في صدر الإسلام وبعد رحلة النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) باني أسس العدالة والحرية، أوشك الإسلام أن ينمحي ويتلاشى؛ بسبب انحرافات بني أمية، وكاد يُسحق تحت أقدام الظالمين ويبتلع من قبل الجبابرة، فَهَبَّ سيد الشهداء (عليه السلام) لتفجير نهضة عاشوراء العظيمة.

 

علل وأسباب نهضة عاشوراء:

لقد أوشكت حكومة يزيد وجلاوزته الجائرة أن تمحو الإسلام، وتُضيّع جهود النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) المضنية وجهود مسلمي صدر الإسلام ودماء الشهداء، وتُلقي بها في زاوية النسيان، وتعمل ما من شأنه أن يُضيّع كل ذلك سُدىً.إنّ الخطر الذي كان يمثلّه معاوية ويزيد ضد الإسلام لم ينحصر في كونهما غاصبين للخلافة، فهو أهون من الخطر الأكبر الآخر، وهو أنهما حاولا جعل الإسلام سلطنة وملكية، وأرادا أن يُحَوّلا الأمور المعنوية إلى طاغوت، ومحاولتهما قلب حقيقة الإسلام إلى نظام طاغوتي بالإستفادة من موقعهما بذريعة أنهما خلفاء رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)

لقد تحرك سيد الشهداء (عليه السلام) مع عدد قليل من الأنصار وثار بوجه يزيد، الذي كان حاكماً متجبّراً يرأس حكومة غاشمة جائرة، ويتظاهر بالإسلام ويستغل قرابته وصلته العائلية بالإمام (عليه السلام)، وكان يهيمن على مقدرات بلدٍ دون حق.

لذا فإنّ الإمام الحسين(عليه السلام) ثار بوجهه مع قلة الأنصار؛ لأنه رأى أنّ واجبه وتكليفه يقتضي ذلك، وعليه أن يستنكر ما يحدث، وأن ينهى عن المنكر.

لَما أراد الحسين (عليه السلام) أن يثور خطب في الناس خطبة أوضح فيها أسباب الثورة، فقال: (أيها الناس إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهده مخالفاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله).

والآن لننظر ماذا فعل يزيد ليثور ضده سيد الشهداء(عليه السلام)، ويصفه بما وصفه، وسلك ذلك النهج، فالموضوع الذي تكلم به الإمام سيد الشهداء(عليه السلام) يخص الجميع، فهو يقول: (من رأى) يعني كل من رأى وعاصر سلطاناً جائراً يتصف بتلك الصفات وبقي ساكتاً أمامه لا يعارضه بقول ولا فعل فإنّ مصيره ومآله هو نفس مصير ومآل ذلك السلطان الجائر.

 

أهداف نهضة عاشوراء:

لقد بعث الأنبياء لإصلاح المجتمع، وكلهم كانوا يؤكدون أنه ينبغي التضحية بالفرد من أجل المجتمع مهما كان الفرد عظيماً ، وحتى لو كان الفرد أعظم من في الأرض ، فإذا اقتضت مصلحة المجتمع التضحية بهذا الفرد فعليه أن يضحّي.

وعلى هذا الأساس نهض سيد الشهداء(عليه السلام) وضحى بنفسه وأصحابه وأنصاره، فالفرد يُفدى في سبيل المتجمع ، فإذا اقتضت مصلحة المجتمع وتوقف إصلاحه على التضحية وجبت؛ لأنّ العدالة ينبغي أن تحقق بين الناس [لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ].

لقد أعلن سيد الشهداء (عليه السلام) بصراحة: أن هدفه من قيامه هو إقامة العدل، فالمعروف لا يُعمل به والمنكر لا يُتناهى عنه، لذا فهو يريد إقامة المعروف ومحو المنكر، فجميع الإنحرافات منشؤها المنكر، وما عدا خط التوحيد المستقيم فكل ما في العالم منكرات ويجب أن تزول.

لقد رأى سيد الشهداء (عليه السلام) أنّ تكليفه يقتضي أن يقاوم تلك السلطة، ويُقتل؛ لكي يُغيّر الأوضاع السائدة آنذاك؛ ولكي يفضح تلك السلطة من خلال تضحيته وتضحيات أنصاره الذين كانوا معه.

لقد رأى أنّ حكومة جائرة قد هيمنت على مقدرات الدولة، وأنّ التكليف الإلهي يقتضي منه أن ينهض ويتحرك ويرفع لواء المعارضة والاستنكار مهما كلفه ذلك ، ومع أنه كان يعلم وطبقاً للقواعد المتعارفة بأنّ مثل هذا العدد القليل لا يمكنه مواجهة ذلك الجيش الجرّار ، إلا أنّ التكليف كان يقتضي القيام بتلك النهضة.

لقد قُتل سيد الشهداء (عليه السلام)، ولم يكن طامعاً في الثواب فهو لم يُعر هذا الأمر اهتماماً كثيراً، لقد كانت نهضته لإنقاذ الدين ولإحياء الإسلام ودفع عجلته إلى الأمام).

