المكان: حرم الله الآمن. البلد الحرام مكة.

الزمان: الساعة السادسة وأربعين دقيقة من بعد ظهر يوم الجمعة 5 ذي الحجة الحرام عام 1407هـ.

المخططون: دوائر البيت الأسود في واشنطن، وأجهزة الشين بيت في القدس المحتلة، بالاشتراك مع دوائر استخبارات الاستكبار العالمي الكافر.

المنفذون: جبابرة قصور العهر والخيانة والفجور في السعودية.

المباشرون: عصابات القتلة الأراذل من الوهابيين في الشرطة السعودية.

آلة القتل: البنادق الرشاشة، قنابل الغازات الخانقة. خراطيم المياه الساخنة، السكاكين، قضبان الحديد، العصي المجهزة بالمسامير وقطع الحديد الصغيرة، كتل الاسمنت، والزجاجات الفارغة.

المقصودون بالذبح: ذرية إبراهيم خليل الله من حجّاج بيت الله الحرام!!؟

توطئة وتمهيد:

لقد كان النظام السعودي المجرم، لا يخفي انزعاجه باستمرار، وفي كل عام، قبل موسم الحج وأثناءه، من هذه المظاهر الجديدة الواعية، التي طبعت مسلكية الحجيج، وأخرجت عبادة الحج، بعد أن بقيت محنّطة قروناً متطاولة، إلى واقع حياة الأمة نابضة حية متحركة.

ولا غرابة في أن ينزعجوا ويتململوا، شأنهم في ذلك، شأن أي إنسان حاقد مريض مهزوز، قد يدفعه حقده ومرضه واهتزاز الرؤية عنده، إلى أن يهب كالمسعور ليحطم ذلك الوتر، الذي عزف لحناً يتنافى مع ما ألفته أذناه من لحن، يستجيش فيه دائماً رائحة الطين وغرائز الحيوان، وليطفئ ذلك النور، الذي أضاء ما حوله، فكشف له عن مستنقعات آسنةٍ يعيش فيها حشرةً تغتذي العفن، ولا تألف إلا الظلام!!!

ولقد كان هذا النظام الفاسد المهترئ، يتذرع بمختلف الذرائع، للتصدي لمثل هذه المظاهر المباركة، وفي مواجهة ذرائعه تلك، ما كان يزعمه من أن ذلك ـ وخاصة مسيرات الوحدة والبراءة من المشركين وأذنابهم ـ يهدد أمن حجاج بيت الله!؟

علماً، بأن هذه المسيرات ـ كما كان جلياً واضحاً لكل ذي لبٍّ أو ألقى السمع وهو شهيد ـ كانت تتسم بدرجة عالية جداً من الانضباط والتنظيم، بشكل يجعلها في مصاف المظاهر الحضارية الراقية، نتيجة مناقبية رسالية يتمتع بها الحجاج أنفسهم، وسهر المشرفين عليها والمخططين لها، وهم من العلماء الربانيين، يساعدهم في ذلك خبراء في هندسة وإخراج هذه المسيرات وهم من الحجاج أنفسهم.

كل ذلك، جعل السلطات السعودية تتراجع عن مزاعمها وحُجَجِها الواهية تلك.

بل صار من الواضح جداً، ـ نتيجة ما كان يحصل في كل سنة ـ إن هذه المسيرات، لا يهدد أمنها إلا شيء واحد، هو تدخّل السلطات السعودية، من خلال زبانيتها، وذراعها العادية ـ البوليس السعودي ـ في شؤون هذه المسيرات، ومحاولتها بحجة حفظ الأمن كمّ الأفواه، مع ما يرافق ذلك من هتك لحرمات ضيوف الرحمن واعتداء عليهم بالشتم والضرب.

وأكبر دليل على ما ذكرناه، هو مسيرة الوحدة، التي جرت عصر يوم 25 ذي القعدة من عام 1407هجرية، حيث كانت ـ على ضخامتها من جرّاء مشاركة مئات الألوف من الحجاج ومن جميع الجنسيات والألوان فيها ـ في منتهى الروعة والانضباط والتنظيم.

