شكّلت الحضارة الإسلامية الوسطية فيما يتعلق بالقيم والأخلاق والنفس والجسد، فهي لا تُلغي إرادة الإنسان واختياره ولا تُكرّس العنصرية والتهميش واستغلال القوي للضعيف، لا تلغي الفرد ولا الجماعة، فلكل دوره ومساحته وفاعليته.

وبالمرور في واحة المفاهيم الإسلامية نتوقف عند خصوصيات المجتمع والأسرة من وجهة نظر إسلامية، حيث نجد اهتماماً لافتاً بالاجتماع، لما يشكله من مجالٍ معرفي متميز يرتبط بمختلف شؤون المجتمع ويرصد التغييرات الاجتماعية المعاصرة التي تتصل موضوعاتها بحياة الناس.

الإسلام اهتم بالبيئة الاجتماعية وعواملها بالمعنى الواسع للمصطلح، المجتمع والأسرة والأقران والأصدقاء، الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة الواردة عن النبي (ص) وأهل بيته المعصومين (ع) كثيرة وموجودة بشكلٍ لافت في القرآن الكريم وكتب الأحاديث.

على متن هذه الصفحات نقتطف بعض كلمات وتوجيهات للإمام الخميني (قدس) في حديثه عن الأسرة والأبناء والمجتمع كنموذج إسلامي لعالم وقائد فذ مثَّلَ قدوة على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والفكرية والفقهية. في حديث له يقول: «ينبغي لأجواء الأسرة أن تكون بمنزلة مدرسة، تعلم البراعم أحكام الإسلام وتهذِّب أخلاقهم.. على الأسرة أن تسلِّم المعلمين براعم مهذَّبة، وهم بدورهم يجب عليهم أن يهذبوهم أكثر فأكثر»

هنا قرن الإمام (قدس سره) بين الأسرة والمدرسة وبيّن التكامل بين دور الأهل ودور المعلمين من أجل جيل يتحلى بالأخلاق والقيم والشريعة الإسلامية الغرَّاء.

ويشير الإمام في مكان آخر إلى الأجواء العامة في المجتمع، التي تؤثر على الأفراد، فإذا كانت هذه الأجواء سليمة فسوف ينشأ أفراد صالحون، خصوصاً بالنسبة للأطفال حيث يقول الإمام: «إنَّ نفوس الأطفال مهيأة للانقياد إما إلى الفساد وإما إلى الصلاح، فإذا كانوا في مجتمع صالح نشأوا صالحين، وإذا كانوا في مجتمع فاسدٍ قد يكونون في المستقبل فاسدين». ثم ينتقل الإمام (قدس سره) ليتناول دور الأم داخل أسرتها حيث يعطيها بعداً مهماً وبارزاً على صعيد هذه الأسرة وأفرادها ومن كلماته: «في أحضان الأمهات تربى هؤلاء الشباب الذين ضحوا من أجل الإسلام».

هنا إطلالة على الدور الملقى على عاتق أركان الأسرة ليراقبوا، ويرشدوا وينصحوا وينفتحوا على أجواء أبنائهم لما فيه مصلحة هؤلاء ومصلحة المجتمع ككل.

فالأسرة، حنان، وتوجيه وتربية وإصلاح وبناء أعمدة المجتمع وأبنائه وكوادره الفاعلين.

وفي قول للإمام (قدس سره): «على الآباء والأمهات أن يدركوا بأنَّهم أكثر قدرة وتأثيراً من غيرهم على إنقاذ أبنائهم من مستنقع الجهل والفساد، ويفترض بهم أن يكونوا عوناً لهم وأن يرسوا أسس أسرة حقيقية وينقذوا المجتمع من الشر».

كما يتحدث الإمام في جانبٍ آخر عن التواصل بين الأسر والأرحام والأقارب ليشكلوا مجتمعاً متراصاً فاعلاً يسوده الرأفة والود والصدق والإيثار فيقول: «أوصي بأن تكونوا معاً قلباً واحداً وصفاً واحداً وأن تتعاملوا مع بعضكم بالرأفة والصفاء، وأن تكون خطواتكم جميعاً في سبيل الله والعباد لما فيه خير الدنيا والآخرة».

من هنا نرى أهمية هذه الأسرة الصغيرة بما تشكله من نواتية للمجتمع الكبير، فعندما تتحول البيوت إلى مدارس، والآباء والأمهات إلى أساتذة في الأخلاق والعلم والتهذيب تتحقق الفائدة المرجوة من الزرع ويؤتي حصاده بإذن ربه طيباً، نقياً من الشوائب.

