ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي تقريراً يسلّط الضوء على مختلف جوانب حياة الشهيد مسعود علي محمّدي، العالم النّووي الإيراني الذي جرى اغتياله أمام منزله في العاصمة طهران من قبل عملاء الكيان الصّهيوني، وقد كان من أبرز صفات الشهيد تواضعه للجميع، وكان يعمل دائماً على تحسين معرفته بالفلسفة وعلم الكونيّات، إضافة إلى الفيزياء، كما كان له حضورٌ نشطٌ وفعال في الدراسات الأوليّة لتخصيب اليورانيوم وتصميم وبناء أجهزة الطّرد المركزي.

 

تروي زوجته: «كنت أودع مسعود حتى نهاية الممر. أخرج سيارته من الباحة. عاد إلى الداخل ليأخذ مني طَبَق طعامه. كان باب السيارة وباب الباحة مفتوحين. أخذ طعامه وغادر، نظر إليّ من زاوية الباب وقال وداعاً. عندما أغلق باب الباحة انفجرت القنبلة. اعتقدت في تلك اللحظة أن زلزالاً قد حدث. لأن زجاج النافذة كان يتساقط على رأسي. خرجت ابنتي من غرفتها باكية، وقالت ماذا حدث؟ كانت عيناي تحدقان نحو الباب فقط. وكان قد اقتلع من مكانه بسبب موجة الانفجار القوية. رأيت الدخان يتصاعد من السيارة. وقلت لابنتي «والدك...» فقط. لم أكن أعتقد أنها كانت قنبلة على الإطلاق. ركضنا على عجل. رأيته جالساً عند السيارة. كانت يداه على حافة السيارة وجبهته ساجدة بين يديه. كان سليماً تماماً من الخلف. ناديته عدة مرات: مسعود، عزيزي مسعود...».

 

وُلد مسعود في 23 مارس/آذار 1961 في قرية من ضواحي طهران. منذ طفولته كان ذكياً وموهوباً للغاية، وكان يسير مسافات طويلة كل يوم للوصول إلى المدرسة. ومع ذلك، لم يغفل عن مساعدة أسرته وعمل في الزراعة مع والده. كانت السمات المميزة له هي السماحة وحسن الخلق وروح الفكاهة. كلّ هذه جعلت منه شخصية محبوبة.

 

بعد تخرجه بدرجة البكالوريوس في الفيزياء، تقدم لامتحان الماجستير وتم قبوله في «جامعة شريف الصناعية». كما حصل على منحة دراسية في الخارج. أصرّت زوجته على السفر إلى الخارج للدراسة، معتقدة أنه يمكنه التقدّم أكثر هناك، لكنه كان يرفض. كان يقول: «لقد أجريت بحثاً، الأساتذة الذين أرغب في العمل معهم ليسوا أقل مستوى من الأساتذة هناك، فما سبب سفرنا للخارج لمواصلة تعليمنا؟» كان من العلماء الإيرانيين الذين اجتازوا جميع مراحل تعليمه العلمي داخل إيران، معتمداً على الإمكانات الداخلية.

 

على الرغم من كونه أستاذاً جامعياً ونشر العديد من المقالات في المجلات المحلية والأجنبية المرموقة، إلا أنه لم يعتبر نفسه أفضل من الآخرين وكان متواضعاً لدرجة أنه إذا وصفه أحد أفراد عائلته بأنه «دكتور»، كان يرد: «دكتور، لا! الدكتور، هي فقط في مكان العمل. أنا مسعود».

 

تقول زوجته: «بعد انتهاء تعليمه بدأ العمل في مركز أبحاث الفيزياء النظرية، وكان لهذا المركز جنائنيّ اسمه علي آغا. ذات يوم عندما عاد الدكتور إلى المنزل، رأيت عدداً كبيراً من حبّات الجوز مبعثرة في سيارته. سألته من أين أتت حبّات الجوز هذه؟ ولماذا انتشرت هكذا؟ قال إنه عندما عاد من المركز، طلب منه علي آغا أن يشق نافذة السيارة ففعلت، وألقى علي آغا الجوز في السيارة وقال: ”هذا الجوز لك، فأنت تختلف جداً عن الآخرين بالنسبة لي“. فردّ مسعود أيضاً: كلّا، أنا مثل الآخرين. رد علي آغا: ”لأنك أنت الدكتور الوحيد هنا الذي يبادر في إلقاء السلام عليّ“. كان يحترم كبار السن جداً، وإذا رأى أن أحد الدكاترة يعامله معاملة حادة، كان ينبّهه ليصحح سلوكه».

