الدور المهم الذي يلعبه الإسلام في نظريات وأساليب الإدارة العلمية هو من خلال تأثير القيم الإسلامية على الإدارة، لهذا فإن المقارنة بين مديرين أحدهما ملتزم بالقيم الأخلاقية تمكننا من معرفة محتوى الإدارة الإسلامية.

في زماننا المعاصر لا تقوم أي من الإدارات في العالم على القيم الإسلامية، ولكن من البديهي أن نجد البعض يعتقد بالديانات الإسلامية أو المسيحية ويظهر في سلوكه القيم الدينية إلا أن هذا العمل لا يعني شيئاً سوى الرغبة الشخصية والذوقية فقط.

نحن نعتقد أن الإسلام يملك نظاماً قيماً وعميقاً وواسعاً ومنسجماً وتقع تحت تأثيره إدارة مدراء المسلمين، ويؤثر على الأساليب العملية لهم ويوجه حركتهم، ويعتبر هذا من أهم الأدوار التي يلعبها الإسلام في الإدارة وهو المعنى الصحيح لها أيضاً.

ويمكن تكرار نفس القول السابق في (الاقتصاد الإسلامي)، لا ينكر أي شخص تسلط العلم الميكانيكي على السوق، ولكن المقصود هو أن الدين الإسلامي يشتمل على قيم خاصة تؤثر على جميع الأبعاد الاقتصادية للمسلمين من قبيل: الكمية، الكيفية، الإنتاج، نوع البضاعة، هدف الإنتاج، القيمة، المنافسة والبيع.

ولا يعني هذا القول وجود تفاوت أساسي في النظام العلمي للاقتصاد بين الأسواق الإسلامية وغير الإسلامية.

الفروع المختلفة للإدارة في مجالات: التجارة، الصناعة، الزراعة وحتى إدارة الدولة لها علاقة بنوع من أنواع المسائل الاقتصادية، وان جميع القيم المؤثرة تقريباً على الاقتصاد يمكنها أن تؤثر على الإدارة أيضاً.

إن القصد من طرح بحث القيم الإسلامية في الإدارة هو لمعرفة كيفية تأثير تبلك القيم على الإدارة، يعني بدلاً من أن نبدي رأياً حول أساليب العمل المستعملة وطرح المشاكل الفعلية وعرض أراء لحلها، نبحث جذرياً الأسس المؤثرة في هذه التغييرات والتي ستكون عاقبة الاهتمام بها في العمل حل لكثير من المشاكل الاجتماعية. والحقيقة أن هذا الأسلوب في البحث هو لتوجيه الإدارة وتبيان أسبابها وأهدافها ومعاييرها.

المقارنة بين إدارتين (فقهية) و(علمية) حسب رأي المثقفين أمر غير معقول. المقصود من الإدارة العلمية هو النظريات الإدارية التي تستوحى من الغرب ولا تقوم على القيم الإلهية أو قد تكون ناشئة أيضاً من البعض الذي يعتقد بفصل الدين عن الحياة أو (سكولاريسم) وخير نموذج لذلك هو فصل الدين عن السياسية.

وحسب هذه العقيدة، حتى إن كان الإسلام ديناً صحيحاً فهو لا يتعدى رابطة الإنسان مع ربه ومكانه الكنيسة، والمعبد أو المسجد ولا يتدخل في حياة الناس في الميدان الاجتماعي، والسوق، والوزارات والدوائر. وإن تكلم حول الإدارة فإن خطابه لا يتجاوز حدود حل المشاكل المؤقتة والمعاصرة فقط.

أي أن المجتمع الجاهلي كان بربرياً متوحشاً لا يحكمه القانون كما في مجتمعاتنا المتمدنة حالياً فوضع له حكماً قرآنياً: (النفس بالنفس)[1] وذلك للوقوف أمام الصراعات لقبائل العصر الجاهلي.

وهكذا بالنسبة للمشاكل الباقية والتي كانت سائدة آنذلك، في حين أننا لا نرى أثراً اليوم للخشونة من قبيل (الجلد والتعزير والحد، والسجن والإعدام)، بالإضافة إلى ما سبق لم يدعي الإسلام وجوب إجراء الأحكام على طول العصر وفي جميع الشعوب!! ولهذا يجب على مفكري المجتمع وضع قوانين تنسجم مع احتياجات العصر.

على أي حال إن تجاوزنا جميع ذلك سوف يتضح لنا هذا المفهوم وهو أن الإسلام هو نفس ما جاء في القرآن، والقرآن هو نفسه الذي نزل في عصر البعثة وأننا نملك استعداد الفهم الصحيح للقرآن وليس الفهم النسبي والذوقي، ويصل الأمر إلى سماع الأمر الإلهي وتطبيقه عملياً ومن ثم نسأل عما قاله القرآن في (باب) الإدارة؟ وبالتأكيد سيكون الجواب، كما ذكرنا أولاً: وضع الإسلام قوانيناً وتدخل في جميع شؤون حياة الإنسان من جملتها الإدارة الكلية أو الجزئية، وقيادة المجتمع والروابط بين الملل، وقد لعب دوراً مهماً بعنوانه كدين محكم مؤثر عن طريق نظامه الأخلاقي القيم.

وهنا يمتد البحث إلى هذا (النظام القيم) ومعاييره ومبانيه وهنا تطرح أسئلة متعددة من قبيل: ما هي تلك القيم؟ وهل أن هذه القيم التي اكتشفها الإسلام تعبدية أو واقعية أم ذوقية واتفاقية أم أنها ذات قواعد عقلية ثابتة؟

 

آية الشيخ محمد تقي المصباح اليزدي – بتصرّف يسير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  المائدة: 45.

 

 

المصدر: شبكة المعارف الإسلامية