... أعتقد أن المحور الرئيسي لمؤتمركم يجب أولاً أن يكون الشخصية الفكرية والهوية التنويرية للمرحوم مطهري ودوره في التيار الفكري والتنويري الإسلامي في البلاد، وهذا على جانب كبير من الأهمية. ثانياً يجب السعي لمواصلة هذا التيار وعدم انقطاعه لأننا نحتاج لمطهري دوماً. لا يمكن التوقف عند شخص الشهيد مطهري. ينبغي لمجتمعنا ومنظومتنا الفكرية الإسلامية أن تحقق إبداعات جديدة على أساس إبداعاته وتجديده الفكري. نحتاج أن يكون لنا أمثال مطهري في عقدي الثمانينات والتسعينات(1)؛ لأن الاحتياجات الفكرية تتجدد دوماً. حول الهوية الفكرية والتنويرية للشهيد مطهري ودور هذا الرجل الكبير في زمانه، لم يظهر لحد الآن تعريف جامع على ما أرى. أنجزت طبعاً بعض الأعمال الجيدة ترتبط بكتاباته، ولكن يجب معرفة ما قام به المرحوم الشهيد مطهري في عقدي الأربعينات والخمسينات(2) في البيئة الفكرية الإيرانية. لقد خاض بقوته الفكرية وآرائه المتينة الصائبة في ميادين لم يكن قد خاض فيها أحد على صعيد القضايا الإسلامية حتى ذلك الحين. ودخل في تحديات علمية عميقة وواسعة ومفتوحة مع الأفكار التي شاعت أو كادت تشيع في البلاد يومذاك؛ الأفكار المستوردة المترجمة عن الغرب والشرق. خاض جهاداً على درجة عالية من الفطنة والذكاء في جبهة مواجهة الماركسية، وكذلك في جبهة مواجهة الأفكار الغربية والليبرالية. هذا دور مهم جداً يحتاج إلى جرأة وثقة بالنفس، وكذلك إلى قدرات فكرية واجتهادية في الميادين المختلفة، وإلى يقين وإيمان قاطع في الوقت نفسه؛ وقد توفرت كل هذه العناصر سوية في ذلك الرجل الكبير؛ فقد كان عالماً، ومؤمناً شديد الإيمان، وشخصاً متيقناً من إيمانه، وكانت له ثقته بنفسه؛ هذه عناصر ضرورية... أعتقد اعتقاداً راسخاً وقد قلت هذا مراراً أن التيار الفكري الإسلامي للثورة ونظامنا الإسلامي يعتمد على أفكار الشهيد مطهري. أي إن أفكاره مثلت الأسس والأرصدة الإسلامية التي انتهلنا منها في أفكارنا الإسلامية وأفضت إلى النظام الإسلامي...

... النقطة الثانية التي يجدر التفكير فيها هي استمرار هذا التيار. لا يمكننا التوقف عند حدود الشهيد مطهري. صحيح أن كتبه لا تزال حتى بعد خمسة وعشرين عاماً من استشهاده من أوسع الكتب مبيعاً وأكثرها جاذبية وإقبالاً لدى الجيل الباحث عن الأفكار الإسلامية الرصينة المنطقية، وليس لدينا الآن في الحقيقة بديلاً وكفوءاً لمجموعة كتب الشهيد مطهري (رضوان الله تعالى عليه) ومع أن أعمالاً جيدة قد أنجزت، ولكن لا شك أن كتاباته لا تزال في أرقى المستويات من حيث الأهمية والتأثير والجاذبية والإتقان. لكن تيار الخوض في ساحة تحدي الأفكار الوافدة ونقدها العلمي والتعامل الصحيح معها وتفكيك الصحيح والسقيم منها وعرض الفكر الإسلامي فيما يتعلق بها، يجب أن يستمر طبعاً، وهذا من الواجبات المهمة التي تواجهنا. وكما ذكرت فإننا بحاجة إلى نظراء لمطهري في العقود القادمة. بعد الثورة الإسلامية وتأسيس النظام الإسلامي واجه الفكر الإسلامي تحديات جادة، وبعد هذا أيضاً سينحتون له تحديات جديدة في كل يوم. لن يقلعوا عن هذا طبعاً. علينا أن نكون على أهبة الاستعداد ونحن قادرون على ذلك. الرصيد الثر واللامتناهي الذي نمتلكه اليوم من الثقافة الإسلامية يزودنا في هذا السجال بإمكانيات كبيرة جداً إن كنا ممن ينتفع منها. الحق أن لدينا ترسانة فكرية وثقافية هائلة إنْ استطعنا استخدامها بصورة صحيحة. ثمة اليوم لحسن الحظ فضلاء، وعلماء، وأفراد صالحون، لديهم قدرة علمية جيدة من حيث سعة آفاقهم النظرية وقوة أفكارهم، وعليهم النـزول إلى هذه الميادين وتنمية المساهمة فيها. إن حاجتنا اليوم أكبر بكثير من الفترة التي نشط فيها المرحوم الشهيد مطهري أي عقدي الأربعينات والخمسينات. كانت حاجتنا في ذلك الحين من نوع معين، وهي اليوم أوسع وأعمق بكثير، ومن الضروري مواصلة هذا الطريق.

