في البداية، نتوجّه بالتحيّة إلى بقيّة الله (أرواحنا فداه): "اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا بَقِيَّةَ اللهِ في أرْضِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا ميثاقَ اللهِ الَّذي أخَذَهُ وَوَكَّدَهُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَعْدَ اللهِ الَّذي ضَمِنَهُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا الْعَلَمُ الْمَنْصُوبُ وَالْعِلْمُ الْمَصْبُوبُ وَالْغَوْثُ وَالرَّحْمَةُ الْواسِعَةُ، وَعْدًا غَيْرَ مَكْذوُب... اَلسَّلامُ عَلَيْكَ حينَ تَقوُمُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ حينَ تَقْعُدُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ حينَ تَقْرَأُ وَتُبَيِّنُ"(1).

 

* معاناة البشر

لعلّه أمرٌ نادر الحدوث، في مرحلة من تاريخ البشريّة، أن يشعر البشر في جميع أنحاء العالم، بالحاجة إلى مخلّص، بهذا القدر الذي يشعرون به اليوم؛ الجميع يشعرون بالحاجة إلى منقذ، ويد القدرة الإلهيّة، وإمامة المعصوم، والهداية الإلهيّة.

 

اليوم، وبعد أن جرّبت البشريّة مختلف المدارس الفكريّة والمذاهب المتنوّعة من الشيوعيّة إلى الديموقراطيّة الغربيّة، وإلى الليبراليّة الديموقراطيّة الرائجة في العالم، ومع كلّ ادّعاءاتهم هذه، لا يشعر البشر بالراحة والاستقرار. ومع كلّ هذا التقدّم العلميّ المدهش، الذي غيّر شكل الحياة بشكلٍ كامل في العالم، ما يزال البشر لا يشعرون بالسعادة؛ فالبشريّة تعاني من الفقر، والمرض، والفحشاء، والمعصية، وغياب العدالة، وعدم المساواة، وفجوة طبقيّة عميقة جدّاً. البشر يعانون من استغلال القوى العالميّة للعلم، والاكتشافات الطبيعيّة، والقدرات المستخرجة من الطبيعة، بشكلٍ سيّئ.

 

إنّ استغلال العلم في خدمة الظلم ومصالح قوى الاستكبار بعيداً عن العدالة، جعل الناس في أنحاء العالم يشعرون بالتعب، والقلق، والاضطراب، وبالحاجة إلى يدٍ مخلّصة وقوّة معنويّة وإلهيّة تستطيع حلّ تلك المشاكل.

 

* الحياة الحقيقيّة

إنّ المهمّة العظيمة لبقيّة الله (أرواحنا فداه) هي أن "يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً"(2)؛ وهذا الأمر لا يمكن تحقيقه سوى بالقدرة الإلهيّة على يد بقيّة الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف، الذي سيحكم بالعدل في جميع شؤون الحياة: في القوّة، والثروة، والصحّة والسلامة، والكرامة الإنسانيّة، والمنزلة الاجتماعيّة، والأمور المعنويّة، وإمكانيّة التطوّر. فالحياة الحقيقيّة للبشر سوف تبدأ من زمن صاحب الزّمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

* الانتظار والأمل

لكي تصبح هذه الحاجة مفيدة وموجّهة، طلب منّا الإسلام أن نقوم بالانتظار البنّاء؛ أي الشعور بالأمل والاعتقاد بوجود مستقبل قاطع.

 

يُنقل عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج"(3). هذا الأمل. وفي رواية عن موسى بن جعفر عليهما السلام: "أفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج"(4). المعرفة تعني التوحيد ومعرفة الحقائق الإلهيّة، ومن بعدها يأتي انتظار الفرج. وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "انتظروا الفرج ولا تيأسوا من رَوح الله"(5)؛ أي لا تيأسوا من الرحمة والفرج الإلهيّ. إذاً، يتخلّل انتظار الفرج الأمل والحركة والإقدام. وانتظار الفرج بحدّ ذاته نوع من الفرج؛ لأنّه ينجّي الإنسان من حالة اليأس والعجز التي تجبره على القيام بأفعال عجيبة وغربية.

 

* مجتمع مهدويّ

إنّ انتظار الفرج ليس فقط الجلوس ووضع الكفّ على الكفّ والترقّب، بل يعني الجهوزيّة، والإقدام، والمبادرة، وأن يشعر الإنسان أنّ ثمّة عاقبة يستطيع الحصول عليها ويجب عليه السعي للوصول إليها. فنحن الذين ننتظر فرج بقيّة الله (أرواحنا فداه)، يجب علينا أن نسعى في طريق بناء مجتمع مهدويّ، ونقترب بأنفسنا قدر استطاعتنا من المجتمع المهدويّ؛ لأنّه مجتمع القسط، والمعنويّة، والمعرفة، والأخوّة، والعلم، والعزّة.

 

وانتظار الفرج ليس في نفاد الصبر وتحديد الزمان الذي سيظهر فيه الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، وإنّما يعني تحضير النفس، لأنّ نفاد الصبر والاستعجال هما من الأمور الممنوعة: "إنّ الله لا يعجل لعجلة العباد"(6)؛ إذا كنت تستعجل وتندفع، فهذا لا يعني أنّ الله يجب أن يتّخذ القرار ويستعجل بناءً على عجلتك؛ كلا، فكلّ أمر له موعد، ووقت محدّد، وحكمة، وعلى أساس تلك الحكمة يتمّ إنجازه.

 

* اطمئنان القلوب

إنّ هذه الراحة النفسيّة والطمأنينة الموجودة منشؤها انتظار الفرج، ويمكن مضاعفتها بواسطة الدعاء، والاستغاثة، والمناجاة مع الله من دون واسطة: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28)، أو التوسّل بأئمّة الهدى عليهم السلام، الذين هم أقرب الأشخاص في عالم الوجود من الخالق المتعال. هذه الأمور تهب الإنسان الراحة، والطمأنينة، والانشراح، والبهجة، وتستجلب الرحمة الإلهيّة.

 

إنّ رفع الأكفّ بالدعاء، خصوصاً في هذه الأشهر الفضيلة، قطعاً سيكون له آثارٌ وبركات على الأفراد والمجتمع أيضاً.

 

*من كلمة الإمام الخامنئيّ دام ظله المتلفزة بمناسبة ولادة صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، بتاريخ 9/4/2020م.

 

1- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 53، ص171.

2- المصدر نفسه، ج 36، ص 316.

3- المصدر نفسه، ج 50، ص 318.

4- الكوراني، معجم أحاديث الإمام المهديّ، ج4، ص142.

5- العلّامة المجلسي، مصدر سابق، ج 10، ص 94.

6- الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 245.

 

المصدر: مجلة بقية الله