بسم الله الرحمن الرحيم

 

فيما يلي جوانب من الأحاديث الشريفة لرسول الإسلام الكريم (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) اختارها سماحة قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) من كتب حديثية معتبرة وعرضها في بدايات دروسه لبحوث خارج الفقه مع بعض الشرح والإيضاح.

 

ولمزيد من الفائدة ارتأينا عرض هذه الأحاديث والشروح بشكل أسبوعي أو يومي في الصفحة الأولى من الموقع، ومن ثم تقديمها في هذا الجزء من الموقع تحت عنوان (أحاديث وشروح).

 

الجزء الأول باقة من نصائح رسول الإسلام العظيم (صلى الله عليه وآله وسلّم) من كتاب »تحف العقول« نقدمه لمحبي الرسول وأهل بيته (عليهم السلام).

 

- نصائح ومواعظ رسول الإسلام الكريم (صلى الله عليه وآله وسلّم).

 

- مواعظ وحكم أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام).

 

- مواعظ ونصائح الإمام السجاد (عليه السلام).

 

من مواعظ النبي (صلى الله عليه آله وسلّم): «من أكل ما يشتهي، ولبس ما يشتهي، وركب ما يشتهي، لم ينظر الله إليه حتى ينـزع أو يترك». (تحف العقول، ص38).

 

في عبارة »ركب ما يشتهي« قد يكون المعنى الحقيقي للكلمة هو المراد، أي إن الإنسان يختار أيَّ مركب أعجبه. ومن المحتمل أن تكون العبارة بمعنى (ركب الأمر)، أي أن يفعل الإنسان كل ما يحلو له ويروقه. على كل حال، نظرة الله إلى الإنسان وهي رأس جميع الخيرات ومرد كافة الكمالات الإنسانية في عالم الوجود، تُسلب من الإنسان بارتكاب هذه الأمور. وتركها إنما يحصل برياضة اختيارية يترك فيها الإنسان ما يستهويه ويقدر أن يفعله. على الذين لا يستطيعون التمتع بكل ما تشتهيه أنفسهم أن يعرفوا قدر ذلك، لأنها نعمة كبيرة أن لا تتوفر للإنسان مساحة واسعة أمام أهوائه ووساوسه. هذا مع أنه سينال ثواباً أكبر إذا استطاع التمتع بها وجاهد نفسه.

 

الجلسة (19) - 11/8/1378ش.

 

من مواعظ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم): «الدنيا دول، فما كان لك أتاك على ضعفك، وما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك، ومَن انقطع رجاؤه مما فات استراح بدنه، ومن رضي بما قسمه الله قرّت عينه». (تحف العقول، ص40)

 

دول جمع دولة، أي الشيء الذي تتداوله الأيدي. طبيعة المظاهر الدنيوية أنها تتغير وتتحول. يجب أن لا نخال أن ما في أيدينا من مال وجاه وإمكانات وصحة وعافية سيبقى لنا إلى نهاية العمر. ليس الأمر كذلك. قد تسلب منا هذه المواهب. المراد من الدنيا التي يقول عنها (ص) مَن انقطع أمله منها استراح باله، هي الدنيا الذميمة. أي ما يطلبه الإنسان لنفسه ولهوى نفسه، وليست الأمور السامية ولا الخيرات الأخروية، ولا ما يكسبه الإنسان من باب الواجب، ولا عمارة الأرض وبنائها. ليست هذه هي الأمور المرادة من الدنيا هنا.

 

الجلسة (20) - 16/8/1378ش

 

من مواعظ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم): «ثلاث من كن فيه استكمل خصال الإيمان: الذي إذا رضي لم يُدخِله رضاه في باطل، وإذا غَضِبَ لم يخرجه الغضب عن الحق، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له». (تحف العقول، ص43)

 

لا تعني الرواية أن الإيمان محصور في هذه الخصال الثلاث، إنما تعني أن من توفر على هذه الخصال الثلاث كان ذلك دليلاً على اجتماع كافة خصال الإيمان فيه، لأن كل واحدة منها تتوقف على مجموعة من الصفات الحسنة وتكشف عنها. رضاه عن شخص ما لا يجره إلى باطل فلا يدافع عن ذلك الشخص عن غير وجه حق، وغضبه كذلك لا يجره إلى مواقف خاطئة يخرج فيها عن الحق. وعند المقدرة لا يرتكب ما لا يحق له ارتكابه.

