رؤية الإمام القائد لمرحلة الشباب المتوقدة

الاهتمام بالشباب

إن مرحلة الشباب وهي المرحلة المتوقدة والمتألقة ليست سوى فترة زمنية قصيرة، لكن آثارها باقية وطويلة تمتد إلى جميع مراحل الحياة.

مرحلة الشباب تبدأ منذ البلوغز وهنا سأسلط الضوء على الأمور من وجهة نظر الشباب كي يتذكر الآباء والمسؤولون أجواء الشباب والتي مروا بها في مرحلة شبابهم يوماً ما، فالشاب وفي بداية هذه المرحلة بشكل خاص يتمتع بعنصر الإثارة وبروز الرغبات.

أولاً: لأنه يعيش حالة من تكوين شخصيته الجديدة، فإنه يحاول إظهار شخصيته هذه بشكل واضح ورسمي.. وغالباً لا يتسنى له ذلك.

فالأهل قد لا يدركون هذا التحول الجديد في شخصية الشباب.

أما الشاب فإنه يعيش حالة من تطور الأحاسيس والغرائز والنمو الجسدي والروحي وهو يخطو نحو عالم جديد بالنسبة له وعلى الأغلب فإن المحيطين به، من أهل وأفراد المجتمع يجهلون هذا التحول أو الانتقال الجديد أو لا يهتمون لأمره، مما يدعو الشاب للشعور بالعزلة والوحدة. وأتمنى من الكبار أن يصغوا إلى هذا ويتذكروا مرحلة شبابهم ويأخذوها بعين الاعتبار.

ثانياً: فإن الشاب في مرحلة الشباب وكنتيجة لهذه المرحلة فإنه يواجه بالتدريج الكثير من المجاهل وستواجهه مسائل جديدة تثير الحيرة والتساؤل لديه، وقد تثير في ذهنه اشكالات وأسئلة. وبدوره يرغب بحل هذه الاشكالات والجواب على الأسئلة التي تطرأ في ذهنه. وغالباً إن هذه الأجوبة لا تشعره بالقناعة والاستقرار وقد يشعر الشاب بالحيرة والغموض.

ثالثاً: يشعر الشاب أنه يمتلك طاقات متراكمة تعطيه الشعور بالقدرة على المستوى الجسدي.. الفكري والذهني.

والحقيقة إنّ‏َ الطاقة التي تنبعث لدى الشباب يمكنها أن تخلق معجزة... تملأ الأرجاء، ولكن الشاب لا يشعر بالاستقرار والرضى أمام قدراته وطاقاته المتراكمة مما يشعره بالاضطراب.. وأحياناً الاحساس بالاهمال.

رابعاً: إن الشاب، في مرحلة شبابه يواجه عالماً كبيراً يكتشفه لأول مرة حيث لم يسبق له تجربة هذا العالم أو احتك بالشخصيات التي يقابلها، ولهذا فإنه يشعر بحاجته للمرشد والدليل والعون الفكري، وغالباً ما يكون الأهل مشغولين ولا يمكنهم اعطاؤه العون الفكري، والمؤسسات التي ينبغي أن تمده بهذا العون قد لا تساعده وتحد من الوقت المناسب الذي يحتاج.

وهكذا فإن الشاب لا يجد ضالته من العون الفكري مما يشعره بالعزلة، وهذه الأحاسيس موجودة غالباً لدى شبابنا كالشعور بالوحدة.. أو العزلة.. والشعور بقدراته المتوقدة.. وعدم استغلال هذه الطاقات. والجميع أمامهم مسؤولية التعامل وفهم هذه الأحاسيس. 

اهتمام النبي (ص) بالشباب‏

ونعود إلى نظرة الإسلام للشبابن حيث إن نظرته تتطابق تماماً مع المشاريع والبرامج التي نطرحها اليوم للتعامل معهم، وقد أوصى النبي (ص) كثيراً بعنصر الشباب.

وقد استطاع (ص) أن يُفَعِّلَ هذه الشريحة واستفاد كثيراً من الطاقات الشابة لديه لتنفيذ الإنجازات العظيمة.

أ ــ الإمام علي أنموذج الشاب الفعَّال في كافة الميادين:

لا تنظروا إلى الإمام علي (ع) وهو في مرحلة الأربعين أو الستين، فإن اضاءاته في مرحلة الشباب تعد أنموذجاً خالداً يمكن للشباب الاقتداء به وتطبيقه في مسيرتهم.. ففي مرحلة الشباب في مكة.. كان عنصراً فدائياً متوقد الذهن.. فعالاً ومقداماً قد أجلى الموانع الكبيرة في شتى الميادين من مسيرة رسالة النبي (ص)، ولطالما اقتحم ميادين الخطر بنفسه، وقد تحمل أصعب المسؤوليات، ومن خلال تضحيته وايثاره استطاع أن يتم هجرة النبي (ص) إلى المدينة بسلام، وفي مرحلة المدينة كان قائداً باسلاً عالمياً... ذكياً.. ومقداماً، وفي ميادين القتال جندياً باسلاً... وقائداً مقداماً، وفي ميدان الحكم.. عنصراً فعالاً ولامعاً، وفي جميع الميادين الاجتماعية أيضاً كان مثالاً للشاب المتوقد إنه أمير المؤمنين (ع).