وجّهوا مؤتمر تكريم ذكرى الشهيد مطهري نحو تشجيع البعض للخوض في هذه المضامير والاستعداد لمواجهة الأمواج الدعائية الجديدة الوافدة في كافة الصعد؛ في صعيد الفلسفة، والكلام، وقضايا البلاد المختلفة ذات الصلة بالمباحث الإسلامية...

... على العلماء والفضلاء والشباب - خصوصاً طلبتنا الشباب - أن يكونوا قد قرأوا دورة كاملة من كتب الشهيد مطهري، حتى تكون أعمالهم إذا أرادوا العمل من قبيل »من بنى فوق بناء السلف«، أي يرتكزوا على أساس ذلك الفكر وعلى عواتق الشهيد مطهري ليفتحوا قمماً أعلى إن شاء الله ويرفعوا راية الفكر الإسلامي هناك.

من كلمة في لقاء أعضاء مؤتمر الحكمة المطهرة 18/12/1382 (17/3/2004م):

 

... أما النقطة التي أود ذكرها - وقد ذكرتها سابقاً - فهي أن الأفضل في هذه الذكريات السنوية التشديد على القضايا الفكرية أكثر. لو صنفنا آثار الشيخ مطهري إلى قسمين أو ثلاثة، فإن بعضها كـ »العدل الإلهي« سيكون فلسفياً محضاً. والبعض منها يعرض المعارف الإسلامية، بمعنى أنه اختار قضايا ومعارف معينة من الإسلام وناقشها بفكره التحليلي العميق. وربما أتيح القول إن معظم أعماله من هذا القبيل. والبعض من أعماله تخصصية علمية محضة، كالعلوم الإسلامية وما شاكل من كتب وجدت طريقها للنشر. لديه في كل واحد من هذه الفروع الثلاثة - لا سيما الفرع الثاني - الكثير من الأفكار. لو عمدنا في كل سنة من السنوات القادمة بمناسبة 12 أرديبهشت ذكرى استشهاد الشيخ مطهري إلى مناقشة إحدى أفكاره وأعماله بشكل نقدي، فيتم نقدها بنحو حقيقي وتذكر أدلتها ووجوهها، وتعرض جميع النقاط الدقيقة التي رمى إليها، وإذا استطاع شخص تكميلها بآرائه فيذكر هذه الآراء حتى يدافع بها عن نفسه إذا أشكل عليه، وباختصار إذا قامت حركة علمية نقدية لأعماله تفضي إلى تمتين نظرياته أكثر فأكثر فإن مثل هذه الحركة ستمثل مقطعاً من مقاطع العمل العلمي. طبعاً، كان لي في السنوات الماضية أيضاً اقتراحات بخصوص العمل العلمي المتصل بآثاره، وربما حظيت بعض تلك الاقتراحات بالاهتمام وتحققت. لكن ما أقوله حالياً هو أن نأتي بأفكاره إلى الساحة. كتب كتاباً بعنوان »الإسلام ومتطلبات العصر« حول قضية على جانب كبير من الأهمية. لقد كانت هذه المجموعة المستلّة من ثلاثين محاضرة موجودة عندي لفترة من الزمن. أي إنه أعطاني تلك المحاضرات لأنظمها وأعدها ولم تتهيأ الفرصة لذلك فأعدتها إليه. ثم بادر هو أو شخص آخر لإعداد تلك المحاضرات. طبعاً لو حرر الشيخ مطهري نفسه تلك المحاضرات ولم يشرك أحداً في مراحل الكتابة والإعداد لخرج العمل بشكل مختلف ربما، أي لكان أفضل مما هو عليه الآن. مع إننا لو نظرنا لهذا الكتاب الآن أيضاً لوجدنا فيه لباب آرائه. بمعنى أن الموضوعات والقضايا التي تنتهي إليها آراء المفكر وتقدح في الذهن بوارق الأعمال الأخرى، موجودة في هذا الكتاب. غير أن التعاطي مع الموضوعات لم يكن على غرار التعاطي في صفوف الدرس أو التعامل مع الموضوع في منظومة حقيقية. كان تعاملاً شخصياً حيث ألقى بعض المحاضرات ثم جمعها ودوّنها. وبوسعكم أخذ لباب الموضوع وما طرحه في هذه المحاضرات كأساس لآرائه - وهذا هو أساس القضية - وإعداده وتنظيمه وطرحه. إذا تم هذا فقد تظهر عدة كتب مفيدة وجيدة في ضوء كل واحد من كتبه...

من كلمة في لقاء أعضاء مؤتمر الحكمة المطهرة 18/12/1382 (17/3/2004م):

 

... كان من القلائل الذين ارتبطت روحهم بعائلتهم. البعض من هذا القبيل، والبعض لا! إنهم أناس صالحون لكنهم ينقطعون. وسيفرح أكثر إن شاء الله كلما مضى الزمن لتقدمكم بوصفكم أبناءه الصالحين.

أشرتم إلى نقطة جيدة جداً حول المرحوم مطهري. البعض حينما يخسرهم الإنسان يخسر شيئاً واحداً. لكن البعض حينما يخسرهم يخسر عدة أشياء. وقد كان الشهيد مطهري من أولئك الذين حين خسرناهم خسرنا عدة أشياء. ربما لم يعاشره معظمكم، باستثناء السيدة والبنات اللواتي كن طبعاً على ارتباط أكبر به. ربما لم تكونوا قد خالطتموه بمقدار ما خالطناه. فقدنا حين استشهد إنساناً كفوءاً بارزاً خسرته الجمهورية الإسلامية...

