصي، والتخلص من تبعية الحكومات الظالمة على الصعيد الاجتماعي. وهذا يعني أن المنزلة الحقيقية للنظام الأخلاقي _ الديني الذي يؤمن به سماحة الإمام، تتجلى بوضوح في إقامة الحكومة الإلهية العادية المنبثقة من الدين والرؤية الكونية الإسلامية. إذ يرى سماحته أن الأبعاد الأخلاقية والدينية والإسلامية لسيادة الحضور الفاعل والمؤثر في نواحي الحياة الإنسانية _ من خلال عرض نهج سليم للحياة السعيدة _ تتجلى في البعدين الفردي والاجتماعي.

على الصعيد الفردي يتضمن التحرك نحو الله تزكية النفس من رذائل التي تمثل الخطوة الأولى للسير والسلوك في مراحل الأخلاق الإسلامية، حيث تليها الخطوة الثانية باتصاف النفس بالصفات الحميدة والأخلاق الحسنة. أما على الصعيد الاجتماعي فانه يتضمن التخلص من عبادة الأوثان والتمرد على القوانين غير الإنسانية التي تروج للظلم والانحراف وغياب العدالة. وان دعوة الإمام (قدس سره) شعوب العالم للتصدي للطغاة والظالمين تأتي في سياق هذه المرحلة، إثر السلوك العملي للمجتمعات الإنسانية على طريق تحقق المدينة الإسلامية الفاضلة. ومع انتهاء مرحلة تهذيب حياة الإنسان الاجتماعية من المظاهر الشيطانية والعلاقات غير الربانية، تشرق شمس الفضائل الأخلاقية والصفات الإلهية الكمالية على المجتمع الإنساني.

إن تأسيس الحكومة الإسلامية وتطبيق الأحكام والشعائر الإلهية، وإقامة نظام عادل في المجتمعات الإنسانية، إنما هو حصيلة النظام الأخلاقي الإسلامي الذي يتمحور هدفه النهائي منذ الخطوة الأولى الممثلة في تزكية النفس الإنسانية وحتى المرحلة الأخيرة من تحقق الصفات الإلهية الكمالية على الصعِيد الاجتماعي لحياة الإنسان في نيل السعادة الفردية والجماعية الدنيوية والأخروية، وبلوغ آخر منازل القرب الإلهي، وتكامل مراتب الوجود.

الانتهاء من السير والسلوك منذ المنزل الأول لمراحل السلوك الأخلاقي وحتى آخر مرتبة من مراتب تكامله، هو مما يطلق عليه بمكارم الأخلاق في المجتمعات الإنسانية، التي تفضي إلى تحقق المدينة الإلهية الفاضلة في موطن آدم أبو البشر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. صحيفة الإمام، ج15، ص503

2. شرح حديث جنود العقل والجهل، ص68

3. صحيفة الإمام، ج 7، ص531

4. شرح حديث جنود العقل والجهل،ص11

5. صحيفة الإمام، ج8،ص11

6. الجهاد الأكبر، ص20

7. الأربعون حديثاً، ص511

8. الأربعون حديثاً، ص8

9. صحيفة الإمام، ج 16، ص224

10. صحيفة الإمام، ج14، ص3

11. صحيفة الإمام، ج3، ص226

12. صحيفة الإمام، ج5، ص262

13. الكلمات القصار، ص27

14. الكلمات القصار، ص65

15. الكلمات القصار، ص67

16. الكلمات القصار، ص75

17. الكلمات القصار، ص78