شكلت القضية الفلسطينية ومسألة القدس الشريف جزءاً كبيراً من وجدان الثورة الإسلامية وشغلت مساحة واسعة من خطابها السياسي والديني والثقافي خاصة وإن إيران تعتبر دعم الشعب الفلسطيني وقضيته المحقة هي مهمة كبرى تفرضها عليها مبادئها الدينية وقيمها الأخلاقية.

وكان نظام الشاه البائد قد حول إيران قبل الثورة إلى قاعدة عسكرية واستخباراتية للولايات المتحدة وربيبها الكيان الصهيوني وجعلها منطلقا لاستهداف مصالح الأمتين العربية والإسلامية وقضاياها المصيرية حيث تجاوز عدد عناصر وكالة الإستخبارات الأمريكية السي آي أيه والموساد المقيمين في إيران العشرة الآلاف عنصراً جميعهم يعملون بعيداً عن رقابة النظام الشاهنشاهي وسلطته.

وقد برز الدور التآمري للنظام الشاهنشاهي البائد على قضية العالم الإسلامي الأولى المتمثلة بالقدس الشريف أثناء حرب حزيران عام 1967 التي اندلعت بين الدول العربية والكيان الصهيوني حيث تحالف نظام الشاه مع هذا الكيان وزوده بكميات كبيرة من النفط الإيراني على حساب الدول العربية.

وفي حرب رمضان عام 1973 تآمر نظام الشاه مجدداً على القضية الفلسطينية عندما حاول إفشال قرار الدول العربية بقطع إمدادات النفط إلى الدول الغربية والولايات المتحدة فقام هذا النظام مرة أخرى بتزويد الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بالنفط الإيراني.

لكن وبفضل الثورة الإسلامية تغيرت بوصلة السياسة الإيرانية كلياً وتحولت إيران من الحليف الأولى للكيان الصهيوني إلى العدو الأول له فيما وضعت القضية الفلسطينية وتحرير القدس الشريف في سلم أولوياتها، وأصبحت أول دولة تقاطع الكيان الصهيوني وتستبدل سفارته في طهران بالسفارة الفلسطينية خلافاً لبعض الدول العربية التي بدأت حينها ترفع العلم الإسرائيلي في عواصمها بعد اتفاقيات التسوية التي عقدتها معه.

مواقف إيران هذه دفعت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وبعض دول الرجعية العربية إلى استعداء إيران خاصة وإنها شعرت بأن إيران - وبعد الثورة - عادت إلى المنطقة بخطاب سياسي جديد يتلائم مع تطلعات الشعوب العربية والإسلامية المناهضة لهيمنة الاستكبار العالمي واملاءاته والرافضة لوجود الكيان الصهيوني اللقيط على أراضيها المقدسة.

ومن هنا فقد بدأ أعداء الثورة الإسلامية يحيكون المؤامرات تلو الأخرى للقضاء على هذه الثورة الفتية والنيل منها بشتى الوسائل وكانت أولى هذه المؤامرة تمثلت في الحرب التي شنها النظام الصدامي البائد في العراق والتي امتدت لثمان سنوات (1980 – 1988) وبعد ذلك جاء الحصار الاقتصادي الشامل الذي فرضته الولايات المتحدة والدول الغربية على الشعب الإيراني ومن ثم حدثت عملية إسقاط الطائرة المدنية الإيرانية في مياه الخليج الفارسي والتي أوديت بحياة 280 مدنياً إيرانياً واعتبرت تهديداً عسكرياً مباشراً من قبل القوات الأمريكية المتواجدة في الخليج.

لكن وبعد 39 عاماً من الثورة الإسلامية لازالت إيران متمسكة بثوابتها ومبادئها الأساسية لم تتزحزح عنها قيد أنملة ولا زالت متبنية لقضايا الأمة الإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وتحرير القدس الشريف.

وهاهي إيران اليوم تتقدم مسيرة الرفض والاستنكار لقرار الرئيس الأمريكي المثير للجدل دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس الشريف./انتهى/

 

أحمد محمد باقر