... كان الشيخ مطهري جسماً وشخصية حقيقية يقول »لا فخر في جسمي ويدي«. الشخصية الحقيقية للشيخ مطهري هي ذلك الشخص الذي تعود له كل تلك المفاخر. مجموعة الأفكار والسلوك والطريق والقرارات والآراء هي التي تشكل الحقائق والمفاخر. علينا لتكريم ذكرى الشيخ مطهري إحياء هذه الحقائق وشرحها والحفاظ عليها. ولحسن الحظ فإن مراسم التكريم تأخذ هذا المنحى حالياً. اعملوا فيما يرتبط بكتبه وأفكاره ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً. وقد ذكرت بعض الملاحظات بهذه المناسبة في الأعوام الماضية، وطلبت النهوض بهذه المهمات. ولا يزال يلوح أن أعمالاً كثيرة يمكن القيام بها. انظروا إلى كتب الشيخ مطهري؛ ليست متساوية جميعها فيما تحتويه من مضامين. إنها تحتوي عدة أنماط من المواضيع. وفيها مواضيع مكررة. لا تظنوا أن كل سطر من كتب الشيخ مطهري حكمة! ثمة موضوعات مكررة والبعض منها ليس متيناً جداً. إذ لم يكن هناك داعٍ لأن يطرح الأمور غير المطروحة فقط. لا يُعرف الشيخ مطهري في هذه المواطن، إنما يُعرف حينما يريد تحقيق موضوع من الموضوعات؛ عندئذ يتضح من هو. وإلا فالموضوع العادي يطرحه الجميع بشكل واحد. يطرحه الباحث بشكل سطحي شأنه شأن الإنسان العادي. الأفكار العادية والمكررة ليست من مميزات الشيخ مطهري. بعض موضوعاته فلسفية وتخصصية محضة أثارها على صعيد البحوث الفلسفية. هذه أعمال علمية قيمة بعضها حوزوي وبعضها جامعي. وبعضها تتعلق بالقضايا الإسلامية، أي ما يحتاج إليه الإسلام اليوم. قلت مراراً إن الفكر الصاعد والشائع للثورة اليوم ليس فكر فلان وفلان بل هو فكر الشيخ مطهري. حين كان الشيخ مطهري يطلق هذا الكلام في حينه لم تكن الأذهان تستذوقه. كنا حينذاك ولم تكونوا أنتم. نحن وأمثالنا كنا نقرأ أي كتاب يصدر للشيخ مطهري وننتفع منه. بيد أن الأمر لم يكن كذلك في الفهم العام، إنما كان الكلام ذو البريق الأكبر جذاباً بالنسبة لهم أكثر. لكن ذلك الكلام تفرقع الآن كالفقاعات ولم يبق له أي أثر، بينما بقيت كلمات الشيخ مطهري تمثل الأساس القوي لهذا الصرح. كلماته وآراؤه هي أيديولوجيا هذا البناء. ابحثوا في آراء الشيخ مطهري واستخلصوا هذه الأفكار. طبعاً هذه مهمة تحتاج إلى فكر قوي ولا يقدر عليها أي إنسان... تابعوا هذه المهمة. وقد استخلصتم لحد الآن بعض الأفكار ونشرتموها، وهذا جيد. ولكن لابد أن لديه أفكاراً أخرى يمكنكم طباعتها. بادروا حالياً وادرسوا آراءه كمفكر إسلامي، لا كفيلسوف ضالع في الفلسفة. لقد شرح »المنظومة«. لديه بعض الكلام العادي أحياناً، أو رؤية في فهم بعض المسائل الصعبة كالقضاء والقدر، والجبر والاختيار، لا بأس في ذلك.. هذه بحوث تخصصية تقريباً. لكن لديه أيضاً مسائل تعتبر مسائل إسلامية. وإذا أردتُ أن أسوق مثالاً، دعوني أسوقه من أبعد أفكاره وفي الحقيقة من أدناها لأنها كانت مثيرة جداً بالنسبة لي. في سنة 41(3) ألقى محاضرات »كلام القمر« التي أظنكم شاهدتموها وقرأتموها. لديه محاضرتان حول التقوى. راجعوا وانظروا من استطاع بعد سنة 41 - مضت 32 سنة على عام 41 - أن يتحدث عن التقوى أفضل منه؟! هذا يعود إلى فترة كان الشيخ مطهري فيها قد اشتهر لتوه. من هناك انطلقت بدايات شهرة الشيخ مطهري في مجال المفاهيم الاجتماعية.

من كلمة في لقاء عائلة الشهيد مطهري 11/2/1374 (19/4/1995م):

 