وما السر في ذلك، إلا عدم تواجد أي شرطي سعودي في الطريق التي سلكتها المسيرة نحو نقطة الإنتهاء المقررة لها، حيث تفرّقت بسلام وانتظام كما بدأت...

 

مع مسيرة البراءة في مكة:

أعلن في أوائل ذي الحجة من عام 1407 هجرية، ـ كما هي العادة كل عام ـ عن خروج مسيرة البراءة من المشركين، في مكة المكرمة.

ووُجِّهت الدعوة للاشتراك فيها ممن يرغب من حجاج بيت الله الحرام.

كما وُجِّهت الدعوة ـ كما جرت العادة ـ إلى المسؤولين السعوديين، وإلى أمير مكة المكرمة بالذات.

 

وزير الأوقاف ومندوب الإمام:

وفي الرابع من ذي الحجة، طلب وزير الحج والأوقاف السعودي، الإلتقاء بفضيلة الشيخ مهدي كرّوبي مندوب الإمام ورئيس بعثة الحج الإيرانية، وجرى اللقاء في موعده، حيث أعرب الوزير السعودي، عن رغبة الملك في الكف عن خروج المسيرات، لأن الملك ـ على حد قول الوزير ـ يواجه ضغوطاً من قبل أخوته، والمسؤولين تدعوه إلى المنع عن خروج مثل هذه المسيرات.

 

ولم يكن هذا الكلام الذي استمع إليه مندوب الإمام بجديد، فلطالما نقل الوزير السعودي سابقاً، معارضة حكومته، ورفضها لهذه المظاهر الإيمانية الواعية، كما سبق وأشرنا إليه، متذرعة بحجج واهية.

وقد أجاب مندوب الإمام عن هذه الحجج وفنّدها واحدة واحدة، فلم يحر المسؤول السعودي أمام المنطق السليم الواضح والصادق جواباً، فغادر مقر مندوب الإمام، متمنياً أن يستمر التعاون بين المسؤولين في بعثة الحج الإيرانية، وبين المسؤولين السعوديين، لتلافي وقوع ما لا تحمد عقباه.

واتُّفِقَ على أن يأتي وكيل وزارة الحج والأوقاف السعودي في اليوم التالي، ليضع بالمشاركة مع المسؤولين المختصين في بعثة الحج الإيرانية اللمسات الأخيرة التي تحدد بداية المسيرة واتجاه خط سيرها ونقطة انتهائها.

وفعلاً، حضر وكيل وزارة الحج السعودية الى مقر البعثة الإيرانية في الموعد المقرر، يوم الخامس من ذي الحجة، وهو السيد حسام خاشقجي، واجتمع بالمسؤولين، وتم الاتفاق بينه وبين المسؤولين، على أن تكون نقطة انتهاء المسيرة ـ كالعام الماضي ـ على مقربة من شارع عبد الله بن الزبير، حيث تنفض المسيرة، وتنقطع الهتافات، وتجمع اللافتات، ويتجه المشاركون فيها من حجاج بيت الله بشكل اعتيادي، نحو المسجد الحرام، للإلتحاق بصفوف المصلّين.

 

تجمّعٌ فَتَوجيهٌ فانِطلاق:

وبعد تأدية صلاة العصر من يوم الجمعة الواقع فيه الخامس من ذي الحجة، بدأت الجموع المؤمنة المشاركة، تتقاطر من كل ناحية من أنحاء البلد الحرام على مكان انطلاق المسيرة في منطقة العبابدة، أمام مقر مندوب الإمام.

وبعد أن تجاوز عدد المتقاطرين مئات الألوف، بحيث غصّت بهم المنطقة المذكورة والشوارع المحيطة على اتساعها، بل والمناطق المجاورة، أعلن عن بدء برنامج المسيرة بتلاوة مباركة لآيات من القرآن الكريم، وكان ذلك في تمام الساعة الرابعة والنصف.

بعدها، تليت فقرات من ترجمة نداء الإمام الخميني الموجه إلى حجاج بيت الله.

ثم ألقى مندوب الإمام في الحج، فضيلة الشيخ مهدي كروبي كلمة تحدّث فيها عن أمهات مشاكل العالم الإسلامي وقضاياه، وبين حاجة المسلمين إلى الوحدة، والتي تعتبر مشاركتهم في مسيرة البراءة من المشركين هذه مظهراً عملياً حياً من مظاهرها.

