أجرته مجلة حرس الثورة الإسلامية في الذكرى السنوية للدفاع المقدس

بتاريخ 31/6/1370

المجلة: نود أن نتعرف ونحن نقف على أعتاب الذكرى السنوية الحادية عشرة للدفاع المقدس, على مشاعركم عند سماعكم نبأ العدوان العراقي الوحشي على وطننا العزيز, وتوقعاتكم وقتئذ عن مصير الحرب ونهايتها؟

السيد أحمد الخميني: بسم الله الرحمن الرحيم. عموماً لما كانت أحداث الثورة الإسلامية في ذروتها, وكان الإمام يواصل قيادته لها من محل إقامته بباريس, فإن من جملة القضايا التي كنا نفكر بها, الأخطار التي ستواجهها الثورة بعد الانتصار. وكنا واثقين من أن المنافقين والأعداء لن يجلسوا مكتوفي الأيدي. ففي ذلك الوقت قدم شخص من إيران ـ لا أتذكر اسمه ـ وكان من أعوان الشاه وأياديه, وقد اتضح فيما بعد أنه عضو في وكالة المخابرات المركزية الأميركية, وكان مسؤولاً لمكتب شاهبور باختيار في فترة ما؛ أعطانا رقم هاتف وطلب منا أن نتصل به متى ما احتجنا إليه. وقد اتضح فيما بعد أنه رقم هاتف في مكتب بهلوي وباختيار. على أي حال, لم يوافق الإمام على لقاء هذا الشخص. وكنا نحن أيضاً نتوقع ذلك. فطلب أن يلتقي بي, وكان من جملة الأشياء التي ذكرها لي إن ثمة نزاعاً في منطقة (تركمن صحراء), وفي (بلوجستان) نزاع من نوع آخر. وكانت هناك تحركات في مناطق كردستان وكذلك في جنوب البلاد. وحينها كنا نحتمل اندلاع حرب ضد الثورة. وبالفعل ظهرت بوادر الحرب في ذروة الأزمات التي برزت بعد الانتصار. وبالطبع كانت هناك تقارير تؤكد أن العراق منهمك في إعادة ترتيب مواقع قواته في مناطق مختلفة من حدوده مع إيران. 

ولما بدأ العراق عدوانه ضد إيران وقام بقصف عدد من مطارات البلاد, أطلعتني هيئة الأركان العامة على حقيقة الأمر وأنا بدوري أخبرت الإمام بما حصل . . لم يبد الإمام أية ردة فعل تدل على اضطرابه وقلقه لسماع الخبر. وحينها كانت الاشتباكات دائرة ولم يكن لدينا متسع من الوقت, كما إننا كنا نجهل الفترة التي ستستغرقها الحرب. وكانت معظم التحليلات لا تستبعد إطالة الحرب وإن ذلك مرهون بأوضاعنا الداخلية. إي إذا ما عجزنا عن السيطرة على الأوضاع واستطاع العدو أن يتقدم ويحتل المزيد من المناطق فبالتأكيد ستنتهي الحرب سريعاً. لأننا كنا على اطلاع بأسلحة العدو, وما هو متوافر لدينا, حيث كنا نجهل أماكن مستودعات الأسلحة والمعدات, وكانت معلوماتنا محدودة عن القواعد العسكرية, لأن من كان يشرف عليها قد فر إلى خارج البلاد, وإن من بقى لم يكن يطمئن إليه وغير مستعد للتعاون معنا دون مقابل.

المجلة: لاشك كنتم طوال فترة الدفاع المقدس قريبين من سماحة الإمام أكثر من أي شخص آخر, وقد ساعدكم ذلك في الاحتفاظ بالعديد من الذكريات عن مواقف سماحته في مراحل الحرب المختلفة. حبذا لو تحدثنا عن بعض ذكريات تلك الفترة.

السيد أحمد الخميني: من أكثر الذكريات التي احتفظ بها مرارة هي تلك التي تتعلق بالموافقة على قرار وقف إطلاق النار 598. إما أعذب الذكريات فهي تلك التي تعود إلى تحرير مدينة خرمشهر. كان الإعلان عن خبر تحرير خرمشهر حوالي الساعة الرابعة عصراً. وفي مثل هذه الساعة كان الإمام يمارس رياضة المشي. فقد اعتاد الإمام على ممارستها ثلاث مرات في اليوم. وفي كل مرة كان يمشي زهاء نصف الساعة. وفي تلك اللحظة كان المذياع بيده, لأننا كنا على علم مسبق أن القوات الإسلامية قد بدأت هجومها منذ الليلة الماضية وأن المواجهة مع القوات المحتلة كانت على أشدها . . فلما أعلن المذيع خبر تحرير خرمشهر كنت أتطلع إلى صورة الإمام, فرأيت انفراج أساريره, وعموماً لم يكن الإمام من النوع الذي يشغل نفسه كثيراً بالتفكير بالقضايا المؤلمة, وكذلك لا يسر كثيراً للأمور التي تبعث على البهجة والمسرة. ومما يذكر أن الإمام كان يعتقد بعد تحرير مدينة خرمشهر بأن من الأنسب أن توضع نهاية الحرب, ولكن المسؤولين عن الحرب طالبوا بمواصلة الحرب للعبور إلى ضفاف >اروند رود< لنتمكن من فرض تعويض للخسائر على العراق . . وعموماً لم يكن الإمام موافقاً على ذلك, وكان يقول لهم: >إذا أردتم مواصلة الحرب, فيجب أن تعلموا بأنها إذا استمرت بهذا الوضع الذي أنتم عليه الآن, ولم تتمكنوا من تحقيق نجاحات تذكر, فإنها ستستمر طويلاً, فلابد لنا من إيصال هذه الحرب إلى مرحلة معينة تكلل بالنصر, وإن تحرير خرمشهر هو الفرصة الثمينة لإنهاء الحرب<.