 

 الجلسة (21) - 17/8/1378ش.

 

من مواعظ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم): «الحياءُ حياءان، حياءُ عقل وحياء حُمْقٍ، وحياء العقل العلم، وحياء الحُمق الجهل». (تحف العقول، ص45)

 

حياء العقل هو أن يشعر الإنسان بالحياء نتيجة تفكيره العقلائي. كالحياء عند ارتكاب الذنب، أو الحياء أمام من يجب عليه احترامهم. فهذا الحياء علم، أي إنه سلوك علمي. أما حياء الجهل فأن يستحي الإنسان من السؤال والتعلّم أو من العبادة وما إلى ذلك (كالذين يخجلون من أداء الصلاة في بعض الأماكن). هذا الحياء سلوك جاهل.

 

الجلسة (22) - 18/8/1378ش.

 

من مواعظ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم): «خياركم أحسنكم أخلاقاً، الذين يَألفون ويُؤلفون». (تحف العقول، ص45).

 

أفضلكم أفضلكم في تعاملهم مع الناس. أصحاب الوجوه البشّة الذين يرغب الناس أن يأنسوا بهم ويألفوهم. ليس معنى الحديث أن الإنسان إذا لم يكن ملتزماً بالتكاليف الشرعية لكنه حسن التعامل سيرجح على من يؤدي واجباته الدينية لكنه ليس بشوش الوجه. إنما المراد من الحديث أن المؤمن الذي يؤدي واجباته ويكون حسن الأخلاق أفضل من المؤمن الذي لا يتحلى بحسن الأخلاق.

 

الجلسة (23) - 19/8/1378ش.

 

من مواعظ النبي (صلى الله عليه وآله): «وجاءه رجل بلبنٍ وعسل ليشربه، فقال صلى الله عليه وآله وسلّم: شرابان يكتفى بأحدهما عن صاحبه، لا أشربه ولا أحرّمه، ولكني أتواضع لله، فإنه من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبّر وضعه الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله، ومن بذّر حرمه الله، ومن أكثر ذكر الله آجره الله». (تحف العقول، ص46)

 

حيث أنه من المحتمل أن يتصور البعض أن عدم تمتع المعصوم (عليه السلام) ببعض النعم يعني التحريم، لذا يقول الرسول (صلى الله عليه وآله): أنا لا أشرب هذا الشراب ولكني في الوقت ذاته لا أحرمه لأني لا أريد التمتع بكل النعم المحلّلة. والمراد بالرفعة هنا الرفعة المعنوية رغم أنها قد تفيد الرفعة الظاهرية أيضاً، لكن الرفعة الروحية والمعنوية أمرٌ مفروغ منه. أي إذا تواضع الإنسان لله رفعه الله روحياً وخلقياً وشمله بكراماته. كما أن القدر المسلم من الوضع هو الوضع والهبوط المعنوي، رغم أنه قد يعني أيضاً الهبوط والضعة الاجتماعية.

 

الجلسة 24 بتاريخ 24/8/1378ش (15/11/1999م)

 

من مواعظ النبي (صلى الله عليه وآله): «وقال رجلٌ أوصني، فقال (صلى الله عليه وآله): لا تغضب، ثم أعاد عليه فقال: لا تغضب، ثم قال: ليس الشديد بالصرعة*، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب». (تحف العقول، ص49)

 

أكيد أن المراد بـ (لا تغضب) ليس الغضب الخارج عن الإرادة، وإنما الغضب الإرادي. أي لا تستخدم الغضب ولا تطلق العنان لغضبك، فالشخص القوي الشديد ليس من يصرع الآخرين ويطرحهم أرضاً حين يصارعهم ويلاويهم، إنما القوي من يتمالك نفسه حينما يغضب. والمراد بالغضب ليس مجرد حالات الغضب العابرة إنما يشمل الحالات التي يغضب فيها الإنسان من شخص معين فيلاحقه في ميادين الحياة المختلفة لينتقم منه في الفرصة المناسبة. إحتواء الغضب والشهوة يؤثر في الحياة برمتها.

 

* الصرعة: المقاواة وصَرْع الشخص وإلقاؤه أرضاً.

