المكان: باريس، نوفل لوشاتو

 

الموضوع: رفض وساطة الدول فيما يتعلق بأحداث الثورة

 

المخاطب: وزير حكومة الجنرال ضياء الحق (الرئيس الباكستاني الأسبق)[1]

 

المصدر: صحيفة الإمام، ج‏4، ص: 80

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

‏(الوزير: أنه لمن دواعي فخري واعتزازي أن أكون هنا.. إن العلامة الترابي ـ أحد تلامذة آية الله ـ هو الذي شجعنا على هذه الزيارة.. كلنا قلقون من الأوضاع التي تمر بها إيران.. إن باكستان أول من طرحت فكرة تأسيس الجمهورية الإسلامية في القرن الأخير.. في باكستان الحكومة تستمد وجودها من القوانين الإسلامية والنظام الإسلامي.. إننا في باكستان، لاسيما الشيعة، قلقون للغاية.. وعلى الرغم من أن العلاقة بين الشيعة والسنّة جيدة، لكن هذا غير كاف. إننا نرقب مستجدات الأوضاع في إيران بحذر ونتطلع إلى تقدم الثورة وتأثيرها على العلاقة بين السنّة والشيعة).

 

الإمام الخميني: إنني آمل أن تنتصر هذه النهضة في إيران، وهي نهضة إسلامية وقد انطلقت لتحقيق الأهداف الإسلامية التي هي أهداف إنسانية بالكامل.. إن كلّ آمالنا تتمحور حول تطبيق الإسلام وأحكامه، التي تمثل الضمانة لاستقلال المسلمين وحريتهم.. آمل أن يتحقق هذا النصر.

 

إن على المسلمين أن يتحدوا ويكونوا يداً واحدة ـ كما أمر بذلك الإسلام ـ كي يتمكنوا من تحقيق الآمال والتطلعات وتطبيق أحكام الإسلام في كافة أنحاء العالم .. أسأل الله تعالى التوفيق للمسلمين جميعاً.

 

 (الوزير: قبل أن أأتي إلى هنا، كنت قد اتصلت هاتفياً بالجنرال ضياء وأخبرته بأني ذاهب للقاء آية الله، فحملني رسالة قيمة حيث قال: إن باكستان وإيران كانتا صديقتين على مدى سنوات طويلة. إن هذه الصداقة بدأت منذ تأسيس باكستان. نحن في باكستان نعتبر قضايا إيران شأناً داخلياً، غير أننا على استعداد لتقديم كلّ ما نقدر عليه ويطلبه آية الله).

 

الإمام الخميني: النهضة التي تشهدها إيران نهضة إنسانية وإسلامية.. نهضة إسلامية ـ إنسانية .. إن كلّ إنسان وكل مسلم إذا ما اطلع على أوضاع إيران وعلى معاناة الإيرانيين من القمع والاضطهاد الذي يمارس بحقهم منذ سنوات طويلة، وكيف تصادر مصداقيتهم الوطنية والقومية وتنهب ثرواتهم الطبيعية وتسحق طاقاتهم الإنسانية، سيقف إلى جانبهم ومناصرتهم. وبطبيعة الحال نحن نشكر رئيس جمهورية باكستان الذي يهتم بهذا الأمر، وننتظر أن يقدم لنا الدعم الإعلامي لهذه النهضة، مثلما تقدم الدول الكبرى الدعم للشاه بما في ذلك الدعم الإعلامي، الذي يعد أحد أسباب بقاء هذا الشخص في السلطة لحد الآن. وإلّا فإنه يفتقر لأي شعبية في أوساط الجماهير وليس بوسعه البقاء ساعة واحدة في إيران.

 

إننا ننتظر أن يقدم الناس، وقبلهم المسلمون، الدعم لهذه النهضة، وان يساعدوا هذا الشعب المظلوم بالتخلص من هذا الظلم .. إن بوسع كافة هذه الدول والشعوب تقديم الدعم الإعلامي، غير أنها ـ للأسف ـ لم تبد لحد الآن الاهتمام اللازم بقضايانا. إن أية واحدة من هذه الدول لم تظهر دعمها للشعب الضعيف الذي يتعرض للإبادة. كما أن الانتهازيين، ورغم كلّ الظلم الذي يتعرض له شعبنا، يقفون إلى جانب الشاه ويدعمونه.