 

آثار ونتائج نهضة أبي عبد الله(عليه السلام) :

لو لم تكن عاشوراء ولولا تضحيات آل الرسول لتمكن طواغيت ذلك العصر من تضييع آثار النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) وجهوده الشاقة.

ولولا عاشوراء لسيطر المنطق الجاهلي لأمثال أبي سفيان ـ الذين أرادوا القضاء على الوحي والكتاب.

فقد هدف يزيد ـ حثالة عصر الوثنية والجاهلية المظلم ـ إلى استئصال جذور الحكومة الإلهية؛ ظناً منه أنه يستطيع بواسطة تعريض أبناء الوحي للقتل والشهادة أن يضرب أساس الإسلام، فقد كان يعلن بصراحة: (لا خبرٌ جاء ولا وحي نزل) ولا ندري لو لم تكن عاشوراء ما الذي كان حصل للقرآن الكريم والإسلام، ولكن إرادة الله تبارك وتعالى شاءت وما تزال، أن يُخلّد الإسلام المنقذ للشعوب والقرآن الهادي لها، وأن تحييه دماء الشهداء من أمثال أبناء الوحي وتصونه من أذى الدهر.

لقد أثمرت شهادة سيد المظلومين وأتباع القرآن وعاشوراء خلود الإسلام ، وكتبت الحياة الأبدية للقرآن الكريم.لقد حفر أتباع يزيد في يوم عاشوراء قبورهم بأيديهم الآثمة ، وتسببوا بهلاك أنفسهم، ومحق نظام حكمهم الظالم المتعسف.

لقد فجّر سيد الشهداء (عليه السلام) نهضة عاشوراء العظيمة، فأنقذ من خلال تضحيته بدمه ودماء أعزته إسلام العدالة ، وقوض أركان حكم بني أمية.

إنّ شهادة سيد الشهداء (عليه السلام) أحيت الدين، لقد استشهد هو وأحيا الإسلام ودفن النظام الطاغوتي لمعاوية وابنه يزيد، فشهادة سيد الشهداء (عليه السلام) لم تكن شيئاً مضراً بالإسلام، وإنما لمصلحة الإسلام فهي التي أحيته.

لقد تعرض الإمام الحسين (عليه السلام) للهزيمة العسكرية، إلا أنّ النصر النهائي كان من نصيبه، فخطه ونهجه لم يُهزما بمقتله، بل إنّ عدوه هو الذي ذاق الهزيمة، وكان نصيبه الفناء، فقد كان معاوية يريد أن يُحّول حكومة الإسلام إلى حكومة إمبراطورية ملكية، ويعيد الأمور إلى ما كانت عليه في عصر الجاهلية، فنهض الإمام سيد الشهداء (عليه السلام) وأفشل مساعيه، ودُفن يزيد وأتباعه وظلت لعائن الناس تلاحقهم إلى الأبد، كما انصبت عليهم اللعنة الإلهية.

 

نهضة عاشوراء قدوة الأحرار :

 

(كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء):

(لقد عَلّم سيد الشهداء (عليه السلام) الجميع ماذا ينبغي عليهـم عمله في مقابل الظلم والحكومـــات الجائرة، فرغم أنه كان يعلم منذ البداية بأن عليه أن يضحّي في طريقه الذي سلكه بجميع أنصاره وأهل بيته من أجل الإسلام، إلا أنه كان يعرف عاقبة ذلك أيضاً.

علاوة على ذلك، فقد عَلّم الجميع على مرّ التأريخ أنّ هذا هو الطريق الصائب، علمهم أن لا يخشوا قلة العدد.

فالعدد ليس هو الأساس في تحقيق التقدم إلى الأمام، الأصل والمهم هو النوعية، والمهم هو كيفية التصدي للأعداء والنضال ضدهم ومقاومتهم؛ فهذا هو الموصل إلى الهدف.

من الممكن أن يكون عدد الأفراد كبيراً إلا أنهم قد يكونون خاوين، أو ليسوا بالمستوى المطلوب.

ومن الممكن أن يكون عددهم قليلاً إلا أنهم أقوياء أشداء وشامخو الهامات.

لقد عَلّمنا إمام المسلمين أنه عندما يحكم المسلمين طاغوت جائر فعلى المسلمين وعلينا أن ننهض بوجهه، حتى لو كانت قوانا لا تتناسب مع القوى التي يملكها، علينا أن نقوم ونستنكر، عَلّمنا أن نضحّي ونسترخص دماءنا إذا رأينا كيان الإسلام عرضة للخطر.

لقد عَلّمنا سيد الشهداء (عليه السلام) بنهضته ما ينبغي لنا عمله في ساحة الحرب وخلفها، وماذا يجب أن يعمله أولئك الذين يخوضون غمار الكفاح المسلح، وما هي واجبات المبلغين خلف جبهات القتال وكيف يؤدون ذلك.

إنّ مقولة (كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء) مقولة عظيمة؛ لكنها تُفهم فهماً مغلوطاً، فالبعض يتصور أنها تعني أننا ينبغي أن نبكي كل يوم، لكن محتواها هو غير هذا.