 

الجلسة 25 بتاريخ 25/8/1378ش »16/11/1999م)

 

من مواعظ النبي (صلى الله عليه وآله): «عجباً للمؤمن لا يقضي الله عليه قضاءً إلا كان خيراً له، سرّه أم ساءه، إن ابتلاه كان كفّارة لذنبه، وإنْ أعطاه وأكرمه كان قد حباه». (تحف العقول، ص48)

 

كل ما يقدره الله للمؤمن هو خير له، سواء كان ما قدره له الله شيئاً مؤلماً كالمرض، أو شيئاً ساراً. فالأحداث المحزنة كفارة لذنوبه، والأحداث السارة عطايا ومنح إلهية. وقد ورد هذا المعنى في أشعار حافظ الشيرازي أيضاً »كل ما يلقاه السالك في الطريقة فهو خيره«، لكن حافظ خصّص هذا المعنى بالسالك، بينما ذكرته هذه الرواية لمطلق المؤمنين.

 

الجلسة 26 بتاريخ 30/8/1378ش (21/11/1999م)

 

من مواعظ النبي (صلى الله عليه وآله): «الحوائج إلى الله وأسبابها فاطلبوها إلى الله بهم فمن أعطاكموها فخذوها عن الله بصبر». (تحف العقول، ص48)

 

سلطت هذه الرواية الضوء بشكل مركّز على دور الأسباب والعلل الطبيعية فيما يتصل بحاجات الإنسان. كلمة (ربهم) فيها ضمير جمع ذوي العقول وتشير إلى أن كثيراً من حوائجنا يقضيها لنا البشر. ولكن في ا لوقت الذي يلبي الإنسان حاجاته عن طريق أسبابها الطبيعية (وهم البشر غالباً) يجب أن يرى الذات الإلهية المقدسة وراء هذه الأسباب ويعلم أن ما ناله إنما ناله من الله. الاستنجاد بالأسباب من دون التوجه إلى الله، ممارسة ناقصة، والتوجه إلى الله من دون التشبّث بالأسباب الطبيعية عملية ناقصة أيضاً. ينبغي الجمع بين هذه وتلك، ويجب الاستعانة بالصبر لبلوغ الحوائج.

 

الجلسة 27 بتاريخ 1/9/1378ش(12/11/1999م)

 

من مواعظ النبي (صلى الله عليه وآله): «ودُّ المؤمنِ المؤمنَ في الله من أعظم شعب الإيمان، ومن أحب في الله وأبغض في الله، وأعطى في الله، ومنع في الله، فهو من الأصفياء». (تحف العقول، ص48)

 

الصداقة والخصام والعطاء والمنع (في الحالات التي يكون فيها المنع أمراً إيجابياً) إذا كان لله يرفع الإنسان إلى مرتبة الأصفياء وهي مرتبة أعلى من مرتبة المؤمنين والأتقياء.

 

الجلسة 28 بتاريخ 2/9/1378ش (23/11/1999م)

 

من مواعظ النبي (صلى الله عليه وآله): «ولما نـزلت عليه» ﴿ولا تمدّن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم...﴾ إلى آخر الآية قال (صلى الله عليه وآله وسلم): من لم يتعزّ بعزاء الله انقطعت نفسه حسراتٍ على الدنيا، ومن مدّ عينيه إلى ما في أيدي الناس من دنياهم طال حزنه وسخِط ما قسّم الله له من رزقه وتنغّص عليه عيشه». (تحف العقول، ص51)

 

بعد أن نزلت الآية الكريمة أعلاه على الرسول قال (صلى الله عليه وآله): على المؤمن أن يعزي نفسه بعزاء الله وأن يرضى وتطيب نفسه بما عند الله من قبيل رحمته اللامتناهية وثوابه الذي قرره للمؤمنين يوم القيامة. وإلا إذا سمّر عينيه على أموال الناس ومناصبهم وإمكاناتهم المادية فإما أن يقضي كل وقته في حسرات وهموم وغصص فلا يرضى بالمقدرات الإلهية ويعيش عيشاً مملاً مزعجاً، وإما أن يدخل صراعاً مريراً محطِّماً حدود الحلال والحرام الإلهيين وصولاً إلى ما وصله غيره مهما كان السبيل والطريق حتى لو كان طريقاً غير مشروع. إذن، من أجل أن لا تتحرّقوا في نيران الحسرة على حيوات الآخرين، أو تتورطوا في ساحات الصراع العبثي، نمّوا في نفوسكم عناصر العزاء الإلهي.