 

إنكم ولأنكم من عامة الناس، تقدمون دعمكم لنا. ونحن نتوقع منكم أن تعلنوا عن دعمكم ومساندتكم هذه في إذاعتكم وفي صحافتكم وتصريحاتكم.

 

 (الوزير: كما تعلمون، إن الشعب الباكستاني شعب فقير، ويمر الآن بمرحلة حساسة من تاريخه.. لدينا مشكلاتنا الداخلية، كما أننا نعتمد على قوى عديدة، خصوصاً المساعدات الاقتصادية، من أجل مواصلة حياتنا.. وعلى الرغم من أن مشاعرنا وعواطفنا مع الشعب الإيراني، غير أننا لا يتسنى لنا التدخل في شؤون إيران الداخلية.. ومع ذلك إذا ما رأى آية الله بأن بوسعنا تقديم دعم ما بنحو ما، بأن نقوم بالوساطة مثلًا بين الجانبين، فنحن على استعداد لذلك).

 

الإمام الخميني: قضية الشاه ليست بالأمر الذي يقبل الوساطة. لقد عمل الشاه بكل جهده، وطوال ثلاثين عاماً ونيف، على نهب الشعب الإيراني وممارسة جرائم لا توصف بحقه. واليوم قد نهض الشعب الإيراني بوعي ويقظة، وراح يطالب بحقوقه الإنسانية الأولية ألا وهي الحرية والاستقلال .. الشاه يفتقر لأي قاعدة شعبية في إيران، ولا يمكن المصالحة معه أبداً .. إن الأعمال التي قام بها هذا الشخص والجرائم التي ارتكبها في إيران، لا استطيع شرحها في لقاء أو اثنين.

 

حاولوا الاستفسار من سفاراتكم عن قضايا إيران، ولا شك أنكم ستتعرفون بأن الشعب الإيراني يطالب بحقوقه المشروعة، وان الشاه قد فقد مشروعيته، وباعتقادي أنه وأبيه كانا يفتقران للمشروعية في إيران منذ البداية.

 

أرجو الله تعالى أن تعمل حكومة باكستان المسلمة على تحقيق آمال وتطلعات الشعب الباكستاني المسلم الإنسانية والإسلامية، وان يجد طريقه إلى الاستقلال والحرية، وأن يحقق ما يتطلع إليه مثلما نهض الشعب الإيراني لتحقيق ما يصبو إليه.

 

 (الوزير: تفيد المعلومات المتوافرة لدينا، بأن مئات الآلاف من أبناء الشعب الإيراني يتحملون مشاق وصعاب لا تطاق في ظل الأوضاع الراهنة التي تعيشها إيران.. إن هؤلاء جميعهم من إخوتنا الشيعة. وبناءً على الأرقام والأخبار التي تصلنا، إن حياة الناس العادية في الأرياف والمدن اختلت إلى حد كبير، فانعدام الغذاء وتعطيل وسائل النقل عطل الحياة تماماً.. إن مجرد تصور مثل هذا الأمر يدفع الإخوة الشيعة للمبادرة والتفكير بأسلوب حل. إنني أحد أعضاء الحكومة، وثمة معلومات متوفرة لدينا إذا سمحتم لي سأوضحها لكم.

 

إن تفاهماً حاصلًا بين أمريكا وروسيا. وان روسيا لن تتدخل في أوضاع إيران. لذا فإن الحرب مع القوة الأمريكية لن تكون سهلة. من الممكن التقدم خطوة خطوة ومن خلال ذلك تحقيق تعاون بسيط مع الحكومة في هذه المرحلة بدافع تعرف الناس على إدارة البلد والمعضلات التي تواجهه بنحو لا يعطل الحياة العادية للمواطنين وإنقاذ الناس الذين يتضورون جوعاً، من هذه الكارثة).

