الشهيد الصدر، صاحب مشروع ورؤية للفكر الإسلامي منذ بدايته حتى المرحلة المعاصرة والراهنة، وهو من أتباع منهج القراءة العقلية الفكرية والفلسفية للتراث..

 

بقلم: نبيل علي صالح

 يعتبر الشهيد السيد محمد باقر الصدر.. أحد أبرز المراجع والمفكرين المجددين في تاريخ الفكر الإسلامي المعاصر. وإيماناً منا بأهمية الدور المحوري الذي مارسه وقام به هذا الرجل بمسؤولية رسالية متميزة ومتوازنة على مستوى تجذير الفهم الحضاري للإسلام في ذهنية الأمة، والذود عنه في مواجهة الطروحات الفكرية والأيديولوجية المقابلة للدين الإسلامي ـ والتي شكلت في وقت من الأوقات تحدياً حقيقياً له ـ ومحاولة تقديم هذا الدين كمنطلق إنساني قادر على قيادة مركب الحياة البشرية إلى شاطئ وبر الأمان..

انطلاقاً من ذلك كله، لا بد من الوقوف المتأني والمتابعة الدقيقة المستمرة للكثير من الآراء والأفكار والنتاجات العملية للسيد الصدر التي خدم من خلالها عالم الإسلام والمسلمين.. ولعل الذكرى السنوية لاستشهاده وتضحيته الكبيرة هي من أهم المنابر التي يمكن الحديث عبرها ومن خلالها بهذا الشأن أو ذاك من فكر وسيرة وحياة هذا العالم الفريد.

وعندما يراد للمثقف أن يتحدث عن شخصية مميزة ورائدة في عالم الفكر والوعي الحضاري الإنساني في حجم شخصية السيد الصدر ـ ويبحث في مزاياها ومواهبها وفكرها ورسالتها ودورها العملي في الحياة ـ لا بدله ـ بدايةً ـ من أن ينطلق قارئاً ومراجعاً وناقداً لآثار تلك الشخصية، ومختلف نتاجاتها الفكرية والعملية الإبداعية من أجل أن يكون لخطابه النقدي عنها قيمة إيجابية في ساحة الثقافة والمسؤولية الفكرية والإنسانية، بحيث يمكن الاستفادة منها على أكثر من مستوى وموقع إسلامي وإنساني..

وحديثنا هنا يتحرك في السياق ذاته الذي نريد من خلاله الحديث عن هذا الفكر والتراث الإسلامي المنفتح والرسالي الإنساني كما درسه ودرّسه، ومثّله حق تمثيل، ووعاه ـ عقل رعاية لا عقل رواية ـ السيد الصدر الذي كان يمثل ـ في فكره وحركته ونشاطه وجهاده ـ الإسلام كله في الفكر والعاطفة والمسؤولية الرسالية الإنسانية، منذ أن انطلق ـ في بداية تفتح وعيه وذهنيته في الحياة ـ باحثاً عن مواقع حضارية متقدمة للإسلام الحركي الأصيل في عمق الواقع الإنساني، على طريق بناء أسس وقواعد ومسارات عملية جديدة له، باعتباره قاعدة للفكر والممارسة في الحياة.

ولعل من المفيد أن نشير إلى أن كيل المديح وتركيز الأحاديث الإيجابية عن السيد الصدر ـ وبالتالي الإخلاص لخطه ومنهجيته الروحية والفكرية ـ لا ينبغي أن يحجب عن المثقفين والمفكرين أمراً أساسياً وهو أن يركزوا أدواتهم النقدية المعرفية في مجمل نتاجاته وآثاره الفكرية، وأن يحاولوا ـ من جديد ـ إنتاج العمق الفكري والاجتماعي والسياسي له عبر استكمال بناء عناصر ومعطيات المشروع الحضاري الإسلامي ـ الذي كان الصدر من أبرز منظريه ـ في ظروفنا المعقدة الراهنة التي يعاني فيها الإسلام الرسالي ضغوطاً داخلية وخارجية قاسية في مختلف المجالات الثقافية والسياسية والأمنية والاقتصادية.

