المكان: النجف الأشرف‏

 

المصدر: صحيفة الإمام، ج‏3، ص: 320

 

الموضوع: قضايا إيران السياسية والاجتماعية

 

أجرى الحوار: لوسين، جورج (مراسل صحيفة لوموند الفرنسية)

 

التاريخ: 4 ارديبهشت 1357ﻫ.ش/ 16 جمادى الأولى 1398 ﻫ.ق‏

 

[في تقديمه للحوار الذي أجراه مع سماحة الإمام الخميني، ونشر في صحيفة لوموند بتاريخ 6 مايو/ أيار 1978، كتب السيد جورج لوسين يقول:

 

شهدت إيران منذ بدء العام الميلادي الجاري بشكل مستمر انتفاضات كبرى ابتداءً من مدينة قم وانتهاءً بمدينة تبريز، وغطّت بنيرانها مدناً عديدة. وفي هذا الأسبوع عمّت الفوضى قاعات الدرس في عدة جامعات بطهران، وعلى الرغم من مشاركة بعض المعارضين من اليسار واليسار المتطرف في هذه التحركات المناهضة للنظام الشاهنشاهي، يبدو أنّ الملهم الأساسي والرئيس لهذه التحركات هم الزعماء الدينيون. ومهما يكن، فإن المتظاهرين يرددون بانتظام وبنحو منسجم اسم الزعيم الديني للشيعة في العالم ألا وهو آية الله الخميني.

 

يقيم آية الله الخميني في منفاه بالعراق منذ عام (1963م) غير أن وفاة نجله بالعراق في 29 أكتوبر 1977 بشكل مفاجئ‏ ومرموز، ونشر الصحف الرسمية لمقال يسيء لسماحته قد فجر الإضرابات والعصيان. ومنذ ذلك التاريخ اكتسب تحرك القوى الدينية المعادي للشاه زخماً أكبر، وبات أكثر جدية.

 

وعلى الرغم من أن آية الله الخميني الذي هو من المعارضين الأشدّاء للنظام الشاهنشاهي كان يصدر البيانات والإعلاميات بصورة مستمرة يدعو فيها الجماهير إلى التمرّد والثورة لم يُجرِ إلى الآن حواراً مع الصحافة الأجنبية مطلقاً، بيد أنّ سماحته وافق على استقبال المبعوث الخاص للصحيفة والتحدّث إليه في منفاه بمدينة النجف في العراق.

 

وعلى مدى ساعتين تحدّث إلينا آية الله الخميني ذو الوجه النحيف الذي تظهره اللحية البيضاء أطول قليلًا بهدوء وحزم معاً، حتى عندما كان يتحدّث بضرورة تخلّص إيران من شرّ الشاه، وكذلك لدى الإشارة إلى وفاة نجله، لم تبد على وجهه آثار للانفعال، ولم يلاحظ تغيير في ملامحه، لقد كان سلوكه وقدرته على التحكم بأعصابه وضبط النفس عقلانياً إلى حد بعيد.

 

إنّ آية الله بدلاً من التلاعب بالكلمات يستحوذ على مخاطَبِه بإيمانه واعتقاده، هكذا كان سحر نظراته، كانت نظرته نافذة دائماً، بيد أنه كان يبدو جازماً بنحو لا يطاق حينما يتحدّث في موضوع حسّاس ورئيس. يتسم آية الله بعزم راسخ وكامل، وليس بصدد قبول مصالحة أبداً، عازم على المضي في نضاله الشاه إلى النهاية.

 

وفي هذه الأيام تندلع في إيران تحت لواء هذا الزاهد المتّقي ذي الـ 76 عاماً، انتفاضات متعددة. وتعمل هذه الانتفاضات- التي تتخذ لها عناوين وموضوعات دينية- على تقويض أركان‏ النظام الشاهنشاهي أكثر من التهديد الذي تشكّله جبهة اليسار المعارضة، فقد جعلت النظام يقف في مواجهة أخطار جدية.

 

نحن الآن في محضر آية الله، في حجرة أبعادها 2* 3 متر، في منزل يقبع في أبعد نقطة من نقاط مدينة النجف، المدينة التي تعد من الناحية الجغرافية من أسوأ المناطق الصحراوية في العراق.

