الشيخ سامر توفيق عجمي

في مجتمعنا المقاوم، لا يكفي أن نعدّ المقاتلين لحمل السلاح، بل يجب أن نُزيِّن أرواحهم بقيم الجهاد وأخلاقه وأهدافه ودوره. وأبرز الوسائل التربوية الصحيحة هو اسم "الحسين" عليه السلام، وما تحمله المنظومة الإسلامية الجهادية من رؤية؛ ليكون الجهاد باب الله الذي فتحه لخاصّة أوليائه. يواصل هذا المقال، عرض الوسائل التربوية لإعداد الحسينيين الصغار في ميدان الجهاد.

 

* الأدب الجهادي للأطفال

في الأدب، من المهمّ استعمال أسلوب القصة في التربية الجهادية، كرواية قصص المجاهدين والأسرى والجرحى للأطفال. وعلينا أن نتذكّر دائماً أنّ عدوّنا الصهيونيّ يُدرك أهميّة توظيف عنصر الأدب العبريّ في الإعداد الحربيّ للطفل الإسرائيليّ، من خلال تعمّد تقديم الإنسان العربي على أنّه محتلّ جاء لغزو أرض آباء وأجداد اليهود، والاستيلاء على منازلهـــم وحدائقهــــم، وتصويره على أنه جبان في ساحة القتال، مضطرب نفسيّاً، إرهابيّ يخطف الأطفال؛ لذا، يجب إبادة العربيّ الذي يهدّد مستقبل إسرائيل. وهذا ما يصرّح به مسؤولون صهاينة وأدباء ومؤلّفون، كقصص "جيئولا كوهين" زعيمة حركة "هتحِيَّا" المتطرّفة، أو "أوين شريج" الذي كان عضواً في منظّمة "ليحي" الإرهابية في سلسلة من قصص الأطفال المعروفة باسم "عوز يعوز"(1).

 

1- القصة والحياة الجهادية للأنبياء والأئمّة عليهم السلام

عطفاً على ما تقدّم، ينبغي للمربّي الاستفادة من السيرة الجهادية للنبي وأئمّة أهل البيت عليهم السلام، وتقديمها للطفل في قالب قصصي تشويقيّ يتلاءم مع مرحلته العمرية وخصائصه النمائية، وإشراك الطفل في استنتاج العِبر والدروس التي يمكن أن تستفاد منها، مثل:

- قصة حصّار شُعب أبي طالب.

- قصص وعِبر من معارك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (أحد، بدر، الأحزاب، خيْبر، فتح مكّة...)، ومعارك أمير المؤمنين عليه السلام (الجمل، النهروان، صفين).

- تقديم القَصص القرآني بصورة تتناسب مع وعي الطفل وإدراكه، كقصة النبي داود (طالوت وجالوت)...(2).

 

2- ربط الطفل بنهضة الإمام الحسين عليه السلام

باعتماد الأساليب التالية:

- عرض أحداث كربلاء ويوم العاشر من المحرّم بأسلوب قَصصيّ.

- تشجيع الطفل على المشاركة في مجالس العزاء الحسينيّ للأطفال، ومجالس اللطم، والمسيرات العاشورائية...

- تعويد الطفل على حفظ شعارات حسينية، مثل: "هيهات منّا الذّلة"(3)، "لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ لكم إقرار العبيد"(4)، "موت في عزّ خيرٌ من حياة في ذلّ"(5)، "هل من ذابّ يذبُّ عن حَرَم رسول الله"(6).

- تعويد الطفل على حفظ بعض أبيات أو قصائد الشعر الحسينيّ، مثل القول الذي تمثّل به الإمام الحسين عليه السلام:

 

سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى

إذا ما نوى حقّاً وجاهد مسلماً(7)

 

الموت أَوْلى من ركوب العار و

العار أَوْلى من دخول النار(8)

 

ونذكّر بأن تفعيل هذه الأساليب يضع الأدباء والشعراء والمتخصّصين في أدب الأطفال أمام مسؤوليّات كبيرة في الاشتغال على كتابة قصص وأشعار جهادية تتناسب مع عمر الطفل ولغته وخياله.

 

* تدريب الطفل على القِيَم والملكات الجهادية

أيضاً علينا أن نغرس في نفوس أطفالنا بعض القيم والآداب التي تنمّي الروح الجهادية فيهم، مثل تنمية مَلَكة الحرية في شخصية الطفل، وعدم رضاه بالذلّ والإهانة، وتعويده على:

1- الدفاع عن نفسه وممتلكاته وأغراضه.

2- إعانة الضعيف، ونصرة المظلوم، والمبادرة إلى الدفاع عنهم.

3- اقتحام الصعوبات وعدم الخوف من المواجهة.

4- التفاعل الإيجابيّ مع التدابير الأمنية والإجراءات الوقائية كافّة، التي تقوم بها المقاومة والقوى الأمنية، وعدم الاستخفاف بها أو التأفّف منها.

 

* ربط الطفل بالمجاهدين والمقاومين

ينبغي للمربّي ربط الطفل عاطفيّاً ووجدانيّاً واجتماعيّاً بالمجاهدين والأسرى والجرحى، في ضوء الأساليب التالية:

1- أن يلاحظ الطفل في والديه حبّ المجاهدين وذكرهم بالخير والدعاء لهم والدفاع عنهم.

