الشهيد المجاهد مصطفى علي أمهز (دماء)

 

اسم الأم: بنّة أمهز

 

رقم القيد: 350

 

الوضع العائلي: متأهل وله ولدان

 

محل وتاريخ الولادة: الهرمل 5/4/1974‏

 

مكان وتاريخ الاستشهاد: كنيسة مار مخايل ـ الضاحية الجنوبيّة 27/1/2008‏

 

إنّه حيث يكون الرصاص. وجهاً لوجه مع الموت، يحملُ جعبة الحياة لمن حوله، ويلتمسُ الرحيل أينما كان.. كثيرةٌ هي الحروب التي خاضها.. عديدةٌ المهمات العسكرية التي شارك فيها.. سنوات طويلة قضاها «الحاج دماء» بثيابه الرمادية اللون، وابتسامته التي تبلسم الجراح خلف مقود سيارة الإسعاف. لم يثنه شيء عن عمله، ولم يتأخر طرفة عين عن مكانه، ولكنّ الشهادة التي طالما ضربَ موعداً معها تأخرت عليه، فكان ينتظرها تحت الرصاص والقنابل، ولم يلمسها إلا في جراحات رفاقه وهو يسحبُ جثامينهم من أرض المعارك.‏

 

* دماء اسم اختصر حياته‏

 

كان في الثامنة عشرة من عمره حينما التحق بصفوف المسعفين في الهيئة الصحية الإسلامية، ليكون مسعفاً حربياً بعد أن اختار خط المقاومة وهو لا يزالُ فتياً يخطو أولى خطواته في الحياة.‏

 

حمل «الحاج دماء» البندقية بيدٍ وحقيبة الإسعاف بيدٍ أخرى. وقد اختزل عمله واسمه الجهادي حياته، فلم يعرفه أحد إلّا باسم «دماء». ومن لا يعرفه من المجاهدين؟! ومن ذاك الّذي لم يلتق به في معسكرات التدريب؟ أو في المحاور؟ أو في الطريق الّتي كانت صواريخ العدو الصهيوني تفلحها؟ أو بين البيوت الّتي حوّلتها طائرات العدو إلى ركام؟ من ذاك الّذي لم تلامسه يدا الحاج دماء لتبلسم جرحه النازف، أو قلبه القلق فيبوح بما يعذبه؟ بلى، إنّه الرجل المسعف في كلّ المواقف، يخدم الآخرين وينسى نفسه، يغرق فيما يتعبهم حتّى كأنّه صاحب الأمر، يساعدهم وإن عرّضه ذلك لضيقٍ، فلا شيء في الدنيا أغلى عنده من بسمة مجاهدٍ، أو نظرة امتنانٍ من إنسان مستضعف.‏

 

من مدينة الهرمل الّتي عاش فيها روح الثورة «الخمينية» إلى أقصاها، انتظر الفتى الكشفي بفارغ الصبر أن يبلغ عمر حلمه الأوحد «المقاومة»، ذلك الحلم الذي اختصر كل حياته، فحتى بعد زواجه وإنجابه طفلين، فأضاف إلى العناوين التي حملها صفة الزوج والأب، لم يبعده ذلك عن ساحات الجهاد. وكان الزوج المحب والمساعد، فزوجته الموظفة في مدرسة لم تحمل همّ تكليفها بكتابة مسرحية، أو تصميم مجسمات، فـ«دماء» صاحب قلم مرهفٍ وحساس وفكاهي في آنٍ، وفكره خلّاق، أما ولداه فكان يشاركهما أغلب الأنشطة، وينفّذ معهما مناورات تناسب عمريهما.‏

 

كان صاحب القلب القوي والشجاع الذي كان والخطرَ رفيقين. فقد أحب الحاج دماء عمله إلى درجة أنه صار كل حياته، فلا يبحث عن ساعة استراحة، أو يركن إلى راحة، بل تراه كـ «القلب» إن توقف عن النبض مات.‏

 

