* أعزائي! إنّ شهر رمضان على الأبواب، وبعد أيام قلائل سيجلس المؤمنون ـ من لهم الجدارة لذلك ـ على مائدة الضيافة الإلهية؛ والصيام بحد ذاته, والتوجّه إلى الله تعالى والأذكار والأدعية التي غالباً ما تستهوي الأفئدة وتجتذبها في هذا الشهر جزء من الضيافة الإلهية، فاغتنموا هذه المائدة بأقصى مداها وأعدّوا أنفسكم؛ فشهرا رجب وشعبان شهرا تأهّب قلب الإنسان لدخول شهر رمضان؛ ولم يبق من شهر شعبان إلاّ أيام معدودات، فيا أعزائي! ويا أبنائي! أيها الشباب الأعزاء!

اغتنموا هذه الأيام القلائل؛ سلوا الله تعالى، ويمّموا قلوبكم النقية نحوه وكلّموه؛ وليس من لغة خاصة للحديث مع الله جل وعلا، غير أنّ أئمتنا المعصومين ـ الذين ارتقوا مراتب القرب إلى الله واحدة تلو الاُخرى ـ قد كلّموا الله بألسنة متميّزة وعلّمونا سبيل التكلّم مع الله سبحانه؛ فهذه المناجاة الشعبانية والأدعية الواردة في شهري رجب وشعبان بمضامينها الراقية؛ وهذه المعارف الرقيقة والنورانية والتعابير الرائعة الإعجازية، هذه كلها وسيلة لنا لغرض الدعاء.

25 شعبان 1422هـ ـ كاشان 

* إننا نتعرّض للصدأ والتلف, فقلوبنا و أرواحنا يعتريها الصدأ بشكل مستمر أثناء مواجهتنا لوقائع الحياة اليومية, ولا بدّ من وضع هذا الصدأ في الحسبان وتلافيه بالطرق الصحيحة؛ وإلاّ لتعرّض الإنسان للفناء, فلربما يكون الإنسان قوياً شديداً من الناحية المادية والظاهرية لكنه سيفنى معنوياً إن لم يضع التبديل عن هذا التلف في الحسبان.

يقول القران الكريم: ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة﴾ [1]، فقولهم ﴿ربنا الله﴾ يعني الإقرار بالعبودية لله والتسليم له؛ وهذا أمر في غاية العظمة؛ لكنه ليس كافياً, فحينما نقول (ربُّنا الله) إنما ذلك حسن جداً لذلك الأوان الذي نطلقها فيه, لكننا إذا نسيناها فإن (ربّنا الله) الذي أطلقنا اليوم لن تجدينا نفعاً في الغد, لذلك فهو يقول ﴿ثم استقاموا﴾، أي يستقيمون ويثبتون ويمضون على هذا الطريق.

وهذا مما يؤدي إلى أن "تتنزل عليهم الملائكة" وإلاّ لا تتنزل عليهم ملائكة الله إن غطُّو في سباتٍ لحظة أو آناً واحداً, ولا يدرك الإنسان نور الهداية ولا تمتد نحوه يد العون الإلهي, ولا يبلغ الإنسان مقام العباد الصالحين؛ فلابدّ من مواصلة هذا الدرب والمضي في ﴿ثم استقاموا﴾ وإذا ما أردتم أن تتحقق هذه الاستقامة فعليكم الحذر دائماً من أن يهبط ميزان المعنوية هذا عن مستواه المطلوب.

إنّ هذه الأشهر فرصة لإعادة النظر, ولقد كان أولياء الله وأئمة الهدى(ع) يدأبون على المناجاة الشعبانية.

وإنني سألتُ إمامنا العظيم ذات مرة: أيَّاً من الأدعية ترجّح؟ فذكر منها اثنين: أحدهما المناجاة الشعبانية والآخر دعاء كميل. فهذان الدعاءان يحتويان على مضامين راقية, وهذه الأدعية ليس من شأنها القراءة فقط, أي ليس أن يملأ الإنسان الأجواء بصوته ويتفوّه بهذه الكلمات فقط.

