عاد مسجد كرامت ليكون بعد عدة أعوام، أي في عام: 1357 [1978م]، قطباً للفعاليات والأنشطة، وكان ذلك عندما عدت من منفاي في جيرفت إلى مشهد. أظن أن ذلك كان في أواخر شهر مهر أو بدايات شهر آبان. كان ذلك عندما انطلقت التظاهرات في مشهد والمناطق الأخرى، وكانت تتصاعد تدريجياً.

شكلنا لجنة في مسجد كرامت لتوجيه النشاطات والنضال في مشهد، وكان المرحوم الشهيد هاشمي نجاد وأخونا الشيخ طبسي وأنا وعدد من طلبة العلوم الدينية الشباب الذين كانوا معنا دوماً، واثنان منهم الآن شهداء - أحدهما الشهيد موسوي قوچاني والثاني الشهيد كامياب، وقد كانا من طلبة العلوم الدينية الذين يتعاونون معنا دوماً في الأعمال والأنشطة - كنا نتجمّع هناك والناس يتردّدون دوماً. تحوّل ذلك المكان إلى لجنة للنشاطات في مشهد. والعجيب أن رجال الجيش والشرطة لم يكونوا يتجرّؤون على المجيء إلى هذا الجانب من تقاطع نادري حيث كان المسجد في ذلك التقاطع أيضاً. وذلك لشدة هياج الجماهير وحماسهم. كنا نقضي الأيام في ذلك المسجد بأمان من دون أي قلق من أن يهجموا على المسجد ويحتلوه أو يعتقلونا، ولكن في الليل كنا نستغل الظلام ونتسلل ذاهبين إلى أحد المنازل غير منازلنا فنقضي الليل هناك.

كانت ليال وأياماً مفعمة بالهياج والحماس، إلى أن وقعت أحداث شهر آذر في مشهد، وكانت شديدة وصعبة جداً. في البداية كان الهجوم على المستشفى، فذهبنا واعتصمنا في المستشفى، وقد سرنا في نفس اليوم الذي هجموا فيه. والذهاب إلى المستشفى كانت حكايته لافتة. هذه أمور لم يتعرّض لها أحد لأن أحداً لم يكن يعلم بها.

كانت هناك في جميع المدن أحداث صاخبة وحاسمة، بما في ذلك في مشهد، وللأسف لم يذكرها أحد. هذه الأحداث قطع تتجمّع إلى جوار بعضها لتصنع تاريخ الثورة. حينما بلغنا الخبر كنا في مجلس عزاء. طلبوني إلى الهاتف فذهبت لأجيب على المكالمة، ووجدت أنها مكالمة من المستشفى، وهناك عدة أصوات من الأصدقاء والذين نعرفهم ومن لا نعرفهم في الطرف الآخر من المكالمة يقولون بكل اضطراب وقلق: لقد هجموا وضربوا وقتلوا.. أنقذونا... كانوا قد ضربوا الأطفال الرضّع. طلبت الشيخ طبسي وجئنا لغرفة اجتمع عدد من العلماء فيها. وكان في مجلس العزاء عدد من الشخصيات المعروفة في مشهد، وكان المجلس في بيت أحد الشخصيات البارزة من علماء الدين في مشهد. توجّهت للسادة العلماء وقلت لهم إن الوضع في المستشفى بهذه الصورة. وذهابنا إلى هناك من المحتمل جداً أن يحول دون مواصلة الهجوم على المرضى والأطباء والممرضين وسواهم. أنا سأذهب بالتأكيد. وسيأتي الشيخ طبسي حتماً.

ولم أكن قد تواعدت معه مثل هذا الوعد، لكنني بالتالي كنت واثقاً من أنه سيأتي. كنا جالسين إلى جانب بعضنا. قلت إننا سنذهب بالتأكيد. وإذا جاء السادة فسيكون ذلك أفضل بكثير، وإذا لم يأتوا فنحن ذاهبان على كل حال. لكن عزيمتنا وتصميمنا جعل عدداً من العلماء المعروفين والمحترمين في مشهد يعلنون عن استعدادهم للمجيء، ومنهم الحاج ميرزا جواد الطهراني، والشيخ مرواريد وآخرون. فقلت إذن لنذهب، وذهبنا نحو المستشفى. وقلنا لنذهب مشياً على الأقدام.

حينما خرجنا من ذلك المنزل كان هناك عدد كبير من الناس في الأزقة والشوارع والأسواق قد تجمّعوا، وشاهدوا أننا ذاهبون نحو المستشفى. قلنا لبعض الأفراد يخبروا الناس أننا ذاهبون للمستشفى فأخبروهم، فسار الناس خلف هذه الجماعة، وسرنا من حدود السوق إلى المستشفى - حوالي ثلاثة أرباع الساعة أو ساعة كاملة - مشياً على الأقدام. وكلما كنا نتقدم كان الناس معنا يزيدون، ولم يكن هناك أية حالة تظاهر من قبيل الشعارات والأعمال المثيرة الهيجانية. كنا نمشي فقط نحو مكان معين. إلى أن وصلنا قرب المستشفى.

