تمرّ هذه الأيام أربعة أعوام على الرحيل المفجع للقائد العظيم للثورة الإسلامية في إيران، القائد الذي أصبح عالم اليوم سقيم بفقده، سلّم الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) نفسه الزكية المباركة إلى بارئه مسرعاً نحو معبوده (النور المعشوق) بعد أن سطع في سماء الإسلام، وبعد أن كافح الظلم بضياء نوره، وأزال الغبار المتراكم عن جسد العالم السقيم وقطّع أوصال الشعوبية والقومية والثقافة المنحرفة التي التفّت حول الشعوب المسلمة لتفصلها بعضها عن بعض لتمنعهم من الوحدة والتآخي.

كان الإمام الخميني(قده) شيخاً مجاهداً، وبحركته كالأنبياء أحيى الجهاد الإسلامي المقدّس ضدّ القهر والظلم والاستبداد والعنصرية ومحاربة الدين. علّم الشعوب المتعطّشة للعدل والحقّ أنّ الإنسان حرّ ويجب أن يعيش حرّاً، وعلّمهم الثورة على الظلم والجور والفساد.

لقد كان الإمام (رضوان الله عليه) هدية من أعظم هدايا الله التي أودعها لدى مليار مسلم في أهمّ وأحرج فترة في تاريخ الإسلام؛ لكي يزيلوا الغشاوة والضلال عن أعينهم ويروا حقائق العالم بشكل جلي ويمنحوا لأعمالهم اتجاه الطيب والخبث تجسيداً منطقياً.

إنّ التاريخ لم يعرف ـ باستثناء الزعماء الإلهيين ـ حبّاً كهذا الحب والإيثار، وفي أيّ عصر حتّى في عالم الشعر والخيال لم يتمكّن أيّ شاعر أن يصوّر الحب بين القائد وأتباعه الحقيقيين، وما استطاع أي رسام حتّى عصرنا الحاضر أن يرسم أو يصوّر نظيراً للّوحة التي صنعها شعب إيران في ساحات الصبر والحماس والجهاد بطاعتهم للقائد، وأنّ يد القدرة فقط قادرة على رسم مثل هذه المناظر، مناظر الإيمان بالله والإنسانية والثورة على الكفر والإلحاد والاستكبار، مناظر رجوع الإنسان إلى فطرته الإلهية في ظلّ التعاليم الإسلامية. هذه خصائص النهضة الخمينية المحطمة للكفر والتي تسمّى في بلدان العالم (الثورة الإسلامية).

واليوم وقد أدركت كثير من الشعوب بأنّ التحرّر من الجور والظلم والاستعمار وأنّ السعادة هي بالسير على هذا النهج حيث كان الإمام(قده) هو المخطّط والقائد والهادي للثورة المباركة المنقذة للبشرية من قيود الذل والهوان. والثورة التي نضجت في إيران وملأ نورها بلاد المسلمين كانت السبب لظهور وتنامي الصحوة الإسلامية العالمية، وكانت حقّاً ثورة النور، وعندما انتصرت كانت النافذة الوحيدة في كلّ العالم التي فُتحت أمام النور الإلهي. والآن وبعد مرور 14 عاماً على انتصارها المبارك، نجد أنّ شجرة الثورة قد أثمرت في كافّة أرجاء العالم وفُتحت نوافذ نور جديدة للإسلام المحمدي الأصيل أمام الشعوب الإسلامية من أقصى آسيا إلى غابات أفريقيا وحتّى قلب اُوروبا وأمريكا.

إنّ أعظم درس نستفيده اليوم من الثورة وتأثيراتها العالمية هو هذه النهضة والصحوة وهذا الإحياء الجديد للعقيدة والمبادئ في عالم سقيم فارغ من القيم الروحية والأخلاقية. وقد شاهد العالم أجمع فشل الحضارات المادّية الضيقة، ورأى انهزام الشيوعية كأيديولوجية من صنع بشري، كما شاهد تنامي الأفكار الدينية الضاربة في الأعماق في إطار الإصلاحات السياسية والاجتماعية على شكل تيار عظيم من الأحاسيس المعنوية والروحية للمجتمعات البشرية، التيار الذي يعدّ أعظم آمال الإمام الخميني(قده) وأقوى وأهمّ أهداف الثورة الإسلامية، إنّ النزعة الدينية المتأصّلة في النفس البشرية كلّما هوجمت وضُربت ازدادت قوّة، هذه الحقيقة ذات صدى ومنزلة خاصّة لدى الأتباع الحقيقيين للإسلام المحمدي الأصيل، وإنّ هذه حقيقة قد أثبتتها الأحداث الأخيرة في مصر وفلسطين وفي العراق ولبنان وتركيا والجمهوريات الإسلامية في (الاتحاد السوفيتي سابقاً).

إنّ الرغبة المتنامية للمسلمين الموالين للثورة الإسلامية وقيمها الراقية لها من العظمة إذ لم يتمكّن أحد من مواجهتها، وإنّ الدول التي حاولت مواجهة الإسلام بانتشاره السريع لم يتركوا أيّ وسيلة أو جهد إلاّ سلكوه، وراحت جهودهم عبثاً لأنّهم لم يدركوا عزّة وعظمة وتحدّي الإسلام.