 

الإمام الخميني: فيما يتعلق باختلال حياة الناس، فإن الشاه هو الذي عمل على تدمير كلّ شي‏ء.. لدينا من احتياطي النفط ما يكفي لفترة طويلة حسب المعلومات المؤكدة، غير أن الشاه لا يسمح بالتمتع بنفطنا، وان قسماً من النفط الذي يتم استخراجه للاستهلاك المحلي يقدم إلى إسرائيل. كما أن رجال الحكومة يأتون منتصف الليل ويفرغوا مستودعات الحنطة كي يجعلوا الشعب يعاني من المجاعة. كذلك ثمة أمور أخرى يستغلها هؤلاء للتمادي في خلق المتاعب للمواطنين. ولكن شعبنا يتحمل كلّ هذه المشاق والصعاب من أجل تحقيق أهدافه.

 

أما فيما يتعلق بتوصله إلى تفاهم مع الإدارتين الأمريكية والبريطانية للتدخل في شؤوننا الداخلية، فهو ليس بالأمر الجديد وله سابقة. وإذا كان المقصود التدخل العسكري، فإن مثل هذا التفاهم لا يمكن أن يحصل.. إذا كان الأمر بنحو آخر، فإن أمريكا تتدخل بمختلف الأساليب والسبل، ونحن نريد أن نقطع يدها.

 

إن هذه الثورة ثورة إسلامية، وإذا ما رأيت ثمة متاعب وكانت هناك بعض الاحباطات، فهو من أجل الله ومن أجل الإسلام، ونحن مكلفون بذلك.. إننا نتأسى بمنطق المسلمين في صدر الإسلام: إذا ما قَتلنا أو قتلنا في حربنا مع الكفار، سنفوز بالجنة.. نحن أصحاب مثل هذا المنطق. الشاه أسوأ من تدخل الآخرين في شؤوننا. فإذا ما تدخل الآخرون بقوة السلاح، لن يتمكنوا من مواصلة وجودهم في إيران، وتاريخ الشعوب المعتدى عليها خير دليل على ذلك.. الشعب غير مستعد للمصالحة مع الشاه أبداً. لقد مورست بحقه من الجرائم ما يجعله لا يرضى بتدخل الأجانب، ولا ببقاء الشاه.

 

 (الوزير: أنا لا اقصد التدخل العسكري كما هو واضح. وفقاً للمعلومات المتوافرة لدينا، إن الشاه غير مستعد للتراجع بأي ثمن. وإن الجيش سيدافع عن الشاه وسيصر على بقائه. انه أمر واضح. ونحن نعلم أن الضغوط التي تمارس على الشعب كبيرة. وتفيد معلوماتنا بان الشاه مستعد للقبول ببعض الشروط في هذه المرحلة. وعليه، فليكن هناك ـ إن أمكن ـ سبيل لإيجاد تعاون ما، في ضوء أهداف مؤقتة ربما تساعد في تحقيق الأهداف المرجوة على المدى البعيد، ولكن بقتلى أقل وأقل ضغطاً على الناس.. إننا نرى الشاه مستعد للتفاهم).

 

الإمام الخميني: أنتم لا تعرفون الشاه مثلما أعرفه أنا. لقد نشأ الشاه بمرأى مني وأنا أعرفه جيداً. فهذه ليست المرة الأولى التي يتم التوسط فيها. فقد سبق أن قال للوسطاء بأنه على استعداد لوضع قوات عسكرية تحت تصرفي وتسلم إدارة البلاد، على أن يبقى هو ملكاً ولا يتدخل في شؤون البلاد.. ولكني أعرفه جيداً، أنتم لا تعرفونه. إنه مخادع، يريد أن يخدعنا ويخدعكم. يريد عن طريق وساطتكم أن يواصل حياته الحافلة بالإجرام، وإيقاف هذه الثورة التي تفجرت في إيران والتي هي ثورة إسلامية، وأن يكرس كلّ قواه لمحاربة الإسلام والمسلمين.. لقد اعتاد على الاستبداد والإجرام منذ طفولته. إنه أدمن على ذلك وليس بوسعه التخلص منه.. أرجو أن تلتفتوا إلى ذلك وان لا تتوسطوا لشخص لا يوثق بكلامه وكل همّه الخداع فقط. ونحن نعتذر عن قبول وساطتكم في هذه القضية.