 

ففي الطريق بين بغداد والنجف هبَّت عاصفة رملية راحت تتلاعب بسيارتنا، وتنقلها أحياناً من مكان إلى آخر كالريشة، حتى استقر بها المقام جثّة هامدة في كثبان الرمل. كان سائقنا يعتبر ذلك نوعاً من الغضب الإلهي، فأخذ يتلو آيات من القرآن.

 

هنا حيث الأرض المقدّسة للمسلمين الشيعة، نجد الله العادل ودعوته لنشر العدل والعدالة حاضراً وناظراً في كل مكان. فالنجف تحتضن مرقد علي، الإمام الأول وصهر الرسول، وفي كربلاء مرقد الحسين الإمام الثالث وحفيد الرسول، ويستقر قبرا هذين الإمامين تحت قبتين طليتا من الخارج بالذهب الذي لا حدود للمعانه وسطعانه.

 

ومن الداخل أيضاً زيّن المرقدان بآلاف المرايا المضيئة، وكان هذان الإمامان والأئمة من أبناء الإمام الحسين إلى الإمام الحادي عشر قد قتلوا جميعاً على أيدي الأمويين والعباسيين الغاصبين. ورغم ذلك، فان هذه الثروة الظاهرية في قلب الفقر المدقع للبيئة لا تثير العجب، بل هي في الحقيقة بحد ذاتها مؤشِّر إلى حالة انتقام أتباع الفكر الشيعي من غَصَبَة حق أئمتهم.

 

إن الإسلام الشيعي الذي يشكّل أتباعه 61 من المسلمين في العالم، يحيا منذ عشرة قرون في انتظار الإمام الثاني عشر، الإمام الذي سيقيم حكومة الحق، ويملأ الأرض قسطاً وعدلًا. وعلى الرغم من أن الأماكن المقدسة للشيعة تقع في العراق، حيث يشكل الشيعة نصف السكان يتمركز الشيعة في إيران بشكل خاص، ففي الحقيقة أن 93% من مجموع 33 مليون إيراني هم من الشيعة. فهل الذي يتحكّم بهذه الجماهير الشيعية- التي باتت اليوم تؤمن بشدّة وإخلاص بتحرّكها- ويحكم إيران هو هذا العجوز الزاهد- آية الله الخميني-، ويمتلك كل هذه القدرة؟

 

فقد قام الشاه بنفيه من إيران عام 1963 وبعد مدَّة من النفي أمضاها في تركيا، انتقل للإقامة في النجف، ثم جاءت وفاة نجله المفاجئة لتفجِّر انتفاضات متتالية هزت إيران بين حين وآخر.

 

يقع المنزل المتواضع لآية الله الخميني في منعطف أحد أزقة النجف الضيّقة التي تتداخل بيوتها بنحو يقيها أشعة الشمس الحارقة، ويشبه المنزل في تواضعه وبساطته بيوت فقراء النجف. إذ تضمّ غرفه الثلاث أكثر من اثني عشر من المقرّبين لسماحته، كما أن هذا المنزل المتواضع يخلو من أي مؤشر أو علامة تدل على قدرات زعماء الانتفاضة أو رؤساء الأحزاب المعارضة الذين في المنفى.

 

وإذا كان آية الله الخميني يتمتّع بالقدرة التي أهّلته لأن يتحكم بالشعب الإيراني وانتفاضته، فمن المؤكد أنَّ هذه القدرة مستوحاة من حضوره القوي والفاعل في أفكار الشعب الإيراني، القدرة التي تضاعفت عشرات المرات بدلًا من أن تتضاءل بعد نفيه من إيران. لم يتحدّث آية الله- الرجل الوقور القليل الكلام- حتى الآن إلى الصحافة العالمية مطلقاً، ومن هنا كان هذا الحوار الذي أجراه مع صحيفة لوموند أوّل حديث صحفي لسماحته:]

 

 سؤال: (يتّهمك الشاه بأنّك سلفي، وتعارض التطوُّر الحضاري، فماذا تردون عليه؟).

 

الإمام الخميني: إنّ الشاه هو نفسه مصداق للسلفية ومعارضة التطّور الحضاري. فعلى مدى خمسة عشر عاماً كنت أُطالب بشدّة في خطاباتي وبياناتي إلى الشعب الإيراني بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلادي، غير أن الشاه كان يُصرّ على تنفيذ سياسة الامبرياليين، ويحرص على إبقاء إيران في وضع متخلف ومتأخر.