 

عرف مسعود طريقة العمل العلمي جيداً. فلم يخجل من طرح الأسئلة وكان دائماً يرغب بتحسين معرفته. بالإضافة إلى الفيزياء، كان يعرف الفلسفة وعلم الكونيات. فريدون عباسي، رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية آنذاك، يقول عنه: «أحيانًا كان الطلاب يجلسون في غرفتي ويتناقشون. كان يجلس ويستمع ويطرح الأسئلة. لقد التقى هنا بالدكتور رضائي نجاد، وكان يتناقش معه بشكل جيد للغاية، وفي بعض المواضع كان يُشكل عليه».

 

كان يعرف الميكانيك في الفيزياء جيداً، ولهذا السبب، كان له حضور نشط وفعال في الدراسات الأولية لتخصيب اليورانيوم وتصميم وبناء أجهزة الطرد المركزي. كان مسعود علي محمدي سعيداً لكونه مدرّساً، وكان يحب تربية طلاب لدفع البلاد إلى الأمام. تقول زوجته: "«كان يدرّس شباب أولمبياد الفيزياء لمدة سنتين أو ثلاث سنوات، ثم غادر. قلت: لماذا غادرت؟ فقال: ”نحن نختار باقة من المتفوقين، ثم نقدّمها إلى أمريكا بكل سرور! وهؤلاء يبنون أمريكا ونحن نبقى خالي الوفاض. يجب تنميتهم أخلاقياً قبل تدريبهم بهذه الطريقة. يجب أن يعلموا أنه إذا نمت مواهبهم، فذلك بسبب هذه الضريبة التي تم أخذها من الناس والإمكانات التي وضعها هذا البلد في تصرّفهم، ويجب أن يشعروا بذلك“. لهذا السبب، أوقف تعاونه مع أولمبياد الفيزياء».

 

يُعرَف «سيزامي»(1) بأنه منبع الضوء للشرق الأوسط. مسرّعٌ يمكنه إنتاج الجزيئات الضوئية أو الموجات الكهرومغناطيسية من خلال التسارع. يتم تنفيذ هذا المشروع في مدينة علان من محافظة بلقاء بالأردن، ويضم أعضاء من دول مختلفة، بما في ذلك إيران وقبرص والبحرين ومصر و... كان الدكتور مسعود علي محمدي والدكتور شهرياري ممثلين علميين لإيران في هذا المشروع. وكان الدكتور مسعود علي محمدي قد وعد خلال زيارته الأخيرة للأردن بإنجاز المشروع بشكل أسرع، وكان يسعى لاكتساب الخبرة اللازمة في هذا المجال ليقدر على متابعة بعض أعمال المشروع من داخل إيران. لكن اغتياله حال دون هذه المساعي...

 

بعد يومين من اغتيال الشهيد مسعود علي محمدي، اعترف موقع وزارة خارجية الكيان الصهيوني، بأنه كان عالماً نووياً وأستاذاً بجامعة إيران ومعروفاً لدى المحافل الإسرائيلية. وبحسب اعترافهم، فإن اغتيال العلماء هو جزء من معركة الأجهزة الغربية بشأن البرنامج النووي والمفاوضات المتعلقة به.

 

على الرغم من أن الدكتور مسعود علي محمدي لم يكن الشخص الأول في المشروع النووي الإيراني، إلّا أنه كان الأول في التحلّي بالإيمان والشجاعة والاستقلال الوطني. شخص إذا قرر أن يفعل شيئاً ما، فلن يوقفه شيء، ولن يستسلم حتى يُنجزه. اغتيل غدراً واستشهد في 12 يوليو/تموز 2010 بانفجار عبوة عندما كان يغادر المنزل متوجّهاً إلى مكان عمله.

 

ــــــــــــــ

1- المسرّع الضوئي الخاص بأبحاث العلوم التجريبية والتطبيقية في الشرق الأوسط (SESAME)، هو مختبر مستقل تم إنشائه رسمياً تحت رعاية اليونسكو في 30 أيار/مايو 2002 في مدينة علان في محافظة البلقاء في الأردن.