ب ــ أسامة بن زيد.. ثقة الرسول في قيادة الجيش:

ولم يقتصر اهتمام النبي (ص) على شخص علي فقط، بل قد واظب (ص) طوال فترة حكمه والتي امتدت أكثر من أحد عشر عاماً على تفعيل عناصر الشباب والاستفادة من طاقاتهم إلى أقصى حد. أود أن أشير إلى أن النبي (ص) وفي أخطر المواقف حساسية من عمره.. قد حمَّل مسؤولية كبيرة لغلام لا يتعدى الثامنة عشر من عمره، وفي العادة كان الرسول يتسلم بنفسه قيادة الجيش في الحرب، أما حين كان يعيش الرسول أواخر عمره الشريف واحساسه باقتراب رحيله عن هذا العالم وإدراكه باستحالة قيادته للجيش الذي أعده لمواجهة الامبراطورية الرومانية حيث كان أمراً صعباً وحساساً وعظيماً عليه ينبغي اختيار قوة لهذا الأمر لا ترى أي مانع أمامها لتنفيذ هذه المهمة، وكان بإمكان النبي (ص) اختيار واحد من أصحابه من الكبار ذوي الخبرة في الحرب والقتال وارسالهم، لكنه اختار هذا الشاب الذي لا يتعدى الــ (18عاماً) وهو أسامة بن زيد.

وقد استفاد النبي (ص) من إيمانه ومن صفته كابن لأحد الشهداء وقال له: امضِ حيث استشهد أبوك، إلى "مؤتة" حيث مواقع الامبراطورية الرومانية في بلاد الشام آنذاك وأمره بالتمركز هناك (حتى تأتيك أوامري بالحرب).

وهكذا احتلت قوة الشباب هذه الأهمية الكبيرة في حركة الرسول (ص). 

الشباب مستعدون لتحمل المسؤولية في كافة الميادين:

واليوم في بلدنا الكثير من أسامة بن زيد، الكثير من الشباب، شبابٌ وفتيات والجمع الكبير من هذه الفئات مستعدون لخوض جميع الميادين، ميادين العلم والسياسة والميادين الاجتماعية المختلفة والمشاركة الفعالة لمعالجة الأمية والبناء وأي مجال من مجالات الحياة والاستعداد للمشاركة في أي برنامج يطرح في كل المجالات، وهذا الواقع مهم جداً لحركة البلاد. 

اغتنام الشباب‏

أما كيف نعرف قيمة الأشياء؟ فإن ذلك يكون بتفعيل قدراتها والانتفاع منها قبل أن يأتي اليوم الذي قد نفقدها فيه. فالرياضة البدنية مثلاً هي نوع من معرفة قيمة القدرات البدنية للإنسان. أنتم تستطيعون معرفة قدرات أجسامكم بالرياضة وبها أيضاً تؤمّنون قدراً من صحة أبدانكم، وإن تأخرتم في هذا الأمر فقد لا تحصلوا في المستقبل على النتيجة المرجوة منه.

أنتم الشباب عليكم أن تستفيدوا من كل قواكم أكبر الاستفادة وأكملها، فإن كان لديكم قدرة على المطالعة والتفكير فافعلوا. وإن كنتم قادرين على الحفظ فاحفظوا المسائل المفيدة، فمثلاً أنا أحفظ الآن دعاء كنت قد حفظته من 30 أو 35 سنة وما زلت أتذكره واقرأه، ولكن في هذا العمر أحفظ دعاءً أو شعراً عربياً وغير ذلك مثلاً ثم أنساه بعد أسبوع فقط. إن معرفة قيمة القدرات هو بكمال الاستفادة منها.

الآن وقت جمع النعم، اقرأوا، طالعوا، اعملوا جيداً، اقرأوا الدعاء، التزموا الرياضة والتزموا برياضة الروح أكثر، أي العبادة، لأن ثمرتها أكبر. صلوا صلاة الليل، صلّوها بتوجه، لتكن صلاة ليلٍ تعلمون فيها ما تفعلون، لا صلاةً دون توجه لأنها تتطلب العناية والتوجه. وبذلك يكون تأثيرها فيكم أيها الشباب أكبر من تأثير صلاة الليل التي أصليها أنا. حافظوا على هذه التأثيرات وتعلموا كل ما ينفع لغايتكم وكمالكم. اغتنموا الفرص والأيّام فإنها لن تعود. إن فعلنا ذلك، ثم ألقينا نظرة أخرى بمنظار أوسع، سنجد حياتنا في هذه الدنيا مشعشعة ذهبية مع أنها لا تتجاوز الستين أو السبعين سنة. لقد كان لنا قبل هذه الحياة حياة أخرى، وكذلك فبعد هذه الدنيا سيكون لنا حياة أخرى. إن حياتنا التي قبل هذه الحياة هي حياة ضعيفة، وبعد الموت والرحيل عن هذه الدنيا سينقطع عنا بعض أشياء الحياة الآتية، وما هو مهم هو حياتنا في هذه الدنيا وكل ما نريد فعله. إن هذه الحياة هي الساحة التي يتطور فيها الإنسان، هذه الحياة هي التي تعطيك فرصة ذهبية للوصول إلى الكمال. إن الحياة الدنيا زمان حسن. اسعوا لكي تعرفوا قيمته ولا تخسروه.

اسمعوا لهذه النصائح التي قد ذكرتها مراراً واعملوا بها. فإن سمعتم ولم تعملوا فستعتادون على ذلك وسوف لن تسمعوا بعدها أبداً ولن تعملوا. اسعوا لمعرفة قيمة حاضركم.