من كتاب العشق الإلهي لسماحة آية الله الشيخ جوادي الآملي

1ـ إنّ نظام الخليقة ينهض على قاعدة الحق ولا طريق إلى بطلانه{ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ}[1].

2ـ إن كل سنّة لا تتفق وميزان الحق محكوم عليها بالفناء كما لا يمكن لسنّة تواجه الحق أن تستمر بالمقاومة{ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ}[2].

3ـ إنّ سنّة الله التي لا تقبل الفناء ولا زوال هي انتصار ثورة الحق وهزيمة الباطل، وهذه السنّة هي من الأصول الشاملة والخالدة في نظام الخلق، ولا تتأثر هذه السنّة بالإنسان ولا الزمان كما أنها لا تقبل التغيير والتحول وهي ثابتة على مدار التاريخ.

{ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}[3] { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}[4].

4ـ الثورة لا تكون حقة إلا بعد أن تكون البنى التحتية عميقة الاعتقاد بالمعارف الإلهية، لا بالاقتصاد أو بالشؤون المادّية الأخرى، ففي هذه الحالة أي في حالة ارتباطها بالمادّيات تكون قد نهضت على أساس الهوى والرفاه المادّي لا على أساس القسط والعدالة وشريعة الله:

{ وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا}[5].

5ـ إن الثورة من أجل دولة الحق لا تساوم الباطل ولا تستسلم له.. بل أنها تقطع جذور الباطل ولا تدع لشجرته الخبيثة فرصة الثمر.

{ قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ}[6].

ومع ظهور الحق يتراجع وينتهي كل الباطل ولا يدع له فرصة يذر قرنه فيها.. وفي دولة الحق إذا رأينا فساداً قديماً أو ظهور فساد جديد.. فإن هذا يعني أن الحق لا يحكم في هذا المكان.. ذلك أن الحق لا يمكنه التعايش مع الباطل أو الانسجام معه.

كما أن الحق الذي لا يتجر ولا يكافح الباطل ولا ينطوي على قدرة المكافحة ليس بحق.. إنه في الحقيقة باطل يرتدي ثوب الحق.

6ـ ولأن قدر الحق هو الانتصار وقدر الباطل هو الزوال.. فإن مجتمعاً ما لا يُكتب له النصر حتى يعرف الحق الحقيقي ويعمل به سواء في عقيدته أو الإيمان العميق به، ومن ثم تجسّده في قوانين وأحكام إسلامية يُعمل بها ويتم تطبيقها في واقع الحياة.

فالأمة إذا ضعفت عقيدتها بمعارف الإسلام، أو عجزت عن تطبيقها في واقع حياتها لا يكتب لها النصر. ويكون شأنها شأن الأمة التي تعتقد بالأساطير والخرافات. وتلوثت بالشرور والمفاسد الأخلاقية.. إنها أمة محرومة من الظفر.

7ـ وكما أكد القرآن انتصار الحق وزوال الباطل، أشار إلى أسباب ذلك وبيّنها ففي الوقت الذي يقول:

{قُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}[7].

 

بين أيضاً الطريق في قوله تعالى:

{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}[8].

فالمجتمع الذي نهض من أجل الحق، يهاجم الباطل بكل ما أوتي من قوة لدفعه وإذا لم يفعل ذلك فإن الباطل سيواصل حياته الكاذبة.

ومن هنا فإن الاغترار بالنصر والغفلة عن مؤامرات الأعداء في الداخل والخارج يعرقل من مسار الثورة.

8ـ وعندما تكون العقيدة الحق متبلورة في القرآن الكريم وسنّة المعصومين وتكون منظومة المعارف والقوانين في انسجام وتناغم بعيداً عن التشتت والتبعثر وإنها متفوقة على كل شرائع الأمم الأخرى، وقد نهضت الأمة من أجل تحكيم هذه العقيدة فإن عليها أن تتحد حتى تنتصر على كل قوى التسلط والشر.

