كما في الأعوام السابقة ألقى قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى السيد علي الخامنئي خطابا، وهذه المرة عن طريق الاتصال المرئي المباشر، مع أهالي محافظة "آذربيجان شرقي" لمناسبة انتفاضة أهالي مدينة تبريز مركز المحافظة الواقعة شمال غرب إيران، ضد نظام الشاه البائد يوم 18 شباط/فبراير عام 1978، اليوم الخميس، وكان الخطاب الهام يضع النقاط على الحروف في عدد من القضايا المصيرية الراهنة، لكن ما يمكن استخلاصه من هذا الخطاب أيضا هو رسم ملامح التحرك المستقبلي للبلاد في المرحلة القادمة.

 

قضية المفاوضات الجارية بين إيران وعدد من القوى الدولية حول رفع الحظر الاقتصادي والعيوب التي اعترت الاتفاق النووي في السابق أشار إليها سماحة السيد القائد لينتبه المفاوضون الإيرانيون الحاليون الى ضرورة مراعاة أدق التفاصيل في المفاوضات لكي لا تتكرر الاوضاع الحالية فيما يخص المفاوضات والاتفاقات، ان حصل الاتفاق في فيينا او لم يحصل، لأن التجربة أثبتت للجميع ان ما كان يحذر منه قائد الثورة الاسلامية بأن اميركا المتغطرسة لايمكن الوثوق بما تتعهد به، يجب ان يكون نصب الأعين، وهذا لا يمكن اعتباره الا كقاعدة ثابتة في التحرك الدبلوماسي الايراني المستقبلي.

 

وعندما يشير سماحة آية الله الخامنئي الى العمل الضروري الذي يجب القيام به لافشال الضغوط الاقتصادية، التي يتخذها اعداء الشعب الايراني كاستراتيجية لهم للي ذراع هذا الشعب، وهو دعم الانتاج الداخلي والنشاط الاقتصادي، فتلك اشارة الى الاستراتيجية المضادة التي يمكن باتباعها سحب البساط من تحت أرجل القائمين على دوائر التخطيط الغربية والصهيونية المنكبة على التآمر ليلا ونهارا ضد الشعب الايراني وثورته التي أفشلت مخططات المستعمرين.

 

دعم الشركات القائمة على المعرفة والتي تنتج تقنيات علمية جديدة وضرورة تحرك ونشاط هذه الشركات كانت أيضا من الطرق التي اشار اليها قائد الثورة الاسلامية لاتباعها مستقبلا من اجل افشال الحظر والعقوبات.

 

"الحملة الاعلامية" التي يشنها الاستكبار العالمي و"غرف تخطيطه" للتأثير على أذهان الشعب الايراني وخاصة جيل الشباب، هي التي اعتبرها سماحة قائد الثورة الاسلامية "الأداة الاخرى" التي يستخدمها الاستكبار العالمي الى جانب الضغوط الاقتصادية لدق اسفين بين الشعب الايراني ونظامه الاسلامي، مبينا الاساليب الاعلامية المستخدمة في هذه الحملة مثل نشر الاكاذيب وتشويه سمعة اركان الثورة الاسلامية والمواقع المؤثرة في تقدم الثورة داعيا الشعب الايراني وشبابه الى التصدي لهذه الحملة، وهكذا يؤكد كلام قائد الثورة الاسلامية بأن الرأي العام وأذهان وأفكار جيل الشباب هي ساحة من ساحات الحرب القادمة بين دوائر التخطيط الصهيواميركية والعقول الثورية المنيرة، وهي معركة لا تقل خطورة عن الحرب الاقتصادية.

 

وفي هذا السياق كانت لسماحته نصيحة هامة للشباب وهي مراقبة النقاط والمواقع التي يركز الاعداء على استهدافها، والتحرك والعمل على النقيض من ذلك.

 

ان استراتيجية الصمود والمقاومة التي أكد قائد الثورة الاسلامية بأنها "نعمة" يجب تقديرها وتثمينها، اعتبرها سماحته ليس مجرد عامل مؤثر في تقدم البلاد بل لها تأثير هام في المنطقة ايضا، مبينا ان النهج المقاوم الذي يتعاظم في المنطقة قد حطم غطرسة الاستكبار واطلق لسان الشعوب في مواجهة أميركا، مشددا على استمرارية النهج الثوري الصامد والمقاوم.

 

وفيما يتعلق بمهام وسائل الاعلام في البلاد مستقبلا وخاصة الاعلام الرسمي أشار آية الله العظمى الخامنئي الى ضرورة اظهار الانجازات الهامة للقطاعات الانتاجية في البلاد في وسائل الاعلام الايرانية كما يجب، منتقدا عدم حصول ذلك بالوجه المطلوب حتى الان، مشيرا الى اعتراف المنظمات الدولية بسرعة التقدم والنمو العلمي الحاصل في البلاد والتي تساوي عدة اضعاف المتوسط العالمي في هذا المجال وكذلك التقدم المدهش في مجال البنى التحتية الأساسية مثل تعبيد الطرق وبناء السدود وتوسيع شبكات المياه والكهرباء والخدمات الطبية والصحية، بفضل الثورة والنهضة الجهادية.

 

الخطاب الهام لقائد الثورة الإسلامية تضمن الإشارة أيضا إلى ضرورة التفكير والاستعداد لسد الحاجات المستقبلية للبلاد مثل تربية العلماء والباحثين ودعم النهوض العلمي وقضية الانجاب وزيادة النسل لتجنيب البلاد المشاكل المستقبلية، مبينا ان احدى الحاجات الضرورية والأساسية للبلاد مستقبلا هي "الطاقة النووية السلمية" مؤكدا ان سبب تركيز جبهة الأعداء على القضية النووية الايرانية وفرض حظر ظالم ونشر الاكاذيب حول قرب توصل ايران الى السلاح النووي هو منع التطور العلمي للبلاد لسد الحاجات المستقبلية.

 

وفي جانب آخر من ارشاداته حول خارطة التحرك مستقبلا لضمان استمرارية الثورة وبلوغ الاهداف المرسومة وما يجب ان يقوم به الجميع بكل ما اوتوا من قوة، قال سماحته "ان سعي العلماء والباحثين، وسعي علماء الحوزة العلمية والجامعيين ونشاط رواد الاعمال والعمال، وجهود الشباب التواق للعلم في الجامعات والحوزات، والناشطين في مجال تقديم الخدمات الاجتماعية، والناشطين في تقديم العون والمساعدة، والعاملين في قطاع الدفاع العسكري والناشطين في جهاد التوعية والتبيين، والعناصر الحكومية الخدومة، والتنوير الذي يقوم به المثقفون السياسيون في وسائل الاعلام المختلفة والفضاء الافتراضي وخاصة الاعلام الرسمي، وتقديم الدعم لقوى المقاومة في المنطقة والعالم الاسلامي، والمستعدون لحضور ساحات الوغى مثل المدافعين عن حرم آل البيت (ع) وساحات النضال الداخلي، كلها تعتبر اجزاء من حركة شاملة متطلعة نحو الأهداف السامية للثورة والتي تمهد لديموميتها. 

 

وهكذا يمكن القول ان كلام سماحة قائد الثورة الاسلامية اليوم كان خطابا مفصليا رسم للعناصر الرئيسية والمؤثرة في المجتمع الايراني خطة تحركهم المستقبلي لضمان تطور البلاد وتذليل العقبات في المرحلة القادمة.