بعد ذلك، وفي تمام الساعة السادسة وعشر دقائق، بدأ تحرك المسيرة في خط سيرها المقرر من قَبْل، متجهة إلى شارع المسجد الحرام.

الخارطة البشرية للمسيرة:

كانت تتحرك المسيرة بتناسق رائع بين أجزائها الثلاثة التي وُزِّعت عليها: المقدمة، والقلب والجناحين.

ففي المقدمة، كانت تتحرك ثلاثة صفوف متشابكة الأكف من المسؤولين عن تنظيم المسيرة، والمشرفين على تحركها وسلامة انضباطها.

ووراء هؤلاء الأخوة، كان يسير عشرات الألوف من الرجال من حجاج بيت الله، مشكّلين قلب المسيرة.

وفي الجناح الأيمن، عشرات الألوف من النساء المؤمنات الحاجّات إلى بيت الله، يتقدّمهن طابور من العجلات يستقلها معوّقوا الحرب الظالمة التي فرضها الكفر على الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وأما الجناح الأيسر، فكان يتشكّل من عشرات الألوف من الرجال أيضاً من حجاج بيت الله الحرام.

 

شعارات المسيرة:

لقد كانت كل الشعارات المرفوعة في مسيرة البراءة ـ كما كان عليه الحال في مسيرة الوحدة من قبْلُ في المدينة ـ من المشاركين فيها، ترتبط بالأهداف والمنطلقات الأساسية للقيام بمثل هذه المظاهر المباركة في موسم الحج.

تلك الأهداف والمنطلقات، التي تتمحور حول ضرورة تجذير صحوة الأمة الإسلامية، وجعلها حالة من الحالات الشعورية التي تكون معها واعية لموقعها، ومدركة لدورها المرسوم لها على الأرض من لَدُنْ رب الأرض والسماء.

موقعها كأمة وسط شاهدة على الأمم.

ودورها في حمل الإسلام مخلصاً للبشرية مما تتخبط فيه من ظلام، ومحطماً لما ترسف فيه من قيود الذل والتبعية للإستكبار العالمي الكافر.

ولذا جاءت شعارات مسيرتي الوحدة والبراءة، منسجمةً مع كل هذه العناوين، وكان من أبرز هذه الشعارات:

ـ الله أكبر.

ـ لا إله إلا الله.

ـ اللهم صلِّ على محمد وآل محمد.

ـ يا أيها المسلمون: اتحدوا، اتحدوا.

ـ وحدة وحدة إسلامية.

ـ الموت لأمريكا، الموت لروسيا، الموت لإسرائيل.

ـ تبّت يد المشركين من بلاد المسلمين.

ـ يا أيها المؤمنون اتحدوا، واقطعوا أيدي الاستعمار الأمريكية والصهيونية.

ـ إسرائيل عدوة المسلمين.

ـ لقد آن وقت النهوض يا مسلمين.

هذا، إضافة إلى حمل الحجيج لمجسّم لبيت المقدس، مع ما يرمز إليه من استغاثة صامتة فحواها: يا للمسلمين!!؟.

 

مناقبية وتسامٍ:

ومع أن النظام الكافر الحاكم في العراق، يمثل الذراع الممتدة من قبل جبهة الكفر العالمي، لضرب الثورة الإسلامية، وقد شن حرباً ظالمة على الجمهورية الإسلامية منذ الأيام الأولى لانتصارها وقيامها، واحتل الأرض، وعاث فيها فساداً، فقتل الآمنين والأبرياء، وأهلك الحرث والنسل.

مع أن هذا النظام المجرم، لم يتورع عن ارتكاب جرائمه تلك بأمر من الشياطين أسياده، للقضاء على هذه الدولة الإلهية المباركة في المهد.

مع كل ذلك، فإن شعارات المسيرة لم تتضمن شيئاً من ذكر نظام صدام، ولا ذكر جرائم هذا القاتل السفّاح.

