إن الحج يعدّ فرصة استثنائية، كما أن جميع الأعمال العبادية تُخوِّل الإنسان فرصة الرجوع إلى ذاته، فإن الإنسان يُبتلى بالغفلة عن نفسه بسبب غفلته عن الله تعالى الذي هو روح الوجود وحقيقته، قال تعالى: ?نسوا الله فأنساهم أنفسهم?[1].

 

وهذا هو الداء العظيم الذي تعاني منه البشرية في الوقت الحاضر، حيث نشاهد غفلة مطبقة عن حاجة الإنسان وحقيقته والغاية من خلقه وإيجاده في ظل النظام المادي المعاصر.

 

إن العبادة والتضرّع والدعاء هو الذي يعيد الإنسان إلى خالقه ومنه إلى حقيقة ذاته وحاجته، ويعدّ الحجّ من هذه الجهة من أفضل العبادات لكونه عبادة استثنائية من حيث الزمان والمكان, وتوالي الحركات المناطة بالحاجّ والناسك في موسم الحج، ومن هنا كانت مدينة مكة ومراسم الحج ملاذ أمن للإنسان، حيث يستشعر الإنسان أمناً في تلك المناسك العظيمة والعجيبة من خلال خضوعه وتوجهّه وتضرّعه وانقطاعه إلى ذكر الله، وهذه هي حاجة الإنسان الكبرى.

 

إن الجحيم الذي سعّرته القوى المادية وأحاطت الإنسان به، يمكن للإنسان أن يلوذ منه بالحج ليرى برد الجنّة وسلامها في ذلك المكان والزمان.

 

وما أغفل أولئك الذين يقلّلون من أهمية مناسك الحج من خلال انهماكهم في الاُمور الدنيوية، فلابد من الإيتان بأعمال الحج مع الالتفات وحضور القلب ورعاية الآداب المخصوصة، إذ مضافاً إلى مناسك الحج المؤلفة لصورته الظاهرية، هناك سلسلة من الآداب التي تمثل روح الحج، فهناك من يؤدّي صورة الحج غافلاً عن روحه وحقيقته.

 

إن أدب الحج هو الخضوع والذكر والالتفات والشعور بالحضور بين يدي الله في جميع الآنات واللحظات، وإن أدب الحج هو اللجوء إلى ساحة أمن الله التي أعدّها للمؤمنين المتمسكين بأطراف حبال التوسل بذاته المقدّسة، فلابد من التعرف على هذه الجنة والدخول فيها، ولابد من التعرف على الحج بهذه الرؤية.

 

 إن أدب الحج هو السلم والمداراة، إذ لا قوة مع المؤمنين ولا خصومة مع الإخوة، كما لا فسوق ولا جدال في الحج، وإن أدب الحج هو الانغماس في حقيقة معنى الحج والانتفاع منه في كافة مجالات الحياة.

 

إن أدب الحج هو الأُخّوة والمحبة والتلاحم، فإن فرصة الاتحاد بين الشعوب المسلمة لا تتأتّى إلا في الحج، حيث يجتمع هذا الكمّ الهائل من الناس, ويأتون من أقاصي بقاع العالم مجذوبين بوحي من حب الكعبة المشرّفة ومرقد النبي، والذكر الالهي، والسعي والطواف، فلابد من اغتنام فرصة التآخي هذه.

 

 إن من الأهداف الأساسية المعاصرة التي ينشدها الاستكبار وأمريكا في العالم الإسلامي بثّ الفرقة بين المسلمين، وأفضلها إيجاد الخلاف والشقاق بين الشيعة والسنة، حيث تلاحظون ما يقوله عملاء الاستعمار في العالم متخذين من أحداث العراق ذريعة إلى بثّ سمومهم وزرع بذور نفاقهم، وقد سارت سياسة الاستعمار والقوى الغربية الطامعة على هذه الوتيرة لسنوات متمادية، والحج هو فرصتهم المؤاتية لإثارة الشيعة ضد السنة والسنة ضد الشيعة، فلابد من اليقظة.

 

_______________________

 

[1] الحشر: 19.