 

الجلسة 29 بتاريخ 14/9/1378ش (5/12/1999م)

 

من مواعظ النبي (ص): «إنما أخاف على أمتي ثلاثاً، شحّاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، وإماماً ضالاً». (تحف العقول، ص58)

 

(الشح) حالة مركبة من الحرص والبخل، أي الحرص على زخارف الدنيا. إذا وجدت هذه الحالة لدى الإنسان لكنه لم يجر في حياته خلفها وبوحي منها فلن تكون ذات خطر عليه، الخطر يبرز حين يُطاع »الشح« ويبدأ الإنسان مساعيه لاكتساب الزخارف والأعراض الدنيوية. والهوى المتبع هو الشهوات النفسية التي يطيعها الإنسان ويتبعها، وبينه وبين »الشح المطاع« عموم وخصوص من وجه. الإمام الضال هو القائد التائه الذي لا يعرف الطريق، والذي يسير بالمجتمع في غير طريق الحق، فيأخذه نحو الانحراف والضياع، والجذور الأصلية لهذه الضلالة هي الشح وهوى النفس. لذلك يتضح بجلاء من مطالعة التاريخ أن انحراف الخلفاء الأمويين والعباسيين بدأ حين ساروا باتجاه تلبية غرائزهم الشهوية وأهوائهم النفسية، لذلك انصبت كل جهود الأنبياء والأولياء على مكافحة هذين العنصرين الخطيرين: الهوى والشح.

 

الجلسة 30 بتاريخ 15/9/1378ش (6/12/1999م)

 

من مواعظ النبي (صلى الله عليه وآله): «مَن أصبح مِن أمتي وهمّه غير الله فليس من الله، ومن لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، من أقرّ بالذل طائعاً فليس منا أهل البيت». (تحف العقول، ص47)

 

من أصبح وليس لرضا الله دور وتأثير في حوافزه ونواياه، لم يعتبر من جند الله والعاملين له، ومن أصبح غير مكترث لمصالح ومفاسد الناس والمجتمع الإسلامي لم يعتبر في زمرة المسلمين الحقيقيين. للاهتمام بأمور المسلمين مصاديق متعددة ومتنوعة. مصداقه الأعلى الاهتمام بشؤون الأمة الإسلامية وعزة المسلمين واقتدارهم وحكومتهم، ومصداقه الآخر متابعة حوائج الضعفاء والفقراء. ومن يرضخ للذل عن رغبة منه فليس منا أهل البيت. ولابد أن نعرف أن الاستسلام الذليل لا يكون أمام المتجبرين السياسيين فقط، إنما يشمل أيضاً الذل حيال الأثرياء والرأسماليين. على الإنسان أن لا يذل نفسه بدافع الحرص والطمع وحطام الدنيا. جاء في إحدى الروايات أن المؤمن يقبل كل شيء إلا الذلة.

 

الجلسة 31 بتاريخ 21/10/1378ش (11/1/2000م)

 

من مواعظ النبي (صلى الله عليه وآله): «أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته، فإنه من أبلغ سلطاناً حاجةَ من لا يستطيع إبلاغها ثبّت الله قدميه على الصراط يوم القيامة». (تحف العقول، ص47)

 

المراد من السلطان في الروايات الإنسان صاحب السلطة والحكم، أي كل من كان مسؤولاً ومديراً وصاحب قدرة معينة في مجال من المجالات، كرئيس دائرة معينة مثلاً أو القاضي في المحكمة، أو مسؤول مؤسسة من المؤسسات و... الخ. على كل حال الشخص صاحب السلطة، أيّاً كانت مرتبته، لا يصله كل من لهم حاجة أو شغل لديه، وكل من يستطيع إبلاغ حوائج الناس ومشاغلهم لذلك الفرد المسؤول يعده الرسول بمثل هذا الثواب العظيم.

 

الجلسة 32 بتاريخ 26/10/1378ش (16/1/2000م)

 

من مواعظ النبي (صلى الله عليه وآله): «إياكم وتخشّع النفاق، وهو أن يرى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع». (تحف العقول، ص60)

 

المراد بالخشوع في هذا الحديث الخشوع إزاء الله تعالى عند الصلاة والدعاء والذكر. إذا كان الإنسان بحيث لو نظر إليه ناظر استشعر فيه الخشوع وتوهم أن له قلباً خاضعاً لله، لكنه لا يعيش في باطنه أي نسبةٍ من الخشوع، كان خشوعه هذا خشوع نفاق. يستفاد من الدعاء المروي في الصحيفة السجادية الثانية ومضمونه »اللهم أرزقني عقلاً كاملاً و... ولباً راجحاً« أن للإنسان لباً وقشرةً. قشرته هي هذا الظاهر ولبّه هو حقيقته وباطنه، فإذا كانت قشرتنا راجحةً خاشعةً ذاكرة، ولبنا غافلاً غارقاً في الماديات، كان ذلك شيئاً ذميماً للغاية. اللهم ارزقنا لباً راجحاً.