وبهذا المعنى نستطيع أن نعمل مع الشهيد الصدر ـ في فكره واجتهاداته المتنوعة ـ لنبني الحياة الإنسانية الواعية والمنفتحة، ليس من موقع الوقوف على أطلاله والتباكي على مرحلته، والاكتفاء بإقامة المؤتمرات الفكرية والندوات الثقافية الصادحة والمنادية بحياته وأفكاره الثرة، وإصدار البيانات المنمقة، وإطلاق الشعارات الحماسية التي تمجد الشخص وتعظمه لكنها ـ في الوقت نفسه ـ تغيب منهجه ورسالته عن ساحة الحياة، ولكن من موقع متابعة نظرياته وآرائه وطروحاته ومشاريعه الفكرية الرسالية في أن ينطلق خطه(رض) بقوة في مجتمعاتنا المتخلفة التي لم تعِ ـ في مواقع كثيرة منها ـ المعنى الحقيقي العميق للإسلام، في أن نبدع أشياء جديدة، ونجدد معارف سابقة، وأن يكون الإسلام ـ الذي تؤمن به وتتبعه وتسير على نهجه هذه الأمة، وتدعو الآخرين إليه ـ إسلام الفكر والوعي والانفتاح، إسلام الحياة المتجددة المنفتحة على الله من خلال عمق انفتاحها على تمثلات الروح المطلقة في معنى الإنسان والحياة والوجود.

وبهذا لا تعود دراسة قيم وأفكار الصدر مجرد اجترار للتاريخ الماضي بمقدار ما تكون لحظة تأمل معرفي فيما وصلنا إليه في الحال الراهن، وكيف عملنا على تطبيق بعض إبداعات الصدر في مواقعنا الإسلامية هنا وهناك.. إنها أيضاً محاولة عملية لتفحص أسباب فشلنا الحضاري وأزمة وجودنا المقيمة منذ عقود وعقود والتي تتمثل في ضعف ـ إلى درجة غياب ـ الإرادة والقدرة العملية عندنا على تفعيل طاقاتنا وذخائرنا الهائلة التي نمتلكها في ساحة الحياة والتأثير الإنساني. إذ هل يعقل أن يعيش العرب والمسلمون على فتات العالم وهم يجلسون على ثروات هائلة في باطن الأرض وفي خارجها.. إنها الإرادة العاجزة والإدارة الفاقدة للحرية والمسؤولية والمرتهنة لهذا المحور أو ذاك..

وكثيرة هي تلك الكتب والنظريات والإجابات الفكرية التي بحث وأشار أصحابها ومنتجوها ـ كلٌ بحسب موقعه وانتمائه الفكري ـ إلى جذر العطالة وأصل الداء الذي يقف حائلاً أمام تطور أمتنا ومجتمعاتنا التي باتت تعيش حالياً على هامش الأمم والحضارات الأخرى في السياسة والاقتصاد والعلوم والتقنيات..

فالبعض يعتبر أن الأزمة تتجلى في عدم إعادة الاعتبار لمكانة الإسلام من حيث كونه روح الأمة ومرجعيتها الفكرية والسياسية، والبعض الآخر لا يزال يصر على تغييب دور الدين عن ساحة الحياة محاولاً حصره في الجانب الذاتي من خلال إعادته إلى ممارسة دور وعظي إيماني ليمثل علاقة شخصية فردية بين الفرد وربه. وآخرون يعترفون بأهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه الدين في الحياة من حيث كونه وعاء حضارياً للأمة ومرجعية روحية قيمية لها، ولكن من دون أن يستغرق في السياسة ويتلوث بأوحالها وأساليبها الماكرة البعيدة عن الأخلاق والقيم الكبرى التي يمثلها الدين في عظمته الروحية.