التعتيم الإعلامي، ولكن:

والملفت للنظر حقاً، أن هذه المسيرات، على روعتها وعظمتها،بما تستبطنه من معانٍ لها مدلولاتها الكبيرة في حياة الأمة الإسلامية، باعتبارها نقطة تحوّل في مسيرتها التكاملية هذا العصر، ومظهراً من مظاهر القوة المادية والمعنوية الناجعة في ردع العدوان عنها ـ لو عمل على احتضانها وتصعيدها ـ ولجم المتربصين بها، نظراً لتعدد الجنسيات المشاركة فيها، والمتعاطفة معها من شعوب الأرض مشارقها ومغاربها.

مع ذلك، فإنها كانت تحاط بستار كثيف من التعتيم الإعلامي المتعمد والمقصود من قبل السلطات السعودية، والبعثات الإعلامية العربية والإسلامية والعالمية على حد سواء، بحيث لا يسمع بها داخل الستار الحديدي السعودي ـ فضلاً عمن كان خارج جدار هذا الستار، ولا يعرف عنها شيئاً، أحد من المسلمين وغيرهم، اللهم إلا الذين شاهدوها عن كَثَب، أو شاركوا فعلاً فيها...؟!

ولن نحتاج إلى كثير تأمل وتفكير، حتى ندرك السبب في كل ذلك:

إنه الإستكبار العالمي، وجلف الشيطان.

ذلك إنه بات من الواضح، أن هذه المظاهر الخيّرة، التي سَنّتْ سُنّتها المباركة الحسنة الثورة الإسلامية الإيرانية، فتلقّفها المسلمون بشغف وحماس على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم ومذاهبهم، بعد أن لسموا فيها الصدق والمصداقية، والإخلاص والحقّانية.

ـ إن هذه المظاهر ـ كانت أكبر تحدٍّ لطواغيت الأرض ورموز ذلك الإستكبار الكافر، الذين تعودوا على أن يجدوا أمامهم مسلمين مهزومين روحياً، انبطاحيين مستسلمين.

ولذا أرعبهم ما رأوا، فأغمضوا عيونهم، وصكوا أسماعهم، ودفنوا رؤوسهم في الرمال فعل الجبناء، عيناً كما تفعل الظليم عندما ترى خطراً داهماً محدقاً بها، ظناً منها أنها بمثل هذا العمل تنجو منه.

فرأوا أن إسدال ستار كثيف من التعتيم الإعلامي على مثل هذه المسيرات سوف يساهم في حصر خطرها، أو إعفاء أثرها، فلا تعود لها صفة استيعاب ولا طابع شمول بالنسبة للأمة، ثم تتلاشى وتذهب بها الأيام.

ولكن خاب ظن هؤلاء المستكبرين وأذنابهم، في جميع ما أمّلوه من وراء هذا التعتيم.

أما على صعيد الأثر والنتيجة، فقد أدت هذه المظاهر المباركة، دوراً عظيماً في بث روح الوعي، وتصعيدها في الأمة، وأكبر دليل على ذلك، هو استقطابنا أعداداً هائلة تغطي بشرائحها البشرية كل قطاعات الأمة وأجناسها وشعوبها، ـ عدا شريحة الطواغيت وأذنابهم ـ، ولذا كان المراقبون يلمسون لمس اليد كيف أن هذه المسيرات كانت تتضخم وتتمدد عاماً بعد عام، لتشمل أعداداً كبيرة جديدة.

وأما على صعيد الإعلام والأخبار، فيكفي هذه المسيرات إعلاماً وبياناً، أن يعود كل حاج بعد انتهاء موسم الحج إلى بلده، لينقل صورة عنها وليروي مشاهداته وانطباعاته حولها، وبهذا سوف تغطي أخبارها العالم بقارّاته الخمس، وتدخل البيوت من أبوابها الواسعة، دون أن يحول بين الناس وبين الاستماع إلهيا تشويشات إذاعية، أو ستارات حديدية، أو حواجز مادية....؟!!

 

مكرٌ وغَدْر:

المكر، هو الخديعة والإحتيال:

والمكر، نظير الغدر، إلا أن الغدر مأخوذ فيه ترك الوفاء بعهد قائم فعلاً، والمكر قد يكون ابتداءً من دون سبق عهد عليه.

