الجواب مؤلم ومؤثر وحزين

هدم قبور البقيع ..........القصة الكاملة

في يوم الثامن من شوال تمر علينا ذكرى أليمة وعلى قلوب محبي محمد وال محمد ألا وهي ذكرى هدم قبور البقيع، هدم قبور أئمة الهدى والحق عليهم أفضل الصلاة والسلام، وبهذا سنمر مرورا بسيطا بالبقيع لنعرف بعضا من جوانبه.

لماذا سمي البقيع بالغرقد؟ ولماذا عُد البقيع مقبرة للمؤمنين؟ ومن أول من دفن بأرض بجنة البقيع؟

كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعظم أرض البقيع الغرقد؟ وما هو الهدف من زيارة موتاها؟

من تجرأ على أرض البقيع الغرقد فحولها إلى قاعا صفصفا بعدما كانت مزارا شامخا لعامة المسلمين؟

كم مرة هدم البقيع على مر التاريخ ومتى؟

ما هي الأسس التي اعتمد عليها الظالمين لتبرير موقفهم أمام البقيع؟

من أين بدؤوا مخططهم؟ وكيف يصفه الحاضرون آنا ذاك؟

ماذا قال الرسول صلى الله عليه وآله في فضل تلك البقعة الطاهرة؟

وأخيرا بقيعنا الثاني يا ترى إلى أين؟ ومتى؟

(البقيع الغرقد) سبب التسمية؟

بقيع الغرقد: أصل البقيع في اللغة: الموضع الذي فيه أُرم الشجر من ضروب شتى، وبه سمي بقيع الغرقد. والغرقد: كبار العوسج، فلذا سُمّي ببقيع الغرقد لأن هذا النوع من الشجر كان كثيراً فيه ولكنه قطع.

..ويقول الدكتور محمد البكري الذي شارك في تأليف كتاب بقيع الغرقد «إن النبي خرج لنواحي المدينة وأطرافها باحثا عن مكان يدفن فيه أصحابه حتى جاء البقيع، وقال «أمرتُ بهذا الموضع»، وكان شجر الغرقد كثيرا، فسميت به».

أول من دفن بالبقيع الغرقد؟

قيل: كان البقيع مقبرة قبل الإسلام، وورد ذكره في مرثية عمرو بن النعمان البياضي لقومه.

أين الذين عهدتهم فـي غبـطـة         بين العقيق إلى بقيع الغــرقــد

إلا أنه بعد الإسلام خُصِّص لدفن موتى المسلمين فقط، وكان اليهود يدفنون موتاهم في مكان آخر يعرف بـ (حش كوكب) وهو بستان يقع جنوب شرقي البقيع...

وأول من دفن فيه من المسلمين هو أسعد بن زرارة الأنصاري وكان من الأنصار.

ثم دفن بعده الصحابي الجليل عثمان بن مظعون، وهو أول من دفن فيه من المسلمين المهاجرين، وقد شارك رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنفسه في دفنه.

ثم دفن إلى جانبه إبراهيم بن الرسول (صلى الله عليه وآله) ولذلك رغب المسلمون فيها وقطعوا الأشجار ليستخدموا المكان للدفن.

جاء في كتاب البقيع الغرقد:

ابتدئ الدفن في جنة البقيع منذ زمان النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله)، وأحياناً كان الرسول (صلى الله عليه وآله) بنفسه يعلّم على قبر المدفون بعلامة.

ثم بنيت قباب وأضرحة على جملة من القبور من قبل المؤمنين وبأمر من العلماء.

كما كان البناء على قبور الأولياء معتاداً منذ ذلك الزمان، فكانت عشرات منها في المدينة المنورة ومكة المكرمة وحولهما.

 

الرسول واهتمامه بموتى البقيع الغرقد؟

بنين: (هذه مقتطفات يذكرها أحد الكتاب الشيعة من كتاب موسوعة العتبات المقدسة لأحد الأخوة السنة المحققون)..

أصبح البقيع في أرض المدينة المنورة مدفناً لعدد من عظماء المسلمين, وأئمتهم, وأعلام الأنصار والمهاجرين, وكان النبي ص يقصد البقيع, يؤمه كلما مات أحد من الصحابة ليصلي عليه ويحضر دفنه..

وقد يزور البقيع في أوقات أخرى ليناجي الأموات من أصحابه, وقد روى مسلم في الصحيح عن عائشة أنها قالت «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلما كانت ليلتي منه يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول سلامٌ عليكم دار قومٍ مؤمنين, واتاكم ما توعدون, وإنا أن شاء الله بكم لاحقون, اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد».