 

الجلسة 33 بتاريخ 27/10/1378ش (17/1/2000م)

 

من مواعظ وحكم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): «الزاهد في الدنيا من لم يغلب الحرامُ صبره، ولم يشغل الحلالُ شكره». (تحف العقول، ص200)

 

الزهد الذي قصده الإسلام وأوصى به الأئمة المعصومون (عليهم السلام) تتجسد حقيقته حسب هذه الرواية في شيئين: الأول أن لا تغلب الإنسان الوساوس الشيطانية والميول الحيوانية التي تحضه على ارتكاب المحرمات، فيكون بوسعه أن يصبر ويستقيم حيال هذه الأمور. الثاني أن لا تشغله النعم الإلهية إلى درجة يغفل معها عن شكر الله فيكون إنساناً غير شاكر وينسى من أين له هذه النعم؟ فحذار حذار... لأن هذه الغفلة تجر صاحبها إلى هاويات خطيرة.

 

الجلسة 34

 

من خطبة الإمام علي (عليه السلام) المعروفة بالديباج: «عباد الله، سلوا الله اليقين، فإن اليقين رأس الدين، وارغبوا إليه في العافية، فإن أعظم النعمة العافية، فاغتنموها للدنيا والآخرة؟» (تحف العقول، ص150)

 

لليقين مراتب، وكل مرتبة من مراتبه لها ما يفوقها من المراتب، لذا كان الأئمة الأطهار (عليهم السلام) يسألون الله اليقين رغم ما يتحلون به من مراتب يقينية عالية. في هذا الحديث شُبِّه اليقين بالرأس، فكما أن الدور الذي يمارسه الرأس هو هداية حركات الإنسان وسكناته، كذلك يمارس اليقين نفس الدور في جسم الإنسان. حصول اليقين ممكن عن طريقين: أحدهما التأمل والتفكر في دلائل الدين ومبادئه وحقانية الشرع الإسلامي المقدس، والثاني التوجه نحو الذات الإلهية المقدسة والتضرّع والخضوع في حضرته العظيمة. العافية كما جاءت في الروايات ليست تلك العافية التي نذكرها في عرفنا فنقول طلب العافية، حيث يعتزل الإنسان في زاوية، ويترك سوح الجهاد، ولا يتحمل واجباته الحياتية الكبرى. إنما المراد العافية في الاعتقاد والعمل والصيانة من الوساوس الشيطانية والنفسية. في ساحة الحرب أيضاً يجب أن يطلب الإنسان العافية من الله بمعنى أن يطلب منه صيانته من الشكوك والخوف والتزلزل. أشار الإمام السجاد (عليه السلام) في الدعاء الثالث والعشرين من الصحيفة السجادية إلى مختلف أبعاد العافية وطلبها من الله عز وجل.

 

الجلسة 35

 

 من وصيته عليه السلام لكميل بن زياد: «يا كميل إفهم وأعلم إنّا لا نرخص في ترك أداء الأمانة لأحدٍ من الخلق، فمن روى عنّا في ذلك رخصةً فقد أبطل وأثم وجزاؤه النار بما كذب. أقسم لسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لي قبل وفاته بساعةٍ مراراً ثلاثاً: يا أبا الحسن أدّ الأمانة إلى البر والفاجر، فيما جل وقل، حتى الخيط والمخيط». (تحف العقول، ص175)

 

أداء الأمانة مهم جداً من وجهة نظر الإسلام. حتى لو أُودع لدى الإنسان شيء زهيد الثمن جداً كأمانة، فعليه السعي للحفاظ عليها وإعادتها لصاحبها سواء كان صاحبها مؤمناً أو فاجراً أو حتى كافراً. ولكن ينبغي معرفة أن الأمانة ليست مجرد الأمانة المالية، إنما واجباتنا الملقاة على عواتقنا، أو أسرار الآخرين التي نعلمها، كلها أيضاً أمانات ينبغي صونها.

