الشهيد محمد مهدي حيدر درويش

 

اسم الأم: فاطمة شكر

 

رقم القيد: 33

 

الوضع العائلي: عازب

 

محل وتاريخ الولادة: شمع؛ 02-02-1983

 

مكان وتاريخ الاستشهاد: الرويس؛ 13-08-2006

 

وعاد الابنُ إلى حضن والديه ليلوذ بحنانهما بعد سنوات طويلة من الفراق، تاركاً خاتم عرسه على منديل دمع الخطوبة التي كانت مقررة في 13 تموز، أي في اليوم الثاني للحرب التي رحل محمد في يومها الأخير..

 

غاب محمد، صاحب الوجه الطفولي البريء الذي اختزن حزن العالم خلف بسمة لم تعرف يوماً الأفول، وشمس أمل لاحت في جبهته فتربَّعت على عرش أيَّامه إلى أن خضبها أصيلُ النجيع..

 

* رحيل الوالدة المبكر

 

ومحمد والموت صديقان مذ كان في الثالثة من عمره، حين توفِّيَت والدته تاركةً ولدها الصغير يسألُ والده وأخوته عنها دون كلل أو ملل، فلا يلقى إلا جواباً واحداً: «لقد ذهبت إلى الجنة»، وربَّما منذ تلك اللحظة قرَّر محمد أن يسلك طريق الجنة.

 

تربّى محمد على يدي أبيه وأخته الكبيرة وأخوته الذين أولوه العناية الخاصة، للتخفيف من وطأة اليتم الذي ألمّ به باكراً. ولكنهم لم يتركوا للدلال أن يُفسِدَ في نفسه ما سعوا إلى غرسه فيها من أصالة الأخلاق والتديُّن والالتزام، فتفتَّحت أولى بتلات وعيه وهو يتعلّم أصول الدين ممَّا يراه من أبيه وإخوته. وكان لمجلس العزاء الأسبوعي الذي يقام في منزلهم كلَّ ليلة جمعة الأثر الواضح في تعميق الفهم الصحيح للعلاقة بأهل البيت(ع) ومحبتهم.

 

في عمر السابعة التزم محمد بالأحكام الشرعية، ولم يكن ذلك مستغرَباً من فتى سعى إلى بلورة شخصيته متجاوزاً سنَّه الصغيرة.

 

وفي الثالثة عشرة من عمره التحق بكشافة الإمام المهدي(عج)، ليكون ذلك الخطوة الأولى في طريقٍ بدت واضحة المعالم. وقد ارتاح أهله لهذا القرار نظراً لخوفهم الشديد من مرحلة المراهقة التي يمرُّ فيها أيُّ إنسان، فكيف بفتى جفّ نبع الحنان الأصيل في حياته قبل أن يفهم من شؤون الدنيا شيئاً؟ وفي غمرةِ الاستعداد لهذه المرحلة، تلقَّى محمد من الموت الصفعة الثانية وهو في الرابعة عشرة من عمره، فتوفيَ أبوه، وخلا البيتُ من دعامتي الأسرة، ليجد نفسه وسط دوَّامة من عدم الاستقرار والخشية من غدٍ مجهول.

 

حاول أخوته قدر المستطاع أن يخفِّفوا من الصدمة التي صدعت فؤاده، وساعدهم هو على ذلك في محاولته الحثيثة والواضحة لاستيعاب ما حدث والرضا بقضاء الله عز وجل، وإن كان نجح بذلك إلى حدِّ ما، إلا أن كل من كان يرى محمداً، كان يقرأ بوضوح تعابير الحزن المرتسِمَة على محيّاه.

 

* سعي إلى العلم والجهاد

 

وانتقل محمد إلى العيش في بيروت ليكمل دراسته في اختصاص هندسة الكومبيوتر. وفي العام 2000، انتسب إلى العمل الجهادي ليبدأ عمله في التعبئة العامّة إلى جانب دراسته.

 

وقد سلبه حبّ التعلم أوقات الفراغ، فحمل شعار أن على الإنسان السعي الدائم والدؤوب إلى التطوّر والتعلّم طالما هو على قيد الحياة، لذا وضع نصب عينيه أن يلتحق بكليَّة الإعلام بعد تخرّجه من هندسة الكومبيوتر.

