استشهادي من عصر النبوة

 

محمد فرحات، سبعة عشر عاماً فقط... حمل سلاحه ومضى في رحلته الأخيرة باتجاه مقاتلة الأعداء.. لم يدخل كلية عسكرية يتعلم فيها فنون القتال واقتحام المواقع، بل تعلم على يد والدته مريم (أم نضال) كيف يؤمن بالله لتزول من أمام عيونه كل العقبات والحدود... علمته أمه معنى الجهاد، وأن هناك حياة النعيم، فزهد في الدنيا وبدأ رحلة البحث عن الأخيرة عبر قتال اليهود الذي قتلوا الآلاف من أبناء شعبه.  

 

الصلاة الأخيرة

 

خرج محمد من بيته في حي الشجاعية في غزة باتجاه مخيم رفح مروراً بحواجز الاحتلال المنتشرة على طول الطريق في قطاع غرة.. ربما شاهده أحد جنود الاحتلال ولكنه لم يأبه بهذا الفتى الذي ما زال يحمل في وجهه علامات الطفولة.. ربما فكر جندي آخر أن يطلق عليه الرصاص كما هي عادتهم في الانتفاضة حيث تحول حواجز العدو إلى مصائد للموت.. أما محمد فكان عقله وقلبه يأخذانه نحو معركته التي بدأ الاعداد لها مبكراً.. كان يراجع الخطة للمرة الألف ويتخيل نفسه وسط حشود الجنود الصهاينة يقارعهم ويجندلهم حتى يلقى الله سعيداً بالنصر والشهادة.

 

قبل أن يخرج في رحلته الأخيرة توضأ محمد للصلاة وأقسم أن يجعل من دمه سيفاً مسلطاً على أولاد الأبالسة شارون وموفاز وغيرهما من مجرمي الحرب الصهاينة الذين التصقت أشباحهم بهواء وتراب وسماء الوطن وظلت تطارده. وعندما وصل إلى المسجد الذي درج على الصلاة فيه في حي الشجاعية منذ أن أصبح شبلاً في مدرسة الشهيد عماد عقل الذي استشهد في منزلهم كان موعد الرحلة قد بدأ.

 

كان يدرك أن مهمته مستحيلة.. وأن جيشا يمتلك من الدبابات والطائرات والصواريخ والعتاد أكثر بكثير مما تحمل جعبته وصدريته من الرصاص والقنابل، ولكنه قبلها دون تردد.. فقد تعلم كيف يحول لحمه وعظمه إلى شظايا تنفذ في الحديد.. وهل يتردد تلميذ ترعرع في مدرسة الشهيد عماد عقل؟  

 

تربية استثنائية

 

ورد والدته التي علمت أن ابنها في طريقه للشهادة، فقبلته وأوصته بذكر الله وأن ينتصر على الأعداء قبل أن ترتفع روحه الطاهرة إلى بارئها، فقد كانت تعلم أن من يدخل إلى المستوطنات لا يعود منها إلا شهيداً، وبرغم ذلك لم تذرف عليه الدموع وقالت لنا "لو كنت أعرف كيف أزغرد فرحاً بخير استشهاد ابني لفعلت".

 

أم نضال روت لنا الأيام التي سبقت استشهاد ابنها، وقالت "كانت الجنة أمام عينه، كان فرحاً لأنه حدد موعد استشهاده.. رفض أن يذهب لأي مكان قبل استشهاده بأيام. كان يقول لي أنا لا أستطيع فعل شيء سوى انتظار الشهادة.. كنت أوصيه بمزيد من الصلاة وقراءة القرآن حتى يوفقه الله.. كنت أخشى من شيء واحد؛ أن يقتل محمد دون أن يشفى صدورنا من اليهود".

 

وأضافت: "في هذا المنزل كان الشهيد عماد عقل يخطط لعملياته وعلى باب منزلنا استشهد عماد.. كان محمد ساعتها في العاشرة من عمره.. ولقد اعتقل ابني نضال لحظة استشهاد عماد ولم يزل في المعتقل".

 

متابعة دقيقة للعملية

 

في هذه الأجواء وصل محمد إلى رفح وهاتف والدته للمرة الأخيرة عبر هاتفه الخلوي فأوصته مرة أخيرة بألا يتردد، فتقدم نحو المستوطنة وقطع حدودها دون أن يشعر به الحراس الكثر، وتمكن من الوصول إلي غرف التدريب حيث ألقى قنابله عليهم وأتبعها برصاص غزير من رشاشه محولا حياتهم إلى جحيم، وظل يطلق النار لعشرين دقيقة تمكن خلالها من ألقاء تسع قنابل يدوية وإفراغ تسعة أمشاط من الذخيرة. في عشرين دقيقة فقط سيطر محمد على "عتصمونا" غوش قطيف، وكان وحيداً في مواجهة المستوطنين والجنود.

 

استشهد محمد وترك الصهاينة في رعبهم، وسؤال واحد يطاردهم: هل كنا نقاتل طفلاً أم شبحاً أم جيشاً بأكمله، وكيف غافلنا في قلبنا؟