الدكتور السيد صادق حقيقت

انه من الصعوبة بمكان أن نرسم خطاً واضحاً ومميزاً يفصل بين الدين ودور القيادة الدينية. فقد نهض الإمام الخميني (قدس)كزعيم ديني، بدافع صيانة الدين المقدس، مجسداً التشيّع في زعامته الدينية .

من جانب آخر، إننا يجب أن نميّز بين هذين العاملين، ففي ثورةٍ كالثورة الإسلامية، هنالك ثلاث عوامل يمكن أن تلعب دورها: الأيديولوجية والقيادة والناس، فإذا أخذنا الأيديولوجية كعامل رئيسي، فهذا يعني بأن هذه الأيديولوجية هي ضد الظلم بطبيعتها، ومن أوامرها ونواهيها يمكن أن يُفهم إلغاء أو إقصاء النظام القديم وفي هذه الحالة يكون دور الزعامة دوراً ثانوياً. وهنا يمكن القول بأن الثورة كانت ستنتهي إلى النصر حتى لو أخذ بزمام قيادتها شخص آخر ما دام الدين قد أخذ دوره في تفعيلها وقد فعل.

ومع ذلك، وإذا أخذنا الزعامة الدينية كعامل رئيسي في الثورة، فهذا يعني حينئذ ،انه وبرغم الدور العظيم للدين والأيديولوجية، فان الأداء النموذجي للقائد وخصائصه الروحية هو الذي مكّن الأيديولوجية من تأدية ذلك الأداء في الزمان والمكان المحدّدين، وكان له الدور الحاسم فعلاً .وفي هذه الحالة، فان للأيديولوجية قيمتها الخاصة، ولكنها قيمة ثانوية بالمقارنة مع دور القيادة وقيمتها، وما دام منهجنا هو التعدد ـ السببي فإننا لا نريد هنا الانتقاص من العناصر المؤثرة الأخرى وفي ظاهرة فريدة كظاهرة الثورة الإسلامية . إن مناقشتنا سوف تتركز على تجلية العامل الأكثر أهمية في انتصار الثورة وكما ذُكر توّاً، إن التجديد أوجد فراغاً وأزمة ساهمتا في تسريع أحداث الثورة وتحقيق انتصارها عام 1979 .

إن قيادة الإمام الخميني لعبت دوراً مهماً وضرورياً وحشدت كافة الناس وبكافة أصنافهم وطبقاتهم ومصالحهم المتباينة في دائرة النضال.

 

نثبّت بعض الأدلّة (وليس الأسباب) على النظرية الآنفة الذكر، وكما يلي:

 

1 ـ بمقارنة عاملي الدين والزعامة الدينية، وبتقديم الدليل على الدعوى الثانية، يكفي القول انه في السنوات التي سبقت الثورة، كانت تجليات الدين قد خسرت خسارة كبيرة، وفي مثل هذا الظرف، لم يكن هناك أي دافع أو قدرة لثورة دينية لأنْ تأخذ دورها أو تفعل فعلها لوحدها، العديد من المراكز والمسارح غير الملتزمة، أعداد متزايدة من أجهزة العرض التلفزيونية، برامج تلفزيونية ومسرحيات هابطة متأثرة بالثقافة الغربية، أعداد كبيرة من الخبراء الأمريكان والسوّاح الأجانب، هبوط التوجّه منخفض نحو القيم والطقوس الدينية كالعبادات الخاصة والصلوات وأمثالها، كل ذلك، وبدرجة ما، يمكن قياسه وتثبيته‏ بالأرقام والمستندات. فقبل‏الثورة، كان هناك اكثرمن 000ر40 خبير أجنبي في إيران، كما أن سفر الإيرانيين إلى الخارج كان‏مسألة عادية، وكما يقول ريجارد كوتام. فان الدين كان قد ضعف بنسبة كبيرة في إيران في الأعوام ‏المحصورة‏ بين 1977 ـ 1979.

وعلى العموم يمكن القول بأن الانتقادات الأربعة للنظرية الدينية ليست خالية من القيمة وفقاً لافتراضاتنا..