2- اصطحاب الطفل لزيارة المجاهدين أو الجرحى أو الأسرى في منازلهم، لتفقّد أحوالهم.

3- تعويد الطفل على احترام المجاهدين كالوقوف لهم عند دخولهم إلى مجلس معيّن.

4- تعويد الطفل على الجهاد بالقلب، من خلال التعاطف الوجدانيّ مع المجاهدين(9).

5- تعويد الطفل على الجهاد بالمال، كوضع المال في صناديق "هيئة دعم المقاومة الإسلامية".

6- تعويد الطفل على الجهاد باللسان، كالدعاء للمجاهدين بالنصر، وللجرحى بالشفاء، وللأسرى بالفرج، أو الدعاء على العدوّ بالهزيمة والذلّ.

 

* ربط الطفل بالشهداء

وذلك من خلال تعويد الطفل وتشجيعه على:

1- المشاركة في تشييع جنائز الشهداء.

2- زيارة قبور الشهداء وإهداء الفاتحة لهم.

3- المساهمة في كفالة أيتام الشهداء، والرأفة بهم والتحنّن عليهم.

 

* التاريخ والجغرافيا: تعرّف على عدوّك

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "على العاقل أن يكون بصيراً بزمانه"(10). وعن حفيده الإمام الصادق عليه السلام: "العالِم بزمانه لا تهجُم عليه اللّوابس"(11).

من الأساليب المهمّة في التربية الجهادية للطفل توظيف مادّتيّ التاريخ والجغرافيا لتعريف الطفل على تاريخ عدوّه، وأهدافه، وأطماعه في مختلف الساحات.

وكذلك تعريفه على تاريخ وجغرافيا المنطقة العربية والإسلامية وثرواتها وخيراتها ونقاط قوّتها واقتدارها، وتاريخ حركات المقاومة العربية والإسلامية.

 

* الأنشطة التربوية الجهادية وهواجس الأهل

نسمع كمربّين من بعض الآباء والأمّهات التصريح بالخشية والقلق من أن تؤثّر هذه الأنشطة المذكورة بشكل سلبيّ على بناء شخصيّة الطفل، فتعزّز نزعة العنف والعدوانية عنده، ونحن إذ نتفهّم هواجسهم، نلفت نظرهم إلى أنّه ينبغي ألّا يفرطوا في هذا الشعور، بنحو يؤدّي بهم إلى حرمان الطفل من المشاركة في تلك الأنشطة، وليتذكّروا قول أمير المؤمنين عليه السلام: "إذا هِبْتَ أمراً فَقَعْ فيه، فإنّ شدّة تَوَقِّيه أعظمُ ممّا تخاف منه"(12).

فالعدائية السلبية عند الطفل لا تتشكّل في شخصيّته من تعلّم مهارات الفنون القتالية أو المشاركة في مسرحية جهادية أو التدرّب على الرماية، بل هي نتاج جملة عناصر أسرية واجتماعية وأمنية واقتصادية. قد تكون هذه الأنشطة واحدة من المؤشّرات المساعدة في اكتشافها، من أجل ضبطها والتحكّم فيها.

نعم، على الأهل أنْ يحذروا، ويراقبوا سلوك الطفل، كي يتداركوا أيّ موقف عدوانيّ يمارسه باعتماد أساليب تخفّف من هذه النزعة، كالتربية بالحبّ والعناية العاطفية به، وكتجنّب الأهل أو المعلّمين أيّ تصرّف عدوانيّ أمامه، لأنّ تعنيف الطفل أو ممارسة العنف أمام عينيه تغذّي هذه النزعة في نفسه، وليست تلك الأنشطة التي تفعل ذلك، بل هي مصدر لتنفيس الطفل عن شُحنات الغضب والقلق التي قد يعيشها في داخله.

أخيراً، علينا كمربّين أن ندرك مَواطن القوّة في تراثنا وقيمنا، وأن نحسن تقديمها وغرسها في أبنائنا، وأهمّها أن نكون "حسينيين".

 

(*) أستاذ في جامعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم للدراسات الإسلامية، وباحثٌ تربوي.

1.عبد الوهاب، رجب، صورة العربي في أدب الأطفال الصهيوني، مقالة على الرابط التالي:

http://www.alukah.net/publications_competitions/0/5353/.

والصواف، محمد توفيق، صورة الآخر في الأدب الصهيوني، على الرابط التالي:

http://damascus.icro.ir/index.aspx?siteid=141&pageid=4838&p=1&showitem=23516

2.تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج6، ص170.

3.الاحتجاج، الطبرسي، ج2، ص24.

4.الإرشـاد في معرفة حجــج الله على العـبـــاد، المفيد، ج2، ص98.

5.مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج3، ص224.

6.الفتوح، أحمد بن أعثم الكوفي، ج5، ص101.

7.كامل الزيارات، ابن قولويه، ص194.

8.مناقب آل أبي طالـــب، (م.س)، اللهوف في قتلى الطفوف، ابن طاووس، ص70.

9.عن الإمام علي عليه السلام أنه قال: "جاهدوا في سبيل الله بأيديكم، فإن لم تقدروا فجاهدوا بألسنتكم. فإن لم تقدروا فجاهدوا بقلوبكم"، دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي، ج1، ص343.

10.الخصال، الصدوق، ص525.

11.الكافي، الكليني، ج1، ص26.

12.نهج البلاغة، باب مختار من حكم أمير المؤمنين، الحكمة: 175.