وقد اجتمع كل من الغدر والمكر في الوهابيين الأراذل من آل سعود، في القديم، كما في الحديث.

أما في القديم، فيكفي أن نذكر ما فعلوه عام ألف ومائتين وواحد وأربعين هجرية (1241) مع قافلة الحجاج اليمنيين القاصدين بيت الله الحرام وهم عزّل من أي سلاح، حيث أعطاهم الوهابيون الأمان، وسايروهم في شطر من الطريق، ثم انعطفوا عليهم فقتلوهم عن بكرة أبيهم، وكان عددهم يناهز الألف!!

وأما في الحديث، فمجزرة مكة عام ألف وأربعمائة وسبعة للهجرة (1407)، أكبر شاهد على ما نقول:

أما المكر، بمعنى الخديعة والاحتيال، فيبدو جلياً من تصرّف عصابة آل سعود بالنسبة لمسيرة الوحدة في المدينة، عندما سحبت من الشوارع جميع قواتها من الشرطة، بحيث لم يتواجد أي شرطي في طريق تحرك المسيرة، منذ ابتدائها وحتى انتهائها.

ثم انكشف فيما بعد، أنها حيلة لاستغفال الحجاج المشاركين في مسيرة البراءة بمكة واستدراج المسؤولين عن تنظيمها، فيتوهمون أن لا وجود لرجال الشرطة في طريقها، كما كان عليه الحال في المدينة، فيسلكون طريقاً معروفاً تسهل محاصرته ثم ضرب المسيرة فيه.

وكذا يبدو المكر جلياً، فيما فعلته عصابة آل سعود، عندما أرسلت وكيل وزارة الحج والأوقاف السيد حسام خاشقجي في الموعد المقرر ـ كما ذكر سابقاً ـ يوم الخميس، الخامس من ذي الحجة، واتفق بكل وضوح مع المسؤولين في بعثة الحج الإيرانية على كل التفاصيل المتعلقة بالمسيرة، بما في ذلك نقطة ابتدائها وانتهائها وخط سيرها، بل على كيفية الانتهاء، بما في ذلك توجيه المشاركين فيها للالتحاق بصفوف المصلين في المسجد الحرام.

وأما الخيانة والغدر، فهو عملية القتل الجَماعي المتعمد لضيوف الرحمن، التي قام بها المجرمون من جلادي عصابة القتلة من آل سعود الوهابيين.

قصة المجزرة وحيثيات تنفيذها:

ها هي مسيرة البراءة، بأمواجها البشرية الطاهرة، قد وصلت الى نقطة انتهائها المقررة لها من قَبْل بالاتفاق مع السلطات السعودية الغادرة، وكانت الساعة تشير إلى تمام السادسة وأربعين دقيقة، وعندها انقطعت مكبرات الصوت عن ترديد الشعارات، وبدأ المشاركون بإشراف المسؤولين عن تنظيم المسيرة بجمع اللافتات.

وفجأة، وبلا مقدمات، وبلا أدنى مبرر، تقدمت صفوف من البوليس السعودي، الذي كان يقف عند نقطة انتهاء المسيرة، وابتدأوا بشتم الحجاج المشاركين المتواجدين في مقدمة المسيرة، وضربهم بالأيدي ودفعهم بقوة.

وهنا، علا التصفيق والصفير وصيحات التشجيع من عشرات رجال الأمن السعودي بلباسهم المدني، حيث كانوا مسلحين بالهراوات والعصي المزودة رؤوسها بالمسامير وقطع الحديد الحادة، والذين كانوا ينتظمون في صفوف متراصة خلف قوات الشرطة باللباس العسكري.

وعندها، ابتدأت أولى خطوات تنفيذ الجريمة المؤامرة!؟

فقد شن البوليس وقوات الأمن معاً، هجوماً شرساً على الجناح الأيسر للمسيرة، وراحوا ينهالون بعصيهم وهراواتهم ضرباً بلا هوادة على حجاج بيت الله الحرام، العزَّل من أي سلاح مادّي، يرافق ذلك شتم مقذع، وسب بذيء لهم، وكانت النتيجة لهذا الهجوم، أن استشهد بعض الحجّاج وسقط مضرّجاً بدمه، وجرح عدد آخر منهم.