بدايةً أقول شيئاً بمناسبة زيارة هذه المنظومة في ذكرى استشهاد الشهيد مطهري، وأعرج بعدها على أقواله. نستشعر والحمد لله أن الحركة الفكرية للمرحوم الشهيد مطهري والتيار الذي أطلقه بفكره القوي، وروحه المخلصة، ونشاطه الدؤوب، لا يزال مستمراً وله من يتابعه. على مستوى القضايا الفكرية، كان يتمتع بثلاث خصائص: أولاً كان إنساناً قوي الفكر ومفكراً حقيقياً. لم يكن يتوخى من عرض الأفكار ونشرها سوى القربة إلى الله، وإشاعة الدين، وترويج الحق، ومقارعة الباطل. الإخلاص كان يغمره ويغمر أعماله الشخصية، وهذا ما يجعل الخصوصية الثانية محسوسة طبعاً. افترضوا أن البعض من أهل الفكر، لكنهم لا يطرحون الأفكار في سبيل الله، إنما لأجل إظهار عالميتهم مثلاً، أو لإرضاء الناس، أو ليقولوا إننا فلاسفة. لكن الشهيد مطهري لم يكن كذلك. كان يطرح الأفكار في سبيل الله والإسلام. كان يتحرق حقاً، ويغلي ويطرح أفكاره. والخصوصية الثانية هي سبب بقاء أفكاره. أي إن الإخلاص يترك تأثيره والله تعالى يبارك في أي عمل يتم إنجازه بدافع الإخلاص. خصوصيته الثالثة مثابرته وعدم كلله أو تعبه. لم يكن ليقعد ليأتوه ويطلبوا منه شيئاً. حينما لا يأتونه كان هو الذي يبادر ويقصد العمل. كانت هذه الخصائص الثلاث موجودة فيه. والآن يمكن الشعور بالتيار الذي أطلقه بفضل هذه الخصوصيات الثلاث في الواقع الراهن للبلاد والثورة، وكلما انقضى الزمن على الثورة وابتعدنا عن بدايتها، أتسع هذا التيار وانتشر أكثر.

حينما ترمون حجراً في الماء فإنه يحدث أمواجاً تتسع شيئاً فشيئاً. ولكن مع اتساع دائرة الموجة تتلاشى الدوائر وتبهت إلى أن تختفي تماماً. وهذه هي حالة بعض الأمور والشخصيات والأفكار. تثير الضجيج في البداية فتتسع دوائرها، لكنها تبهت وتبهت مع مرور الوقت إلى أن تنمحي. وفي المقابل ثمة أمواج تكبر وتتسع باستمرار منذ يومها الأول مهما كانت الطريقة التي انطلقت بها، سواء بضجيج أو بدون ضجيج. المثل الأعلى لمثل هذه الأمواج حادثة كربلاء الإمام الحسين عليه السلام. كلما انقضى الزمن على بداية الموجة التي أطلقها الإمام الحسين كبرت حلقاتها وبرزت وتحولت إلى جبل من أمواج. تكوّنت تلك الموجة بداية ضمن دائرة محدودة في الصحراء. وتصوّر الأعداء أن الأمر سيبقى طي الكتمان والنسيان، لأن كل شيء قد زال وانمحى. ولكن كلما مضى الزمن أكثر كلما اتسعت وبرزت تلك الموجة أكثر. وكذا الحال بالنسبة لفكر الشهيد مطهري لحسن الحظ.

في زمن حياة الشهيد مطهري كانت هناك أفكار أكثر بريقاً وبهرجة من أفكاره. أفكار جذابة جداً. وربما كانت بعض تلك الأفكار جيدة حقاً. أي لا يتسنى القول إنها جميعاً كانت أفكاراً خاطئة. بعضها كان صحيحاً والبعض غير صحيح. لكنها كانت ذات تأثير آني كبير. ومع أن دائرتها كانت واسعة لكنها لم تكن أفكاراً خالدة.. كانت أفكاراً خاصة بفترة معينة تملأ الفراغ لبرهة زمنية خاصة. لم تكن أفكاراً تبقى كتيار متجدد. لكن فكر الشهيد مطهري بقي كتيار يتنامى يوماً بعد يوم. وكذلك هو اليوم والحمد لله. حينما أنظر في الإذاعة والتلفزيون وعلى مستوى المجتمع وفي كتبه، أرى أن أفكاره تتألق باضطراد. وعليكم متابعة المهمة التي توليتموها لنشر أفكاره وأعماله كمسؤولية وكواجب حتمي.

من كلمة في لقاء عائلة الشهيد مطهري 11/2/1375 (19/4/1996م):

 

... مراسم تكريم الشيخ مطهري ممارسة جيدة جداً. وهذا ببركة الشهادة طبعاً. انظروا ماذا تفعل هذه الدماء فلا تدع أفكاره تبلى أبداً. ربما كان هذا أحد تأويلات الآية »بل أحياء«. الشيخ مطهري حي فعلاً. جيد جداً أن تقام له مراسم في كل عام. مضت ست عشر أو سبع عشرة سنة، وهذه هي السنة الثامنة عشرة، وسيقيم الناس والمستنيرون والطلبة الجامعيون بعد هذا مراسيمهم في كل سنة. لا يحدث هذا لأي شخص آخر.

