الشهيد المجاهد محمد باقر إبراهيم الموسوي (السيّد عماد)

 

اسم الأم: حميدة محسن الموسوي

 

محل وتاريخ الولادة: النبي شيت 4/11/1980

 

الوضع العائلي: متأهل وله ولد‏

 

مكان وتاريخ الاستشهاد: قرية الغجر 21/11/2005‏

 

حينما يطلُّ على دراجته النارية، تحسبه مارداً يعتلي صهوة الريح العاصفة.. وإذا ما ترجَّل وابتسم مسلِّماً، يلفحكَ صوته كنسيمٍ باردٍ عليلٍ في حرّ صيفٍ... هو السيّد عماد، الفتى الذي بدأ بمساعدة الإخوة في التعبئة العامة وهو ابن عشر سنوات، مُجِدَّاً في بناء ذاته من النواحي الدينية والثقافية والبدنية، ليختصر على نفسه الكثير من الوقت إذا ما حان موعد التحاقه بالمجاهدين، ما سمح له بالمشاركة في مهمات عسكرية وجهادية أثناء انتسابه إلى صفوف التعبئة، حتى إذا ما تقدَّم بطلب التفرغ في صفوف المقاومة عام 1998 كان شاباً يحملُ مخزوناً متراكماً من الخبرة والوعي والفهم الحقيقي للعمل المقاوم، وكيف لا يكون كذلك وهو ابن قرية سيد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي (رض) وقد اتخذ محمد باقر من زوايا مقام السيد عباس الموسوي (رض) محراباً له، وتلقى هناك الدروس الثقافية التي واظب على حضورها، مثبِّتاً بالحضور في المقام التديُّنَ العميقَ والروحيةَ العاليةَ.‏

 

لم يعرف محمد باقر الركون ـ ولو للحظة ـ إلى الدعة والراحة، فهو دائم البحث عن عملٍ يقوم به، فكان فتىً صغيراً يعمل في محل للسمانة إلى جانب متابعته لدراسته؛ وذلك ليعين والده في مصاريف العائلة الكبيرة التي تتألف من أحد عشر ولداً. وإذا كان قد أعطى دراسته الاهتمام الكافي، إلّا أنّه وصل إلى مرحلة لم يستطع بعدها تأجيل التحاقه بالمجاهدين، فخيّر نفسه بين متابعته لدراسته الأكاديمية أو الذهاب إلى المحاور، تلك المحاور التي عشق الذهاب إليها طفلاً، فكيف إذا ما كان شاباً في مقتبل العمر؟! وسرعان ما أخذ قراراً بترك كل شيء يربطه بالدنيا والسير في طريق الجهاد غير عابئ بشيء إلا بالشوق الذي يحدوه ويدفعه للوصول باكراً.‏

 

محوران لم يهجرهما محمد باقر قط؛ تلاوة القرآن يومياً بعد صلاة الصبح إلى شروق الشمس؛ ومحاور المقاومة الإسلامية، حيث كان يقضي معظم وقته. ولكم كان يسوؤه رؤية بعض الناس يقدسون كتاب الله العزيز وهم عن قراءته وتدبره بعيدون، فكان يحث من حوله على المواظبة على قراءة القرآن، لأنه الخلاص الوحيد للنفس من أدران الدنيا وحبائلها.‏

 

أما محاور المقاومة، فقد شهدته فتى طريّ العود، يتمشى تحت المواقع ليرصد تحركات العدو، فشجاعته وإقدامه دفعا الإخوة في المقاومة إلى تكليفه بالعديد من المهمات الحساسة والخطرة، فهو مثلاً دكّ في إحدى عمليات المقاومة أكثر من 25 موقعاً للعدو الصهيوني وعملائه إبان الاحتلال الإسرائيلي للجنوب على مدى خمس وأربعين دقيقة، ما أربك العدو الذي لم يرد على مكان إطلاق النيران ولو بطلقة رصاص! كما أنه دمَّر ثلاث دبابات وموقعين خلال عملية التحرير.‏

 