وإذا ما حاولنا التمييز منهجياً بين تلك الرؤى والمشارب الفكرية في معالجتها لقضية النهضة والتراث، وإشكالية “التراث والتجديد” في العالم العربي والإسلامي، فإنه توجد لدينا ثلاثة اتجاهات فكرية نقدية، هي:

أولاً: الاكتفاء الذاتي بالتراث الموجود، حيث يعتقد أتباع هذا الخط أن التراث الديني قد استوعب كل مواقع الحياة، فلا يوجد أي داعٍ بعد ذلك لأي تطوير أو استيعاب أو تجديد. وفي حال مواجهتنا لأي مشكلة أو إشكالية لابد من العودة إلى التراث الماضي بحثاً عن الحلول والإجابات. فالزمن الماضي هو خير الأزمان ورجالاته هم خير الرجال.

ثانياً: الاكتفاء الذاتي بالتجديد، وينطلق أصحاب هذا الاتجاه من أن التراث القديم لا قيمة له في ذاته، ولا يحتوي أي عنصرللتقدم، وهو جزء من تاريخ التخلف أو أحد مظاهره، ولذا فإن الارتباط به نوع من الاغتراب ونقص في الشجاعة، وتخلي عن الموقف الجذري، الذي يؤدي تبنيه إلى النهضة.

ثالثاً: اتجاه محاولة “التوفيق بين التراث والتجديد”، حيث يحاول أصحاب هذا المنهج الفكري مراجعة التراث بناءً على مناهج ورؤى وأفكار متعددة ومتداخلة ومختلفة، تتفق بمجملها على الأخذ من القديم بما يتفق مع قيم ومتطلبات ومقتضيات العصر، وإرجاع الجديد لمقياس القديم، واستيعاب مزايا كلا الحالتين السابقتين.

ولكن الواضح أن أصحاب هذا الاتجاه يقعون ـ كما يقول الدكتور حسن حنفي ـ في التلفيق، وإن كانت محاولاتهم تأخذ منحى التجديد من الخارج، أي انتقاء مذهب اوروبي حديث ثم قياس التراث عليه.

أو منحى التجديد من الداخل، بمعنى إبراز أهم الجوانب الإيجابية والتقدمية في تراثنا القديم ورؤية مشكلات العصر من خلالها. وهنا يمكن الحديث عن عقلانية المعتزلة، ومبدأ الشورى في الحكم، والرؤية الاقتصادية الإسلامية في الملكية العامة، والتصور القانوني في التشريع… الخ. لكن جميع محاولات هؤلاء، فضلاً عن أنها جزئية، يغلب عليها طابع الانتقائية.

والشهيد الصدر، صاحب مشروع ورؤية للفكر الإسلامي منذ بدايته حتى المرحلة المعاصرة والراهنة، وهو من أتباع منهج القراءة العقلية الفكرية والفلسفية للتراث، حيث قدم أفكاره ورؤاه هنا ضمن كتبه المتعاقبة: (فلسفتنا)، و(اقتصادنا) و(الإسلام يقود الحياة) و(البنك اللا ربوي في الإسلام) إلى (الفتاوى الواضحة) و(المدرسة القرآنية).

ويوضح الصدر - في سياق تأكيده على الإسلام كمرتكز لمشروعه النهضوي التجديدي حول التراث العربي قراءةً جديدة، وتحليلاً، وإعادةَ تقديم- أن هناك ضرورات حيوية ملحة هي التي تحدد مسار تطور النهضة الإسلامية وهي تتركز وتتكثف في التراث الإسلامي ذاته من حيث أن هذا التراث لا يزال حياً وحاضراً وفاعلاً بقوة في وجودنا وحياتنا وواقعنا المعاش، وهو يمثل جزءاً مهماً من ثقافتنا وتقاليدنا الراهنة والمستقبلية (التراث يشترك فيه الماضي والحاضر).. وطالما أن التراث حاضر قوة ولا يمكن له أن يذوب أو يتلاشى أو يلغى فلا بد من ضرورة اكتشاف حلقات الاتصال بين الماضي كحاضن للتراث وبين الحاضر كاستمرارية..

وهناك ضرورة أخرى وهي أننا نحن كعرب ومسلمين لم نغادر بعد مقولة “الماضي المجيد”، الذي لا نزال نعيش فيه عمقه بالمعنى الزمني الوجودي الرمزي المؤثر على الوجود العضوي.. وهذا يمثل مشكلة اجتماعية واقتصادية وثقافية تراثية. بمعنى أن الوضعية التي كان عليها أن تحقق نمواً جديداً يسهم في تجاوز الماضي تجاوزاً خلاقاً، ولكن مثل هذه الوضعية لا تتحقق.