ينبغي انتهاز هذه الفرصة بشكل كبير. الشيخ مطهري ممثل تيار وفكر معين. تيار سليم قوي جيد حيال تلك المعارضات والشجارات والاشتباكات التي ما تزال موجودة إلى اليوم. أي لو كان الشيخ مطهري حياً اليوم لوقف طبعاً بوجه هذه الظواهر. لذا يجب أن يكون تكريمه ذا محتوى ثر جداً. إنه تيار يجب أن يموِّن الأذهان. إذا قام عدد من أصحاب الأفكار النيرة في كل سنة باختيار موضوع من آثار الشيخ مطهري - التحريفات في حادثة عاشوراء مثلاً - واستخراج كل الإشارات والمواد الخاصة بهذا الموضوع من جميع أعماله، فسوف نقترب من هذا الهدف. أو مكافحة التأويلات الخاطئة على سبيل المثال وهي من الإنجازات الأساسية والحساسة للمرحوم الشيخ مطهري، فلقد شن كفاحاً طويلاً ضد التأويلات الخاطئة للقرآن الكريم حتى لا يؤوِّل أحد الآيات والأحكام القرآنية طبقاً لآرائه الفلسفية والسياسية الخاصة. وقد استشهد من أجل هذا تحديداً، فالجماعة التي قتلته إنما فعلت ذلك بسبب هذه النقطة. ليختاروا موضوعاً في كل عام ثم يكتبوا عنه. لا أقول ليجمعوا البحوث والدراسات من ذا وذاك. لا، لينتجوا هم أنفسهم أو يستخرجوا الموضوعات من أعماله. الأفضل من جمع النصوص بلورة النصوص. فتارة قد نطبع »أسفار« الملا صدرا أو الكتب الفلسفية للملا صدرا، وتارة يكون الإنسان متمكناً من الكتب الفلسفية للملا صدرا فيبادر لتبيين وشرح فلسفة الملا صدرا ويسوق الشواهد والأدلة من كل كتبه »الأسفار« و»شواهد الربوبية« و»المبدأ والمعاد«.. فهنا قال كذا، وهنا قال كذا، وهناك قال كذا، وهذه المسألة لها شاهدها في كتابه الفلاني، وهنا تعارض حسب الظاهر مع النص الفلاني، وهذا هو حل التعارض... هذا في الحقيقة شرح لفلسفة الملا صدرا وآرائه. أو قد يبادر شخص لبلورة آراء المرحوم الشهيد مطهري حول المسألة نفسها.. يستخرج الأفكار من مظانها المختلفة ويصدر كتاباً أو كتيباً مفصلاً أو مجملاً. أحياناً قد لا يكون له آراء مسهبة حول قضية معينة. بخصوص القضايا الاقتصادية مثلاً لم يطرح الكثير من الأفكار. وبالإمكان أن يبادر شخص لبلورة آرائه حول قضية رأس المال والعمل و... يتم اختيار موضوع أو موضوعين في كل سنة. وبالمقدور النهوض بأعمال أخرى على الهامش، ولكن لتكن هذه هدية المنظومة أو اللجنة على حد قولكم، أو عائلة الشيخ مطهري بمناسبة الذكرى التاسعة عشرة. ويكون العمل متقناً إلى درجة لا يستطيع معها أحد القول: »كلا، لم يكن هذا رأي الشيخ مطهري، لأنه قال كذا في الموضع الفلاني«. أي يجب دراسة كافة جوانب الموضوع بشكل حقيقي. إذا استطعتم القيام بهذا فسيكون عملاً جيداً جداً حسب رأيي. ربما أمكن رصد مائة موضوع رئيسي - غير الفرعيات - في أعمال الشيخ مطهري، وقد ذكرتم أحدها: »العبادة، وطهارة الروح، و... «. ربما أمكن استخراج مائة موضوع من هذا القبيل تتعلق بالقضايا الاجتماعية، والعقيدية، والفرعية، والعملية، والتاريخية، والاجتماعية، والسياسية يجدر كل واحد منها بمثل هذا المشروع. إنها مادة خام لزمن طويل. لكن ينبغي أن تكون الأعمال متينة جداً وغير مدخولة. يجب أن تكون محكمة! وبهذا ستمثل آراء الشيخ مطهري. أي إن شخصية الشيخ مطهري يمكن أن تستخلص من هذه الأعمال. وقد تكون خيرات هذه الأعمال وبركاتها أكبر حتى من كتابات الشيخ مطهري نفسها. فربما تحدث الشيخ مطهري حول قضية معينة في عشرة مواضع بمناسبة أو بدون مناسبة، فكم ينبغي للمرء أن يقرأ حتى يجد تلك المواضع العشرة؟! الكثير من هذه الأعمال محاضرات وقد يتذكر أثناء المحاضرة شيئاً فيذكره. وقد تكون بلا مناسبة. كيف يجد الإنسان موضوعاً يبحث عنه؟.. مع أنهم قد دوّنوا حسب الظاهر كشفاً لآثار الشهيد مطهري، لا أتذكر أين رأيته، ولكن أتخطر أن مثل هذا الشيء موجود.

من كلمة في لقاء عائلة الشهيد مطهري 8/2/1376 (16/4/1997م):

 