 

إنّ نظام الشاه نظام مُستبدّ، وقد صادر هذا النظام الحريات الفردية، وغيّب الانتخابات الحقيقية والصحافة الحرة والأحزاب. كما أن الشاه يفرض النواب بانتهاكه للقانون الأساسي- الدستور-، ويمنع التجمّعات السياسية- الدينية، وليس هناك وجود للاستقلال القضائي والحرية الثقافية مطلقاً.

 

لقد غصب الشاه السلطات الثلاث، وأوجد حزباً واحداً[1]، وأسوأ من ذلك إجباره الناس على الانتماء لهذا الحزب، وانتقامه من المعترضين. كذلك تمّ القضاء فعلياً على زراعتنا التي كان نتاجها إلى ما قبل 23 عاماً مضت يزيد على احتياجاتنا الداخلية، وكنا نُصدَّر الفائض من الإنتاج. وطبقاً للأرقام التي أعلنها رئيس وزراء الشاه قبل عامين أن إيران باتت تستورد 93% من الموادّ الغذائية التي تستهلكها. فهذه هي نتيجة ما أطلق عليه الشاه استصلاح الأراضي. كما أن جامعاتنا مغلقة لما يقارب نصف العام، وتُعرّض طلبتنا وجامعيونا كلَّ عام للضرب والجرح مرات عديدة، ويلقى بهم في المعتقلات.

 

الشاه يدمِّر اقتصادنا، ويهدر عائدات النفط التي هي ثروة أجيالنا القادمة، وينفقها على شراء الأسلحة التي تكرس لأهداف استعراضية، وتستنزف مبالغ طائلة. ولا شك أنَّ مثل هذا الأمر يسيء إلى استقلال إيران. إني أُعارض الشاه على وجه التحديد لتبعيته للقوى الأجنبية، وسوق تقدم الشعب وتطوره إلى الهاوية.

 

وحينما يزعم الشاه أنّه يأخذ إيران إلى مدارج (الحضارة الكبرى)، فإنّه يكذب، ويتخذ من ذلك ذريعة لاستئصال جذور استقلال البلاد وإراقة دماء المواطنين، فالعمال والمزارعون والجامعيون والكسبة والنساء والرجال يناضلون سلطتَه الرجعية وتمسُّكه بالماضي. وبسبب هذه الحقائق غير القابلة للإنكار يسعى إلى إظهار موقفنا المعارض لنظامه بصورة مقلوبة، ويصوِّرنا بأننا نعارض التطور والمدنية وسلفيون. فإذا نجحنا في إسقاط نظامه سنحاكمه على الأعمال المناهضة للتقدّم والازدهار الاقتصادي والثقافي للشعب التي ارتكبها، وحينها سيطّلع العالم بأسره على جرائمه.

 

سؤال: (الشاه يصفكم بأنكم تعارضون التمدن، وأنتم أيضاً تنعتونه بالاتهام نفسه، وليس هذا بالضرورة أن يكون مقنعناً. يا حبذا لو توضحون مواقفكم إزاء قضايا إيران الرئيسة الثلاث: إصلاح الأراضي، وتصنيع البلد، والنساء).

 

الإمام: إن مشروع إصلاح الأراضي الذي كان يدعو له الشاه يستهدف على وجه التحديد إيجاد سوق للدول الأجنبية ولاسيما أميركا. أمّا إصلاح الأراضي الذي ندعو إليه، فهو الذي يمكّن المزارع من الاستفادة من محصوله، ومعاقبة الإقطاعيين الذين عملوا خلافاً للقوانين الإسلامية.

 

سؤال: (هل ستتم إعادة الأراضي التي تمّت مصادرتها إلى أصحابها؟).

 

الإمام: لا بالتأكيد .. فهؤلاء إقطاعيون كنزوا عوائد الأرض أعواماً متمادية دون أن يعملوا على تطبيق الأحكام الإسلامية في مجال التوزيع، واحتفظوا بالثروة التي هي من حق المجتمع، وينبغي إنفاقها على المجتمع، وعملوا خلافاً للقوانين الإسلامية، وأثروا على حساب الآخرين. من هنا سوف نستولي على الثروات التي جمعها أصحابها بغير حق، ونوزّعها ثانية بين المحتاجين على أساس الحق والإنصاف إذا تسلَّمنا مقاليد الحكم والسلطة.