2 ـ هناك دليل آخر على هذا الافتراض وهو التحليل المقارن لشعارات الناس ورسائل وبيانات القائد في مجرى الأحداث (أي أحداث الثورة). ففي ذلك الوقت، لم يكن موضوع ولاية الفقيه معروفاً ولم تكن مسألة الولاية المطلقة للفقهاء مرفوعة أو معروفة أصلاً. وحتى مسألة الدولة الإسلامية فكانت غامضة وغير محددة. ويمكن أن نبيّن أيضاً بهذا العرض، أن الأغلبية النسبية من الشعارات كانت حول القيادة الدينية للإمام. وأكثر من ذلك يمكن أن يُضاف بأن الإمام وآية اللّه‏ مطهري، وحتى في عام 1990 كانا يؤكدان أن علماء الدين ليس لديهم النية أن يحكموا. كان مطهري يقول إن ولاية الفقيه تأخذ دور المنظّر الأيديولوجي وليس الحاكم. وفي رأيه، لا أحد في بحر التاريخ كان يتصور أن ولاية الفقيه تعني الحكم .

3 ـ بعد حادثة انتفاضة التنباك أثناء حكم ناصر الدين شاه تحوّلت المعارضة ضد الاستعمار إلى معارضة ضد الاستبداد والدكتاتورية. وفي الحقيقة، وجد الإيرانيون الشجاعة الكافية لاتّخاذ مواقف مناهضة ضد الحكومة الوطنية أيضاً. إن المعضلة الرئيسية في الحركة الدستورية وحركة تأميم النفط هي فقدان القيادة الفريدة الكفوءة .

وهذه ليست مشكلة مع الثورة الإسلامية. كان الإمام الخميني يمتلك الشخصية الشجاعة المبرّزة صاحبة الإرادة، وكان سياسياً وفقيهاً ورشيداً، ورجلاً عارفاً بالزمن الذي كان يعيش فيه. إن روحية الإمام كانت واضحة لكل إنسان. العديد من الذين يستمعون إليه كانوا يبكون عندما يستمعون إلى خطاباته ومواعظه.

إن قيادة الثورة كانت على عاتق الإمام بشكل رئيسي وإذا كان لرجال الدين حصة كبيرة في قيادة الثورة، فإنها كانت على الأغلب لكونهم أتْباع وأنصار لقائد الثورة العظيم. مطهري، في استدلاله بأن التجمعات السياسية وغير السياسية الصغيرة لم تلعب دوراً كبيراً في الثورة، يرجع إلى النظريات المختلفة حول أسباب الثورة. إن مطهري وبشكل ممتع وصريح، وبدون قصد، جلّى القيادة الدينية في توضيحه للعامل الديني.

إن الخصائص الفريدة عند الإمام جعلت الناس يثقون بشخصه أكثر من قناعتهم برسالته. أما هيكلية الدولة الإسلامية فلم تكن واضحة للناس، ومع ذلك ووفقاً للثقة والاعتقاد الكبيرين اللذين شعر بهما الناس بقائد ديني شبيه بالنبي، فإنهم تحركوا بذلك الاتجاه . وعندما قال الإمام: «فقط جمهورية إسلامية، لا كلمة أقل ولا كلمة أكثر» فان الناس حينها لم يكن لديهم فهماً كاملاً أو استيعاباً كاملاً لهذه العبارة ، ولكن كلمة الإمام لا نقاش فيها بالنسبة لديهم.

يقول زيبا كلام: «إن الإمام كان قائداً وطنياً وضد الامبريالية ولم يكن زعيماً للقوى السياسية الدينية وحسب. انه قائد ضد الدكتاتورية بالنسبة للمثقفين، وقائد جماهيري محبوب للملايين من عموم الإيرانيين رجالاً ونساءً ووفقاً للصورة التي كانت مرسومة في أذهانهم عن الشاه ونظامه». كدي، أيضاً، تقول بأن الإمام الخميني أصبح رمزاً لقائد ثورة ومثالاً للكثيرين من الناس غير المتديّنين. محمدي، الذي يؤكد بأن القيادة والأيديولوجية والناس هي عناصر الثورة، يوضح بشكل غير مقصود أو بدون وعي دور العامل القيادي في محاولة توضيح دور الأيديولوجية. عميد زنجاني، هو الآخر، في توضيحه لعناصر الثورة. يدخل مباشرة في موضوع القيادة.