اليوم يعتبر أتباع الإسلام الحقيقي الثورة الإسلامية بقيادة حامل راية الجهاد ضدّ الشيوعية والرأسمالية المليئة بالظلم والفسق والفجور اُسوة حسنة ونموذجاً لحياتهم الاجتماعية والسياسية، ويعتبرون الانحراف عن نهج الإمام انحرافاً عن الإسلام المحمدي الأصيل؛ لأنّهم وجدوا شخصيتهم وذواتهم في ظلّ الثورة الإسلامية، كما يعتبرون الاعتداء عليها اعتداءاً على مليار مسلم ولن يألوا جهداً وبإلهام من الثورة الإسلامية من أجل هزيمة من أراد السوء بهم وتحالف ضدّهم.

إنّ التديّن والأخلاق الفاضلة والأهمّ منها حركة انتشار الإسلام المتنامية في العالم تُعدُّ الأهداف الأساسية للثورة ومن آمال قائدها الرباني الفذ.

إنّ الحملة الشيوعية على الدين والتي استمرت (70) سنة ورغماً عن وحشيتها وبطشها لم تتمكن من إنهاء المعتقدات الدينية، وبعد 70 سنة من الإعلام الإلحادي ارتفع صوت الأذان الصلب من مآذن المساجد وحتّى من الإذاعات في الجمهوريات الإسلامية وأنارت الشموع الكنائس المغبّرة المتروكة في اوروبا الشرقية واستقبلت المعابد الآلاف من جديد.

إنّ ما حدث من عودة للدين في المعسكر الشرقي يجب أن يكون كذلك نذيراً للغرب، فأحداث فرنسا وفشلها الذريع في محاربة ظاهرة الحجاب عند عدد قليل من الفتيات، بيّن للغرب المنحط أنّ طريق المواجهة مع الإسلام في البلدان الإسلامية في مصر والجزائر وتركيا وغيرها أنّ المسلمين يعتبرون الدفاع عن هويتهم الإسلامية أمراً بديهياً كدفاعهم عن أنفسهم، كما عليهم أن يدركوا من خلال تنامي الصحوة الإسلامية أنّ الجهاد الإسلامي مبشر لانتصار المسلمين في مواجهة الوجوه المتنوّعة للكفر والنفاق على الساحة العالمية.

وعليه يجب أن تكون هذه النهضة وهذا الوعي بداية فصل جديد للتاريخ، التاريخ الذي بناه الإمام الخميني(قده) قلب العالم النابض، إنّه حقّاً الذي أعاد الإسلام المحمدي الأصيل إلى الحياة بعد أن قُيّد بالسلاسل ووضع في صناديق مغلقة في المساجد، إنّ الإمام (رضوان الله عليه) وبعد أن أوجد هذا التحوّل العجيب في حياة المسلمين وتطلّعاتهم أيقظهم من سباتهم الشتوي الطويل وجعلهم ينظرون للحياة من خلال المبادئ الإلهية.

لنقتبس من فيض نور الإمام: «يجب علينا أن لا نترك النهج المعنوي الذي ثرنا لأجله، النهج المعنوي الذي لفت أنظار العالم إلى ثورتنا، انتبهوا إنّه أينما عارضنا الظالمون والمتسلّطون فإنّ الشعوب معنا ويجب أن نجعل الشعب وتفكيره هو الأساس ويجب أن نهتمّ بالشعب لا بالسلطة لأنّ الناس والشعب هم أصحاب الحق».

إنّ الإمام كمرجع ديني وعى أحداث العصر، منح الإسلام روحاً جديدة وحثّ المسلمين أينما كانوا وبأيّ لغة يتكلّمون ورغماً عن الحدود الجغرافية المصطنعة إلى العودة إلى أصالتهم الإسلامية وحطّم بشعار (لا شرقية لا غربية جمهورية إسلامية) جميع الاعتداءات الاستكبارية الشرقية منها والغربية وصمد بقوّة أمامهم، كما أنّ عُشّاق الإمام الذين يتأجّج في قلوبهم حبّ الإمام(قده) سيتحول عشقهم هذا وبتوجيه دقيق ومدروس إلى نار تحرق جذور الاستكبار وأعداء الإنسانية في جميع أنحاء العالم وليهيئوا الأرضية لتحقيق الوعد الإلهي الحق بإقامة حكومة العدل الإلهي.

واليوم إذ نحيي الذكرى الرابعة للرحيل المفجع للإمام (رضوان الله عليه) مثال الخلق والزهد والفضيلة والتقوى من المفروض بنا أن ندرك العزّة التي منحتنا الثورة وقيادتها الفذّة، الثورة التي كان الإمام (رحمه الله) صانعها وقائدها والتي لم يكن له هدف سوى مكافحة التسلّط في العالم وإعادة الشعوب إلى طبيعتها الإنسانية وفطرتها الإلهية، وأنّ هذه الثورة بمبادئها التي لم تسلم يوماً منذ انتصارها من دسائس الأعداء، لكن الثورة بخصائصها الإلهية وآمالها العالمية وبمواجهتها الصلبة لمكائد الأعداء أكملت عالميتها وزُرع حبّ الثورة وبشكل جذّاب في قلوب الشعوب العطشى للحقّ والعدالة وحُطّمت كلّ آمال المستكبرين.

واليوم وكلّما ابتعدنا يوماً عن فجر انتصار الثورة الإسلامية بإمكاننا أن نرى فجر صبح جديد في زاوية ما من زوايا العالم.