ولذا فإن الاتحاد من أهم أسباب النصر والمراد من الاتحاد ليس التجمعات والحضور في الساحات بل إنه يتعدى هذه المظاهر الصورية إلى اتحاد القلوب وارتباطها واتحاد الأرواح مع بعضها البعض.. لأن الأصل في المجتمع هو الروح.. وقد قال الإمام الصادق عليه السلام:

(أصل المرء لبّه)[9].

9ـ لا يتمثل الاتحاد والانسجام بين الأرواح بأسباب اقتصادية وغيرها من الأسباب المادّية ذلك أن القلب أمر غير مادي وهو ليس رهناً للمادة ولا يمكن تألّفه بالوسائل المادية.. وقد صرّح القرآن أن ألفه القلوب بيد الله سبحانه خالق القلوب ومقلّبها، ولا يمكن أن تحدث تلك الأصرة الكبرى إلاّ بقدرته عزّ وجل ولذا خاطب رسول الله صلى الله عليه وآله قائلاً:

{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[10].

كما يجب الالتفات إلى أن المسائل المادية.. فالوسائل المادية عاجزة تماماً في أن تبعث السلام والسكينة والانسجام في القلوب بل العكس تكون باعثاً على التشتت والتنافر واللامساواة.

ومن هنا فإن الاتحاد في مجتمع ما لا يمكن حصوله إلا بعد إيمان ذلك المجتمع بعقيدة ما والعمل بها.

10 ـ الانسجام والتناغم في مجتمع ما لا يتبلور إلا بوجود أمة وإمام، لأنه لا يوجد انسجام بلا طريق ولا درب ولا هدف.. فالهدف والغاية هي التي تعدّ الأرضية المناسبة للحركة بذلك الاتجاه.

وعلى هذا فإن الهدف مسألة ضرورية، ولا هدف بلا طريق.. لأنه لا يمكن تحقيق الهدف وبلوغه إلا بوجود الطريق.

و(الإمام) هو الطريق الكبرى، حيث تعاليمه هي المعالم في الطريق وبه يتضح الدرب وتتألق الغاية.

والإمام سيكون ضرورة لا بسبب دوره الأساس في طيّ الطريق بل في تحديد وجهة الطريق والاتجاه إلى الهدف، وسيكون الانحراف عن خطه السياسي سبباً في الضلال والانحراف والضياع.

11ـ إن الثورة الإسلامية المجيدة التي تعدّ انعطافاً في التاريخ والأمة الإسلامية الإيرانية وبسبب إيمانها بالمعارف الإسلامية وإتباعها قيادة وإرشاد نائب الإمام الزعيم الأكبر آية الله العظمى الإمام الخميني (قدس سره) انتصرت على الجاهلية الشاهنشاهية وقذفت بها في مزبلة التاريخ.

(فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين).

ولذا فإن أية غفلة وتغافل عن البنى التحتية للثورة والابتعاد عن إرشادات الإمام وتعاليمه سوف يهيئ ظروفاً مناسبة لانهيار روح العدالة.

{إِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا}[11]، وقوله عز وجل: {إِن تَعُودُواْ نَعُدْ}[12].

إنّ انحسار دور التعاليم وتأثيرها في الأمة يعني غفلتها عن أسباب النصر وبالتالي خسرانها هذا المكسب العظيم.

وهذه الظاهرة من السنن الإلهية التي لا تقبل التغيير أبداً.

 

 

[1] الحجر، الآية: 85.

[2] آل عمران، الآية: 137.

[3] فاطر، الآية: 43.

[4] فاطر، الآية: 43.

[5] التوبة، الآية: 4.

[6] سبأ، الآية: 49.

[7] الإسراء، الآية: 81.

[8] الأنبياء، الآية: 18.

[9] بحار الأنوار: 1/82 ح2 ـ أمالي الشيخ الصدوق مجلس 2، ح9.

[10] الأنفال، الآية: 63.

[11] الإسراء، الآية: 8.

[12] الأنفال، الآية: 19.