في عام 1337هــ.ش (1958م) وتزامناً مع ذكرى وفاة الإمام موسى بن جعفر (ع)، وفي بيت العالم الملتزم المجاهد آية الله علم الهدى وطأت أقدام وليد من آل محمد "ص" عتبة الحياة، فأسموه "حسين"، فكان حسيني المنهج والشهادة.

 

لقد أنِسَ حسين كلام الله وآيات القرآن الكريم وترعرع معها منذ الأيام الأولى لحياته. خلال الأعوام 1341، 1342هــ.ش (62ــ1963م) حيث كان حسين طفلاً في الخامسة والسادسة من عمره تعلم الجهاد في سبيل الله ومقارعة الطواغيت جيداً في بيته الذي كان مهداً لجهاد أبناء خوزستان. وقبل أن يتوجه إلى المدرسة لكسب العلم والمعرفة قصد مكتب القرآن، وفي الحادية عشرة من عمره كان يدرس القرآن في المسجد، وهكذا فقد صاغ ارتباطاً بين المسجد والمدرسة حيث التباعد المريع بينهما في عهد النظام البهلوي.

 

أول جهاد علني لحسين ضد النظام الملكي الفاسد كانت عملية إحراق "سيرك" للراقصات المصريات في الأهواز، وفي عاشوراء عام 1353هــ.ش (1974م) وفي ذروة القمع قام بالتعاون مع سائر أصدقاء بتنظيم تظاهرة إلى جانب مواكب العزاء المعتادة، وفي التظاهرة كتب الجميع على صدورهم "إن الحياة عقيدة وجهاد".

 

نظراً لأن الجامعة كانت أفضل مركز لتوسيع النشاط المعادي للنظام الطاغوتي، فقد قرر حسين دخول الجامعة نظراً لرغبته الشديدة في فروع العلوم الإنسانية، فقد تم قبوله في فرع التاريخ بجامعة فردوسي بمشهد.

 

في عام 1356هــ.ش (1958م) دخل حسين الجامعة فكانت منطلقاً لذروة جهاده الجامعي. ونظراً للتجارب السابقة والنشاطات التي كان يقوم بها ضد النظام عُرف حسين منذ الأيام الأولى بأنه مبدع النشاطات المناهضة للنظام عبر قيامه بالفعاليات الإبداعية البارعة خلال مدة وجيزة شأنه في ذلك شأن كافة الجامعيين. ومن بين هذه الفعاليات، بما أنه كان طالباً من عائلة علمائية فقد اتصل بالعملاء المجاهدين في مشهد وبعد فترة قصيرة أقام علاقات حميمة مع الآيات العظام السيد علي الخامنئي والطبسي والشهيد هاشمي نجاد وأخذ يتشاور معهم في القضايا والمشاكل الفكرية والسياسية.

 

اعتقل عدة مرات من قبل الشرطة في مشهد، لكنه أطلق سراحه بفطنته متميزة، ومع اشتداد الثورة بين الجماهير قرر اللجوء للعمل الجماهير لغرض تنمية نشاطاته وتوسيعها؛ ولتحقيق فكرته هذه سافر إلى الأهواز فبادر إلى تشكيل مجموعة "الموحدين" إلى جانب رفاقه، وفي مجموعة الموحدين كان المخطط والطليعة في المواجهات والنشاطات بسبب إبداعه الفريد وشجاعته الخارقة، ففي عملية الهجوم على القنصلية العراقية في خرمشهر كان مسؤولاً عن تحطيم وصب المحروقات داخل القنصلية، وكان له دور حيوي في عملية الإعدام الثوري لــ "پول گريم" المستشار المرتزق الأمريكي.

 

من الخصال البارزة في الشهيد همته الخارقة في استضافة وإعانة المظلومين والأطفال، ومع عودة الإمام كان لعلم الهدى مشاركة فعالة في لجنة استقباله. إقامة جلسات الخطابة في خوزستان، اغتيال "دانشي" النائب العميل في المجلس الوطني، اغتيال المستشار الأمريكي خلال حادثة إضراب عمال شركة النفط، تفجير مركز شرطة كرمان بسبب قتل المواطنين العزل داخل المسجد، تعدّ من بين الأعمال الجهادية التي قل نظيرها لهذا الشهيد العظيم.

 

باندلاع الحرب المفروضة وفي الأيام الأولى للحرب كان حسين وباعتباره مسؤولاً عن إرسال القوات بتنظيم وتقسيم المئات من القوات المجنّدة تنظيماً دقيقاً وإدارةً تامة وإرسالهم إلى المناطق الحربية، وبالرغم من هذا العمل المكثف كان يتوجه إلى إذاعة الأهواز يومياً لمدة ساعة ويقدم محاضرة حول غزوات النبي (ص)، وبعد أقل من شهر واحد كان "حسين" خلالها قائداً لحرس الثورة في الهويزة نفد بين عشائر المنطقة بحيث غدا حديث الجميع حتى اصطحب عشائر سوسنجرد والهويزة لزيارة الإمام "ره" لأول مرة. وبعد عودته إلى الهويزة شارك بعدة هجمات ناجحة. وخلال علمية الهجوم يوم أربعينية الإمام الحسين حيث كان يتولى قيادة ستين نفراً من الإخوة في الحرس وجهاد البناء والطلبة انبروا لمقاتلة البعثيين كفصيل اقتحام من المشاة، وإذا بهم يباغتون ــ للأسف ــ حيث حاصرتهم ما يقرب من أربعين دبابة تابعة للعدو، وبعد ساعات من مقاتلة العدو نفذت ذخيرتهم فواصلوا القتال عطاشى جياعاً حتى استشهدوا واحداً تلو الآخر كان آخرهم "حسين" الذي أحرق ثلاثاً من دبابات العدو بقاذفة "آر.بي.جي"، وأخيراً نال الشهادة الحسينية في كربلاء الهويزة يوم 16 من شهر دي عام 1359هــ.ش (1981م) وهو ينادي "الله أكبر" حاملاً القرآن بيده.

 

مقطع من حديث قائد الثورة الإسلامية سماحة آية الله السيد علي الخامنئي حول حياة الشهيد حسين علم الهدى والملاحم التي سطرها

 

"كانت لأخينا العزيز علم الهدى مشاركة فعالة في جلساتنا ودروسنا في مشهد، لكنني لم أكن أعرفه معرفة دقيقة كم هو إسلامي مبدع! إلى أن سافرتُ إلى الأهواز فكانت لي مع الشهيد بعض المواقف والذكريات، كانت آخرها يوم استشهاد حسين أي يوم 28 صفر حيث كنت واقفاً للصلاة إلى جانب كرخه نور، فشاهدت فجأة حسين علم الهدى ومجموعة من الأخوة من بينهم حسن قدوسي "نجل آية الله قدوسي"، قابلوني بكل حرارة ولطف وحماس بالغ وأنا بدوري سررت كثيراً للقائهم، وبعد قليل قلتُ لهم: "لقد وصل جيشنا وبإمكانكم العودة" بيد أن حسيناً رد قائلاً: "كلا يا سيدي الخامنئي، فإننا نريد التقدم إلى الأمام". وهؤلاء إنما مضوا إلى الإمام في الحقيقة وذهبوا للقاء الله.

 

فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً..