قائد فرقة 27 محمد رسول الله (ص)

 

الولادة والطفولة

 

ولد عام 1953م في أحد الأحياء الواقعة جنوب مدينة طهران وسط عائلة متدينة مؤمنة، وأمضى مرحلة الدراسة الابتدائية في مدرسة "مصطفوي" الإسلامية، وإلى جانب الدراسة كان يعين والده الذي كان يعمل بائعاً للحلويات في البازار. ومنذ سني صباه وعبر مساهمته الفعالة في المحافل الدينية والجلسات القرآنية في مساجد جنوب طهران وعى "أحمد" الظلم والإجرام الذي يرتكبه النظام البهلوي المشؤوم.

 

بعد إنهائه للدراسة الابتدائية واصل دراسته في المدرسة الصناعية مساءً وحصل عام 1972م على شهادة الدبلوم، ثم استدعي للتجنيد الاجباري، وأمضى الدورة التخصصية على الدبابات في شيراز، أرسل بعدها إلى سرپل ذهاب.

 

النشاط السياسي والديني

 

كان خلال فترة التجنيد الاجباري مؤمناً متديناً يعبر خلال حواراته عن معارضته للنظام الملكي الجائر. وبعد فراغه من التجنيد تم تعينيه في شركة إنشائية خصوصية، نقل بعد عدة أشهر إلى خرّم آباد، وهناك واصل نشاطاته السياسية التبليغية حتى ألقي القبض عليه في عام 1975م من قبل لجنة مشتركة لمكافحة التخريب تابعة للسافاك بعد طول ملاحقة ومطاردة؛ فأودع السجن وقضى فترة خمسة أشهر في زنزانة انفرادية بسجن فلك الأفلاك الرهيب في خرّم آباد. وكما يروي أحد رفاقه في السجن فقد ترك في قلوب مرتزقة السافاك السوداء حسرة سماع كلمة "آه" منه بالرغم من تجرعه الكثير من أنواع التعذيب البدني والنفسي حتى نقلوه إلى السجن العام الذي أمضى فيه ما يقرب من تسعة أشهر. ومع اشتداد تيار الثورة الإسلامية أطلق سراحه وعاد إلى أحضان الشعب. وبعد إطلاق سراحه كان له دور الرابط والمنسق في التظاهرات التي اندلعت في أحياء جنوب طهران لدى اندلاع الانتفاضة الدامية في قم وتبريز عام 1977مح فكانت له علاقة حميمة مع الحركات الطلابية الدينية وعلماء طهران المجاهدين.

 

ومع تصاعد وتيرة النهضة الإسلامية والمواجهة الشعبية ضد أزلام الطاغوت وصل مرات ومرات على حد الاستشهاد، وأبدى خلال يومي 21 و22 من بهمن عام 1978م جهداً وتضحية ملفتين للنظر. ولدى الانتصار الإعجازي للثورة الإسلامية تولى مسؤولية تشكيل اللجنة الثورية في محلته، ثم التحق بحرس الثورة الإسلامية حين تشكيله وشحذ همته جنباً إلى جنب رفاقه لتنظيم القوات بأقل الإمكانيات المتوفرة.

 

الجهاد ضد أعداء الثورة في كردستان

 

بعد اندلاع الفتنة في كردستان في 1979م توجه متطوعاً بمعية 66 من رفاقه إلى مدينة بوكان، فاستطاع من طرد الأشرار بفعل حنكته وقيادته الحازمة وتطهير المنطقة من دنس المعادين للثورة وعلى رأسهم عناصر الحزب الديمقراطي؛ وبعد تثبيت مواضع القوات الثورية في بوكان غادرها إلى "سقز" و"بانه". وفي مستهل دخوله مدينة "بانه" وردّاً على كمين غادرٍ نصبه أعداء الثورة ضد قافلة تابعة للجيش، قام بعمليات مضادة أنزل خسائر فادحة بهم خلّف أعداء الثورة خلال هذه المعركة أربعمائة أسير ومائتين من القتلى. ثم توجه مع مجموعة من المقاتلين ومنهم مساعده "الشهيد محمد توسلي" إلى مدينة سنندج لتحريرها. فاقتحم الفصيل الذي تحت إمرته من جانب الجناح الأيمن للمدينة الحصار الذي فرضه أعداء الثورة على المدينة، فقام إلى جانب قادة بواسل من أمثال محمد بروجردي وأصغر وصالي بتحرير سنندج وقصم ظهر دعاة الانفصال.

 

في شتاء عام 1358هــ.ش (1979م) صدرت له التعليمات بتحرير طريق باوه ــ كرمانشاه التي كانت خاضعة لأعداء الثورة، فانطلقت العمليات بقيادته وبالتنسيق مع حرس الثورة في باوه وتكللت بالنجاح التام؛ فدخل مدينة باوه إلى جانب سائر إخوته. وبعد مدة عيّن بأمرٍ من الشهيد بروجردي قائداً لحرس الثورة الإسلامية في باوه، وفي غضون هذه المدة خطط الحاج أحد ونفذ العديد من العمليات من بينها عمليات "نجار" في مرتفعات نورياب كانت أكثرها مكللة بالنجاح.

 

تحرير مدينة مريوان

 

في مطلع شهر خرداد عام 1359هــ.ش (1980م) أنيطت به مهمة تحرير مدينة مريوان التي كانت تحت سيطرة الزمر المحاربة، وكانت سيطرة المعادين للثورة على مدينة مريوان بنحوٍ كان بمقدورهم إحصاء الذين كانوا يتجولون داخل المدينة. من هنا ومجرد هبوط المروحية على أرض المطار تعرض الحاج أحمد ومن كانوا برفقته إلى نيران مكثفة. وبعد دخول الحاج إلى المدينة وتنظيمه للقوات استطاع ومن خلال هجوم خاطفٍ ومفاجئ تحرير مدينة مريوان وضواحيها من دنس الزمر المعادية والاستقرار داخل هذه المدينة.

 

منذ ذلك الحين أنطيت به مسؤولية قيادة حرس الثورة الإسلامية في مريوان، وباشر فوراً برفقة الشهداء الأبرار من قبيل الحاج عباس كريمي، السيد محمد دستواره، رضا جراغي، حسين قوجه أي، حسين زماني، محسن نوراني وعلي رضا ناهيدي لتطهير مواقع عملاء الاستكبار من حزب الكوملة والديمقراطيين والرزگاريين، فكان الرعب والخوف الذي زرعه في قلوب أعداء الثورة السوداء بمستوى إذا ما تناهى إلى إسماع المعادين للثورة خبر نية الحاج أحمد في شن هجوم عليهم تؤثر العناصر المعادية للثورة الهروب على البقاء وينسلون من أرض المعركة كالثعالب.

 

وحري اعتباراً تحرير مرتفعات دزلي المطلة على مدينة بنجوين العراقية التي كانت بمثابة البوابة التي تتسلل منها العناصر المناهضة للثورة إلى أرض إيران الإسلام، من ثمار الكفاءة القتالية الصارمة للحاج أحمد والثلة القليلة من رفاق دربه في منطقة كردستان. والملفت للنظر أن بني صدر اللعين كان يأبى تقديم الإمدادات اللوجستية لقوات الحرس الثورة في كردستان ومن بينها مريوان بل أصدر أمراً صارماً وخطياً بعدم تزويد الحرس في مريوان ولو بإطلاقة واحدة. هكذا كان الحاج أحمد منهمكاً بصراعٍ يتسم بالمظلومية في ظل مثل تلك الظروف القاسية.

 

وبعد طرد بني صدر عن الجهاز التنفيذي للبلاد ومجيء أبناء حزب الله للحكم، انطلقت عمليات محمد رسول الله المصيرية في شهر دي عام 1359هــ.ش (1981م) وفي ليلة السابع والعشرين من رجب ذكرى بعثة الرسول الأكرم (ص)، من محوري مريوان وباوه باتجاه منطقة خرمال وكانت بقيادة الحاج أحمد والحاج همّت، حيث وصل مقاتلو الإسلام حتى الحدود الدولية، وتعتبر هذه العمليات في الحقيقة حجر في تشكيل لواء 27 محمد رسول الله (ص).

 

المسالمة في الدفاع المقدس

 

بعد عودة الحاج أحمد من الحج، كلّف بمواصلة قتاله الدؤوب في جبهات الجنوب، وصدر له الإيعاز من القائد العام لحرس الثورة الإسلامية بتشكيل لواء محمد رسول الله (ص) ــ الذي تحوّل إلى فرقة فيما بعد ــ بالاستعانة بالأخوة في حرس الثورة من مريوان وباوه ويتولى بنفسه قيادة هذا اللواء. وفي غضون فاصل زمني قصير توجه الحاج أحمد يرافقه سائر الأمراء المشهورين في كردستان وبرفقة الشهيد بروجردي إلى جبهات الحرب لرسم الخطط الدفاعية الحديثة للذود عن الوطن وتنظيم البرنامج الثقافي للوحدات القتالية النظامية والآلية لحرس الثورة في الجنوب والإسراع في تحرير أراضي خوزستان المغتصبة.

 

ولغرض المساهمة في عمليات "الفتح المبين" استعد مقاتلو لواء 27 محمد رسول الله "ص" بعد خضوعهم لدورة تدريبية مكثفة على يدي الحاج أحمد، وعشية الثاني من فروردين (عام 1981م) نزلوا ساحة القتال في محور دشت عباس "جنانة" فكان لهم دور فعال في هذه المعركة الظافرة.

 

وبعد فترة صدرت الايعازات للوحدات المقاتلة للاعداد لعمليات بيت المقدس. وبالإضافة لمسؤوليته الجسيمة في آمرية اللواء شارك الحاج أحمد في مكافحة عمليات الاستطلاع، فكان يستطلع عن قرب الخطوط العامة للعمليات من خلال نفوذه إلى قلب مواقع العدو. فانطلقت عمليات بيت المقدس وهاجم مقاتلو الإسلام بقيادة الحاج أحمد مواقع العدو من محورين، وكانت نقطة انطلاق العمليات منطقة دارخوين باتجاه طريق الأهواز ــ خرمشهر ثم اتجهت بعد عبور القوات من نهر الكارون المتلاطم الأمواج نحو قلعة "مارد"، وبالرغم من كثافة النيران المتواصلة التي كانت توجهها وحدات المدفعية في جيش بعث العراق أفلح مقاتلو الإسلام من شل حركة قوات العدو في هذه المحاور بل دحر هجماتهم المضادة. يقول أحد القادة العسكريين بشأن دوره ــ أحمد ــ الحيوي في عمليات بيت المقدس "لولا قيادة الحاج أحمد الحازمة وعمله المناسب بعد ظهر اليوم الأول لعمليات بيت المقدس على طريق الأهواز ــ خرمشهر لواجهت العمليات مصاعب جمة، فحينها أمسك بندقيته الكلاشنكوف وقاوم حتى قارب الاستشهاد، وتأسياً به أبدى المقاتلون مقاومة باسلة وبالنتيجة تمت المحافظة على طريق الأهواز ــ خرمشهر".

 

وبالرغم من شدة جراحه التي أصيبت به قدمه أبى مغادرة ساحة المعركة وقام بنقل قواته عبر المواضع المحصنة وحقول الألغام المتعددة بكل صلابة واقتدار، وأخيراً في الساعة 11 من صبيحة يوم الثالث من خرداد عام 1361هــ.ش (1982م) وطأت أقدام بواسل لواء 27 محمد رسول الله "ص" يتقدمهم القائد الحاج أحمد متوسليان إلى جانب سائر وحدات حرس الثورة تراب خرمشهر الطاهر.

 

وفي حديث قصير له عصر ذلك اليوم أمام المسجد الجامع في خرمشهر، قال مخاطباً التعبويين الشجعان: "إن كافة أعزتنا الذين خضبوا بدمائهم ونالوا الشهادة حتى يومنا هذا إنما ذلك من أجل الإسلام، ورغم أن فراقهم يلهب قلوبنا لكننا نحمد الله أن استطعنا اليوم إدخال السرور إلى قلب أمامنا بتحريرنا لخرمشهر".

 

وإثر تحرير خرمشهر حضر الحاج أحمد برفقه سائر القادة من فاتحي خرمشهر لدى القائد العام للقوات المسلحة سماحة الإمام الخميني (قده)، وخلال ذلك اللقاء تفقد، الإمام الخميني "ره" هؤلاء القادة الأبطال لاسيما الحاج أحمد تفقداً حاراً.

 

التواجد في لبنان

 

لما يزل يشعر الحاج أحمد فتح خرمشهر حتى تناهى لأسماعه خبر الغزو الصهيوني الآثم لأرض لبنان، فتوجه إلى سوريا برفقة وفد دبلوماسي رفيع من مسؤولين سياسيين وعسكريين في بلادنا في مهمة لدراسة سبل تقديم العون للشعب اللبناني المظلوم الأعزل.

 

المزايا الأخلاقية

 

وعيه ومعرفته العالية بالقضايا السياسية والاجتماعية كانت من بين الخصال البارزة لهذا القائد العظيم. كان دقيقاً في تدابيره وقراراته. كان يحكم القلوب إلى جانب حزمه وحاضراً في عمق المشكلات، لهذا لم يبق وحيداً في أحرج الظروف، ولم يك يستعين كثيراً من إمكانيات القوة التي تحت إمرته. ورغم تعاطيه الحازم في أمر القيادة لكنه كان ذا عاطفة متسامية، وبالإضافة إلى تصديه للقيادة كان يشارك الأفراد الذين تحت إمرته في الأعمال الجماعية من قبيل بناء الخنادق، تنظيف المكان، غسل الأواني... الخ. ومن مزاياه الأخرى حب المطالعة والتباحث حول الأخبار والأحداث، وكان يتباحث حول القضايا العقائدية في الحالات الضرورية بين جمع رفاقه في.

 

كان الحاج أحمد يولي تكريماً خاصاً للشهداء وعوائلهم المكرّمة، فكان يزور مراقد حيثما سنحت الفرصة ويسعى لحل مشاكل هذه عوائلهم العزيزة وتوفير ما تحتاجه، ويتحرق حزناً لفراق رفاقه. مما ينقل عنه أنه حينما كان يحضر عند مرقد الشهيد جهان آرا كان يذهل عن نفسه فيبكي ويناجي روحه الطاهرة ساعات وساعات. وينقل أخ له آخر: ذات ليلة انهمك بالبكاء والصلاة حتى الصباح إلى جوار المرقد الطاهر للسيدة زينب (سلام الله عليها)، وعند السحر جاء إلى مرافقيه في السفر بوجه بشوش وشفاه باسمة، وحين سألوه عن السبب في سروره، أجابهم: منذ الليل وأنا أذرف الدموع لفراق إخوتي الشهداء لاسيما الشهيد محمد توسلي، وتوسلت بعمة السادات علّها توليني رعايتها فيما يخص أمري، وما هي إلاّ لحظات حتى شاهدت شيخاً نوراني الوجه ذا لحية بيضاء يرتدي زي تعبوي جاء ووقف إلى جانبي وقال: لا تعجل يا بني، لقد اقترب أوان استجابة دعائك.

 

كيفية الأسر

 

في الرابع عشر من شهر تير عام 1361هــ ش (1982م) ولدى دخول السيارة التي تقل الوفد الدبلوماسي الإيراني وأثناء عبورها في حاجر للتفتيش تابع لأزلام حزب الكتائب تم إيقاف السيارة واختطاف ركابها الأربعة بالرغم من حصانتهم الدبلوماسية على أيدي قراصنة البشر عملاء الكيان الإرهابي في تل أبيت. وبعد التعذيب والاستجواب سلموا إلى الجيش الإسرائيلي، وما من خبرٍ عن مصيرهم إلى الآن، بينما عيون رفاق هذا المهاجر إلى الله ترنو نحو الطريق عسى أن يصل خبرٌ منه ومن صحبه. 

 

 اللهم فك كل أسر