حسناً، بدأت الحرب المفروضة وانطلق دفاعنا المقدّس. هنا يمكن للإنسان أن يدرك الدور الحسّاس للغاية والمدهش لإمامنا (الخميني) العظيم في القيادة. في مثل هذه الظروف، كان الإمام قادراً على إدارة بداية الحرب ثم الاستمرار بهذه الحركة تحت عينيه وإرادته. البعض يُنكر ويستغرب، ويقول كيف لرجل دين مُسنّ في الثمانين أن يتمكن من إدارة القوات المسلحة. يتخيّل هؤلاء أن إدارة الإمام الحربَ وقيادته لها كانت بأن يذهب إلى مقرّات العمليات على الخطوط الأمامية، ويحرّك القوات، أو يرسل الوحدات القتالية من مكان إلى آخر. لم يكن الأمر كذلك، بل كان دور الإمام جملة من الأمور الأخرى. أولاً كان عمل الإمام المهمّ والكبير في أنه شخّصَ منذ البداية الحجم والأبعاد الحقيقية لهذه المعركة؛ عرف من البداية ماذا تعني هذه الحرب، فكثيرون منّا لم يكونوا يعرفون ذلك أو يُدركونه. في أحيان كثيرة، يحدث نزاع بين الدول المتجاورة، وهذا ليس أمراً مهماً (غالباً). لكنّ الإمام لم ينظر إلى الأمر على هذا النحو، بل عرف أن هذه الحرب ليست مجرد صراع عادي بين دولتين جارتين. لقد عرف العدوّ وشخّص من هو العدوّ الرئيسي في هذه الحرب، وأدرك أنّ صدّام مُجرّد آلة. كان الإمام يتحدث حول الحرب و«الدّفاع المقدّس» كثيراً. من الأمور التي ذكرها في كلماته حول الحرب أنّ أمريكا أسوأ من الاتحاد السوفييتي، والاتحاد السوفييتي أسوأ من أمريكا، وأنّ بريطانيا أسوأ من الاثنين معاً. أي كان يتعرض ويتوجّه في خطابه إلى الجهات التي أدرك أنها في الحقيقة هي العامل الرئيسي وراء الحرب وتديرها من خلف الستار.

ثانياً إنّ من التّشخيصات الرئيسية والمصيرية التي قدمها الإمام أنّ هذا الوضع الخطير لا يمكن أن يعالجه إلّا الشعب الإيراني، ولا يختصّ بالقوات المسلّحة فقط. حتى إن صار وضع القوات أفضل بعد، يبقى هذا العمل من مسؤوليات الشعب الذي يجب عليه أن ينزل إلى الساحة، فكما أوصل الشعب الثورة إلى مرحلة النصر، عليه كذلك أن يوصل الحرب إلى النصر. لقد شخّص الإمام هذا الأمر، وعمل على أساسه، وأوجد هذه الحركة العظيمة التي سأشير إليها لاحقاً. ثم هناك شخصيّة الإمام، والنفوذ المعنوي له، وصدقه في كلامه، فعندما كان يتكلم، كانت آثار الصدق في كلماته واضحة للجميع، وكانوا يدركون أنّه يقول الحق. أيضاً هناك نظرته الثاقبة، إذ يرى عمق الأمور، وكان مصداقاً بما تعنيه الكلمة لهذا القول: «ما يراه الشاب في المرآة (الصقيلة(، يراه الشيخ في الطوب (الأصمّ)». أحيانا كنا نرجع إليه مع بعض المسؤولين العسكريين في بعض القضايا العسكرية، وكان يُبيّن لنا بعض النقاط التي تجعل الإنسان يتعجّب، إذ كيف لمثله أن يلتفت إليها!

ثم هناك حزمه الفريد والاستثنائي في إنجاز الأمور التي كانت تبدو غير ممكنة. كان (مثلاً(  يقول بحزم: «يجب فكّ الحصار عن آبادان». عندما كانت آبادان محاصرة، كنتُ في الأهواز. أساساً مسألة فكّ الحصار عن آبادان غير قابلة للتصوّر، (لكن) الإمام كان حاسماً في ذلك. (أو يقول مثلاً(: «يجب أن تُحرّر خرمشهر»، ومن قبلها «يجب أن تُحرّر سوسنگرد»، أي أن الأمور التي كانت تبدو للموجودين هناك غير ممكنة كان الإمام يطرحُها بحَسْم. على هذا النحو، كان الإمام يقود الأمور ويُديرها. للأسف، هناك غفلة عن دور الإمام في ما كُتب حول الحرب والأبحاث الخاصة بها!

أريد أن أُبيّن نُقطة أخرى من طرق تعامل الإمام مع هذه القضيّة. في الظروف المختلفة للحرب، كان الإمام يتّخذ مواقفه ويوضّح ملاحظاته الأساسيّة وفق ما يقتضيه كل ظرف. على سبيل المثال، عندما كانت تهتز معنويّات الناس إثر مسألة تقع في ساحة الحرب، ويجب رفع معنويّاتهم، يبادر الإمام ويرفع معنويات الناس ويحقّر شأن العدو. هذا ما قصده من قوله المشهور: «لصّ جاء، رمى حجراً، وهرب» ، أي أن مجاهدينا الذين ذهبوا إلى الجبهة يطاردون الآن العدوّ الهارب. هو يرفع معنويّات الشعب. وربما اقتضى ظرفٌ آخر أن يَحول بين المجاهدين والغرور، فمثلاً استطاع مجاهدونا بعد شهر من الجهود المضنية والاستثنائية أن يحرروا خرمشهر – في النهاية هذا إنجاز عظيم ومدهش أن تتمكن قوات الجيش والحرس والتعبئة من استعادة خرمشهر من العدو – لكن من الممكن أن يبعث هذا على الغرور. هنا ولكيلا يُولد هذا الغرور ويترك آثاره المدمرة في العاملين في كل مكان، قال الإمام: «خرمشهر حرّرها الله»، أي يريد أن يقول: نحن مجرد وسيلة، وأسندَ الأمر إلى إرادة الله وقدرته... هذا ما يجب فعله هنا. أو لنفترض في ظرف آخر: احتاج المجاهدون إلى من يتفقدهم ويُشجّعهم، فكان الإمام يرفع عزيمتهم ويقول لهم: «أُقبّل سواعدكم». أي كان الإمام يراقب الأوضاع مثل الأب الحنون، والمدير القوي والعارف والمُسيطر على الساحة، فيصدر عنه كل ما هو لازم لكُلّ مرحلة. لذا يجب أن نُبرز دور الإمام في أبحاثنا والأعمال التي ننتجها. بلا شك، كان دور الإمام واضحاً.

 

مقتطفات من كلمة الإمام الخامنئي (دام ظله) في تكريم مجاهدي مرحلة الدفاع المقدّس

3/2/1442هـ.   21/9/2020م.