محل وتاريخ الولادة: القليلة 25/6/1991

الوضع الاجتماعي: عازب

تاريخ الاستشهاد: 19/5/2013

 

هي شظايا ثلاث: في الرأس والصدر، وواحدة تحت قلبه سببت له نزيفاً حاداً.. وبين رفاقه الجرحى استلقى في لحظاته الأخيرة، وبابتسامته المعهودة طلب كتاب "مفاتيح الجنان".. عصبَ خليل مكان الإصابة في رأسه بعصابة وشدّها، وظلَّ يُقلّب صفحات الدعاء حتى أخذ النزف منه كل مأخذ.. وحين اقترب منه المسعفون تبسّم قائلاً: "انظروا في إصابات غيري.. أنا أصبحتُ في العالم الآخر".. ونادى: " يا الله.. يا زينب.. يا زهراء.. يا حسين.."، ثم سكتَ.. وفاضت روحه.

 

*فجر قرية "القليلة"

كان فجرُ قرية "القليلة" ذلك اليوم غريباً على "أبي خليل"، الذي انتبه من النوم وعيناهُ تفيضان بالدمع، فقام من رقاده وقلبُه يعتصر ألماً، وفي باله الرؤيا التي داهمت نومه، وهي أن خليلاً يُكَبّر فيما هو يبكي بشدة.. استيقظ على تلك الحالة، أجهش بالبكاء قائلاً: "أرضيتِ يا زينب؟!".

هي السيدةُ زينب عليها السلام التي حمل خليل من مقامها الشريف كمية من الغبار في كيس صغير، بعد قيامه ورفاقه بتنظيفه، وعندما وصل إلى البيت أجلس والده وراح ينثر عليه من ذاك الغبار للتبرك..

وهو خليل، الذي تقلّد سلاحه مُذ هُدد مقامها، وشارك في رفع الراية فوق قبّة المقام في أصعب اللحظات وأقساها.

 

*صغيراً بكى على السيد عبّاس

ولد خليل في ألمانيا، إذ كان والده، الجندي في الجيش اللبناني، يعالج من إصابة في رجله. وكان لا يتجاوز السنة حينما رأى والده يبكي بحرارة أمام شاشة التلفاز، فبكى خليل لبكائه، فأجلسه أبوه في حضنه وقال: "اليوم استشهد قائد المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي ومعه زوجته وطفله.." فبكى خليل وكأن قلبه الصغير وعى عظيم الفاجعة.

لم يطُل مكوث العائلة في ألمانيا، فعادت إلى لبنان في العام 1996. وما كادت العائلة تستقر في بيتها حتى شنّت إسرائيل حرب عناقيد الغضب. وقد شاهد خليل بأمّ عينيه الطائرات تقصف بيوت المدنيين، وكان يطلب إلى والده أن يسقطها بسلاحه، فيخبره أبوه عن صعوبة ذلك وعن المقاومين الذين يضحون بأنفسهم دفاعاً عن الأرض.

 

*تربية الرجال

رزق الله أبا خليل ثلاثة صبية أكبرهم خليل، عمد إلى تدريبهم أطفالاً، فعلّمهم الرماية والسباحة وركوب الخيل، وكان خليل أكثرهم تميّزاً بلياقته البدنيّة العالية، والتي كانت تخوّله في المدرسة حصْد المراكز الأولى في المباريات الرياضيّة. ولم يكن "أبو خليل" يدير أذنه لبعض التعليقات عن قسوةِ تدريباته لأولاده، مثل السباحة في النهر خلال موسم الشتاء أو الرماية بين أرجلهم بالرصاص الحي. وعندما بلغ خليل العاشرة من عمره، كان قد تعلم قيادة الشاحنة التي يملكها والده، إضافة إلى المهارات التي اكتسبها، والتي سهّلت عليه فيما بعد التدريبات العسكرية.

من بوابة كشافة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف دخل خليل عالم الجهاد، فكان، فتىً، يتلقّفُ بوعيٍ كبير كل ما يجري من حوله، وقد تميّز بذاكرة حادة حفظ فيها الكثير من التفاصيل حتى قيل إنّ خليل لا ينسى من الأمور التي تعني غيره أكثر مما يذكره الشخص نفسه..