وحدّث محمد بن عيسى بن خالد عن عوسجة قال: «كنت أدعو ليله إلى زاوية دار عقيل بن أبي طالب التي تلي الباب, فمر بي جعفر بن محمد – يعني الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام – فقال لي أعن أثر وقفت هاهنا؟ قلت لا, قال هذا موقف نبي الله ص بالليل إذا جاء يستغفر لأهل البقيع».

لذلك كبر شأن البقيع وكثر رواده بقصد الدعاء والاستغفار أو التسلية, طبقاً للحديث الوارد (إذا ضاقت الصدور فعليكم بزيارة القبور) حتى أصبح ملتقى الجماعات, وأشبه ما يكون بالمنتدى والمجلس العام والظاهر أن هذه المقبرة ظلت عامرة بأضرحتها وأبنيتها الضخمة والقبب القائمة على مدافن المشاهير والأعلام, حتى جاء ذلك اليوم الأسود؟

 

لماذا هدم الوهابيون قبور البقيع الغرقد؟

يعتقد الوهابيون على خلاف جمهور المسلمين أن زيارة وتعظيم قبور الأنبياء وأئمة أهل البيت عبادة لأصحاب هذه القبور وشرك بالله يستحق معظمها القتل وإهدار الدم!.

ولم يتحفظ الوهابيون في تبيان آرائهم، بل شرعوا بتطبيقها على الجمهور الأعظم من المسلمين بقوة الحديد والنار.. فكانت المجازر التي لم تسلم منها بقعة في العالم الإسلامي طالتها أيديهم، من العراق والشام وحتى البحر العربي جنوبا والأحمر والخليج غربا وشرقا.

ولقد انصب الحقد الوهابي في كل مكان سيطروا عليه، على هدم قبور الصحابة وخيرة التابعين وأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) الذين طهرهم الله من الرجس تطهيرا..

وكانت المدينتان المقدستان (مكة والمدينة) ولكثرة ما بهما من آثار دينية، من أكثر المدن تعرضا لهذه المحنة العصيبة، التي أدمت قلوب المسلمين وقطعتهم عن تراثهم وماضيهم التليد. وكان من ذلك هدم البقيع الغرقد بما فيه من قباب طاهرة لذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته وخيرة أصحابه وزوجاته وكبار شخصيات المسلمين.

الوهابيون قد قدموا إلى تهديم قبور البقيع مرتين في التاريخ المشؤوم:

الوهابيون وكما هو معروف قد ورثوا الحقد الدفين ضد الحضارة الإسلامية من أسلافهم الطغاة والخوارج الجهلاء فكانوا المثال الصادق للجهل والظلم والفساد فقاموا بتهديم قبور بقيع الغرقد مرتين:

الأولى عام 1220هـ كانت الجريمة التي لا تنسى، عند قيام الدولة السعودية الأولى حيث قام آل سعود بأول هدم للبقيع وذلك عام 1220 هـ وعندما سقطت الدولة على يد العثمانيين أعاد المسلمون بناءها على أحسن هيئة من تبرعات المسلمين، فبنيت القبب والمساجد بشكل فني رائع حيث عادت هذه القبور المقدسة محط رحال المؤمنين بعد أن ولى خط الوهابيين لحين من الوقت.

 

الثاني: عام 1344هـ

ثم عاود الوهابيون هجومهم على المدينة المنورة مرة أخرى في عام 1344هـ وذلك بعد قيام دولتهم الثالثة وقاموا بتهديم المشاهد المقدسة للائمة الأطهار عليهم السلام وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله بعد تعريضها للإهانة والتحقير بفتوى من وعّاظهم.

فأصبح البقيع وذلك المزار المهيب قاعا صفصفا لا تكاد تعرف بوجود قبر فضلا عن أن تعرف صاحبه.

 

أول ما بدؤوا به؟

وكانوا قد بدأوا في تهديم المشاهد والقبور والآثار الإسلامية في مكة والمدينة وغيرهما.. ففي مكة دُمرت مقبرة المعلى، والبيت الذي ولد فيه الرسول (صلى الله عليه وآله).

أما ما يسمى بنكبة البقيع حيث لم يُبق الوهابيون حجراً على حجر، وهدموا المسجد المقام على قبر حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء ومسجد الزهراء (عليه السلام) واستولوا على أملاك وخزائن حرم النبي (صلى الله عليه وآله).. وهُدمت قبور أهل البيت النبوي (عليه السلام).

والمزارات والأماكن المقدسة لمطلق المسلمين سنة وشيعة، فقد وصفها عون بن هاشم، حين هجم الوهابيون على الطائف بقوله: (رأيت الدم فيها يجري كالنهر بين النخيل، وبقيت سنتين عندما أرى الماء الجارية أظنها والله حمراء)(1).