 

الجلسة 36

 

من وصيته عليه السلام لكميل بن زياد: «يا كميل، ليس الشأن أن تصلّي وتصوم وتتصدّق. الشأن أن تكون الصلاة بقلب نقي وعمل عند الله مرضيّ وخشوع سويّ، وانظر فيما تصلّي وعلى ما تصلّي، إن لم يكن من وجهه وحلّه فلا قبول». (تحف العقول، ص174)

 

يستفاد من هذه العبارات التي يأخذ فيها الإمام تلميذه الوفي من القشور الظاهرية إلى ما وراء هذه القشور، إلى باطن الأعمال وحقيقتها، يستفاد منها أن لكل عمل جسماً وروحاً، فإذا لم تكن ثمة روح كان الجسم ميتاً لا قيمة له. ينبغي عدم الاغتباط بالقشور الخاوية من اللباب. اللب والجوهر هو المهم، وكما يقول الإمام السجاد (عليه السلام): «اللهم أرزقني... لباً راجحاً» وفي الصلاة أيضاً المهم هو نوع الصلاة. ينبغي أداء الصلاة بقلب طاهر وخضوع وعمل يوجب رضا الله. إذا أقيمت الصلاة بمكان أو لباس مغتصب غير حلال لم يقبلها الله عز وجل. ومع أن هذه الرواية تختص بالصلاة، بيد أن الأعمال كلها على هذه الشاكلة، حتى الأنشطة السياسية يجب أن تتم بروح إصلاح الأمة الإسلامية، وإلا لم ترض عنها الذات الإلهية.

 

الجلسة 37

 

من وصيته عليه السلام لكميل بن زياد: «يا كميل، لستُ والله متملقاً حتى أطاع، ولا ممنياً حتى لا أعصى، ولا مائلاً لطعام الأعراب حتى أنحل إمرة المؤمنين وأدعي بها». (تحف العقول، ص175)

 

في هذا الجانب من وصيته، يتبرّأ الإمام من الأساليب التي يتشبث بها أهل الدنيا للوصول إلى السلطة والحكم وتكريسهما والحفاظ عليهما. التملق لا يكون دوماً حيال أصحاب السلطة والمال والمناصب. أحياناً يتملق الحاكم أفراد شعبه ومن يعملون تحت إمرته ويطيعونه حتى يطيعوه أكثر. يقول: لستُ أحيي في قلوب الناس آمالاً، ولا أشغلهم بوعود فارغة خاوية لكي يطيعوني، ولا أميل لطعام أهل البادية البسيط ولا آكل مثلهم من أجل أن أتولّى عن هذا الطريق رئاسة المؤمنين وإمارتهم. هنا ينبغي التنبه إلى أن من يقول هذا الكلام كان يأكل أبسط الطعام ويختار لنفسه أصعب وأعنت الظروف. لكنه يقول في الوقت نفسه: أنا لا أرائي ولا أتظاهر من أجل الحكومة، وهذه قضية على جانب كبير جداً من الأهمية بالنسبة لنا، وعلينا استلهام الدروس منها حتى تكون أهدافنا ونوايانا إلهية خالصة، ويكون كل عمل شرعي نقوم به خالصاً لله.

 

الجلسة 38

 

من مواعظ الإمام علي عليه السلام: «إن أحسن ما يألف به الناس قلوب أودّائهم وينفوا به الضغائن عن قلوب أعدائهم حسن البشر عند لقائهم والتفقد في غيبتهم، والبشاشة بهم عند حضورهم». (تحف العقول، ص218)

 

بشاشة الوجه وحسن التعامل سبب لاكتساب محبة الآخرين والتأليف بين القلوب. جاء في الرواية: »التودد نصف العقل«. إنه حديث مثير للانتباه جداً بالنسبة لكل المسؤولين في النظام الإسلامي، ولاسيما رجال الدين ممن يتولون مسؤولية ما في دائرة أو مؤسسة معينة. فالذين يراجعون لإنجاز عمل من الأعمال ليسوا في مستوى واحد من الإيمان، وقد يؤدي التعامل البارد أو عدم الاكتراث للمراجع إلى نفوره من الدين وتضعضع عقيدته. وعلى العكس، من شأن الأخلاق الحسنة أن تؤدي إلى ميله نحو الدين والإسلام «المؤمن بشره في وجهه وحزنه في قلبه».