 

*المقاومة... سرّ

عزم خليل على الالتحاق بالمقاومة ما إن بلغ السادسة عشرة من عمره. وحاول إخفاء أمر التحاقه بالدورات العسكرية عن والده. ولكن الأب - الصديق المقرّب جداً من خليل - ذكّره ذات نهار أنّه رجل عسكري، ولا يحتاجُ لبوحٍ ليكتشف "السرّ".. وقد لقبّه بـ"المسدس الكاتم"، لشدّة تكتّمه على عمله.

أولى مشاركات خليل الجهادية كانت في حرب تموز2006، وهو لا يتجاوز الخامسة عشرة من عمره. إذ أبقاه والده معه في القرية ليتنقلا طوال فترة 33 يوماً بين القرى حاملين المؤن للمجاهدين على الرغم من صعوبة الأمر وخطورته، وقد حُفِر في ذاكرة خليل موقف لأحد المجاهدين عندما وصلا إليه وكان العطش قد أنهكه، فرفض أن يشرب قائلاً له: لن أشرب طالما المجاهدون في عيتا الشعب لا يشربون!

 

*صديقٌ لوالدته

هذا الإيثار الكبير ترك في نفس خليل أثراً كبيراً، وهو الذي اشتهر بسماحة أخلاقه وجوده بما ملكت يمينه، حتى أن والده كان يخصص له مصروفاً كبيراً لعلمه بكرم ابنه على رفاقه ورغبته الدائمة في مساعدتهم.

كان خليل حريصاً جداً على مشاعر أمه، فعاملها كصديقة مقرّبة أكثر، وحرص على تدليلها ومساعدتها. وكان جميل العِشرة حسن المرافقة، لا يكاد المرء يحصي عدد رفاقه. عُرف بروحه المرحة ومزاحه المنضبط. وحرص على أن لا ينزعج منه أحد قيد أنملة، حتى إذا ما تأخر في العودة ليلاً إلى المنزل، أطفأ دراجته النارية بعيداً وجرّها إلى الدار.

 

*صبورٌ على شديد الألم

مع بداية التحاق المجاهدين بركب المدافعين عن مقام العقيلة، كان خليل قد أصيب إصابة في خاصرته أثناء سحبه لأحد رفاقه الجرحى من ساحة المعركة. وقد انتبه والده لكثرة بقاء ولده في غرفته وقد أقفل على نفسه بالمفتاح، فطرق عليه الباب وخليل يستمهله، غير أن إصراره دفع بخليل لفتح الباب قبل أن يخبئ الضمادات وأدوية تطهير الجرح، فراعَ والده صمته وصبر ولده على شديد الألم.

رفيق بعد آخر، مشى خليل في تشييعهم، وكثرت ندبات الفراق في قلبه، وقد واظب، أثناء وجوده في القرية، على زيارة أهالي الشهداء من رفاقه والاطمئنان إلى أحوالهم.

شَهِدت أروقة حيّ السيدة زينب عليها السلام في الشام بطولات خليل، فقاتل ببأس حيدري وعشق حسيني، ومن هناك انتقل إلى منطقة القصير ليكون واحداً من الذين قدّموا أرواحهم على مذبح العشق الإلهي في حرب الحق مع الباطل، تاركاً آخر اللحظات التي ودّع فيها والديه محاطة بالكثير من الأسرار، فقبيل أن ينطلق سأل والدته: "ما رأيك بوجه أبي حيدر (اسمه الجهادي)؟" فأجابته مباشرة: "قمر"، فضحك قائلاً: "أبو حيدر.. شهيد".

استشهد خليل فداءً للسيدة زينب عليها السلام التي كان في صغره لا يربطُ جبهته أيام عاشوراء إلّا بعصبة باسمها.. منادياً ذات يوم، من أعلى قبة المقام وبين الرصاص: "لبيك يا زينب".

نسرين إدريس قازان

المصدر: مجلة بقية الله