هذا التكليف يعتبره الإمام (قدس سره) تكليفاً عظيماً ملقى على عاتق الجميع من الأهل والآباء والعائلات، وهنا يقول الإمام: «إذا أنشأتم طفلاً صالحاً فلكم من الشرف بمنزلة المصلحين، وإذا أنشأتم طفلاً سيئاً فمن المحتمل أن يفسد هذا الطفل مجتمعاً والأهل هم مسؤولون».

العمل هنا يحتاج معطيات فكرية وروحية وإرادة راسخة لدى الأهل والأسر لإحداث تغيير جذري في مسيرة الإصلاح الاجتماعي الذي يعود نفعه وصلاحه على الإنسان والمحيط الصغير والحياة بشكل أوسع على قاعدة {أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى}، للحصول على مزيدٍ من التحولات نحو الأفضل وذلك بالانفتاح على تعاليم الإسلام والقرآن والأحاديث المروية عن أهل البيت (ع)، لنعيش أفراداً أو مجتمعات على أساس من الدين والرقي والتقدم بخطى واعية نحو مستقبل يحتاج وجودنا وطاقاتنا وأبناءنا. وهنا نطل على مفهوم المسؤولية، الذي يدفع بهؤلاء الأهل وبأفراد المجتمع للنزول إلى ساحات الثقافة والمعرفة والفقه، ليتقنوا عملهم ودورهم ويسخّروا طاقاتهم وفقاً للرضا الإلهي والتعاليم السماوية التي تأخذ بيد المخلوق الإنسان إلى بر أمانه وجنَّة رضوانه وسعادة جنانه ورقي آماله ونبل سلوكه وسيره.

وعندما يُعلن شعار المرحلة، التحدي للضياع السائد والتيه البائن والتعاسة الواضحة والفساد البيِّن، هنا الكل ملزمون باتخاذ مواقع في ميدان الصراع مع الجهل والفساد والتفكك الأسري والضباب الاجتماعي، لكي لا تصبح القلوبُ العمياء قائدة والآمال المنحرفة قبلة الأذهان والعقليات السائدة.

وهذه كلمات الإمام (قدس سره) تُعتبر دروعاً في محراب المواجهة وموجهاً لنا في نهضتنا الأسرية والاجتماعية من أجل حياة مفعمة بالاستقرار ووضوح الأفكار والتطلع نحو المستقبل مهما كان فيه من تساؤلات وتحديات ومتطلبات من الكبار والصغار معاً.

وهنا نستحضر قولاً للإمام الخميني (قدس سره) يضرب فيه مثلاً، علَّنا نتعلم منه، الدروس والعبر في رحلتنا الأسرية والاجتماعية العامة. يقول: «إنَّ بيت فاطمة الزهراء (ع) المتواضع ومن تربوا في رحاب هذا البيت أدوا خدماتٍ جليلة أثارت إعجابنا وإعجاب البشرية جمعاء. إنَّها امرأة ربَّت في حجرة صغيرة وبيت متواضع أشخاصاً يشع نورهم من بسيطة التراب إلى الجانب الآخر من عالم الأفلاك، ومن عالم الملك إلى الملكوت الأعلى، هذه الحجرة المتواضعة تبوأت مركز إشعاع نور العظمة الإلهية ودار تربية خير ولْدِ آدم».

هكذا يتحدث الإمام (قدس سره) عن بيت وأسرة طاهرة مطهرة أدَّت للبشرية والإنسانية والتكامل دوراً ورسالة لا تزال تنبض بالحياة والخلود والضياء. عسانا نقتدي بهذا البيت الطاهر ونتبع خطوات أهله الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً لأنهم قدوة المقتدين ومنارة السائرين نحو مجتمع نوراني رسالي على الرغم من قلة العدد والعدة، وإذ بهم نور كل بيت وأمل كل عبد حر يسعى لرضوان ربِّه وسعادة الدارين خصوصاً الآباء والأمهات الملقى على عاتقهم الكثير من المسؤوليات.

وهنا قبل الختام نستحضر قولاً للإمام الخميني (قدس سره) مضمونه:

إن أحضان الأمهات منطلق جميع السعادات، ولكن للأسف جعلوا من المرأة إنسانة على هامش دورها الأساسي والإنساني.

ويختم الإمام بالقول:

«احرصوا على الظهور بالصورة النقية وأجهدوا في كسب العلم والتقوى وامنعوا أولادكم من أن يصبحوا أدوات بيد المجرمين ليتحقق البعدُ الآخر للحياة. وواصلوا العمل بصفوف مرصوصة لتحقيق الأهداف الإسلامية».