فهذه حالة قشرية ليس لها شأن يذكر؛ بل لابدّ أن تتناغم هذه المفاهيم مع الفؤاد ويدخل القلب رحابها. وإنّ هذه المفاهيم الراقية والمضامين البهية بألفاظها الرائعة إنما الغاية منها أن تستقر في فؤاد الإنسان "إلهي هب لي كمال الإنقطاع إليك. وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك "أي اللهم اجعلني دائم الاتصال والارتباط بك وأدخلني في حريم عزّك وشأنك وأنر بصيرة فؤادي بحيث تقوى على النظر إليك "حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور" فيقدر بصري على اختراق كافة الحجب النوارنية ويجتازها حتى يصل إليك ليراك ويدعوك.

إنّ بعض الحجب حجب ظلمانية, فالحجب التي نتكبّل بها نحن ونقع في أسرها وتتشبّث بها ـ حجاب الشهرة، حجاب البطن، حجاب الحسد, وحجاب التمنّيات ـ إنما هي حجب ظلمانية وحيوانية, بَيْدَ أنّ ثمة حجب أخرى تعترض الذين يتخلّصون من هذه الحجب وهي الحجب النورانية, فانظروا كم هو سام وراق العبور من هذه الحجب بالنسبة للإنسان, فأيما شعب اُنس هذه المفاهيم وأورد فؤاده هذا الرحاب و ساوق مسيرته وفق هذا الميزان سيمضي قُدُماً وتتصاغر أمام عينيه الجبال, وخلال برهة تاريخية تبلورت لدى شبعنا مثل هذه الحالة فولّدت الثورة الإسلامية، فلا تتصوّروا أنّ هذه الثورة كانت متوقّعة, كلا, فهي لم تكن كذلك, وكانت على قدر من العظمة, فلم يكن متصوّراً أن يستطيع شعب وبأيدٍ عزلاء القضاء على نظام متعفّن فاسد لكنه مدعوم بشكل كامل من قِبَل القوى الدولية الظالمة, ويمارس الحكم بأقصى الأساليب الاستبدادية وليس بمقدور أحد أن ينبس ببنت شفة, ويبدله بما يعتقد ويؤمن به ـ أي الإسلام ـ فلم يكن ليخطر ببال أكثر الناس ـ تفاؤلاً ـ إمكانية مثل هذا الأمر، بَيْدَ أنّ شعبنا أنجز هذه المهمة, فلقد شحنت المبادئ المعنوية والأخلاقية والقيم الكبرى هذا الشعب بقوة لم يستطع معها أي ضغط أو إملاء أو تهديد أو حادث مدبّر أن يثنيه وسط طريقه ويوقفه؛ لذلك فقد سار حتى النهاية.

إنّ لدينا ثروة كبيرة، من قبيل دعاء أبي حمزة الذي استشهد به سماحة الشيخ مشكيني، ودعاء الإمام الحسين عليه السلام في يوم عرفة، وهذه الأدعية يقرؤها شبابنا دون أن يدركوا معانيها ( إلهي هب لي قلباً يدنيه منك شوقه)، فما أكثر الأدعية الموجودة عندنا والتي تحمل مثل هذه المعاني السامية والمضامين العالية والعميقة كالمناجات الشعبانية والصحيفة السجادية، فعلينا أن نبيّن هذه الأدعية لشبابنا؛ كي يقرؤوها بإمعانٍ وتدبّر واستيعاب.

3/ شعبان/ 1426 هـ. طهران

* يوجد في الأدعية الموثقة الكثير من المعارف التي لا يمكن أن يجدها الإنسان في مكان آخر، إلا في هذه الأدعية.

ومن جملة هذه الأدعية, أدعية الصحيفة السجادية؛ وإنّ هناك بعض الحقائق العلمية لا يمكن أن نعثر عليها أبداً إلا في الصحيفة السجادية أو في الأدعية المأثورة عن الأئمة المعصومين عليهم السلام.