 

الشعب الإيراني لا يستطيع قبول الشاه. إن مساعي الوساطة من قبل أشخاص نظير الملك حسين والملك الحسن الثاني، والآن أنتم، لا تهدف سوى إلى ترسيخ قدرات الشاه ومواصلة خياناته وجرائمه بحق الشعب. إننا مسؤولون أمام الله تعالى إذا ما تصالحنا معه. فإذا قدّر لنا أن نهزم بأيدينا، فلن نسمح لأنفسنا بالهزيمة حتى وإن كانت بقوة السلاح. سنبذل قصارى جهدنا للحيلولة دون استمرار هذه الخيانة.

 

 (الوزير: إنني لم أبعث من قبل الشاه للوساطة. إنني لما أخبرت الجنرال ضياء بعزمي على هذه الزيارة وطلبت منه أن يسمح لي بلقائكم، اقترح عليّ ذلك.. إن أوضاع إيران تترك تأثيرها على الشيعة في باكستان. نحن أقلية. إن أوضاع إيران تضعف الشيعة. إن مثل هذه الأمور هي التي تدفعنا للمجيء وأداء الاحترام وتبادل وجهات النظر. إنني أدرك ما يقوله آية الله. إن الشيء الوحيد الذي أقدر عليه هو الدعاء. ومهما يكن، فإنني سأتوجه إلى جنيف هذه الليلة، ثم أمكث يومين في لندن، بعدها أعود إلى باكستان. فإذا تبلورت لدى آية

 

الله خلال هذه الفترة فكرة ما، وإذا رأيتم بمقدورنا أن نفعل شيئاً، فنحن على استعداد ـ أنا شخصياً أو حكومتنا ـ لفعل ما نقدر عليه).

 

الإمام الخميني: أشكر لكم حسن نواياكم. ولكن ما يقال بأن ثورتنا تعمل على إضعاف الشيعة في باكستان، يتناقض مع ما تردنا من معلومات عن المناطق التي يقطنها الشيعة. فقد باتت المناطق الشيعية تشهد تحركاً بأسرها، ونحن نأمل أن يكون هذا التحرك سبباً في تخليص الشعوب من معاناتها ومتاعبها التي ما فتئت تواجهها لحد الآن.

 

ولكن القضية ليست قضية الشيعة بل قضية المسلمين جميعاً.. نحن على اطلاع بما يجري في مناطق كثيرة من البلاد الإسلامية. لقد اخبرونا بأن الثورة الإيرانية أوجدت صحوة في مناطق عديدة.. صحوة وجدت لدى الشعوب العربية وفي أماكن أخرى بوحي من هذه الثورة. وأرجو أن تتمكن الشعوب الأخرى من تحقيق أهدافها الإنسانية..

 

اسأل الله تبارك وتعالى توفيق الخدمة. كما أسأله سبحانه التوفيق لكم وللآخرين في خدمة الإسلام والأمة الإسلامية.

 

 (الوزير: أشكركم جزيل الشكر، وأنا فخور بلقائكم .. إن أوضاع الشيعة في باكستان ليست جيدة بسبب الأموال الطائلة التي تنفقها السعودية.. إنني أدعو لأن تصبح إيران أقوى من السابق، وأن يساعد ذلك في تحسين أوضاع الشيعة في باكستان.. أنا أعلم أن الثورة الإيرانية ثورة إسلامية. ولكن نحن في باكستان أقلية، وان الثورة الإيرانية تترك تأثيراً كبيراً علينا).

 

الإمام الخميني: نحن نأمل أن تتحسن أوضاع إيران بنحو يساعد في تقوية الشيعة في البلدان الأخرى. ونحن نأمل منكم الدعاء أيضاً. أدعو لنا بأن نوفق في نهضتنا هذه.

 

ـــــــــــــــــ

 

[1] نص المباحثات التي أجراها وزير حكومة الجنرال ضياء الحق مع سماحة الإمام الخميني في باريس. ومما يؤسف له أن اسم الوزير وتاريخ إجراء المباحثات لم يرد لهما ذكر. هذا وان موضوع الوساطة بين الشاه وسماحة الإمام كان قد أثير قبل ذلك ـ كما أشار الإمام أثناء المباحثات ـ من قبل الملك الحسن الثاني ملك المغرب، والملك حسين ملك الأردن .. راجع كتاب( إيران في ربع قرن)، ج 2، ص 342- 346.