ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي مقالاً يسلّط الضوء على مواقف الإمام الخمينيّ الراحل (قده) الداعمة لفلسطين وتاريخ هذه المواقف التي سبقت انتصار الثورة الإسلاميّة وتواصلت حتّى اللحظة الأخيرة من حياة الإمام وشغلت قسماً مهمّاً من وصيّة سماحته السياسيّة الإلهيّة.

 

في عاشوراء 1383 هـ. الذي صادف 13 خرداد 1342 هـ. ش. و3 حزيران/يونيو 1963؛ اعتلى الإمام الخمينيّ المنبر وألقى خطبة غرّاء انتقد فيها النظام البهلويّ بشدّة، ووجّه أنظار الجميع إلى نقطة تشكّل واحدة من الركائز الأساسيّة لتحرّكه الثوري: مكافحة «إسرائيل»، النظام الذي رأى سماحته أنّه بغصبه فلسطينَ أحدثَ كارثة في العالم الإسلاميّ. في ذلك الخطاب الشّهير، حذّر الإمام الخمينيّ الناس من خطر إسرائيل التي تسعى إلى إبادة الإسلام والقرآن وعلماء الدين، كما كشف عن علاقات حكومة الشّاه بالكيان الصهيوني. ومع أنّ التاريخ المذكور يُعدّ نقطة البداية لنهضة الإمام الخمينيّ الثوريّة، فإنّ كلام سماحته حول فلسطين واحتلال الإسرائيليّين لها يعود إلى أيّام سبقت هذا الخطاب. ففي شباط/فبراير من العام نفسه، يردّ الإمام في رسالة إلى نقابات قم على استفتائهم ويكتب حول خطورة إسرائيل ما يلي: «انطلاقاً من المسؤوليّة الشرعيّة أحذّر الشعب الإيرانيّ والمسلمين حول العالم من كون القرآن الكريم والإسلام في خطر. إنّ استقلال البلاد واقتصادها في قبضة الصّهاينة. لن يطول الأمر كثيراً قبل أن يدفع الصّمت المُدقع للمسلمين الشعوبَ المسلمة إلى الهاوية في شؤونها كافّة».

ما كان يجعل قضيّة فلسطين، وخُبث «إسرائيل» وشرّها، موضوعاً ثابتاً في خطابات الإمام الخمينيّ، هو درجة الأهميّة الكبيرة لهذه القضيّة لدى سماحته. كان الإمام ينظر إلى تعاظم قوّة إسرائيل وانصياع الشعوب المسلمة أمام هذا الكيان السفّاح زوالاً للإسلام والقرآن. وخلال المدة التي اشتعلت فيها الحرب الثالثة بين العرب و«إسرائيل» عام 1973، وجّه الإمام نداء إلى الحكومات والشعوب المسلمة شدّد فيه على صون وحدتها وأيضاً تعبئة قواها كافّة في سبيل مكافحة «إسرائيل». وفي هذه الرسالة يلخّص الإمام آليّات مكافحة «إسرائيل» في مقولات عدّة يعلنها للمسلمين جميعاً: 

1- الدّعم الشامل للخطوط الأماميّة في جبهة محاربة إسرائيل 

2- الابتعاد عن النزاعات والنفاق الذي لا يُبقي ولا يَذَر

3- ترك الخوف من القوّة الزائفة للمدافعين الصهاينة

 4- اتحاد الحكومات الإسلاميّة وتوبيخ الدول التي تطبّع مع «إسرائيل» وتهديدها وقطع العلاقات معها

5- إرسال المساعدات الماديّة والمعنويّة من الشعوب المسلمة، من قبيل أكياس الدم والأدوية والمُؤن ... إلى صفوف المواجهة.