وإنَّ هذه الحقائق العلمية قد بانت من خلال الدعاء, وكون هذه الحقائق بانت من خلال الدعاء لا يعني أنّ الأئمة عليهم السلام أرادوا إخفاء هذه الحقائق، بل إنّ طبيعة هذه الحقائق هي طبيعة لا يمكن بيانها إلا بهذه اللغة، ولا يمكن بيانها بلغة أخرى.

إنّ بعض المفاهيم يتعذّر بيانها إلا من خلال لغة الدعاء والتضرع والتحدث والنجوى مع الباري عزّ وجلّ؛ ولهذا فإننا لا نجد مثل هذه المعارف والمفاهيم في الروايات أو حتى في نهج البلاغة إلا قليلاً؛ أما في دعاء كميل وفي المناجاة الشعبانية وفي دعاء عرفة للإمام الحسين عليه السلام ودعاء الإمام السجاد ودعاء أبو حمزة الثمالي، فإنه يوجد الكثير من هذه المعارف.

لا تغفلوا عن الدعاء وتوجّهوا إليه، فإن مسؤوليتكم كبيرة؛ ولديكم أعداء ومخالفون كثيرون؛ وهذا هو شأن الحكومة الإسلامية في كل زمان.

إنّ حكوماتنا التي شُكّلت في بداية الثورة وبالخصوص الفَتية منها ـ مع أنها كانت تحمل الشعارات الصريحة والواضحة المرتبطة بمبادئ الثورة أكثر مما عليه اليوم ـ كان لديها معارضون كثيرون في الخارج وفي الداخل، يثيرون الأجواء، ويروّجون الإشاعات، وينمّقون السلبيات، ويلفّقون الأكاذيب، وأحياناً يقومون بإخلال الأمن في ساحة العمل, وفي الأعمال الميدانية، وإنّ مواجهة هذه الأفاعيل يحتاج الى مقدار من العزم والتصميم القاطع، والجدية في العمل وعدم التقاعس والتمسك بمتابعة العمل، وكذلك يحتاج الى شيء من التوسل والتوجّه والتضرّع وطلب المعونة من الباري تعالى، وإذا ما طلبنا المعونة من الله وتوكلنا عليه، سيبعث في أنفسنا روح التحمّل.

إنّ من النعم الكبيرة التي يهبها الله تعالى هي أن لا يعتري الإنسان التعب ولا تنتابه حالات الملل.

في بعض الأحيان يكون للإنسان القابلية على تحمل التعب الجسدي فلا تتعب أعضاءه؛ إلا أنه يمكن أن يطرأ عليه التعب الروحي في حركته.

إنّ هذا التعب الروحي يمنع الإنسان من الوصول الى أهدافه. وللحيلولة دون وقوع التعب الروحي ـ الذي يكون أخطر من التعب الجسمي أحياناً ـ لابد من الاستعانة بالله والتوكل عليه والاعتماد على المعونة الإلهية.

إعلموا بأننا لن نكون أعز على الله من الذين سبقونا والذين يأتون من بعدنا، ما لم  تكون أعمالنا صالحة وأكثر تقوى منهم؛ ولو أننا التزمنا بالتقوى أكثر، وراقبنا أنفسنا أكثر، وقمنا بأعمالنا ووظائفنا بصورة أفضل، واحترمنا القانون وبذلنا ما في وسعنا من أجل تحقيق أهدافنا، سوف نكون أكثر عزّاً عند الله تعالى؛ أما مع عدم القيام بهذا فهيهات أن نحصل على ذلك.

لابد أن يكون سعينا منصبّاً على هذا الأمر؛ احذروا من أن نقع في الفخ الذي وقع فيه غيرنا.

  وأي شخص يقع في هذا الفخ، سوف يبتلى بما ابتلى به الآخرون, وسوف تكون عاقبته كما كانت عواقبهم؛ ولهذا فسوف لا يكون هناك فرقاً بيننا وبينهم.