كانت هناك ساحة أو ميدان أمام مستشفى الإمام الرضا (ع) في مشهد، تسمّى الآن ميدان الإمام الرضا، وشارع ينتهي إلى ذلك الميدان. كانت هناك ثلاثة شوارع تنتهي إلى هذا الميدان. كنا نقصد الميدان من شارع يسمّى في ذلك الحين جهانباني - ولا أدري ما يسمى الآن - ونمشي نحو ذلك الشارع، وشاهدنا الجنود من بعيد يسدّون الطريق. كانوا صفاً كاملاً والرشاشات في أيديهم يقفون ولا يمكن العبور من سدهم. رأيت أن حشود الناس أصابها الاضطراب بعض الشيء. قلت للإخوة من أهل العلم بهدوء إننا يجب أن نتقدّم على نفس المنوال وفي الصفوف الأمامية بكل صلابة ومن دون أي تغيير في وضعنا، حتى يأتي الناس خلفنا. وهذا ما فعلناه.

طأطأنا الرؤوس إلى الأسفل ولم نكترث لشيء من الجنود المسلحين أمامنا، واقتربنا. بمجرد أن وصلنا إلى حدود المتر الواحد عن أولئك الجنود، رأيت أنهم وكأنما بحركة لا إرادية، فتحوا الطريق بمقدار عبور ثلاثة أو أربعة أشخاص، فعبرنا. وكانوا يتصوّرون أن نعبر نحن ثم يسدّون الطريق لكنهم لم يستطيعوا فعل ذلك. بمجرد أن عبرنا ذلك الخط هجم الناس، ولم يستطيعوا السيطرة عليهم ومنعهم. جاء معنا إلى المستشفى المئات من الأشخاص. ثم قلنا لهم أن يفتحوا الباب. واكتسب الطلبة الجامعيون والممرضون والممرضات والأطباء روحاً جديدة برؤيتنا. قلنا افتحوا باب المستشفى ففتحوها ودخلنا. توجّهنا إلى وسط المستشفى، حيث كان هناك ما يشبه المنصة وتمثال على ما أظن، ثم أنهم أنزلوا بعد ذلك التمثال وكسّروه. لكني أظن أنه كان هناك تمثال في ذلك الحين...

لما وصلنا إلى هناك رأينا فجأة أماكن الرصاص والعيارات النارية. وبعد ذلك حينما عثرنا على الخرطوشات وجدنا أنها من عيار 50 . كم كانوا وقحين أمام الناس؟! والحال أنه تكفي لتفريق الناس أو قتلهم أسلحة من عيار أصغر كالـ ژ 3 أو ما شاكل. لكنهم استخدموا ضد الناس عيار 50 وهو سلاح جد خطر ويستخدم لأمور أخرى. بعد ذلك عندما اعتصمنا في ذلك المستشفى جمعتُ خرطوشات الرصاص من الأرض، وعرضتها على المراسلين الأجانب عندما جاءوا، وقلت لهم إن هذه ذكرياتنا، خذوها واعرضوها على العالم وقولوا لهم كيف يتعاملون معنا.

على كل حال ذهبنا إلى هناك وبقينا نحو ساعة، ولم يكن واضحاً ما نريد أن نفعل. دخلنا إلى إحدى الغرف - كنا عدة معمّمين وعدد من العاملين في المستشفى - لنرى ما يجب فعله الآن؟ لأن شيئاً لم يكن قد تبين. وبعدها اتضح أن الهجوم مستمر. وقد فتحوا علينا النار وعلى الناس وعلى الجميع. اقترحت هناك أن نعتصم هنا، أي نعلن أننا سنبقى هنا إلى أن تجري الاستجابة لمطاليب، ونحدّد المطاليب. حضر الاجتماع حوالي ثمانية أو تسعة أو عشرة من أهل العلم في مدينة مشهد. ومن أجل أن لا تتعرّض الأمور لأي تزلزل أو تشكيك أحضرت على الفور ورقة وكتبت إننا الموقعين أدناه نعلن أننا سنبقى هنا إلى أن تنجز هذه الأعمال. ولا أتذكر الآن ما هي تلك الأعمال والمطاليب. أتذكر واحد أو اثنان منها. أحدها تغيير الحاكم العسكري في مشهد. والثاني محاكمة أو إلقاء القبض على مسبب إطلاق النار على مستشفى الإمام الرضا (ع). كتبنا أموراً من هذا القبيل وأعلنا عن اعتصامنا.

وقد ترك هذا الاعتصام أثراً كبيراً عجيباً. سواء في مشهد أو خارج مشهد. وقد تبين بعد ذلك أن صيته سار إلى أماكن أخرى، وكان ذلك من نقاط العطف في العمل الكفاحي النضالي في مدينة مشهد. واستتبع ذلك حالات هياج شديدة جداً ومظاهرات ملحمية لأهالي مشهد، والمذبحة العامة التي وقعت بعد ذلك في مشهد في الحادي عشر أو الثاني عشر من شهر دي أمام بناية المحافظية حيث أطلقوا النار على الناس. ثم ساروا في الشوارع وفتحوا النار على طوابير النفط والخبز وما إلى ذلك. ساروا بالدبابات والآليات العسكرية...

من حوار مع القناة الثانية في التلفزيون الإيراني حول ذكريات انتصار الثورة الإسلامية بتاريخ 31/01/1985م.