سؤال: ما العمل إذا ما وقع تعارض في الفتيا بين الولي الفقيه وسائر الفقهاء؟

جوابه: إن عقل الإنسان يحكم بأن على المرء مراجعة ذوي الخبرة والاختصاص في الحالات التي ينقصه العلم والخبرة فيها؛ فالمريض ـ على سبيل المثال ـ الذي يجهل السبيل إلى العلاج، إنما يرجع إلى الطبيب، ومن لا مهارة له في بناء داره يستعين بالمعمار المتخصص، وهكذا فليس الناس بأجمعهم مفسوحاً أمامهم المجال، أو لديهم القدرة على استنباط الأحكام من مظانّها الأصلية الشرعية؛ لذلك يتعين عليهم الرجوع إلى ذوي الاختصاص والخبرة الذين يتمتعون بمثل هذه القابلية بمستواها المطلوب، وامتثال أوامرهم، وقد وردت الإشارة لهذه القضية في الآية الكريمة «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ»([1]).

من البديهي أن لا يتفق أصحاب الاختصاص في أيّ علم فيما بينهم على صعيد التفاصيل في المسائل، فربما يُشاهد ـ مثلاً ـ أن لا يصل عددٌ من الأطباء الحاذقين إلى نتيجة موحدة في تشخيصهم لمرض معيّن فيكتبون وصْفات متباينة، والعقل يصرّح بوجوب مراجعة «الأعلم» في الحالات التي لا تتفق كلمة المتخصصين، أي أن يُقدَّم المتفوق في الاختصاص على مَنْ سواه.

وعلى صعيد الأحكام الشرعية الفردية يصبح بمقدور كل شخص مراجعة المجتهد الأعلم ـ الأكثر قابلية من غيره في استخراج واستنباط الأحكام ـ لتحديد مسيره حسب تشخيصه، أمّا في المسائل الاجتماعية والسياسية فيجب تعيين المجتهد الأَعلم في هذا الجانب من قبل الخبراء بشكل أصولي منظّم. فان الرجوع إلى مراجع متعددين يؤدي إلى الفوضى والاضطراب في النظام، من هنا يتحتم أن يوكل الإعلان عن الحكم النهائي إلى مجتهد معيّن، ويتم تطبيقه في المجتمع؛ ولهذا السبب يُخوّل المجتهد الذي يقف على رأس الأمور في المجتمع والأَعلم بمصالحه ومفاسده أمر البتّ في شؤون المجتمع الإسلامي.

 

تقدّم فتوى الولي الفقيه في الأمور الاجتماعية

بناءً على هذا، لو حصل تعارض في الفتوى بين الولي الفقيه وغيره من الفقهاء في المسائل الفرديّة إذ ذاك يمكن الرجوع الى مرجع التقليد الذي سبق لنا وأن شخّصناه بأنه الأعلم فقهياً، أما في المسائل الاجتماعية فإن رأي الولي الفقيه هو المقدَّم على الدوام، كما ورد في تصريح الفقهاء وورد في الرسائل العملية أيضاً فيما يتعلق بالقضاء: إذا أصدر قاضي الشرع حكمه بشأن واحدة من القضايا فإن حكمه هذا يعد حجة بالنسبة للآخرين، ويحرم نقضه حتى من قبل قاض غيره وإن كان أعلم منه.

[1] النحل: 43.