 

أما بالنسبة لتصنيع البلاد، نؤمن بذلك تماماً غير أننا ندعو إلى صناعة وطنية ومستقلة تدمج في اقتصاد البلد وتكون في خدمة الشعب جنباً إلى جنب مع الزراعة، لا صناعة تابعة للدول الأجنبية، وتعتمد على التجميع فقط نظير الصناعة السائدة في إيران اليوم. إنّ سياسة الشاه على الصعيد الصناعي والزراعي جعلت بلدنا مجتمعاً مستهلكاً لمصلحة القوى الاستعمارية.

 

وفيما يخص النساء لا يُعارض الإسلام حريتهن في وقت من الأوقات، بل على العكس الإسلام يعارض مبدأ أن تكون المرأة مجرد شي‏ء كباقي الأشياء، وقد أعاد إليها كرامتها ومصداقيتها. إن المرأة تقف على قدم المساواة مع الرجل. المرأة حرّة كالرجل تختار مصيرها وفعالياتها، لكنّ نظام الشاه سعى للحيلولة دون تمتّع النساء بحرياتهن بإغراقهنَّ فيما ينافي الأخلاق، والإسلام يعارض هذا الأمر بشدّة. لقد صادر النظام حرية المرأة مثلما صادر حرية الرجل وضيّعها، كما ملئت السجون من النساء مثلما ملئت من الرجال، فحريتهن مهدَّدة ونحن نريد تحرير النساء من الفساد الذي يتهددهن.

 

سؤال: (كيف تنظرون إلى مفهوم (الماركسية الإسلامية) الذي يردّده النظام باستمرار؟ وهل لديكم ارتباطات منظمة مع المجموعات اليسارية المتشددة؟)

 

الإمام: الشاه هو أول من استعمل المصطلح المذكور، وراح يردِّده المحيطون به تبعاً له، وهذا المفهوم مفهوم غير صحيح، ويتّسم بالتناقض، ويستعمل لتشويه ومصادرة نضال شعبنا المسلم لنظام الشاه. فالمفهوم الإسلامي الذي يرتكز على أصل التوحيد ووحدانية الباري- تعالى- يتعارض مع المادية.

 

أنّ مصطلح (الماركسية الإسلامية) مصطلح منافٍ للحقيقة، بتعبير آخر، إن الشاه وجهازه الدعائي يسعون بإشاعة مفردات من قبيل اتّحاد (الرجعية السوداء) و (التخريب الأحمر) إلى تحقيق الهدف الذي أشرنا إليه، أي: أنه يريد أن يزرع الرعب في نفوس الشعب المسلم وإثارة الشك والترديد والغموض لديهم من أجل القضاء على معارضتهم لنظامه التي هي معارضة شاملة وغير قابلة للبحث والإنكار. فليس هناك اتّحاد بين الشعب المسلم الذي يناضل الشاه، وبين العناصر الماركسية المتطرفة وغير المتطرفة.

 

لقد أعلنت مراراً وتكراراً في بياناتي ضرورة محافظة الشعب على وحدته وانسجامه في النضال، وحذرته من أي نوع من التعاون المنظّم مع العناصر الماركسية، فإنّنا نناضل الشاه باتّحاد كافة المسلمين، ولهذا السبب بالذات يسعى الشاه إلى تشويه صورة نضالنا.

 

سؤال: (نظراً لغياب الروابط المنظّمة، هل تفكّرون باتحاد تكتيكي مع الماركسيين لإسقاط الشاه؟ وكيف سيكون تعاملكم معهم بعد نجاحاتكم الاجتماعية؟).

 

الإمام: لا، نحن لن نتعاون مع الماركسيين، حتى من أجل إسقاط الشاه، وقد حذرت أتباعي من ذلك على الدوام، إننا نعارض طريقة تفكيرهم، فهؤلاء طعنونا في الظهر، وإذا تسلَّموا السلطة في يوم ما سيقيمون نظاماً مستبدّاً، ومثل هذا يخالف روح الإسلام.