5/ رمضان المبارك/ 1426 هـ ـ طهران

* لقد جاء في إحدى الروايات: (ادفعوا أبواب البلايا بالاستغفار)[2]؛ وجاء في الآية المتقدمة قوله تعالى: ﴿... يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا.... ﴾ [3] وشروط تحقق ذلك إنّما يكون بالاستغفار والتوبة وطلب العفو من الله تعالى.

وجاء في رواية أخرى: (خير الدعاء الاستغفار)[4] وجاء في المناجات الشعبانية: (إلهي ما اظنّك تردّني في حاجة قد أفنيت عمري في طلبها منك)، فما هي هذه الحاجة التي أفنيت عمري في طلبها منك؟ هي طلب المغفرة والعفو الإلهي.

العفو الإلهي معناه: إصلاح ما ارتكبناه من أخطاء، وجبران الآلام التي سببناها لأنفسنا وللآخرين.

فلو أنّ الإنسان صمّم على إصلاح الأخطاء والمفاسد فإنّ طريق الله سيكون ممهّداً أمامه، وعاقبته ستكون عاقبة حسنة.

إنّ الإشكال في عمل الإنسان هو الغفلة عن الذنوب، وعن وجوب الإصلاح و القيام بإصلاح النفس، إلا أنه لو زالت هذه الغفلة وتحققت الإرادة والتصميم فسوف تنصلح جميع أمور الإنسان.

علينا في أول الأمر أن نصلح أنفسنا ـ وهي المرحلة الأولى التي تعتبر من أكبر الوظائف ـ وهذا هو الأساس؛ أي أنّ جميع الأعمال لابد أن تكون مقدمة لإصلاح النفس، وكسب رضى الله عنا، قال تعالى:  ﴿عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾[5]؛ لابد أن تكون أعمالنا وجميع مساعينا من أجل نَيْل رضى الله تعالى والوصول الى الكمال الذي هو الهدف الأساسي من وجودنا. هذا من جهة.

أما بالنسبة الى مسألة الاستغفار والإصلاح الاجتماعي ـ الذي يعتبر من أكثر مصاديق الاستغفار تأثيراً على حياة الإنسان، بل هو المفهوم والمحتوى والمضمون الواقعي للاستغفار ـ فيجب علينا أن نقوم بإصلاح مسيرتنا وهدفنا الاجتماعي على قدر ما نستطيع، وعلينا أن لا نعتبر هذا الأمر أمراً صعباً، فمن خلال الإرادة يمكن أن تذلّل الصعوبات.

لقد كنا نقرأ في دعاء أبي حمزة الثمالي في هذه الليالي: (وأنّ الراحل إليك قريب المسافة). إنّ أهم الأمور هو الإرادة والإقدام وشحذ الهمم. (وإنّك لا تحتجب عن خلقك إلا أن تحجبهم الأعمال دونك).

إنّ الطريق الى الله قريب المسافة، وإذا ما وفقنا  فإنّ توفيقنا هو دلالة على رحمة الله تعالى. إذا استطعتم أن تستغفروا من أعماق قلوبكم وتصلحوا أعمالكم، فسوف يشملكم الباري برعايته، ويقربّكم ويحببكم إليه.

إنّ الله تعالى ينسب التوبة في القرآن الكريم الى ذاته المقدسة في كثير من الآيات المباركة كما في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ﴾[6].

فما هو معنى التوبة؟ التوبة تعني: الالتفات والإنابة، وبسببها يرعاكم الله تعالى بعطفه، من أجل أن تميل قلوبكم إليه.

إذا لم يحصل التعلّق من قبل المعشوق فمهما سعى العاشق فلا يصل إلى غايته.

  وجاء في دعاء أبي حمزة الثمالي أيضاً: (معرفتي يا مولاي دليلي عليك وحبّي لك شفيعي إليك وأنا واثق من دليلي بدلالتك وساكن من شفيعي إلى شفاعتك).

