الميلاد والنشأة

 

ولد الشهيد محمد سعيد الجمل في بلدة «العريش» جنوبي مخيم رفح في أسرة متدينة ومحافظة على تعاليم الإسلام وروعته.ا عاش مع والدته رحلة العذاب المضنية، فلقد انتقل والده من العريش إلى مخيم رفح بعد حرب حزيران 1967.

 

لقد شاهد بأم عينيه جنود الاحتلال سنة 1967 وهم يطلقون النار على والده والذي أصابوه بست عشر رصاصة اخترقت جسده، وكان محمد لم يتجاوز الأربع سنوات، ولكنها الصورة التي طُبعت في ذاكرته حتى كانت حافزاً قوياً في إشعال النار التمرد في نفس محمد.. وشاهدهم مرة أخرى وهم ينهالون ضرباً على والده.. و هكذا نشأ الشهيد في جو ممزوج بالإسلام.. وظلم بني يهود الذي أجّج احتراق الشهيد.. وبعد ذلك استقر الشهيد مع أسرته في مخيم رفح وبقى والده في العريش يتقاسم لوعة الأيام مع غربة وفراق أبنائه الثمانية.

 

صفاته

 

تميز الشهيد محمد بالهدوء الشديد وبالابتسامة التي لم تغب لحظة عن شفتيه..

 

لقد حافظ على الصلاة منذ الصغر وتمسك بكتاب الله فصدق إخلاصه.. حتى أصبح فيما بعد أحد الخطباء النشيطين في مخيم رفح.. أحبه كل من عرفه خلال حياته وحتى في السجون الإسرائيلية عرف بصوته العذب في قراءته للقرآن حتى أن إخوته المجاهدين كانوا يطلبون منه دوماً أن يؤم في المصلين..

 

ساهم في تخريج العشرات من أبناء هذا الخيار ولم يتوان لحظة في تدريسهم لقواعد الإسلام ومنهجه القيم..

 

يصفه أحد إخوانه.. عندما استشهد محمد ظننا أن شيئاً ثميناً قد ذهب من ندرة أمثاله في الأخلاق والأدب.

 

الاعتقال الأول ــ مشواره الجهادي

 

أعتقل الشهيد محمد الجمل سنة 1981 بتهمة العضوية في جبهة النضال الشعبي وسجن لمدة عامين عاش خلالها في إحدى السجون العبرية.. تعرف على العديد من الشخصيات الإسلامية التي كان لها الفضل الكبير من بعد الله في تحول هذا الفارس الجديد.. حتى التحق بالجماعة الإسلامية.

 

انكب الشهيد على دراسة مبادئ الإسلام الحركية.. وتشرب فكر الجهاد والذي بدأ وكأنه شيئاً غريباً وقتها.. حتى أنه وبعد خروجه من السجن بدأت تتكون أولى المجموعات الجهادية التي كان هو أحد مسؤوليها.. عُرف بصحبته المتميزة مع الدكتور فتحي الشقاقي من خلال مرافقته للندوات الفكرية.. وقد لوحظ تأثير الدكتور الواضح على عقلية هذا الفارس الجميل..

 

مشواره الجهادي

 

عملت مجموعته في وسط القطاع حيث كان من ضمن رفاقه الفارس البطل خالد الجعيدي الذي قتل أربعة إسرائيليين في غزة، وفجر هو إخوانه من أبناء الجهاد الإسلامي معركة «السكاكين» قبيل الانتفاضة بشهور.. وكذلك خطط لقتل العديد من المتعاونين مع الاحتلال وزرع العبوات الناسفة.. وما لبث أن اعتقل الشهيد خالد مع بقية أخوته أمثاله الشهيد عمر الغولة وآخرين..

 

وكان الشهيد قد تعرض لأبشع الأساليب للنيل منه ولكنه لم يدل بأي كلمة قد تتسبب في وقف الجهاد.. ولكن وبعد وقت قصير من التحقيق مع أفراد المجموعة تبين أن الشهيد (محمد الجمل) هو المخطط الرئيسي لعمليات خالد الجعيدي وكذلك هو صاحب وضع العبوات الناسفة على جانبي الطريق.

 

وبعد ذلك؛ انتقل الشهيد إلى عُرف الأحكام العالية التي ميزت محمد الخالد من جديد.

