المتتبع للصحافة والإعلام في أمريكا والكيان الإسرائيلي هذه الأيام، يرصد خطين تحريريين متناقضين، إلا أنهما يعملان على تحقيق هدف واحد. على سبيل المثال لا الحصر، صحيفة "هآراتس الاسرائيلية" ، وصحيفة "تلغراف" البريطانية، الصادرتان يوم الأحد، الأولى كتبت تقول"أن إيران لم يعد لديها خيار سوى الرد بسرعة وبشكل متناسب"، على الهجوم "الإسرائيلي" على قنصليتها في دمشق، بينما قال محرر شؤون الدفاع والشؤون الخارجية بصحيفة "تلغراف" كون كوغلين: "إن إيران لن ترد".

 

اللافت أن الصحافة الغربية و"الإسرائيلية"، ليس لديها منطقة وسط، فمنها من يتحدث عن ما تعتبره دلائل "موثقة" من أن إيران ستستهدف تل أبيب وقواعد أمريكية في المنطقة خلال الساعات والأيام القادمة، بينما ترى أخرى أن إيران "لم ولن" ترد ، و "ليس لها القدرة على الرد"، وان "إسرائيل غيرت معادلة الردع نهائيا".

 

يبدو أن عدم استعجال إيران في "الانتقام الغريزي" غير المدروس على العدوان الإسرائيلي على قنصليتها في دمشق، وقيدت قرار الانتقام بتوقيتها هي لا بتوقيت أمريكا و"إسرائيل"، هو الذي خلق حالة من السباق المحموم والفاضح، بين الصحف و وسائل الإعلام الأمريكية و"الإسرائيلية" والغربية، لدفع إيران إلى اتخاذ قرار الرد، وفقا لتوقيت يصب في صالح نتنياهو المهزوم.

 

إيران تدرك جيدا أن الانتقام غير المدروس، سيقدم هدية لا تقدر بثمن لنتنياهو وكيانه الغارق في وحل الهزائم والفضائح، ليس في غزة فقط، بل في الإقليم والعالم، وحتى في الغرب، كما أن الانتقام الفوري، سيحرر الكيان الإسرائيلي من حالة الخوف والرعب والانتظار والشد، الذي يعيشه الآن، والتي تسببت بها سياسة الغموض التي تنتهجها إيران، التي لا يشك حتى بايدن نفسه، انها سترد على العدوان الإسرائيلي الذي نُفذ بطائرة وصواريخ أمريكية.

 

من المؤكد أن الانتقام الإيراني قادم لا محالة، وهو انتقام سيكون قاسيا، فطهران تعلم يقينا أن عدم الرد على الكيان الاسرائيلي، سيحفزه على استهدف الأراضي الإيرانية بشكل مباشر في المستقبل، ولكن رغم ذلك لن تنجر إلى ما يريده الثنائي الأمريكي الإسرائيلي، أي في حرب مباشره معه، لإنقاذ نتنياهو وكيانه المسخ من مستنقع غزة، والعمل على تطهيره وتطهير كيانه من ورائهما أمريكا، من الإجرام والإرهاب الذي مارسه في غزة، عبر حرف البوصلة نحو ايران.

 

إذا كان نتنياهو يعتقد أن الدعم الأمريكي الأعمى له ولكيانه، سيمنع إيران من الانتقام، أو حالة الجنون التي يعاني منها بسبب اليأس الذي تعيشه قواته في غزة، وعدم تحقيقه أي من أهداف العدوان على غزة رغم كل الدعم الأمريكي والغربي له وقتله أكثر من 33 ألف فلسطيني، سيجعل إيران لا ترد على جنونه، فهو واهم، لأنها ردت على سيده الأمريكي عندما تجرأ على اغتيال الشهيد القائد قاسم سليماني، وهي على رجعه أقدر، وسوف لن يستمتع كثيرا بنشوة "النصر المزيف"، عندما يتلقى الضربة التي لا هو ولا سيده بايدن يعلم متى سيتلقاها.

 

إيران ليست في عجلة من أمرها، رغم أن الدماء تغلي في عروق أبنائها الذين ينتظرون ساعة الانتقام على أحر من الجمر، فهي وان كانت تتعامل مع الكيان الإسرائيلي وشخص نتنياهو بسياسة "قلي الضفدع"، فهذا الكيان يمر في أكثر مراحل حياته المشؤومة ضعفا، فهو عاجز عن إركاع غزة التي لا تتجاوز مساحتها 350 كيلومترا مربعا، ولم يقض على المقاومة، ولم يحرر أسيرا، ولم يسيطر على ارض في غزة، ومازالت المقاومة تقصف عمق الكيان، وتحصد أرواح جنوده، وتدمر الميركافات، بينما مجتمعه فهو ممزق بالطول والعرض ومهدد بالتفكك، على صعيد الاقتصاد هو محاصر سوى من شاحنات تنقلها له بعض الأنظمة العربية بأوامر أمريكية، بينما اغلب موانئه على المتوسط خالية ومعطلة، لتعرضها لقصف متواصل من فصائل المقاومة، وسقط القناع المزيف الذي حاول الكيان على مدى عقود التستر خلفه لإخفاء قبحه وإرهابه وإجرامه ووحشيته، فأدين في مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، وبدأت دول غربية تستنكر إرهابه ووحشيته وتفكر بالاعتراف بدولة فلسطينية، كل ذلك بسبب القوة التي منحتها إيران للمقاومة الفلسطينية ولمحور المقاومة، وهي القوة التي جعلت "الضفدع الصهيوني" يحتضر، وهو احتضار بات الصهاينة أنفسهم يتحدثون عنه.

 

نعيد ونكرر أن نتنياهو ومن ورائه بايدن، اخطآ عندما اعتقدا أن العدوان على القنصلية الإيرانية في دمشق، سيحقق لها ردعا إقليميا تبخر في 7 أكتوبر، فإيران تفكر الآن بحرمان نتنياهو من "الردع" الذي يعتقد انه حققه من خلال عدوانه، لذلك هي تسعى لتحقيق هذا الهدف على نار هادئة، رغم كل الدم الغالي المراق، فتحقيق هذا الهدف، هو الذي يحدد حيوية وصوابية الفعل ورد الفعل وليس فكرة الانتقام.

 

أحمد محمد

 

المصدر: العالم