4 ـ إن الإسلام والتشيع إنما هما نصّان يمكن أن ينطويا على قراءات مختلفة وعديدة. فقد لعبت المرجعيات الشيعية أدواراً مختلفة في مجرى التاريخ ولم يكن لديها نفس التصورات والقراءات للعلاقة التي يجب أن توجد بين السياسة والدين. فالتشيع الذي رُوّج من قبل مرجعيات غير سياسية، لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال جذراً أو أصلاً في ثورة، فضلاً عن موجدٍ لها. قراءات مختلفة للتشيع عُرضة متوازية بعضها مع البعض الآخر، وبالتالي فلا يمكن القول على الإطلاق بأن الأيديولوجية لوحدها كانت السبب الرئيسي للثورة. إن قراءة الإمام الخميني للإسلام والتشيّع هي التي منحت الناس الطاقة الثورية والقوة. إنه أجاب على السجالات المتعلقة بالمواجهة بين الحضارة الغربية والحداثة، تماماً وبوضوح، علينا ألا نتوقع أننا نستطيع العثور على أية قراءة واضحة لظاهرتي التشيع والإسلام المعاصرتين. ولمواجهة الحداثة والظاهرة الجديدة، يحتاج الدين، أي دين، إلى قادة ومترجمين (أي قرّاء) له، يُفترض أن يكونوا من القادرين على توظيف النصّ القديم في ظروف جديدة . هذه المهمة الصعبة والتي تبدو مستحيلة، لم تكن في قدرة أي أحد سوى الإمام الخميني. إن إسلام الإمام كان إسلاما ثورياً ولم يستطع الائتلاف مع القراءات التقليدية والمحافظة. بالتأكيد إن آثار الدكتور شريعتي وخطاباته يجب ألاّ يجري تجاهلها إطلاقاً.

لقد كانت مساهمتها عظيمة جداً في تعبئة الجماهير وخاصة الشباب. إن قراءة كقراءة الإمام، كان لها بُعداً ثورياً ساعد كثيراً في تعبئة الناس. جدير ذكره أيضاً، إن التشيّع كان دائماً دين الرفض والثورة .

قبل قراءة الإمام للدين وعلاقته بالسياسة، كان الإسلام والتشيّع، وحتى مفهوم (ولاية الفقيه) كلّها حاضرة بمعناها العام في الأذهان. مع ذلك، فان شخصية الإمام هي التي منحت هذا الوجود النصف ميت في جسم التشيع والفكر السياسي في إيران حياة جديدة وبثّت فيه روحاً جديدة.

5 ـ بالإضافة ‏إلى الأسباب الرئيسية للثورة الإيرانية، توجد هناك عوامل عديدة ثانوية ومسرّعة ساهمت في توفير التعبئة الممكنة في الوسط الجماهيري، وأخيراً في انتصار الثورة. واحد من هذه العوامل هو إدارة الرئيس الأمريكي كارتر وضغطها على ما سُمّي حقوق الإنسان عام 1356 (1977) وعدم مبالاة الولايات المتحدة في إبداء معارضة عملية تجاه انتصار الثورة . وكلما كان النظام يتراجع والقوى العالمية لا تُبدي معارضة واضحة تجاه تصاعد رياح الثورة، فان الناس الثوار والذين كان أغلبيتهم من الشباب من مواليد الستينات 1961 ، أصبحوا أكثر جرأة وجسارة وشجاعة. ومع ذلك فان الثورة الإيرانية، لم يكن لديها، وخلافاً للعديد من ثورات العالم، عدداً مهماً من الثوار القتلى.

العامل المساعد المسرّع الآخر، كان مرض الشاه (بالسرطان). فقد كان الشاه قد أُخبر بمرضه من قبل طبيْبين فرنسيْين، الأمر الذي ترك أثراً سلبياً على شخصيته. لقد كان دائماً يُهاجم المعتقدات المقدسة للناس، ولم يكن قادراً على اتخاذ قرارات سليمة.

بالإضافة إلى ذلك، إن عقله كان قد أصيب بعدوى وهم المؤامرة. وبما انه لم يكن قادراً على تصوّر أو الاعتقاد بأن الجمهور الخالي من أي سلاح، وبأيدي فارغة يستطيع أن يكتسح جيشه ذي 700000 رجل، فانه أصرّ على فكرته الموهمة القائلة بأن هذه الحركة الثورية كانت مؤامرة أو مخطط لها من قبل القوى الأجنبية، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية.

الناس، شاهدوا ضعف النظام وخوائه مع التزام الولايات المتحدة جانب الصمت من جانب، ومن جانب آخر، أعجب هؤلاء الناس بإصرار الإمام الخميني وتألّقه وقاطعيته. وكما يقول وليم لانجر «إن انتصار أية ثورة يأتي نتيجة لضعف واندحار القوة الحاكمة، أكثر منه نتيجة قوة وتصميم الثوار».