عاصر محمد باقر الكثير من الشهداء، وكان أقربهم إليه الشهيد القائد الحاج علي مظلوم (ولاء) الذي ربطته به علاقة قوية. وقد استشهد الأخير في شباط من العام 2000 أي قبل التحرير بثلاثة أشهر، فعاش محمد باقر هاجس البقاء بعد التحرير، وصار يترقبُ أي عملٍ جهادي على أحر من الجمر خوفاً من أن تنحسر فرص الشهادة أمامه.‏

 

واكب محمد باقر تطوير أدائه العسكري وبلورة ثقافته الدينية، فلم يركن للحظة إلى نفسه. وكان عند عودته من المحاور يعملُ بكدٍّ ليعين والده، ويتفقد إخوته وأقاربه ويتابع أخبارهم بدقة حتى لا يفوته واجب تجاه أحد منهم.‏

 

تميّز محمد باقر بمبادرته لمساعدة الناس وخدمتهم، حتى وكأنه لا يوجد بيت في النبي شيت إلا ولمحمد معه قصة، لذلك عندما استشهد، عبّر أهالي القرية أن كل عائلة فقدته ولداً مخلصاً لها.‏

 

في العام 2003 تأهل محمد باقر ورزقه الله تعالى فتى صغيراً لم يكد يبلغ السنة من عمره حين استشهد والده. ولكن محمداً استغل هذه السنة ليعيش مع طفله الصغير أجمل لحظات الأبوة، وكان يحدثه وكأنه فتىً يفهمُ ما يقوله له، حتى إذا ما غادره ظلّ في مخيلته طيفاً جميلاً..‏

 

حينما أُبلِغَ محمد باقر بأنه سيكون من ضمن المجموعة التي ستشارك في عملية الغجر لم يصدق نفسه. وكانت تلك العملية من أكثر العمليات العسكرية دقة وخطورة، وقد تفاجأ العدو الصهيوني بها وأربكته جداً، وسجلّت نجاحاً على الرغم من عدم التوفيق في نتائجها.‏

 

وقد أكدت هذه العملية الوهن الذي يستشري في صفوف الجيش الإسرائيلي الذي حاول جاهداً لملمة آثار الخسارة التي مُني بها.‏

 

عاد الحالم بالشهادة شهيداً إلى قريته «أُمِّ الشُّهداء». وتسابق المجاهدون الجدد إلى انتقاء اسمه الجهادي «السيد عماد» اسماً جهادياً لهم، حتى وكأن السيد الشاب الذي غاب وهو في الخامسة والعشرين من عمره، قد عاد ظلاً يرافق كل مجاهد ينطلق من النبي شيت إلى محاور الجنوب..‏

 

من وصيته‏

 

* إلى مجاهدي الانتفاضة في فلسطين:‏

 

أدعوكم من كل قلبي إلى أن تكونوا عند حُسن ظن الجميع. إنكم ذوو الإرادة الصلبة. ولا تحزنوا ولا تهنوا وأنتم الأعلون إن شاء الله. والنصر قريب وسيكون تحرير القدس وفلسطين المحتلة بالوحدة، والعمل الموحَّد، لأنَّ عدوَّنا واحد وعدوَّ الأمة واحد، هو العدو الصهيوني الغاشم، وكما قال الإمام الخميني "قدس سره" الشريف: يجب إزالة إسرائيل من الوجود، فعلينا العمل سويةً على هذا الأمر والحمد لله رب العالمين.‏

 

* إلى أسرانا في السجون الإسرائيلية:‏

 

أدعو الله رب العالمين لكم أن يفك قيدكم وأن يردكم إلى أوطانكم وأهلكم سالمين بأسرع ما يمكن. ونعدكم أننا سنعمل في المقاومة تحت التكليف الذي يوجه لنا لكي تكون عملية إخراجكم من هذه السجون بأسرع وقت ممكن. وأهدي سلامي إلى كل حر وكل مقاوم ومجاهد وأسير في هذه الحركة. وأشكر الله الذي جعلنا من الذين يهتدون بهذه المسيرة الحسينية.‏