 

وبالنسبة للمجتمع الذي نفكّر في إقامته سوف يتمتع فيه الماركسيون بمطلق الحرية في التعبير عن أفكارهم، لأننا واثقون أنّ الإسلام يمتلك الإجابات الشافية لاحتياجات الناس، وإيماننا وعقيدتنا قادران على التصدّي لإيديولوجيّة هؤلاء. والفلسفة الإسلامية منذ اليوم الأول تصدّت للذين يُنكرون وجود الله، ونحن لن نصادر هؤلاء على حريتهم أبداً، ولن نلحق بهم أذى. كل شخص حرٌ في إظهار عقيدته، غير أننا لا نسمح له بالتآمر.

 

سؤال: (ما هي الأسباب في تصوركم التي أدّت إلى اندلاع الثورات الإيرانية؟ ولماذا حدث مثل هذا الإعصار والغليان في الوقت الحاضر؟).

 

الإمام: الضغط والقهر الذي مارسه الشاه وأبوه، التعاسة والإذلال هما اللذان حطّما شعبنا، إذ حُرم الناس حريتَهم واستقلالَهم وتقدمهم وحياتهم الكريمة، وسمعوا وعوداً كاذبة ملئت منها أذهان الناس على مدى السنوات الخمس عشرة الأخيرة. كلّ ذلك أدى إلى اندلاع الانتفاضات والثورات، إذ أن تدنّي الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، واتسعت دائرة الضغط والاضطهاد حتى بلغ درجة لا تطاق.

 

والانتفاضة الأخيرة هي مقدمة لانفجار عظيم لا يمكن التنبؤ بنتائجه. أمّا المظاهرات المعاكسة التي تنظمها الشرطة بمشاركة المرتزقة والعملاء للتصدّي للمظاهرات الجماهيرية، والمذابح التي ترتكب في المدن والأرياف، فكل ذلك يهدف للحيلولة دون سقوط الشاه.

 

سؤال: (هل تعتقد بأن نجلك قد قتل؟ وان لم يكن كذلك، فلماذا أضحت وفاته سبباً لتفجير المظاهرات)؟

 

الإمام: ليس بوسعي القول في ما حدث بنحو قاطع ومتيقن، ولكن أعلم أنّه كان صحيحاً سالماً قبل ليلة من وفاته، وطبقاً للتقارير التي وصلتني أن أشخاصاً مشكوكاً في أمرهم كانوا عنده تلك الليلة وفي اليوم التالي توفّي. كيف؟ ليس بوسعي أن أقول شيئاً، وقد عبر الشعب عن غضبه لهذه الحادثة، ومن المؤكد أنّ الشعب يحب خادميه، ويعتبرنا أنا وكذلك ولدي من خادميه.

 

وفي ضوء ذلك فإن أية مذبحة ارتكبها النظام تبعتها مظاهرات جديدة بمناسبة أربعينية القتلى، بيد أنّ الموضوع الأصلي والرئيس لا يتمثّل في مقتل ولدي، القضية الرئيسة هي قيام أبناء الشعب بأسره وتمرّده على الظلمة الذين يمارسون الظلم بحقه.

 

سؤال: (ما هو برنامجكم السياسي؟ هل تريدون إسقاط النظام؟ وما هو نوع النظام الذي سيحل محله؟).

 

الإمام: كل هدفنا يتمثل في إقامة دولة وحكومة إسلامية. وهدفنا في الوقت الحاضر يتمثّل في إسقاط هذا النظام المتجبِّر والمستبد، ففي المرحلة الأُولى ينبغي الاستيلاء على السلطة لتحقيق المتطلبات الأساسية لأبناء الشعب.

 

سؤال: (ماذا تقصدون بالحكومة الإسلامية؟ فما يتبادر للذهن عند سماع هذا التعبير هو الإمبراطورية العثمانية أو العربية السعودية.)

 

الإمام: مرجعنا الوحيد الذي نستمدّ منه شكل الحكومة الإسلامية هو عصر الرسول (ص) وعهد الإمام علي.