 

كان البطل الخالد قمة العطاء اللامحدود، لقد عمل على تدريس أخوته المجاهدين، وزرع بوادر وخطوط الجهاد الإسلامي، فكانت الجلسات يومياً من ثلاثة إلى أربعة دروس يتكفل في إعطاء قدر منها.

 

ولقد لمع اسم الشهيد الخالد في السجن بعد أن فرض احترامه على الجميع حيث كان من السباقين لفعل الخير من موقع المسؤولية، وكان الشهيد يعمل على حل مشاكل إخوانه ويواسيهم ويدخل الفرحة إلى نفوسهم..

 

الهروب الكبير

 

إنه القائد الوردي الذي تعرف على رفاقه الأطهار مصباح الصوري وسامي الشيخ خليل الذين رسموا معه ملامح هذا الفكر الرباني..

 

خطط هؤلاء الأطهار للهروب من السجن وبالفعل أدخلوا الأدوات الحادة وتم تهريبها بطرقهم الخاصة وبدأوا يعملون بسرعة كاملة إلى أن فوجىء من في الغرفة نفسها والتي عاش فيها الشهيد ورفاقه بتوديع إخوانهم الأحرار وذلك قبل الهروب بلحظات..

 

وفي 17 من شهر رمضان سنة 1987 وبعد قيام الليل قرر المجاهدون الهروب وبرعاية الله وفضله كانت السماء مليئة «بالضباب» والحراس غافلين، وخرج المجاهدون الستة من السجن وبذلك استطاعوا أن يحطموا أسطورة الوهم التي يتباهى بها الطغاة.. لقد فر ستة مجاهدين في وقت واحد..

 

وبعدها بدأت مرحلة جديدة من الجهاد والمطاردة وبالرغم من وجود أوامر حركية للخروج قرر الشهداء مصباح الصوري ومحمد الجمل وسامي الشيخ خليل البقاء مرابطين على أرض الوطن ليجاهدوا في سبيل الله ولتعلوا راية الحق..

 

لقد بدأوا بالاتصال مع المعلم الفارس الدكتور فتحي الشقاقي وهو في (نفحة) وعمل على دعمهم بالسلاح والعتاد اللازم لتتم بعد ذلك أروع العمليات الجهادية التي كانت وباعتراف المعلق السياسي الإسرائيلي (زئيف شيف) لها الفضل الكبير في تأجيج الانتفاضة / الثورة لدى الفلسطينيين.

 

فقد قتلوا ضابطاً كبيراً في الجيش الصهيوني يدعى (رون طال)، وكذلك قتل أحد الصهاينة على يد الشهيد البطل محمد الجمل بالقرب من ناحال عوز، ولم يكتفوا بذلك بل خططوا للهجوم على موقع إسرائيلي وخلال ساعات ثم نقل الموقع قبل بدء المعركة!!!

 

لقد اشتد الحصار على المجاهدين وتم مراقبة تحركاتهم بعد أن رُسمت مرحلة جديدة من مراحل الشعب الفلسطيني المليئة بالأحزان، ليأتي الأقمار الخمسة ليغيروا هذا الشعور بالعزة بدل الذل وبالكرامة بدل الرضوخ للباطل.

 

الاستشهاد

 

وفي السادس عشر من تشرين كان موعد الأقمار مع الله.. كان هذا اليوم هو المحطة الأخيرة في حياة الشهداء..

 

لقد كمن رجال المخابرات للمحاربين، وقبل وصولهم لموقع الكمين تنبه الشهيد سامي الشيخ خليل والشهيد المجاهد محمد الجمل لهم وبادروا بإطلاق النار حتى سقط ضابط المخابرات (فكتور إرغوان) قتيلاً، واستمرت المعركة مدة نصف ساعة جابت خلالها الطائرات والجيوش المدرعة بالسلاح.

 

نعم سقط أربعة أقمار محمد وزهدي وسامي وأحمد أولهم محمد الجمل الذي أصر وحتى آخر أنفاسه أن يدافع عن حل الأمة.. فسقط الشهيد محمد مستبشراً بالذين لم يلحقوا به.

 

شعور الأهل

 

تقول أم الشهيد محمد: لقد كان يطلب مني دوماً الدعاء له بالشهادة، الشهادة خلال مطاردته، والتي كانت تجيبه (والله لا أكره لك أن تستشهد في سبيل الله).

 

وهكذا بدأ الأقمار بدمائهم الرحلة وسيظل الأحرار على دربهم: النصر أو الشهادة.