وكان ممن قتل في هذه الهجمة التاريخية المشهورة التي تدل على همجيتها على البعد البعيد للوهابية عن الإسلام ووجههم المزري والمشوه للإسلام ـ الشيخ الزواوي مفتي الشافعية وجماعة من بني شيبة (سدنة الكعبة)...

هذه أسماء القباب الشريفة التي هدموها في الثامن من شوال سنة ( 1344 ) في البقيع خارجه وداخله:

الأول: قبة أهل البيت عليهم السلام المحتوية على ضريح سيدة النساء فاطمة الزهراء - على قول - ومراقد الأئمة الأربعة: الإمام الحسن السبط، والإمام زين العابدين، والإمام محمد الباقر، وابنه الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهم الصلاة والسلام، وقبر العباس بن عبد المطلب عم النبي، وبعد هدم هذه القباب درست الضرائح.

الثاني: قبة سيدنا إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

الثالث: قبة أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

الرابعة: قبة عمات النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

الخامسة: قبة حليمة السعدية مرضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

السادسة: قبة سيدنا إسماعيل ابن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.

السابعة: قبة أبي سعيد الخدري.

الثامنة: قبة فاطمة بنت أسد.

التاسعة: قبة عبد الله والد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

العاشرة: قبة سيدنا حمزة خارج المدينة.

الحادية عشرة: قبة علي العريضي ابن الإمام جعفر بن محمد خارج المدينة.

الثانية عشرة: قبة زكي الدين خارج المدينة.

الثالثة عشرة: قبة مالك أبي سعد من شهداء أحد داخل المدينة.

الرابعة عشرة: موضع الثنايا خارج المدينة.

الخامسة عشرة: مصرع سيدنا عقيل بن أبي طالب عليه السلام .

السادسة عشرة: بيت الأحزان لفاطمة الزهراء.

 

وهذه أسماء المساجد:

مسجد الكوثر، ومسجد الجن، ومسجد أبي القبيس، ومسجد جبل النور، ومسجد الكبش.. إلى ما شاء الله. كهدمهم من المآثر والمقامات وسائر الدور والمزارات المحترمة.

هدموا قباب عبد المطلب جد النبي (صلى الله عليه وآله) وأبي طالب عمه وخديجة أم المؤمنين وخربوا مولد النبي (صلى الله عليه وآله) ومولد فاطمة الزهراء (عليها السلام) في جدة: هدموا قبة حواء وخربوا قبرها كما خربوا قبور من ذكر أيضا وهدموا جميع ما بمكة ونواحيها والطائف ونواحيها وجدة ونواحيها من القباب والمزارات والأمكنة التي يتبرك بها.

 

محطة للمتأملين:

 

 إن خفاء تاريخ البقيع, والجهل بحاله للناشئة والشباب في هذه العصور المتأخرة, ناشئ من قلة المصادر أولا, والتعتيم الإعلامي السعودي والغربي عليه، بحيث يقلل من أهميته, أو تزول أهميته بالمرة.

يُحشر من هذه المقبرة سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب.. في فضل البقيع:

وروى الطبراني في الكبير ومحمد بن سنجر في مسنده وابن شبّة في أخبار المدينة عن أم قيس بنت محصن، وهي أخت عُكاشة، أنها خرجت مع النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ إلى البقيع، فقال:

((يُحشر من هذه المقبرة سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، وكأن وجوههم القمر ليلة البدر)). فقام رجل فقال: يا رسول الله، وأنا. فقال: ((وأنت))، فقام آخر فقال: يا رسول الله، وأنا. قال: ((سبقك بها عُكَّاشة))، قال: قلت لها: لِمَ لم يقل للآخر؟ قالت: أراه كان منافقاً.

وروى ابن شبّة عن أبي موهبة مولى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ قال: أهبَّني رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ من جوف الليل، فقال: ((إني أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي))، فانطلقت معه، فلما وقف بين أظهرهم قال:

((السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهنَ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلتِ الفتنُ كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها، الآخرة شر من الأولى))، ثم استغفر لهم طويلاً.

ثم قال: ((يا أبا موهبة، إني قد أوتيتُ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي ثم الجنة))، قلت: بأبي وأمي خذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، قال: ((لا والله يا أبا موهبة، لقد اخترت لقاء ربي ثم الجنة)).

ثم رجع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ فبدأ به وجعه الذي قبض فيه.

هل نذكر بقيعنا الثاني اليوم ـ في ذكرى هدم قبور أئمة البقيع (عليهم السلام).