 

سؤال: (هل تعتبرون العودة إلى القانون الأساسي لعام 1906[2] سبيل حل مقبول؟)

 

الإمام: القانون الأساسي ومتممه يمكن أن يكون أساساً للدولة والحكومة التي ندعو إليها، بشرط إجراء تعديل لهما، فمثل هذه الحكومة توظّف لخدمة الأهداف الإسلامية.

 

سؤال: (هل سيُبقي هذا القانون على الملكية، أو أنكم تتطلعون إلى النظام الجمهوري؟)

 

الإمام: النظام الذي سنقيمه لن يكون نظاماً ملكياً أبداً، فهذا أمر مفروغ منه ومنتف تماماً.

 

سؤال: (هل ستوافقون على تسلّم ابن الشاه للحكم؟.)

 

الإمام: لقد عارضنا والد الشاه، ونعارض الشاه الحالي، ونعارض جميع أفراد هذه الأسرة، لأن الشعب الإيراني يرفضها.

 

سؤال: (هل تفكّرون بالتربُّع على رأس السلطة؟.)

 

الإمام: أنا شخصياً لا، فلا سني ولا موقعي ولا مكانتي تسمح، ولا أنا أميل إلى هذا الأمر، فإذا ما توفّرت الفرصة فسوف أعمل ضمن المجموعة التي ستحتل موقعها في إطار الفكر الإسلامي المعنيّ بالحكومة، على انتخاب شخص أو أشخاص ممّن يتوفرون على الكفاية والمؤهلات اللازمة للتصدّي لهذا الأمر.

 

سؤال: (لماذا التزم سماحتكم الصمت دائماً عن دعوات الصحافة العالمية للتحدّث إليها؟)

 

الإمام: الصحافة العالمية تولي معظم اهتمامها للبهارج والضجّة الإعلامية والاحتفالات الرسمية نظير احتفالات تخت جمشيد وتتويج الشاه ... الخ، وغاية اهتمامها لا تتعدى أسعار النفط، أما تعاسة الشعب الإيراني ومتاعبه وهمومه فلا شأن لها بها، وكما هو معلوم أن الشاه ينفق مائة مليون دولار سنوياً على إعلامه في الخارج. ومن هنا وعلى مدى الخمسة عشر عاماً الماضية تحدثت إلى الشعب الإيراني بكل ما أفكِّر فيه، وأتطلع إليه، وسأواصل ذلك في المستقبل أيضاً.

 

وقد قيل لي: إنَّ صحيفتكم من الصحف المستقلة، وإنّها تتناول قضايا إيران الحقيقية من قبيل التعذيب الذي يمارس بحق الشعب الإيراني والقتل والظلم وغياب العدالة، ولذا آمل أن تُساعد هذه المقابلة على تعريف أهداف شعبي.

 

سؤال: (هل تمثّل سياسة الشاه الداعمة لإسرائيل أحد أسباب معارضتكم لنظامه؟)

 

الإمام: أجل. لأنّ إسرائيل احتلّت أراضي شعب مسلم، وارتكبت بحقه جرائم لا تعدّ ولا تحصى، وحرص الشاه على الإبقاء على العلاقات السياسية مع إسرائيل وتقديم المساعدة الاقتصادية لها، يتعارض مع مصالح الإسلام والمسلمين.

 

سؤال: (هل تتطلعون لانضمام إيران إلى مجموعة الدول العربية المعادية لإسرائيل؟)

 

الإمام: لقد دعوت بإصرار على الدوام إلى اتحاد مسلمي العالم ونضال أعدائهم بما فيهم إسرائيل، ولكنّ الأنظمة المختلفة الحاكمة في البلدان الإسلامية لم تستمع إلى دعواتنا مع الأسف، وأنا آمل أن تصغي إلى هذه الدعوات، إذ إنّي سأُواصل هذا النهج بخطى راسخة.

 

سؤال: (إن آخر سلسلة من العمليات العسكرية الإسرائيلية أدّت إلى احتلال أراض عربية أُخرى، أي جنوب لبنان الذي يقطنه الشيعة .. كيف تفكّرون بهذا الشأن؟)

 

الإمام: لابدّ لأهالي الجنوب اللبناني من العودة إلى منازلهم بأية وسيلة كانت، وإنّ من واجبهم النضال لاسترجاع أراضيهم قبل أن يأتي الإسرائيليون، ويُقيموا المستوطنات.