لو نظرنا ما هو دور كربلاء في يوم عاشوراء، حينذاك ندرك أن على كل أرض أن تكون كذلك، فتمارس دور كربلاء الذي يتلخص في أنها كانت ميداناً خاض فيه سيد الشهداء (عليه السلام) غمار الحرب ومعه ثلة قليلة من الأنصار، فصمدوا وقاوموا ظلم يزيد وتصدوا للحكم الجائر لذلك العصر وضحوا وقتلوا، رفضوا الظلم وهزموا يزيد ودحروه.

 

فلسفة العزاء والمواكب الحسينية:

لا يخفى بأنّ تعاليم الأئمة عليهم السلام تؤكد على أهمية وتعظيم هذه الملحمة التاريخية الإسلامية، كما أنّ صبّ اللعن على ظالمي أهل البيت عليهم السلام يمثل توجيهاً لهتافات البيت عليهم السلام يمثل توجيهاً لهتافات الشعوب الغاضبة لتُصَبّ على الطواغيــت والظلمة على مــرّ التاريخ، والى الأبد.

ولا يخفى بأنّ صبّ اللعنات، وإطلاق الصرخات المستنكرة لظلم وجور بني أمية (لعنهم الله) رغم أنهم انقرضوا وانتهوا إلى جهنم، تُعدّ صرخة ضد الظلمة والطواغيت الحاكمين في العالم، وأن إحياء هذه الصيحة الهادرة من شأنه تحطيم الظلم ومحق الظالمين.

لا تظنوا أنّ هدف هذه المآتم والمواكب الحسينية يقف عند حدّ البكاء على سيد الشهداء(عليه السلام)، فلا سيد الشهداء بحاجة إلى هذا البكاء، ولا هذا البكاء ينتج شيئاً في نفسه.

إنما المهم هو أنّ هذه المجالس تجمع الناس وتوجههم إلى وجهة واحدة، ففي أيام محرم وصفر وخصوصاً في أيام عاشوراء نرى كيف يتوجه ملايين الناس باتجاه واحد.

فالقضية ليست قضية بكاء أو تباكي فحسب، إنما هي قضية سياسية، فأئمتنا عليهم السلام يريدون ومن خلال بصيرتهم وعمق رؤيتهم أن يُوحّدوا صفوف الشعب، ويعبئوه بالطرق المختلفة؛ كي يصان من الأذى.

فالمهم إذاً في كل هذه الأمور إنما هو البعد السياسي لهذه المجالس، وهذا التوجّه إلى الله، وتمركز أنظار الناس إلى نقطة واحدة وهدف واحد، وهذا هو الذي يعبئ الشعب باتجاه هدف وغاية إسلامية معينة، فمجلس العزاء لا يهدف إلى إكثار البكاء على سيد الشهداء للحصول على الأجر، بَيْدَ أنّ هذا حاصل وقائم، ولكن الأهم من ذلك هو البعد السياسي للأمر، وهو ما خطط له أئمتنا عليهم السلام في صدر الإسلام؛ كي يدوم حتى النهاية، وهو الاجتماع تحت لواء واحد وبفكر واحد، ولا يمكن لأي شيء آخر أن يحقق ذلك بالقدر الذي يفعله عزاء سيد الشهداء (عليه السلام).

 

المراسم العاشورائية ودورها في إحياء معالم الدين:

إنّ المجالس الحسينية وما فيها من خطابة تحفظ مدرسة سيد الشهداء (عليه السلام) ومنهجه، والذين يقولون دعوها، لا يفهمون أصلاً ما هو منهج الحسين (عليه السلام)، ولا يدركون أنّ هذه المجالس وهذا البكاء قد حفظ الإسلام منذ ألف وأربعمائة سنة.

نعم، إنّ هذه المنابر ومجالس العزاء ومواكب اللطم هي التي حفظت لنا الإسلام.

 

دور العزاء الحسيني في حفظ البلاد:

أحيوا عاشوراء فبإحيائها يُصان بلدكم من كل سوء.

هذه الوحدة ـ وحدة الكلمة ـ هي التي كانت أساس انتصارنا ، ومصدرها هو مجالس العزاء هذه ومجالس التبليغ والترويج للإسلام.

لقد أعدّ سيد الشهداء (عليه السلام) لشعبنا وسيلة يجتمع فيها أبناؤه بسهولة ودون عناء.

عليكم أن لا تنخدعوا بمزاعم وحِيَل الشياطين، الذين يريدون أن يجردوكم من هذا السلاح، ليحذر شبابنا من الإنخداع بذلك، فهذه الشعائر الحسينية هي التي حفظتنا وصانت بلدنا.

لا تدعوا التظاهرات والمسيرات تَحُلّ محل مواكب العزاء والمآتم، لا تسمحوا لهم أن يسلبوكم العزاء الحسيني، أقيموا المواكب الحسينية، ثم سيروا في تظاهرات حسينية واعقدوا التجمعات للمآتم.