في عصر اليوم الثاني من شهر فروردين عام 1342هـ.ش [1963م] الذي صادف يوم 25 شوال سنة 1382هـ ذكرى وفاة الإمام الصادق (ع)، عُقد مجلـس عزاء في المدرسة الفيضيّة من قبـل آية الله الكلبايكاني، وهناك أطلق أفراد القوات الخاصّة ـ كما علمنا فيما بعد ـ شعارات أثناء انعقاد العزاء، أدّت إلى حدوث اشتباكات بينهم وبين الحاضرين في ذلك المجلـس، وقد قامت تلك القوات بقلع الأغصان من أشجـار المدرسـة وبادرت إلى الاعتـداء علـى الناس طبعـاً لم يكن هدفهم ضرب عامة الناس بل كان الهدف ضرب طلاّب العلوم الدينية، إلاّ أنّهم بدأوا بضرب الناس وإرعابهم؛ حتّى يتسنّى لهم الانفراد بالطلاب بعد أن يفرّ الناس من المدرسة.

وبعد مدّة قصيرة بدأ الطلاّب ـ الذين أخذوا بغتة في بداية الأمر ـ بالدفاع عن أنفسهم. فالذين كانت لديهم عصي في غرفهم نزلوا إلى ساحة المواجهة بعصيهم، والعصي كانت سلاحاً متوفّراً لدى الجميع، ومنذ القديم كان شائعاً أن يدّخر الطلاّب العصي في غرفهم تحسّباً للطوارئ. بالإضافة إلى ذلك قام بعض الطلاّب بقطع أغصان أشجار المدرسة وبدأوا بالاشتباك مع المهاجمين، وبهذا تحوّل فناء المدرسة الفيضيّة إلى ساحة اشتباك بين الطلاّب وأفراد القوات الخاصّة، فالطلاّب كانوا يلفّون عباءاتهم حول أيديهم ـ حسب العادة القديمة ـ ويبادرون بالهجوم على المعتدين حتّى تمكّنوا من إخراجهم من المدرسة، وفي أثناء الاشتباك قام الناس بإخفاء آية الله الكلبايكاني في إحدى الغرف حتّى يمكن إخراجه في الوقت المناسب من المدرسة، وكذلك قام بعض الشيوخ والمسنّين بالاختفاء في غرف المدرسة.

وبعد هزيمة أفراد القوّات الخاصّة وفرارهم من المدرسة نتيجة دفاع المستميت للطلاّب، تسلّقوا سطح المدرسة عن طريق الفنادق المجاورة وبمساعدة الحرّاس وأفراد السافاك، وبدأوا بإطلاق النار على الطلاب الموجودين في المدرسة، وبهذا الاسلوب تمكّنوا من السيطرة على المدرسة، وبعدها شرعوا بكسر أبواب الغرف والاعتداء على الطلاب وضربهم ضرباً مبرّحاً وأحرقوا أثاثهم في وسط فناء المدرسة والطلاّب ـ بطبيعة الحال ـ لم يكن لديهم أثاث ذو قيمة سوى أواني مطبخ قديمة أو فراش ممزّق، أو ثياب رثّة، فأنا ـ مثلاً ـ كان لدي إبريق شاي وكان مسودّاً بشكل كامل لكثرة تعرّضه للدخان، ومع هذا كنت أصنع فيه الشاي للضيوف الذين كانوا يأتون لزيارتي. وبعد مرور عدّة أيام من الهجوم على المدرسة الفيضية زارني عدد من الأصدقاء الجامعيين الذين يزورونني عند مجيئهم إلى قم في بعض الأحيان وعندما زاروني في تلك المرّة قالوا مازحين: إنّنا حينما سمعنا بالهجوم على المدرسة الفيضية ونهب أثاث الطلاّب دعونا الله أن يهجموا على المدرسة الحجّتية لعلّهم يأخذون ذلك الإبريق المسود حتّى نتخلّص من شرّه.

وبالإضافة إلى هجوم عصر يوم الثاني من فروردين، هجمت القوات الخاصّة مرّة أخرى في اليوم التالي على المدرسة الفيضية وبادرت إلى ضرب وجرح كلّ من وجدته هناك، وأشاعت الرعب والخوف لعدّة أيام في مدينة قم، حتّى أنّ الطلاّب لم يكونوا يجرأون على التجوّل في الشوارع خلال تلك الأيام.

وفي المدارس الدينية الأخرى لم يكن الطلاّب يشعرون بالأمن، حيث كان من المحتمل أنيهجموا على تلك المدارس أيضاً.

ولهذا فقـد اختفيت عدّة أيـام في بيـوت بعض الأصـدقاء، ولم أستطع الذهاب إلى المدرسة أو الخروج إلى الشارع.

وفي أثناء إغارة القوّات الخاصّة على المدرسة الفيضيّة كنت متوجّهاً إليها برفقة السيد جعفر الشبيري الزنجاني من أجل المشاركة في مجلس العزاء الذي أقامه السيد الكلبايكاني، وفي نهاية زقاق الحرم شاهدنا الطلاّب يأتون مسرعين، بعضهم كان حاسراً وبعضهم حفاة والبعض الآخر بلا عباءة، وكانوا يقولون لنا لا تذهبوا إلى هناك فالأوضاع خطرة جدّاً، ولم نكن ندري ما سبب الخطورة التي يتحدّثون عنها إلى أن مرّ بنا أحد الأصدقاء وأخبرنا بأنّ هجوماً وقع على المدرسة الفيضيّة وأنّ المهاجمين يقومون بضرب الطلاّب وقتلهم. ولهذا قرّرنا الذهاب إلى بيت السيد الخميني، وحينما أوشكنا على الدخول إلى شارع إرم من طريق زقاق الحرم لاحظنا أنّ الشارع خال من السيارات والمارّة، باستثناء عدد قليل من الأشخاص كانوا واقفين عند مدخل زقاق ارك وقد انتابهم الخوف والهلع.

وصلنا ـ أنا والسيد جعفر ـ إلى دار الإمام على وجه السرعة، فشاهدنا عدد من الطلاب الرياضيين الأقوياء (كعلي أصغر دواني)، واقفين أمام باب دار الإمام، وكان باب الديوان (البراني) مفتوحاً والإمام متهيّىء لصلاة المغرب والعشاء، فدخلت إلى الديوان وبدأت بمشاورة عدّة أشخاص عن كيفية توفير الحماية لدار الإمام، وكيفيّة تحصينه بحيث يمكننا الدفاع عنه في حالة وقوع أي هجوم عليه، ففكّرت أنّ أوّل خطوة يجب أن نقوم بها هي غلق باب الدار، ولكنّهم أشاروا إلى أنّ الإمام قال: لا تغلقوا باب الدار أبداً. وانهم حينما أغلقوها عصراً اعترض عليهم قائلاً: إذا أغلقتم الباب فسوف أخرج إلى الشارع، ولكيلا يخرج الإمام من الدار اضطرّوا إلى ترك الباب مفتوحاً، فقلت لهم: إذن لنهيّء كمّية من العصي حتّى نتمكن من المقاومة إذا ما قاموا بالهجوم.