من هنا يمكن اعتبار قضية التراث العربي والإسلامي -وما يتفرع عنها من أولوية التجديد والاجتهاد الديني- هي القضية الأكثر بروزاً في الساحة الثقافية العربية، والأكثر إثارة لاهتمام السيد الصدر ولمعظم المثقفين العرب والمسلمين، فهي بأبعادها المنهجية والتطبيقية تمثل واحدة من أكثر القضايا التي راحت تفصح عن نفسها بوصفها الأساس والمنطلق في عديد من التوجهات الفكرية والثقافية والسياسية الحاضرة ويجد في هذا الاهتمام "حالة من حالات الانتقال باتجاه أفق ما..".

ونحن حالياً – في داخل اجتماعنا الديني الإسلامي- لا نزال نعيش وضعاً وجودياً مهتزاً على إيقاع الأزمات المتواصلة والانقسامات الحادة على كل المستويات السياسية والاجتماعية والفكرية، وتبدو فرص الخروج من تلك التحديات الكبرى أقل بكثير مما يتوقعه ويتمناه الكثيرون..

وفي مثل هذه الأجواء والمناخات الفكرية والسياسية القلقة والمضطربة تبدو الأمة أحوج ما تكون إلى علماء كبار من وزن وسمعة وعظمة السيد الصدر..

وهذه هي مسألة المستقبل في أن يتحرك العظماء في واقعنا الإسلامي من جديد، وأن يكون لنا جيل من المفكرين الرساليين المنفتحين.

لأنه كفانا ما عانيناه من طغيان وسيطرة أجواء ومواقع الجمود والتقوقع والكسل والاسترخاء على مجتمعاتنا العربية الإسلامية، فيما عشناه في عصور الجهل والتخلف والانكماش في داخل واقعنا وسلوكنا وانتمائنا من خلال عدم فهمنا لقيمة التاريخ -بفكره وشخصياته ورموزه- واستغراقنا في تفاصيله إلى درجة نسياننا لكثير من قواعده وأساسياته، وجمودنا عند الكثير من تعقيداته ومفاصله المزمنة بحيث تحول التاريخ (في فكرنا وسلوكنا الحاليين) من ضرورة عملية لاستلهام قيمه على ضوء معطيات الواقع المعاصر، إلى سجن أو كهف مظلم كبير حبسنا أنفسنا في داخله، وفقدنا الإرادة الواعية على الخروج من دهاليزه وأنفاقه المظلمة.

ونحن عندما نقرأ القرآن الكريم نجده يتحدث -بصراحة تامة- عن أهمية أن يعتمد الإنسان على وعيه وإيمانه وإرادته وكسبه التاريخي، وأن يأخذ العبرة من تاريخه. وهذا ما نلاحظه في حديثه عن تاريخ الأنبياء(ع) والفراعنة والطغاة والحضارات والأمم التي آمنت هنا وكفرت هناك، فإنه (أي القرآن) لا يريد لنا أن نتوقف عندها، ونتجمد على معطياتها وعناصرها الأولية..

يقول تعالى: ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ) (البقرة: 134). أي أننا لسنا مسؤولين عن كل ما صنع الأولون، ولكننا مسؤولون عن اختياراتنا ومكتسباتنا، وعما نصنعه حالياً، وعما سيكسبه إنساننا المسلم في المستقبل. ولذلك يجب أن ينطلق هذا الإنسان في هذا العصر ليصنع التاريخ والحياة، في أن يخرج من التاريخ المظلم والساكن إلى التاريخ المشرق والحي المتحرك، ويساهم في بناء وصنع الحضارة الإنسانية، كما ساهم الشهيد الصدر في صنع وإبداع الفكر والتاريخ والحياة، وإنتاج مواقع قوية جديدة للإسلام في العصر الحديث..