6 ـ من منظور علم الاجتماع السياسي، يُعتبر الموروث أو القوة الموروثة نمطاً من أنماط الحكم السياسي التقليدي حيث تفرض العائلة الامبريالية (المالكة) حكمها الظالم من خلال منظومة فكرية تصنعها على مذاقها الخاص. وفي المنظومة الوراثية الامبريالية (الاستبدادية) هذه، توضع القوة السياسية بشكل كامل بين يدي الحاكم الدكتاتور وتحت قبضته، بحيث لا تسمح بإقامة أي وجود سياسي متين، له امتيازات خاصة في الساحة السياسية للبلد. إن إمبراطورية إيران كانت من هذا النوع الوراثي. وبخصوص بديل عن هذا النظام، يُقال بأن أحد الطرق أو الوسائل لإيجاد تغييرات في النظام الملكي هو الاستفادة من القوة والفظاظة الثورية .

وفقا لـ برنتون وفيلا «في مسار تحوّل النظام الوراثي، تأخذ الطبقة الوسطى دائماً جانب المعارضة». ويقول هنتنغتون أيضاً: «إن النموذج البديل يفترض وجود معارضين أشدّاء لتغيير ميزان القوة لصالحهم وفرض الغلبة على النظام» ويبدو في هذا المسار بوضوح، أن القيادة الساحرة التقليدية يمكن أن تكون إحدى هذه البدائل. وعلى اعتبار أن أحد ملامحنا الثقافية السياسية هو خلّق الأبطال، فان هذه الخصيصة ينبغي أن تصبح مفهومة وأكثر مقبوليةً.

وفي بداية هذا البحث، أثيرت خمس تساؤلات يبدو أنها تتحدى النظريات القائمة بخصوص الأجوبة المتعلقة بـ (كيف ولماذا) الثورة الإسلامية. ورغم أن الجواب على هذه الأسئلة يمكن استخلاصه من الإيضاحات المارّة الذكر، فإننا هنا، مع مراجعة سريعة تقول:

1 ـ كيف حدثت ثورة دينية في حقبة زمنية، كان الدين فيها وعلى جميع الأصعدة ضعيفاً. إن تأثير القيادة الدينية كان أقوى بكثير من الدين نفسه في مسار انتصار الثورة الإسلامية، وإنْ كان من المستحيل رسْم خط واضح للتمييز بين هذين العنصرين.

وبلحاظ ظهور العوامل المسرّعة ،مثل سياسة كارتر في حقوق الإنسان وفقدان الموقف العملي للولايات المتحدة ، وضعف شخصية الشاه، والجو المنفتح نسبياً الذي ساد بعد فترة قمع، كلها ساعدت على إيجاد ظروف ساهمت في تكريس الزعامة الدينية للإمام الخميني. الجماهير هي الأخرى، معتمدةً وبلا قصد على القيم الدينية الأصيلة والنبيلة، سارت خلف قائدها وأطاعته، وساعدت فيتفتح أزهار الثورة الإسلامية.

2 ـ كيف استطاع الشعب الإيراني الأعزل، الخالي من كل أنواع الأسلحة إلاّ الإيمان باللّه‏ والقبضات الخالية أنْ يقتحم نظاماً مسلّحاً مدعوماً من كافة القوى الأجنبية؟

صحيح أن أبناء الشعب لم يكونوا يملكون سلاحاً ، ولكنهم استُنهضوا بزعامة الإمام الخميني، وراحت قلوبهم تنبض من أجل قيمهم الدينية  فيما لم تُبدِ الولايات المتحدة أي فعل علني أو صريح للوقوف في وجه الثورة. الشاه، هو الآخر وبفقدانه لتوازنه النفسي قام بعدة قرارات خاطئة منها تسرّعه في تبديل رؤساء وزرائه الضعفاء، الأمر الذي منح الشعب اندفاعاً مضافاً لمواجهته مسبّباً بذلك للنظام صعوبات أخرى .

بالطبع، كانت هناك حوادث أخرى ساعدت في تحويل (جزيرة الاستقرار) إلى مركز للثورة الإسلامية.