المجلة: يمكن القول بكل جرأة إن من أعظم مكتسبات الدفاع المقدس, المثل والقيم والثقافة الغنية التي جسدها المقاتلون المسلمون في سوح المعارك وميادين القتال والشهادة. برأيكم ما هي السبل الكفيلة للمحافظة على هذه القيم وتسخيرها لمواجهة الغزو الثقافي للاستكبار العالمي؟

السيد أحمد الخميني: إن ما يتبادر إلى الذهن هو أنه لو لم تكن الحرب لما كان بالإمكان دفع الخطر الذي واجهناه في السنتين أو الثلاثة التي أعقبت الحرب بهذه السهولة . . فمن حسنات هذه الحرب أنها عملت على ترسيخ دعائم الثورة. أي في ظل الحرب اشتد عود الثورة وتمكنت من التخلص من أعدائها والكشف عن الفئات العميلة للشرق والغرب بالتدريج, وعزلها عن النظام على يد كوادر الثورة. ومهما يكن فالمهم هو إرساء دعائم الثورة, وأرجوا أن لا يفسر قولي هذا بأنه لو لم تكن الحرب لانهزمت الثورة, كلا, لو لم تكن الحرب لما تعرف العالم على البعاد الثقافية والأيديولوجية لثورتنا؛ وكانت الحرب سبباً في أن تبث أخبار إيران وسائل الإعلام العالمية من خلال متابعتها لأخبار الحرب طوال ثماني سنوات. لقد وقف العالم خلال سنوات الحرب على عظمة الثورة وقيادة الإمام وأفكاره, ومواقف الثورة من المفاهيم والقيم التي يتعامل بها الغرب. وبفضل ذلك ظهرت في نقاط كثيرة من العالم قوى وحركات إسلامية وخلايا المقاومة التي مثلت نقاط مهمة في مواصلة الحرب. فإذا ما شهدتم خلال قضية سلمان رشدي, التفاعل الرائع الذي استقبل به مسلمو العالم حكم الإمام الخميني, فإن مثل هذا الوعي انتقل إلى هؤلاء المسلمين أثناء حرب الثماني سنوات عن طريق أعدائنا, لأن الإمام كان محور جميع  الأخبار, وكانت مواقفه وآراؤه إسلامية تماماً. ففي مرحلة الحرب تعرّف العالم والمسلمون كافة في مختلف نقاط الأرض, على الإسلام العزيز من خلال الرؤية الإسلامية التي جسدها الإمام الخميني. فعلى سبيل المثال, إن الثورة اليوم هي ذاتها لم تتغير, ولكن نظراً لانتهاء الحرب فإن وسائل الإعلام الغربية قلّما تتطرق إلى أخبار إيران رغم انجازاتها العظيمة على صعيد التنمية والاعمار. لكنها في الوقت نفسه تبحث عن أحداث تافهة تتمكن من خلالها الإساءة على سمعة غيران والثورة. ولاشك فهي لا يروق لها مواقفنا تجاه إسرائيل والرجعية في المنطقة لذا لا تحاول أن تبرزها في الأخبار والتقارير. ففي فترة الحرب عندما كانت تذاع أقوال الإمام من قبيل: >ليس بوسع أميركا ارتكاب أي حماقة< و>إننا نهشم أسنان أميركا< وأمثال ذلك, فهذه الأقوال ونظيرها عندما كانت تنقل عن سماحة الإمام من قبل وكالات الأنباء وتبث عبر الإذاعات ووسائل الإعلام المرئية والمقروءة, كانت تلعب دوراً كبيراً في إعادة المسلمين على ذواتهم والبحث عن هويتهم. صحيح إن كلام الإمام هو الدافع في ذلك, ولكن الذي كان يمهد أرضية التواصل بين كلام الإمام وكل مسلم في أي نقطة من العالم هو الحرب. فآنذاك عندما كنا نقصف العراق بصاروخ, كان هذا الصاروخ في الحقيقة إحدى وسائل نقل أفكار الإمام إلى العالم.