لا أن يجلس مسترخياً ليتلقى ببلادة فكر الآخرين، ويقتات على فتات موائدهم. وذلك هو التحدي الذي يواجهنا، وبالتالي يحتم علينا أن نفهمه، وندرسه، ونعمل على مواجهته بطرق وآليات مختلفة تنطلق من خلال ضرورة أن نستجيب لمعطياته ونداءاته استجابة واعية وحكيمة من خلال فكرنا وثقافتنا الإسلامية الغنية التي يمكن أن تعطينا مساحة واسعة للحركة في هذا الاتجاه أو ذاك.

وهذا ما ينبغي على المفكرين والعلماء المنكبين على مشاريع النهوض والتقدم العربي والإسلامي أن يلاحظوه ويقومون بتطبيقه على مجمل دراساتهم وبحوثهم لكي يحاولوا فتح قنوات ومواقع فكرية وعملية جديدة، يمكن أن يستكملوا من خلالها بعض طروحات الشهيد الصدر(رض) في محاولاته اكتشاف معايير عملية وموضوعية جديدة، في مجال النظام السياسي والاجتماعي الإسلامي، من الأحكام والمفاهيم والضوابط الإسلامية الأصيلة.

ولا شك بأن تلك المساهمات والإضافات التي تتحرك في غير موقع فكري تاريخي أو عقائدي أو سياسي أو اجتماعي..

يمكنها أن تمهد الطريق لتأسيس قواعد ورؤى سياسية واجتماعية ذات بعد معرفي وفلسفي يرتكز بالدرجة الأولى على الكثير من الآراء والطروحات المفاهيمية الإبداعية التي جاء بها، وأكد على ضرورتها الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر في وعيه العملي والموضوعي المسؤول لمسألة المجتمع الإسلامي ودولته السياسية، بحيث يمكن أن تشكل نواة صلبة لنشوء مجتمع إسلامي قادر على إعادة الاعتبار الذاتي والموضوعي للإنسان المسلم من حيث كونه المحور الأساسي في حركة الاجتماع السياسي والمدني الإسلامي، وبالتالي تحفيزه، وتأهيله، وإثارة مواقع الإبداع عنده ليكون عضواً نشيطاً ومؤثراً ومنتجاً في أمته، يشارك بقوة وفاعلية في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وبناء الدولة الحديثة (دولة القانون والمؤسسات).

ولا ريب في أن أهم شرط لتحقيق ذلك الطموح والأمل المنشود هو ضرورة احترام الأفراد لطبيعة المناهج وآليات العمل والسلوك التي تتخذها الدولة والحكم القائم أساساً لتنظيم وهيكلة حياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وموالاة هؤلاء الناس الطبيعية (لا القسرية) لها وإيمانهم بحقها في التنفيذ والتطبيق والتجسيد، باعتبار أن مواجهة الحاضر المتخلف -ومحاولة تقديم رؤى فاعلة حضارية بديلة- تتطلب أن تعمد تلك الدولة إلى إيجاد إطار "اجتماعي ـ سياسي" معين يدمج الأمة ضمنه بحيث تتجاوب معه، وتتفاعل إيجاباً مع شروطه ومتطلباته من أجل أن تتحرك الأمة (كل الأمة) على طريق إنجاح التنمية، وبناء المجتمع الإسلامي الحديث. لأن حركتها تعبير عن إرادتها، وعن نمو وعيها، وانطلاق مواهبها الداخلية وطاقاتها الكامنة نحو المشاركة الفاعلة في عملية البناء والتنمية للثروة الخارجية من خلال تنمية ووعي الثروة الداخلية.

طبعاً، موضوع النهضة والتقدم لن يتحقق حتى لو توفرت له الخلفية الفكرية والمنهج النظري الإسلامي، والقناعة الذاتية للأفراد التي ستسير على ضوء تلك المناهج. أي أن النهضة لا يمكن إنجازها لمجرد وجود مشروع لها، بل لا بد من توفر الإرادة والإحساس العالي بالمسؤولية الرسالية. حيث أنه من المعروف أن جدوى المشاريع تقل وتتقلص، إذا لم تتوافر لها الإرادات الثابتة القوية، قبل توفر الأرضية اللازمة .