والذي زاد في حجم الجريمة ولؤمها، فزاد بالتالي من عدد الضحايا البريئة بين الحجاج العزّل، قيام أفراد قوى الأمن السعودي، من مبنى متعدد الطبقات معد كموقف للسيارات، ويقع على الجناح الأيسر للمسيرة أيضاً، بإلقاء كتل الاسمنت، والحجارة، والسطول المليئة بالرمل، وقناني إطفاء الحريق، والمكيفات المعطلة، على رؤوس الحجاج من الطوابق العليا لهذا المبنى، وقد كان لهذا العمل الشنيع، والمبيَّت من قبل دلالة كبيرة على أن الجريمة كانت من حيث التخطيط والتنفيذ، قد أعِدّت لها العدّة مما تحتاجه من أدوات القتل وأسبابه، في الأماكن المختارة، بشكل تؤدي معه إلى إزهاق أكبر عدد من الأرواح!!؟

الهجوم على الجناح الأيمن:

 

على إثر هذا الهجوم الوحشي على الجناح الأيسر للمسيرة، تراجع الحجاج إلى الخلف، وإلى الجناح الأيمن، فأدى ذلك إلى اشتداد الضغط والازدحام، مما أدى إلى سقوط عدد آخر من الشهداء، وخاصة بين النساء والمعوّقين والشيوخ الضعفاء، وجرح عدد كبير من المشاركين.

في وسط هذا الاختناق والضغط، قامت أرتال من قتلة النظام السعودي الحاقد من قوى الأمن بشن هجوم صاعق على الجانب الأيمن من المسيرة، حيث كان مخصصاً للنساء والمعوقين، مستعملين في هذا الهجوم العصي والهراوات المزودة بقطع حديدية ومسامير، وقد أسفر هذا الهجوم الجبان عن سقوط عدد آخر من الشهداء من النساء والمعوقين، مستعملين في هذا الهجوم العصي والهراوات المزودة بقطع حديدية ومسامير، وقد أسفر هذا الهجوم الجبان عن سقوط عدد آخر من الشهداء من النساء والمعوقين، وجُرح عدد كبير منهم.

ولعل الخيبة هذه، وفشل أسلوب التعتيم الإعلامي، قد أثارا حفيظة الاستكبار الكافر وأذنابه من زمر القتلة وشذّاذ الآفاق، ألبّهم أكثر فأكثر على هذه الصحوة الإسلامية المباركة، فأخذتهم العزّة بالإثم.

ثم فكّروا وقدّروا، ثم خططوا ودبّروا.

ثم غدروا فكفروا، فعقروا...

فكانت المجزرة؟!!

الهجوم من الجناحين:

وفي نفس اللحظة، شنَّت قوات آل سعود، هجوماً صاعقاً هذه المرة، من الجناحين الأيمن والأيسر للمسيرة، ولكن باستعمال البنادق الرشاشة، التي أخذت تحصد الحجيج حصداً وخاصة زخات الرصاص التي كانت تنهمر على الحجيج من تحت جسر الحجون ومن الأبنية المحيطة بالساحة، وأخذت عشرات الأجساد تتهاوى صرعى على الأرض، ومئات الأشخاص سقطوا جرحى. وقد تزامن إطلاق الرصاص مع إلقاء قنابل الغازات الخانقة على جموع الحجّاج، مما أدى إلى اختناق عدد كبير منهم.

وقد أدت تلك الحالة من المحاصرة والاختناق، إلى محاولة عدد من الحجاج الانفلات من الطوق المحكم حول المسيرة، الى الفرار نحو التلال المحيطة من الجانبين، ونحو جسر الحجون، ونحو الخلف، فكانت النتيجة أن فوجئ هؤلاء وفي جميع الأماكن التي حاولوا الفرار إليها من جلاديهم، بجلادين احتياطيين حُشِدوا مسبقاً استكمالاً لخطة القتل الجماعي بانتظارهم، مع كل ما يحتاجون إليه من وسائل الفتك والتنكيل، ناهيك عن ألسنةٍ حِدادٍ لها مراس في السبّ والشتم والبذاء وفحش القول.