فالمسلمون عندما كانوا يسمعون بأن قارباً صغيراً يحمل ثلاثة مقاتلين من أبناء حرس الثورة هاجم إحدى البوارج الحربية ـ في وقت لا يكف الغرب عن التأكيد بأن الحرب اليوم هي حرب الالكترونيات ـ فإن مثل هذا الهجوم وإن لم يستطع أن يلحق أضرارا كبيرة بالبارجة, إلا أنه كان يبث حماساً عجيباً في أوساط المسلمين ويلفت أنظارهم إلى أنه من الممكن فعلا الكثير بأيدي عزلاء. إن أمثال هذه الأمور هي التي ساعدت في بلورة ثورتنا ولفت النظار إلى مواقفنا وأفكارنا. واليوم راحوا يثيرون ضجة حولنا لأننا نمتلك قوات التعبئة. إنهم مرعوبون من تحركات الثورة, لذا لابد لنا من التحلي بما كان يؤمن به مجر الثورة ونحرص على تحقيق أهدافه.

 المجلة: ما هي باعتقادكم ابرز المعطيات التي حققتها الحرب على صعيد الثورة والجمهورية الإسلامية؟ وما هي أهم آثارها على جبهة الاستكبار وعملائه بالمنطقة؟

السيد أحمد الخميني: لقد حطمت الحرب غرور وعجرفة الغرب, ليس على الصعيد المادي بل من الناحية المعنوية أيضاً. فلولاها لما كان هناك معنى لرسالة الإمام على غورباتشوف. فقد استطاعت الحرب أن تقضي على التصور القائل أنه ليس بالإمكان مواجهة الثقافة الغربية وقيمها وأنماط الحياة التي تروج لها. إن حربنا دحضت هذا التصور الباطل تماماً؛ وإلا فنحن نعلم أن أميركا لو أرادت القضاء علينا فإن بحوزتها من أسلحة الدمار الشامل ما يكفي. إن حربنا استطاعت أن تزيل من أذهان الناس مثل هذا التفكير الباطل, من أنه ينبغي للشعب الأعزل أن يستسلم.

المجلة: خلال القصف الجوي والحملات الصاروخية التي كان يقوم بها العراق أثناء الحرب, كيف كان الإمام يتصرف مع عائلته في تلك اللحظات؟

السيد أحمد الخميني: إن حرب المدن بدأت بعد فترة طويلة من الحرب. ففي بداية الحرب جاء مبعوث من قبل هيئة الأركان العامة, يعمل في الفرق الهندسي, وقام بإعداد مكان محصن وطلب من الإمام أن ينزل فيه, بيد أن سماحة الإمام رفض ذلك. وكل ما طلبت منه أن يأتي ويرى المكان كان يرفض, ويقول إنني رأيته من مكاني هذا, وبقي يرفض الذهاب إليه حتى في الفترة التي تعرضت طهران للحملات الصاروخية, وكان يتصرف بصورة طبيعية جداً وكأن شيئاً لم يحصل. وفي إحدى المرات أصررت عليه أن يفعل ذلك فأقسم بأنه لن يفعل, وكان يقول بماذا افترق عن غيري من الأشخاص. كان يقول: >إذا ما سقطت قذيفة على بيتي وقتل الحراس الموجودون في أطراف المنزل, وبقيت أنا جالساً في الغرفة المحصنة؛ عندها لا أصلح للقيادة. إن بوسعي قيادة الجماهير عندما تكون حياتي كحياتهم وأن نكون معاً إلى جوار بعض<.

أما فيما يخص أفراد العائلة الآخرين, فيمكن أن أذكر لكم صورة بقيت عالقة في ذهني. في إحدى المرات عندما هاجم أزلام السافاك بيتنا لاعتقال الإمام كانت والدتي واقفة في باحة البيت. فجئت راكضاً فقالت لي: لقد اخذوا والدك. إذا أردت أن تراه فاذهب بسرعة. بصورة عامة إن والدتي وأخواتي لسن ممن يرعبهن القصف أو غيره. إن كل قلقهن كان على حال الإمام وقتئذ. وهنا خطرت ببالي حادثة أنقلها لكم, في أحد الأيام كانت طهران تتعرض لقصف جوي وصاروخي شديد. فدخلت والدتي الغرفة ورأت قطعة من الجبس ساقطة على الأرض, نادت علي بأعصاب باردة وطلبت مني أن أرفعها وأضعها في مكانها. فضحك الإمام لكلامها هذا.

المجلة: حبذا لو تذكر لنا نموذجاً من سلوك الإمام الخاص ليكون أسوة يقتدي به الجيل المتدين.

السيد أحمد الخميني: أعتقد إن أهم خصال سماحة الإمام اثنان: الصدق والإخلاص. وكان سلوكه واحداً داخل البيت وخارجه. إلا أنه في البيت يقلل بعض الشيء من مجاملاته. وكان يعشق الأطفال. فكثيراً ما كنت أدخل البيت فأجد الإمام يداعب الأطفال ويلاعبهم. وكان الإمام مخلصاً وصادقاً مع والدتي أيضاً.

 

المصدر: كتاب مرآة الشمس