 

بعد أن بدأ بالعمل فعلياً في صفوف المقاومة، غابت عن أيَّامه ساعات الراحة، وقلّص ساعات نومه ليوفّق ما بين دراسته وعمله. ومع العلم أنَّه كانت العلاقة بينه وبين إخوته وطيدة جداً ومتميزة، إلا أنَّ أحداً منهم لم يعرف ماهيَّة عمله في المقاومة، فقد كان شديد التكتّم حول عمله الذي اتَّخذ من مركزه مكاناً له يقضي فيه معظم أوقاته.

 

* عشق للشهادة والشهداء

 

كان محمد شاباً هادئاً متَّزناً، ملتزماً يسعى إلى إظهار حقيقة التديّن في تصرّفاته، فتجلّى صفاء روحه في وجهه وتصرّفاته، وقد عشق الشهداء حتى امتلأت دفاتره الخاصّة بصورٍ لبعضهم، وبعض القصص عنهم، وشغلت سيرة الشهداء باله، فتراه يلتقطُ من أخبارهم ما يغذِّي به روحه ووجدانه، حتى أنَّه عندما تقدم لخطبة إحدى الأخوات، وهي ابنة شهيد مقاوم، طلبَ إليها أن يأخذ خاتماً لوالدها الشهيد، وسارع إلى لبسه في إصبعه، وتبيّن لأحد رفاقه المقرَّبين مدى محافظته وتعلقه بهذا الخاتم، فسأله عن سبب ذلك، فأعلمه أنَّه خاتمُ الشهيد متمنياً أن يمنّ الله عزّ وجلّ عليه ببركة الشهادة فيصبح خاتماً لشهيدين.

 

* عريس تموز يزفّ شهيداً

 

كان كل شيء جاهزاً لحفلة الخطوبة نهار الخميس بتاريخ 13 تموز 2006، ولكن الحرب غيّرت كل شيء، والتحق محمد مباشرة بمركز عمله في الضاحية الجنوبية منذ اليوم الأول. وطوال فترة الحرب كان على تواصل مع إخوته، ليطمئنهم عليه خصوصاً وأنه لم يغادر الضاحية أبداً. وكانت طبيعة عمله حساسة جداً وهامة، فتوالت الأيَّام الصعبة عليه وعلى رفاقه، فكانوا لا ينامون الليل، ويداورون فترات الراحة القصيرة فيما بينهم، كما انقطعوا من الطعام والإمدادات، ومحمد يطلب إليهم أن يظلّوا على ثباتهم، ويحدّثهم بما يرفع من معنويَّاتهم ويقوِّي صمودهم ويعدهم بالنصر الأكيد، وقد نال ورفاقه تنويه سماحة الأمين العام لحزب الله خلال أيام الحرب لجهودهم وتفانيهم وإخلاصهم في العمل الموكل إليهم.

 

في الأيَّام الأخيرة للحرب ظهرَ البِشرُ على محيا محمد، وبدا كأنه في مكانٍ آخر غير الضاحية الجنوبية التي تتعرّضُ للقصف الهمجيّ بشكل متواصل. وقد طلبَ إلى رفيقه الذي أوصى له بالخاتم أن يعقدا عهد الأخوة فيما بينهما، فاستغرب رفيقه الأمر وسأله عن السبب، فأجابه محمد: «لنتآخى، فإذا استشهد أحدنا ضَمِنَ الآخرُ الجنّة».

 

في الليلة الأخيرة للحرب، افترق محمد عن رفيقه، وبقي في مركز العمل مع بعض المجاهدين يتابعون عملهم، وقد اتَّصل بأخوته واطمأنّ عليهم، وطلب إليهم عدم التوجه إلى الضاحية لأنَّ العدو سيصبُّ جام غضبه عليها في اليوم الأخير للحرب، وهذا ما كان بالفعل، فقد استهدفت الضاحية بعشرات الصواريخ مدمِّرة العديد من الأبنية والمجمعات السكينة، ومن ضمنها المركزُ الذي عمل فيه محمد.

 

انتهت الحرب، وزفَّ محمد بكفنه إلى جنّة الخلد، تاركاً إخوته وكل من حوله أيتاماً يعيشون في لوعة فراق من ملأ حياتهم فرحاً وحيوية وحبوراً، في وقتٍ كانت فيه شجرة الحزنِ تمدُّ جذورها في أعماق قلبه..

 

استراح محمَّد من غربةٍ لم يدرك أحد كنهها، ووصل إلى الجنة ليلتقي بوالديه اللذين اشتاقا له كما اشتاق إليهما.