3 ـ لماذا لم تقم أمريكا، التي شاهدت أن مصالحها في إيران والمنطقة أصبحت في خطر، بأي عمل عسكري لإيقاف انتصار الثورة؟

لقد كانت الولايات المتحدة تأمل إنها ستكون قادرة على التعاطي مع قادة الثورة، وخاصة بزرگان أو حكومة بزرگان المؤقتة. لحدّ ما، إن تردّد الولايات المتحدة يرتبط بفقدان الأمريكان لفهم حقيقي لظروف إيران. إن التقارير التي كانت تُرسل إلى واشنطن من قبل السفارة الأمريكية في طهران، وحتى آخر الأيام، لم تكن تُعِر أي اهتمام باحتمال حصول ثورة. من ناحية أخرى، وعندما أصبحت الانتفاضة واسعة الانتشار، فان سياسات الانقلاب العسكري وأمثالها لم تعُد ذات جدوى.

4 ـ كيف ولماذا اختار الناس طريق الثورة والاستشهاد والتضحية على حساب مصالحهم الماديّة؟

رغم أن الناس (طبعاً ليس دائما) كانوا يعيشون ظروفاً معيشية جيدة نسبياً، إلا أنهم لم يكونوا مقتنعين بالأوضاع السائدة كما أن الفقر والثراء لم يكونا بنفسيهما سبباً في الثورة، ولكن عدم القناعة بالأوضاع المعاشية دفعهم أفراداً وجماعات (كجسد واحد متكامل)على النهوض.

كان الاعتقاد الشائع أن الشاه وعائلته الخاصة يبدّدون ثروة البلد. وإن الرجل كان دمية بيد أمريكا وكانت لديه النيّة على استغلال واستغفال الأمة، وهكذا.

ورغم ان نظام الشاه كان يواجه أزمة اقتصادية نسبية عام 1977 مقارنة بالسنوات السابقة وخاصة سنة 1973 التي ارتفعت فيها أسعار النفط فجأة إلى أربعة أضعاف، إلا إن مما يجب توضيحه، وقبل كل شيء، أن مجرد التضخم والمشاكل الاقتصادية لم تكن هي العوامل الرئيسية المحفزة للثورة.

هذا أولاً، وثانياً، ورغم أن الناس كانوا يعانون بعض المعاناة الاقتصادية، إلا إنهم ما زالوا في وضع اقتصادي ليس سيئاً جداً، أي أنهم لم يكونوا يعانون بشكل حاد للحدّ الذي يدفعهم إلى تغيير الوضع عن طريق الثورة. إنّ من غير المنطقي أن نـزعم بأن الناس ثاروا وضحّوا بدمائهم وحياتهم وتحمّلوا تضحيات جسام عديدة لمجرّد تحقيق مستوى معيشي أفضل أو لمجرّد أن المستقبل الاقتصادي للبلد لم يكن واضحاً لديهم تماماً. وبكلام أكثر دقّة إنّ الناس كانوا يجهلون وضعهم الاقتصادي المستقبلي في تلك الفترة.

5 ـ كيف يمكن تفسير أو تبرير الانكسار في الأعوام المحصورة بين 1963 ـ1977؟

إنها لحقيقة واقعة بأن الثورة الإسلامية في إيران لها جذورها في أحداث 15 خرداد 1342 (6 يونيو 1963) ، ولذلك، فمن الضروري بعض الشيء الإجابة على السؤال المتعلق بفترة الهدوء النسبي في الأعوام المحصورة بين عامي 1963 و 1977.

إن تحقيق حالة الانسجام بين التنمية الاقتصادية (الناقصة والظاهرية) والتقدم الثقافي والسياسي كان بحاجة إلى وقت كافٍ من أجل أن يتكامل لتأسيس الأرضية المناسبة للثورة. نعم، إن متطلبات هذه الظاهرة كانت قد توفرت في بحر السنين المذكورة، ولكن الحاجة إلى إزالة الحواجز وإيجاد العوامل المسرّعة لم يبدأ الإحساس بهما بعد.

وفي عام 1977 كان كلا المطلبين قد وُجدا في وقت واحد وكانا بحاجة إلى تنسيق العلاقة بين التنمية الاقتصادية والسياسية من جهة ، وإزالة العوائق (كالتدخل الأمريكي المفتوح ، أو حضور الجيش القوي الموالي للشاه) من جهة أخرى . إضافة إلى ذلك، أن العناصر المسرّعة (مثل حملة حقوق الإنسان لكارتر وسرطان الشاه) كانا عملا كمحفزين للثورة وعجلا بردّ الفعل . وأخيراً يمكن القول إن القيادة الدينية للإمام الخميني برزت كأهم عنصر من عناصر انتصار الثورة وإنها وجهت اللطمة الأخيرة أو الضربة القاضية للجسد نصف الميت للملكية وبالأخرى للنظام الملكي المشلول.