أعتقد أن موضوع الشيخ مطهري رضوان الله عليه من الموضوعات التي لا يزال ثمة وقت ومجال للخوض والبحث فيها والاستفادة منها. ما تم إنجازه خلال هذه الأعوام بخصوصه - طباعة أعماله وتدوين محاضراته و... الخ - إنما هو جزء يسير من ذلك الفيض الهائل الذي يمكن انتهاله من هذا المصدر الزخار العظيم لشخصيته العلمية والروحية. من هذه الأعمال إقامة المؤتمر. إنها فكرة جيدة جداً؛ حسن جداً ما فعلتم؛ أنا أحب مثل هذه المشاريع جداً. علينا كما أشرتم تعريف الشيخ مطهري للعالم وخصوصاً العالم الإسلامي، فما الأمور التي ينبغي لنا التشديد عليها في هذا التعريف؟ أعتقد أن البحث في هذه المسألة يمثل أهم أعمالكم. بعض أبعاد الشخصية قد تكون خاصة يجب التشديد عليها، أو بارزة جداً ينبغي أيضاً التشديد عليها. ثمة الكثير من هذه النماذج في حياة المرحوم آية الله الشهيد مطهري وفي شخصيته وهويته العلمية. حينما أنظر الآن أجد هناك مسائل مهمة جداً. في ضوء معرفتي به منذ فترة الشباب وحتى استشهاده، ومعرفتي بآثاره وكتاباته إلى اليوم، لو فكّرت أكثر فستخطر على بالي أمور أكثر بلا شك. من الأمور التي أعتقد أنها تحتل المرتبة الأولى من الأهمية التفسير الحديث للمعارف الإسلامية. هذا بمعزل عن الجانب الفلسفي وبراهينه المتينة القوية على هامش كتاب »أصول الفلسفة« للمرحوم آية الله الطباطبائي. هذه نقطة أخرى. لقد عرض المفاهيم والمعارف الإسلامية بلغة وبيان جديد كانت الحاجة إليه ماسة جداً. لا أقول إن الإنسان إذا دقق وتأمل في أعمال الماضين لما استطاع تحري علامات مثل هذا التفسير. إذا دقق الإنسان فعلاً في روايات العلماء وكلماتهم فقد يجد بعض النقاط الرئيسية أو رؤوس النقاط. ولكن أريد القول إن أحداً لم يكن قد فعل هذا. في حدود علمنا، لم يكن أحد قد فعل ذلك قبل الشيخ مطهري رضوان الله عليه. حتى الكتاب الحداثيون الذي ظهروا مؤخراً في البلدان العربية - وكنا نعرف بعضهم - لم يفعلوا ذلك. الكتاب المصريون وغيرهم ممن كتبوا وكانوا حداثيين وأصحاب آفاق ورؤى أوسع وعلى معرفة بالعالم أكبر قليلاً من معرفة المرحوم الشيخ مطهري، إذ غالباً ما يسافرون ويطلعون على وضع الجامعات المختلفة، أما هو فقد كان مقيداً، أي إنه كان داخل إيران وطهران، لكن رؤيته العميقة للقضايا الإسلامية وفهمه الجديد للآيات والروايات كان برأيي من أبرز أبعاد شخصيته. كان أول من عرض القضايا ذات الصلة بأصول العقيدة، والتقوى، والصبر، والحب، والمروءة، والعدل و... الخ بنحو متقن في المناخ الفكري الإيراني. طبعاً كان هناك آخرون - ينبغي عدم إنكار جهود الآخرين في مثل هذه القضايا - ولكن لأنهم لم يكونوا على اطلاع بمبانينا العلمية الفقهية - الفقاهة بمعناها الصحيح وهي أسلوب ومنهج فهم القرآن والحديث، وليس الفقه - برزت الكثير من الأخطاء في آرائهم. لاحظتم أن المرحوم الشيخ مطهري يشير إلى بعض ما قيل في المجلد الخامس من »أصول الفلسفة« على ما أظن. وله عبارة جد طريفة لا أتذكرها الآن تحديداً. مضمونها أن هؤلاء الأشخاص أرادوا فهم هذه المسألة ببساطتهم وخلوصهم، ولكن تلاحظ الكثير من الأخطاء في آرائهم تصل بعضها إلى حد الانحراف.

الإتقان الذي نجده لدى هذا الشهيد الجليل في فهم هذه المعارف وشرحها الصحيح ليس له نظير بلا شك. هذه نقطة مميزة أعتقد أنها تستحق المتابعة والبحث وآثاره زاخرة بعلامات دالة عليها.

البعد الآخر الذي كان في شخصيته هو أنه كان يتحلى بتبحر وتمرس في فهم حاجات العصر الفكرية، وكان يطرح كل شيء في موضعه كأساس فكري. قلت ذات مرة إن نظام الجمهورية الإسلامية أقيم على أساس تفكير وتصورات إسلامية قدمها الشيخ مطهري. طبعاً كان ثمة في ذلك الزمن جملة من الأفكار الجيدة البراقة الجميلة.. وكانت كلها جيدة؛ كانت خاصة بذلك الزمن؛ أشياء نفعت لذلك الوقت وتركت تأثيراتها وجزى الله أصحابها خيراً - إن شاء الله - ولكن ما كان يمكن أن يمثل من الناحية المعارفية أساساً لنظام إسلامي هو ما قام به الشهيد مطهري، ومرد ذلك إلى إدراكه وتشخصيه الصحيح للوضع داخل البلاد. وأريد أن أقول لكم إن العالم أيضاً لا زال يعيش نفس تلك الظروف. أي إن العالم الغربي اليوم يعيش تحديداً ذات الظروف التي تستطيع معها الرسالة المعنوية أن تجتذبه إليها بقوة. وبإمكان تلك الرسالة المعنوية أن تكون رسالة الشهيد مطهري. وأقصد هنا جانبها القرآني والحديثي والمعارفي. أما الجوانب الفلسفية فلها مجالها الخاص. إذا نشرتم أعماله - محاضراته العرفانية والمعنوية - بترجمة ومراجعة جيدة في أوربا وأمريكا فسوف تستقطب إليها قلوب الكثيرين وسينجذب إليها كثير من الناس. أي إن الناس اليوم متعطشون لهذا الكلام. أريد القول إن المعرفة بالزمن التي انطلقت من جامعة طهران وسائر جامعات طهران امتدت الآن إلى مستوى العالم الغارق في الحضارة المادية. على كل حال يجب البحث عن هذه الخصوصيات التي استطيع الآن استحضار بعضها. ولكن يمكن تحري خصوصياته الشخصية بأكثر من هذا.