 

الجلسة 39

 

من مواعظ الإمام علي عليه السلام: «من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق بأن لا ينـزل به مكروه أبداً. قيل: وما هنَّ يا أمير المؤمنين؟ قال: العجلة، واللجاجة، والعجب، والتواني». (تحف العقول، ص222)

 

كل من أقصى هذه الصفات الأربع عن نفسه سواء كان فرداً أو جماعة قيادية في المجتمع، لم ينـزل به أي مكروه أو حدث سيئ:

 

1 - العجلة وهي اتخاذ قرار أو إتيان فعل دون تدبر وتأنٍّ ودقة (والعجلة غير السرعة في العمل).

 

2 - اللجاجة: من الحالات الخطيرة والبلايا النازلة الإصرار بالباطل وبغير وجه حق على شيء قال فيه الإنسان كلاماً معيناً أو اتخذ موقفاً من المواقف ولا يريد التراجع عنه حتى لو ثبت خلافه.

 

3 - الغرور والإعجاب بالذات، حيث لا يرى الإنسان نواقصه ونقاط ضعفه، أو قد يضخّم حسناته في بعض الأحيان.

 

4 - الكسل والتواني وتأجيل عمل اليوم إلى غد وإرجاؤه وتأخيره. إنني وبفعل التجارب التي اكتسبتها طوال سنين متمادية توصلت إلى نتيجة فحواها أن كلمة الإمام علي (عليه السلام) هذه حكمة تامة حقاً، وأن كل الخسائر والأضرار التي تلحق بالمجتمع إنما هي نتيجة هذه الخصال أبعدنا الله عنها بفضل جهاد أنفسنا وتوفيقه عز وجل.

 

الجلسة 40

 

من مواعظ الإمام علي عليه السلام: «ذلّلوا أخلاقكم بالمحاسن، وقودوها إلى المكارم، وعوّدوا أنفسكم الحلم». (تحف العقول، ص224)

 

التذليل هنا بمعنى الترويض.

 

ثمة في الأخلاق الطبيعية للإنسان (الإنسان قبل طور التربية) تناشزات وعثرات من واجب الإنسان أن يقضي عليها ويوجّه أخلاقه صوب التعادل والتوازن. فيوجّه مثلاً صفة الجرأة لديه صوب الشجاعة والبسالة ولا يسمح لها أن تظهر على شكل تهوّر ذميم. هذه مهمة ينبغي أن تتم عن طريق معرفة الصفات المختلفة والبرمجة والممارسة والجهاد، إذ لا طائل من القرارات الموقتة العابرة. طبعاً ثمة عامل إذا توفر في الإنسان أوجد ثورة مذهلةً في أخلاقه، والعامل هو سيماء المحبة الإلهية. فإذا مال فؤاد الإنسان نحو الحق تعالى قطع طريق مائة ليلة في ليلة. ويقول في بقية الحديث عوّدوا أنفسكم الحلم والصبر. ولا يعني هذا مجرد عدم الغضب، إنما يفيد الاستيعاب والقدرة على الاحتواء. ينبغي للإنسان أن يكون حيال العوامل التي تثير غضبه، أو تحضه على الغرور، أو تدفعه نحو الفرح والسرور الفارغ كالبحر الذي تسكن الأنهار الصخّابة عند وصوله، فيستوعبها ويحتويها في داخله.

 

الجلسة 41

 

من مواعظ الإمام السجاد ونصائحه (عليه السلام): «ابن آدم، إنك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة من همّك، وما كان الخوف لك شعاراً، والحذر لك دثاراً». (تحف العقول، ص280)

 

رغم أن الإنسان ليس في غنى عن مواعظ الآخرين، إلا أن الموعظة النابعة من صميم الإنسان ودخيلته هي أفضل المواعظ، لأن الإنسان أعلم بصفاته وعيوبه من غيره. يجب أن يتركز هم الإنسان على محاسبة نفسه. إذا لم يحاسبنا الآخرون فلا يعني هذا أن لا نحاسب أنفسنا. المحاسبة تعصم الإنسان من المزالق المستقبلية. المراد بالخوف خوف الله وعذابه والسيئات التي يرتكبها الإنسان، وليس الخوف من الناس والقوى الورقية. والحذر بمعنى الاحتياط لكنه لا يعني أن يقلع الإنسان عن النشاط والعمل، بل عليه ولوج السوح والميادين المختلفة وأن يراعي في الوقت نفسه جانب الاحتياط والحذر، وهذا هو أيضاً معنى التقوى.