في الواقع، كان الإمام الخمينيّ يشدّد على صون الوحدة في سبيل تحرير فلسطين، ويرى ذلك أهمّ مسار للانتصار، وهذا من منطلق أنّ سماحته لم يكن يرَ أنّ غاية الدّول الاستعماريّة العُظمى من إنشاء «إسرائيل» هي مجرّد احتلال فلسطين، بل كان يعتقد أن المسار لو فُتح أمام «إسرائيل»، فإنّ الدّول الإسلاميّة كلّها ستلقى مصير فلسطين نفسه. كما أنّ تشبيه الإمام «إسرائيلَ» بالغدّة السرطانيّة التي على المسلمين جميعاً أن يعملوا على اجتثاثها في أقرب وقت ممكن جاء من هذا المنطلق أيضاً. 

مع الالتفات إلى ضرورة اتّحاد الأمّة الإسلاميّة في مسار المواجهة مع «إسرائيل»، لم يوفّر الإمام الخمينيّ جهداً في سبيل تحقيق ذلك، إن كان في خطاباته أو توصياته لعامّة الشعوب المسلمة أو الخطوات التي أقدم عليها ضمن هذا الإطار. وفي السابع من آب/أغسطس 1979، وجّه سماحته خطابه إلى الشعوب المسلمة كافّة في أقطار العالم، وقال لهم: «أطلب من المسلمين جميعاً حول العالم والحكومات الإسلاميّة التلاحم من أجل أن نكفّ يد هذا الغاصب ومن يسانده، كما أدعو المسلمين جميعاً حول العالم إلى تعيين آخر جمعة من شهر رمضان المبارك - هي من أيام القدر وقادرة على تحديد مصير الشعب الفلسطينيّ أيضاً - يوماً للقدس، وأن يُعلن المسلمون خلال مراسم معيّنة تآزرهم الدّولي الدّاعم للحقوق القانونيّة لهذا الشّعب المسلم». إنّ اختيار «يوم القدس» لم يكن في الواقع مجرّد تعيين رمز وفاء وتكريم لتضحيات الشعوب المسلمة في سبيل واحد من الأهداف الضخمة للإسلام، بل من منطلق بثّ الروح للإسلام والوعي للأمّة الإسلاميّة في زمنٍ كان قادة البلاد الإسلاميّة يفكّرون في احتضان إسرائيل، وآخرون يتباهون بالعلاقات الوديّة التي تجمعهم مع هذا الكيان!

بعد حرب الأيام الستّة عام 1967 بين العرب و«إسرائيل»، التي فقدت فيها مصر صحراء سيناء، تلقّت هيكليّة الحكم في ذاك البلد ضربة قاسية. جلس أنور السادات الذي اتّكأ على عرش السلطة في مصر بعد جمال عبد الناصر على طاولة التفاوض مع «إسرائيل» من أجل استعادة الأراضي المسلوبة، وكان ذلك عام 1978، وبالطّبع مع وساطة أمريكيّة وفي كامب ديفيد. خلال تلك المحادثات اعترف السادات بـ«إسرائيل» رسميّاً واستعاد أراضيه.

 

هنا، رأى الإمام الخمينيّ، الذي حذّر قبل نحو عشرين عاماً من خطر الانصياع لـ«إسرائيل»، والدّول الإسلاميّة كلّها، خطوةَ أنور السادات خيانة للمسلمين ولفلسطين. إنّ الاعتراف رسميّاً بـ«إسرائيل» يعني إعلان الموافقة على هذا الكيان المزيّف وأيضاً تغيير وجهة المسار وحرفها عن النّضال والكفاح، وبطبيعة الحال هذا المسار مخالف للذي شدّد الإمام عليه دائماً. كان الإمام يرى «كامب ديفيد» سبباً لانشقاق الأمّة الإسلاميّة وتقوية جبهة «إسرائيل»، وأنّ نيرانها لن تطاول الفلسطينيّين فقط، بل ستشمل بلدان المنطقة كافة. عليه، كان الإمام يرى «كامب ديفيد» معاهدة خيانيّة، وفي 1 أيار/مايو 1979، وجّه سماحته الأمر بقطع العلاقات الدبلوماسيّة بين جمهوريّة إيران الإسلاميّة وحكومة مصر.