من كلمة في لقاء عائلة الشهيد مطهري 12/2/1377 (20/4/1998م):

 

شمل الله المرحوم الشيخ مطهري رضوان الله عليه برحمته. ما أفضل من أن يكون التعليم تراثكم؟ لقد كان معلماً بحق. بمعنى أن تعليمه لم يقتصر على حدود الصف. لقد كان بحق معلماً لعامة المجتمع وله بذلك حق كبير على الجميع. عسى أن تكون الروح الطاهرة لذلك الشهيد العزيز راضية عنكم جميعاً..

نشكر الله على أن اسم الشيخ مطهري لم يُنس في مجتمعنا وفي المناخ الذهني لبلادنا، إنما راح يبرز ويتنامى يوماً بعد يوم. النَسْخُ طبيعةُ كثير من ظواهر العالم، فهي تبلى وتخلق كلما مر عليها الزمن. هكذا هي معظم ظواهر العالم. وبعض الظواهر لا تبلى مع مرور الوقت أبداً، بل على العكس تتألق وتبرز وتسطع وتؤثر أكثر فأكثر. هكذا هي عادة الظواهر المرتكزة إلى الحقيقة. كتاب الله المظهر التام لهذه السمة إذ يزداد جلاءً كلما مضى عليه الزمن. كلمات الأئمة عليهم السلام وكلمات الرسول وربما المفاهيم المنقولة عن أولئك الأجلاء لم تفهم بشكل صحيح في العهود الأولى، ثم عرف الناس قدرها في فترات لاحقة: »رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه«. قد يحمل الإنسان فقهاً وفهماً للدين فيلقيه ويودعه عند من هو أفقه منه وأوعى. قد تكون هناك رواية يعرفها شخص واحد فيجريها على لسانه في محفل يكون فيه بين المستمعين شخص على مستوى من المعرفة يؤهله لأن يفهم من تلك الرواية نقطةً لم يفهمها القائل نفسه. حامل الفقه هذا يوصل الفقه إلى ذلك المستمع، بيد أن المستمع أفقه منه ويفهم المنقول بصورة أفضل.

كلمات العظماء والأئمة عليهم السلام من هذا القبيل. وأشعر بوضوح أن أفكار المرحوم آية الله الشهيد مطهري أيضاً من هذا القبيل والحمد لله. أي كان لهذه الكلمات يوم ألقيت على مجموعة من الناس وقع وقيمة، ولكن حتى تلك المجموعة المحدودة - التي لم تكن كبيرة جداً قياساً إلى سكان إيران الكثير - لم تدرك عمق وأهمية هذه البحوث بالشكل الذي حصل لاحقاً وفي يومنا هذا. مثلاً، أثار حول أسباب الميل إلى المادية، وفي معنى القضاء والقدر، وحول الكثير من مفاهيم الكلام الإسلامي الجديد آراءً حينما ننظر لبيئتنا الاجتماعية اليوم نرى أنها تمثل إجابات للأسئلة المطروحة حالياً. ربما لم تكن بعض هذه الأسئلة شائعة يوم طرحها كما هي الآن، لكنه بفكره العميق ونظرته الحاذقة البعيدة استوعب هذه الاستفهامات وأجاب عنها بنحو وافٍ. ولولا هذه النقطة الثانية أي الإجابة عن تلك الأسئلة بنحو وافٍ ربما كانت إثارة الأسئلة والمبادرة للإجابة عنها ممارسة سلبية ضارة. أحياناً يطرح البعض سؤالاً ويجيبون عنه بشكل ناقص فيوجهون ضربة للحقيقة. غير أن هذا المفكر العميق لم يخض في مسألة دون أن يشرحها ويبيّنها بشكل وافٍ. طبعاً هناك مسائل غير موجودة في كتبه المطبوعة، وقد نراها في أعماله المستقبلية حين تطبع. النقطة التي أكدت عليها دوماً بخصوص الشيخ مطهري هو إبداعه وتجديده وكلامه وأفكاره غير المسبوقة. والواقع أن آثاره تستحق أن تبقى وتتجلى يوماً بعد يوم. ولهذا، ينبغي أن نشكر ذويه المحترمين الذين أدركوا جيداً قدر عظمته المعنوية والفكرية وصانوها وحفظوها. وبتعبير آخر لم يعطوها رخيصة بيد هذا وذاك فحفظوا مكانة الشيخ مطهري وحيثيته. أنا سعيد جداً لأني أرى أقرباءه وتلامذته استطاعوا والحمد لله حفظ تلك المكانة والمنـزلة المعنوية التي التزم بها الشيخ مطهري أشد الالتزام...