 

الجلسة 42

 

من مواعظ الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): «كم من مفتونٍ بحسن القول فيه، وكم من مغرورٍ بحسن الستر عليه، وكم من مُستدرجٍ بالإحسان عليه». (تحف العقول، ص281)

 

كثير من الناس يخدعهم المديح والإطراء الذي يغدقه الآخرون عليهم. على الإنسان أن لا تفتنه أحكام الناس فيه فيغفل عن الحكم الصحيح في نفسه بسبب التساويل النفسية. هذه قضية من المهم جداً التنبه إليها خصوصاً بالنسبة للمسؤولين. كما يجب أن لا يتملك الإنسان الغرور بسبب ما يستره الله عليه من عيوبه فيظن أن سيئاته ستبقى كلها مستورة إلى الأبد، فقد يعلنها الله في هذه الدنيا، وإن لم يفشها في هذه الدنيا بلطفه وإحسانه، فسوف يبديها يوم القيامة، يوم تظهر بواطن الناس للعيان. لذلك كان الأئمة (عليهم السلام) يسألون الله كما جاء في الأدعية الشعبانية: ﴿إلهي لا تفضحني يوم القيامة على رؤوس الأشهاد﴾. وقد يُستدرج بعض الناس بفعل ما ينالونه من النعم الإلهية ﴿ونستدرجهم من حيث لا يعلمون﴾. إذن، يجب أن لا نغفل عن التقييم الصحيح لأنفسنا بسبب إطراء الآخرين أو الستر الإلهي أو إغداق النعم علينا.

 

الجلسة 43

 

من مواعظ الإمام علي بن الحسين (ع): «وقال له رجلٌ: إني لأحبك في الله حباً شديداً، فنكس عليه ثم قال: أللهم إني أعوذ بك أن أُحَبَّ فيك وأنت لي مبغض، ثم قال له: أحبّك للذي تحبني فيه». (تحف العقول، ص282)

 

النقطة الرئيسة التي تعد درساً كبيراً لنا في هذا الحديث هي التنبيه الفوري للخطر الذي يهدد الإنسان حيال مثل هذه الظاهرة (أن يكون الإنسان محبوباً عند الناس من أجل الله). لذلك حين قال الرجل للإمام إني أحبك من أجل الله، لم يقل له: شكراً لك، أو: أشكر الله على هذا الحب، بل قال: إلهي إني أعوذ بك من أن أكون محبوباً لدى الناس من أجلك وبسببك، بينما أنت تبغضني وتعاديني. هذا خطر كبير يهددنا أن يتصور الناس أننا نسير في سبيل الله ونعمل له بإخلاص لكننا لسنا كذلك في حقيقتنا، وليس ظاهرنا كباطننا. أو أننا نستجلب على أنفسنا الغضب الإلهي بأعمالنا. وعندها يكون الناس قد أحبونا لأجل الله لكن الله يعادينا والعياذ بالله.

 

الجسلة 44

 

من مواعظ الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): «ما من شيء أحب إلى الله بعد معرفته من عفة بطن وفرج، وما من شيء أحبّ إلى الله من أن يُسأل». (تحف العقول، ص282)

 

السبب الذي جعل الإمام يعتبر أحب الأمور إلى الله بعد معرفته عفة البطن والفرج، ولم يذكر سائر الواجبات والعبادات كالصلاة، هو أن العفة تصد العوامل السلبية المعرقلة. وتأثير العوامل السلبية المعرقلة أكبر من تأثير العوامل المعدِّة الممهدة، كشخص يتناول أطعمة مفيدة ومقوية لكنه في الوقت ذاته يسمح للسموم والميكروبات بدخول جسمه؛ في هذه الحالة من البديهي أن لا تنفعه تلك الأطعمة الجيدة. وفي القضايا المعنوية أيضاً إذا عكف الإنسان على العبادة طويلاً لكنه سمح لجراثيم الذنوب باختراق روحه على الدوام فسوف تُبطل هذه الجراثيم مفعول عباداته بكل تأكيد. أما إذا لم يكدر مرآيا فؤاده بالمعاصي ساقته فطرته الإلهية نحو الرشد والكمال. إذن ترك الذنوب أولى من الإتيان بالعبادات لذلك يوسوس الشيطان للإنسان باقتراف المعاصي أكثر مما يوسوس له بترك العبادات، لأن الذنب إذا سيطر على الإنسان لم تنفعه العبادات في تقربه إلى الله. إذن، أحب الأعمال ترك ذنبين اثنين: ذنب البطن مما يرتبط بطلب الدنيا وجمع المال والطمع، والثاني ذنب الشهوات الجنسية.

 

الجلسة 45