* الجهوزية التامة‏

 

في حرب تموز، طار الحاج دماء من الفرحة وهو يتوجه جنوباً ليشارك في المواجهات مع العدو الصهيوني، ومن الطيبة إلى بيت ياحون، إلى بنت جبيل حيث أسعف الشهيد القائد محمد قانصوه الحاج ساجد ولازمه لفترة. كان يسعفُ الجرحى، ويخفف عن المجاهدين، ويهيئ لهم الطعام ممّا تيسّر، ولكن أحداً من المجاهدين لم يعرف كيف كان يقطع المسافات الطويلة سيراً على القدمين وهو يغطي نفسه بأغصان الأشجار عَطشان لا يبحث عن الماء، بقدر ما ينتظرُ شهادةً يواسي بها الإمام الحسين(ع).‏

 

بعد عودته من الحرب، عاش فترة الحسرة التي ظهرت جلياً على تقاسيم وجهه، فهو بدأ يعدُّ رفاقه من الشهداء الذين ارتفعوا فيها، ولكن ما كان يخفف من حزنه أمله في استجابة الله عز وجل لدعائه.‏

 

كان الحاج «دماء» يحاضر عن الألغام والقنابل العنقودية ومخاطرها، ولكم كان يتألم حينما يسمع عن طفلٍ انفجر فيه لغم أو قنبلة وهو يلعب ويلهو فرحاً.‏

 

بعد تدهور الأوضاع الأمنية الداخلية حافظ «دماء» على الجهوزية التامة. وكان كثير الحذر على غيره، فأثناء نقل مراسل تلفزيون المنار لحدثٍ أمني مباشرة على الهواء، أعطاه «دماء» خوذته والدرع، ذلك أن رصاصاً مجهول المصدر استهدف الصحافيين. ولكم كان الحاج « دماء» يكره الغدر الجبان والرصاص الأعمى، ولكَم كان يخافُ على الناس منه، فما إن يُنادى على الجهاز للتوجه إلى مكان، حتى يشق الطريق بسيارة الإسعاف وهو يلهج بالدعاء أن لا يُهرق دم أبرياء.‏

 

أسماء لا يدركها النسيان‏

 

وكذا كان في ذلك اليوم، حينما اعتصم بعض الشباب عند طريق كنيسة مار مخايل احتجاجاً على قطع التيار الكهربائي المتواصل. كان الاحتجاجُ صاخباً وغاضباً، ولكن أحداً لم يحمل بيده سلاحاً. وصل الجيشُ اللبناني ليفرق المتظاهرين، ووصل الحاج دماء ليساعد الإخوة في التحدث مع المتظاهرين وفكّ الاعتصام. وبينما كانت الأمور تسير باتجاه التهدئة، سُمع صوت رصاص من جهة مجهولة، استشهد على أثره الأخ المجاهد محمود منصور، ومن ثمّ أطلق الرصاص على الحاج «دماء» وهو يركض ليسعف المصابين.‏

 

ووافته المنية على حين غرّة منه، في مكانٍ لم يخطر بباله، فرجلُ الإسعاف الحربي كان يسعف جرحى الرصاص الأعمى. وأمام عدسات الكاميرا، تلونت بزته الرماديّة بالدماء، ليرتفع إلى السماء الحاجُ الذي كانتْ كفاه أرضاً تحتضنُ الجراح.. وحينما بسط السكون ظله على مشهد الغدرِ، كان الوطن يتغنى برجلٍ من رجالات المقاومة الأبطال، رجل لم تفتقده ساحات المعارك، بل كان في قلب خطوط النار والمواجهة مع العدو الصهيوني.‏

 

رصاصةٌ جبانة ظنّ مطلقها أن الرجال يسقطون حينما تستقرُّ في ظهورهم، ولا يدري أن الشهداء إنما يرتفعون إلى السماء، وأن الدماء إذا ما نزفت على الأرض حفرت في تاريخ المكان أسماءَ لا يدركها النسيان.‏