النقطة الثانية التي اقترحتها على أولئك الأصدقاء هي أني قلت لهم: عملية التبسيط في العالم وصلت اليوم إلى درجة كتابة الفلسفة للأطفال. ثمة في العالم اليوم مؤسسات تضع كتباً في الفلسفة للأطفال. قد يتساءل الإنسان وما الذي يمكن لطفل في الأول أو الثاني ابتدائي أن يفهمه من الفلسفة؟! هذا هو التصور الأولي وهو ليس تصوراً صائباً بالضرورة. نعم، حتى الطفل الصغير بوسعه أن يفهم شيئاً من الفلسفة ويتخذ ذهنه شكلاً فلسفياً! أوجدوا هذا الشكل العام بفضل الأدوات، حتى لا يتم هذا الشكل إذا حلَّ جزء محل جزء آخر. كألعاب البازل التي يلعبها البعض. إذا وضع شيء مكان شيء آخر فلن يكتمل الشكل. على المرء أن يكون دقيقاً ويعرف هذه الأجزاء بحيث يستطيع انتزاع هذا الشكل العام من مجموعة الأجزاء. ينبغي أن تكون هذه الحالة قوية في هذه المجموعة إلى درجة تخولهم تشخيص هذا الشكل العام في آثار المرحوم مطهري وإيجاده. هذه عملية جد قيمة أعتقد أنها يجب أن تولى الاهتمام اللازم. طبعاً قد لا تتأتى النتيجة خلال سنة أو سنتين، ولكن إذا اجتمع عدد من أصحاب الفكر المتمكنين من آثار الشيخ مطهري - خصوصاً إذا كانوا شباباً متوثبين - فسيستطيعون بالتأكيد النهوض بهذه المهمة. هذا اقتراح وطلب ذكرته للسادة في اللجنة. ولا أدري هل سيستطيعون متابعته أم لا؟ لكنه على كل حال أمر مشروط بأن تستطيعوا تبسيط الفكرة الفلسفية لتغدو في مستوى ذهنية الأطفال. لو أردنا طرح الفلسفة على شاب يدرس في الثانوية فقد نطرحها بشكل سيئ وغير ناضج بحيث يخرج ذلك الشاب بانطباع سلبي عن الفلسفة. الشيء المطروح الآن صحيح - ليس خطأً إطلاقاً وقد رأيت ذلك - لكنه لا يناسب فكر الإنسان الشاب. علينا إعداد الفلسفة بحيث يفهمها الطالب الجامعي وطالب الثانوية وحتى الطفل. إنها المفاهيم ذاتها ولكن بمستوى مبسط ومصغّر، تماماً كالقرآن الكريم. مفاهيم القرآن الكريم سامقة جداً، ينـزلها الله تعالى على قدر قلب الرسول، فيدركها قلب الرسول لتدركها بعد ذلك فهوم البشر على قدر استيعابها. الشيء الذي في عالم الجبروت واللاهوت غير الشيء الذي يأتي إلى العالم المادي ويقذف في ذهن الإنسان. إنه شيء يتنـزل ونستطيع بموازاة ذلك تنـزيل المسائل وإيصالها إلى الأذهان. فتعالوا وطبقوا هذا على أعمال الشيخ مطهري. العملية طبعاً عملية تخصصية. ينبغي اكتساب العلم الخاص بهذه العملية من الضالعين فيه. إذا استطعتم تبديل كتاب »الدوافع نحو المادية« وهو كتاب فلسفي متوسط أو شبه فلسفي وضع لمن هم في مراتب فكرية عالية، إذا استطعتم تبديله إلى كتاب يفهمه الشاب اليافع فإنه لن يميل إلى النـزعات المادية. إنها في الحقيقة عملية تلقيح ضد المادية.

طيب، إذا حصلت هذه الحالة عند طفل أو فتاة أو صبي يافع فانظروا كم سيكون هذا الأمر مهماً! إذا خرجت إنجازاتكم جيدة فستستطيعون نثر بذور الهداية في أذهان الآلاف من الناس. أو بخصوص كتاب »الإنسان والمصير« مثلاً؛ لاحظوا كم من الأحاديث تطرح في القصص العامية، وقصص الأطفال، والأمثال، والحوارات بين الآباء والأمهات والأطفال والأجداد مما يمكن أن يرسم في الأذهان تصورات خاصة حول القضاء والقدر! كأن يقال: »هذا هو المقسوم على كل حال؛ ما بوسعنا أن نفعل« الكلام اليومي الدارج يرسم صورة للقضاء والقدر في ذهن الطفل. الطفل لم يسمع بشيء بعد عن القضاء والقدر ولا يعلم الفرق بينهما، ولا يدري ما هو دور القضاء والقدر في الخلقة أساساً، لكنه يشعر به عبر تصوره لعبارة »هذا هو المقسوم« التي نجريها على ألسنتنا. فإذا استطعتم التعبير عن مفهوم القضاء والقدر كما يفهمه الشيخ مطهري بلغة يدركها الطفل - على شكل قصة أو حديث عادي - فانظروا كم سيكون لعملكم من قيمة! إنكم في الواقع تعدون ذهنه لتلقي المعارف الحقة. ولن يمكن زعزعة هذا الذهن في وقت لاحق، فلا تؤثر فيه عمليات التضليل والإضلال. هذه العملية مهمة إلى هذا الحد. أعتقد أن بالمقدور القيام بهذه العملية فيما يتصل بكثير من الكتب والأفكار، بيد أن مجموعة آثار الشيخ مطهري اليوم من المجاميع الجديرة جداً بهذا المعنى والقمينة بأن ترصد لها مثل هذه الجهود.

من كلمة في لقاء عائلة الشهيد مطهري 13/2/1379 (21/4/2000م):

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 - العقدان الأول والثاني من القرن الواحد والعشرين للميلاد.

2 - الستينات والسبعينات من القرن العشرين.

3 - 1962م.