 

أنا شخصياً طلبت من الشعب الإيراني والشيعة في العالم أن يهبوا لمساعدة إخوتهم في جنوب لبنان، وقد كان لهذه الدعوة نتائج ملموسة، غير أن الحكومات وحدها التي تمتلك الوسائل اللازمة بما يتناسب واحتياجات هذا الشعب، الحكومات وحدها التي بوسعها ممارسة الضغط على إسرائيل لإجبارها على الانسحاب من هذه الأراضي.

 

سؤال: ثمة مجموعة من الجنود الإيرانيين تعمل ضمن قوات الأمم المتحدة في الجنوب اللبناني، هل تعتقد بأن مثل هذه المشاركة إيجابية؟

 

الإمام: لقد جرّبنا النظام الإيراني، ولا سبب يدعونا للاعتقاد بأنّ هذا النظام الذي لا يتوانى عن تقديم الدعم لإسرائيل على العرب أخذ يفكر هذه المرة بممارسة دور إيجابي في خدمة الأهداف المقدسة. في تصوري أن تصرف إيران هذا يهدف إلى إسكات أعداء إسرائيل أكثر من أي شي‏ء آخر.

 

سؤال: (ما هو موقفكم من أميركا؟)

 

الإمام: في البيانات والنداءات التي أصدرتها خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة أوضحت أكثر من مرة مواقفي وتصوري إزاء أميركا والقوى الكبرى الأُخرى التي تستغل ثروات البلدان الفقيرة، فأميركا تعمل على فرض عملائها في هذه البلدان، ثم تدعم وتؤيد العنف والاضطهاد الذي يمارس بحق شعوبها.

 

أميركا هي التي صنعت انقلاب عام 1953 وعودة الشاه، وحرصت على إبقائه في الحكم، ولم تغير سياستها، وما دام الوضع مستمراً على هذا المنوال، فإن مواقفي وقناعاتي إزاء أميركا باقية كما هي لم تتغير.

 

سؤال: (هل تفكّر كما يفكر البعض بأن أميركا تتطلّع إلى إقامة نظام ليبرالي ذي نزعة تحررية في إيران؟)

 

الإمام: هل تعني الإعلان الخاص باحترام حقوق الإنسان؟ هذا الموضوع ليس أكثر من كلام مجرَّد، وأنا لا أؤمن به. يكفي أن تنظر إلى كارتر- الرئيس الأمريكيّ- في زيارته لطهران حيث جدَّد دعمه للشاه إضافة إلى ذلك لم يكذّب هذا الدعم عملياً.

 

على أية حال نحن لا نقبل- في أي وقت- نظاماً له ملامح وصورة النظام الليبرالي الحر، إلّا أن جوهره ومحتواه ديكتاتوري واستبدادي.

 

سؤال: (ما هو موقفكم من الاتّحاد السوفيتي البلد الجار الأكبر لإيران؟)

 

الإمام: هو الموقف ذاته إزاء أميركا .. القوتين العظميين استغلتا واستثمرتا شعبنا وأنا لا أجد فرقاً بينهما. بل، حتى لا أجد فرقاً بينهما وبين انكلترا. وإذا تحقَّق استقلال إيران، يمكن حينئذ إقامة علاقات سليمة مع دول العالم كافّة.

 

سؤال: (هل تعتقدون بأن نظام الشاه قادر على اتّخاذ نهج تحرري؟)

 

الإمام: مطلقاً، بل إن مبادئ الديمقراطية والحرية تتعارض كلياً مع هذا النظام ومع وجود الشاه، لذلك لا توجد أية إمكانية للمصالحة معه، فجرائمه لا تعد ولا تحصى. وإن أول خطوة سيقدم عليها النظام التحرري القادم هو محاكمة الشاه، لأنه استولى على ثروات البلاد، وأودعها البنوك الأجنبية، وعليه أن يجيب عن الجرائم التي ارتكبها وإن الحرية الحقيقية لن يتسنى تحققها ما دام الشاه متربعاً على سدة الحكم.

 

ـــــــــــــــــــ

 

[1] حزب رستاخيز، الذي أعلن الشاه عن تأسيسه في 11 اسفند 1354.

 

[2] القانون الأساسي للحركة الدستورية (المشروطة) (عام 1324 ﻫ.ق).