بعدما فَقَدَ الإمام الأمل من الحكومات العربيّة، توجّه إلى الشعوب المسلمة وحثّها، إضافة إلى الاتحاد والتلاحم ضمن مسار تحرير فلسطين ومكافحة الكيان المُحتلّ للقدس، على فصل مسارها عن مسار الحكومات المطبّعة مع الكيان الصهيوني. وفي نداء أصدره بمناسبة حلول أيام الحج عام 1987، خاطب سماحته مسلمي العالم وزوّار بيت الله الحرام كما يلي: «على الشعوب المسلمة أن تفكّر في إنقاذ فلسطين وتعلن اشمئزازها وزجرها تطبيع القادة المخزيّين ومصالحتهم، ممن باعوا أنفسهم وساقوا باسم فلسطين أهداف أهالي الأراضي المغتصبة ومسلمي هذه الأرض نحو الضّياع، وألّا يسمحوا لهؤلاء الخونة الجالسين على طاولة المفاوضات والمنشغلين في تبادل الزيارات أن يخدشوا حيثيّة الشعب الفلسطينيّ المقاوم وقيمته وشرفه». بعد ذلك أيضاً، كان الإمام كلّما شاهد خطوة تطبيعيّة من قادة الدول الإسلاميّة، يعرب عن شماتته بهم ويذكّر بالخطر الكبير لـ«إسرائيل». لكن لم تكن هناك آذان لتستمع وتعتبر، فكان الإمام يعتقد أنّ مسلمي العالم - بعيداً عن حكوماتهم - تحوّلوا إلى اللاعب الوحيد في ساحة المواجهة ضدّ «إسرائيل».

والإمام الخمينيّ الذي كان قد قدّم فلسطين محوراً لوحدة المسلمين لم يغفل طوال حياته النضاليّة لحظة واحدة عن توعية الناس بأهميّة قضيّة فلسطين وخُبث «إسرائيل» وشرّها. «واحد من العناصر الرئيسيّة [لمدرسة الإمام الخمينيّ] كان الاندفاع لإغاثة المظلوم ومواجهة الظّالم. وفي زماننا، كان الشعب الفلسطينيّ المصداق الأتمّ للمظلوميّة. وقد رأيتم كيف أنّ الإمام الجليل منذ اليوم الأوّل حتّى آخر حياته أكّد وشدد على فلسطين وركّز عليها ودعمها وأوصى بألا ينسى الشعب الإيرانيّ ومسؤولو البلاد هذه القضيّة، وبدعم المظلوم والصمود في وجه الظالم ونبذ اعتداءاته، والإنكار الصريح لهيبة الظالم وأبهّته، وكسر هذه الأبهة» (الإمام الخامنئي، 4/6/2014).

أيضاً أولى الإمام الخمينيّ في آخر كتاباته الخالدة، أي الوصيّة السياسيّة-الإلهيّة، اهتماماً خاصّاً بقضيّة فلسطين وأهميّة الكفاح والتصدّي لإسرائيل، وهو يحاول كما في السابق كشف الستار عن الهدف الغائيّ من تأسيس هذا الكيان المزيّف. وفي وصيّته السياسيّة–الإلهيّة، يصرّح الإمام بأنّ الشعوب المسلمة شُرّفت بأنّ أعداءها هم أعداء الله الرحمن والقرآن الكريم والإسلام العزيز. هم الذين يدفعهم الوهم الأحمق بتحقيق «إسرائيل العُظمى» إلى أن يُحرقوا العالم أجمع ويرتكبوا من أجل الوصول إلى مطامعهم جرائم يخجل القلم من كتابتها واللسان من قولها. وهنا يرى الإمام أنّ سبيل فتح المظلومين حول العالم الطرقَ المسدودة أمامهم ليس الانصياع والاستسلام للشرق والغرب، بل اتّباع الثقافة السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والعسكريّة لكبار مرشدي البشريّة، أي الأئمّة المعصومين (ع).