إيران الثورة يد ممدودة لنصرة الأصدقاء في الشدائد

ینشر موقع KHAMENEI.IR الإعلاميّ مقالاً للصحفي والمُحلّل للشؤون الإقليميّة السيّد مجتبى علي الحيدري يسلّط فيه الكاتب الضوء على النّهج الاستثنائي والفريد الذي تتبعه جمهوريّة إيران الإسلاميّة في عالم السياسة وفي العلاقات مع الأصدقاء، حيث هو مختلف عن النهج الذي تتبعه دول العالم التي تتبع مصالحها حصراً دون أن يكون لديها عدوٌّ دائم أو صديقٌ دائم، ويتمثّل في الأخذ بأيدي الأصدقاء في كلّ منعطف والوقوف بجانبهم في الشدائد واعتبار ذلك جزءً من الأمن القومي والمصالح الوطنيّة العُليا.

 

الكاتب: السيد مجتبى علي الحيدري

 

كثيراً ما نسمع أنْ ليس للدول في عالم السياسة عدو دائم أو صديق دائم بل مصالح دائمة، وبعبارة أخرى: لا يوجد في السياسة عداء دائم أو صداقة دائمة، بل مصلحة دائمة. تتردد أصداء هذه المقولة كثيراً في أروقة السياسية عند كل حدث تشهده الساحة الدولية، فهناك من يتخلى عن الصديق والحليف بذريعة المصلحة العليا أو ما يسمى الأمن القومي، فينقلب بين ليلة وضحاها من صديق إلى عدو، أو من حليف إلى طرف محايد.

 

لكن هناك من كسر هذه القاعدة وجعل المبادئ أساساً لعلاقاته مع الأصدقاء والحلفاء، فيأخذ بأيديهم في كل منعطف ويقف إلى جانبهم في الشدائد، بل يرى ذلك جزءاً من أمنه القومي ومصالحه الوطنية العليا.

 

لعل إيران اليوم هي المثال الحي للصديق الوفي والحليف الصفي في التمسك بثوابت الصداقة في عالم السياسة المتقلب، لما بذلته من غالٍ ونفيس للأصدقاء والحلفاء والمظلومين منذ انتصار ثورتها الإسلامية المجيدة إلى يومنا. وقد برهنت بما قدمته من تضحيات جسام إلى حلفائها أنها تخاطر بمصالحها من أجل دفع الخطر المحدق بأصدقائها في مختلف بقاع العالم، وعلى اختلاف قومياتهم ومللهم وطوائفهم الدينية والمذهبية، فيما نرى الولايات المتحدة كل يوم تخذل صديقاً هنا وتتخلى عن آخر هناك وتبتز هذا الحليف وتهين ذاك من أجل تحقيق مصالحها.

 

ربما قليلون هم من يعلمون أنه كان لإيران دور كبير في منع إبادة المسلمين في البوسنة والهرسك حين بعثت صفوة من القياديين والمجاهدين في النصف الثاني من عام 1992 بهدف مساعدة إخوانهم المسلمين البوسنيين على الدفاع عن أنفسهم ضد القوات الصربية والكرواتية.

 

وبعد احتلال العراقِ الكويتَ في آب/أغسطس 1990 دعت الجمهورية الإسلامية بغداد إلى الانسحاب الفوري ووقفت إلى جانب الكويت، فيما ساندت الشعب العراقي إبّان الحصار الأمريكي الجائر على العراق، رغم حرب نظام صدام البعثيّ الغاشمة على الشعب الإيراني التي استمرت ثماني سنوات.

 

لا ننسى أن إيران كانت بين الدول القليلة التي نصرت الشعب الأفغاني في عهد الاحتلال السوفييتي الذي طال عقداً ثم تلاه الاحتلال الأمريكي الذي استغرق عقدين نهبت خلالهما الولايات المتحدة خيرات الشعب الأفغاني وسرقت ثرواته.

 

كذلك، وقفت إيران إلى جانب دولة قطر خلال الحصار الذي فرضته عليها السعودية والإمارات ودول عربية أخرى، إذ فتحت لها موانئها وأجواءها. كما دعمت إيران الحكومة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان ضد محاولة الإطاحة به رغم بعض مواقفها حول طهران آنذاك. أيضاً ساعدت إيران في المدة الأخيرة حليفتها فنزويلا بإرسال الوقود والمعدات اللازمة لإصلاح مصافي نفطها المتهالكة عبر ناقلات عملاقة.

 

أما مواقف إيران تجاه فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن، فهي كثيرة ولا يمكننا حصرها في موقف أو اثنين، بل هناك لائحة طويلة من المواقف الإيرانية النبيلة نعجز عن ذكرها جميعاً في هذه العجالة، وكثير منها واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار.

 

بمناسبة ذكرى تأسيس «الحشد الشعبي» في العراق إثر الفتوى المباركة لآية الله العظمى السيد علي السيستاني، كان لإيران مواقف لن تُجحد أبداً في سبيل تقديم الدعم إلى «الحشد الشعبي» الفتي آنذاك. وقد قال القائد العراقي الكبير الشهيد أبو مهدي المهندس: «لولا إيران، لذهب العراق، ولولا مؤازرة الجمهورية الإسلامية لـ"الحشد الشعبي"، ما استطاع العراق أن يسطر انتصاراته الكبيرة في كسر شوكة تنظيم "داعش" الإرهابي وتطهير أرضه من دنس الإرهابيين».

 

وأضاف المهندس: «فتحت إيران مخازن أسلحتها أمام العراقيين وزودوتهم بكل ما كانوا يحتاجون إليه وقدمت خمس طائرات سوخوي بعد شهر من المعارك مع "داعش" الإرهابي، وكان السلاح الإيراني يصل إلى العراق خلال ساعات قليلة، كما قدمت إيران 52 شهيداً من كبار مستشاريها وخبرائها الفنيين دفاعاً عن العراق ومقدساته ولا تزال تقدم الدعم إلى طوائف الشعب العراقي كافة».

 

لقد حاولت أمريكا مراراً أن تسرق هذه الانتصارات التي تحققت على أيدي مقاتلي «الحشد الشعبي» بمساعدة إيران وتنسبها إلى نفسها. واللافت أن الشهید قاسم سلیماني، قائد «فيلق القدس»، كان دائم الحضور في معارك العراقيين ضد «داعش»، وقاد عمليات كثيرة بنفسه وقد جرح وحوصر حتى كاد أن يؤسر لولا لم تدركه رحمة من الله.

 

رأينا الشهيد سليماني في مقطع مسجل في إحدى ساحات القتال مع «داعش» يستنهض الشباب العراقيين باللغة العربية قائلاً إن العراق بأمس الحاجة إلى خبراء ومختصين في كل المجالات وعليكم أن تساعدوا بلدكم عبر كسب العلم بمواصلة دراستكم الجامعية في مختلف التخصصات.

 

بعد سنوات من سقوط «خلافة داعش» في العراق وسوريا، صارت قوات «الحشد الشعبي» الباسلة ركيزةً قويةً وسداً منيعاً للحفاظ على أمن العراق أمام عودة التنظيمات الإرهابية، وراح هذا المولود المبارك من صلب قوات محور المقاومة يزيد قوته وشرعيته في العراق يوماً بعد يوم، ويراه الشعب العراقي وشعوب المنطقة ثمرة من ثمار شجرة المقاومة الطيبة التي رُوت بدماء الشهداء الأبطال ولا سيما الشهيد الحاج قاسم سليماني ورفاقه الأبرار.