إذا رأيتم أيادي الشباب وهي تُرفع إلى السماء في شهر رمضان المبارك داخل المساجد، وصوت (العفو) يدوي من الحاضرين، إعلموا أنّ الله تعالى يرعى هذا الشعب، ويعطف عليه؛ لأنّه يريد أن يرسل رحمته ولطفه (اللهم إنّي أسألك موجبات رحمتك)، فالله تعالى يريد أن يشمل برحمته ولطفه هذا الشعب.

26/رمضان المبارك/1426هـ ـ طهران

* ولو جُعلت هذه الأنانية والتكبّر في مقابل الله تعالى، أي يجعل الإنسان نفسه مقابل الباري تعالى، فسيؤدي ذلك الى ظهور حالة الطغيان؛ مما يجعله أن يكون طاغوتاً، وهذا لا يختصّ بالملوك وحسب، بل إنَّ أيَّ شخص منّا ـ بني الإنسان ـ يمكن له أن يجعل من نفسه ـ لا سمح الله ـ طاغوتاً وصنماً، ويقوم بتنشأته وتربيته.

إنَّ التمرّد والتكبّر على الله تعالى، يؤدي الى تنمية حالة الطغيان عند الإنسان، فإن كان ـ هذا التكبّر ـ على النَّاس، فسيؤدّي الى الاعتداء على حقوق الآخرين، والتجاوز والتطاول على حقوق هذا وذاك، وإذا كان على الطبيعة، فسوف يؤدّي الى التفريط بالبيئة الطبيعية؛ أي أنَّ ما نراه اليوم من اهتمام بمسألة البيئة في العالم، يجعلنا نعتبر عدم الاهتمام بالمناخ الطبيعي للبيئة التي يعيش فيها الإنسان، من مصاديق الطغيان والتكبّر والأنانية التي نقوم بها إزاء الطبيعة، والدعاء مخالف لكل ذلك.

  إننا عندما ندعوا ـ ففي الحقيقة ـ إننا نقوم بإيجاد حالة الخشوع في أنفسنا، وتحطيم روح التكبّر والأنانية فيها، الذي سيؤدي بدوره الى حفظ عالم الوجود وبيئة الإنسان الحياتية؛ نتيجة لفقدان حالة الطغيان والتجاوز من قِبَل المتكبّرين على حقوق الإنسان والطبيعة؛ ولهذا جاء في الحديث الشريف: «الدّعاء مخُ العبادة»[7].

إنَّ الهدف من العبادة هو: تقوية صفة التسليم عند الإنسان لله تعالى وخشوع القلب مقابل عظمته، وإنَّ هذه الطاعة والخشوع مقابل الله تعالى ليست من قبيل تواضع وخضوع الناس بعضهم للبعض، بل بمعنى التواضع والخضوع مقابل الخير، والجمال، والحسن، والفضل المطلق؛ ولهذا فإنَّ الدعاء، والفرصة التي نحصل عليها للقيام بالدعاء تعتبر من النِعَم، ففي وصية أمير المؤمنين (عليه ‏الصلاة والسلام) الى الإمام الحسن المجتبى (ع) ورد هذا المعنى: «اعلم أنَّ الذي بيده خزائن ملكوت الدّنيا والآخرة قد أذن لدعائك وتكفّل لإجابتك وأمرك أن تسأله ليعطيك»[8].

إنَّ العلاقة والارتباط مع الله ـ التي تحصل من نتاج الطلب منه تعالى للحصول على عطاياه ـ هي الباعث على تسامي روح الإنسان، وتقويتها، «و هو رحيم كريم لم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه»[9].

فإنَّ الله تعالى يسمع صوتك ويقضي حاجتك، في أي وقت تدعوه وتعرض حاجتك عليه، فإنَّك تستطيع أن تخاطب الله تعالى، وتتحدث إليه وتأنس به وتطلب منه في أي وقت، وهذه نعمة كبيرة بالنسبة للإنسان.

إنَّ أهم خواص الدعاء ـ التي تحدّثنا عنها مقداراً في ما سبق ـ هو الارتباط بالله والإحساس بالعبودية في حضرته، وإنَّ ذلك يعتبر من أكبر النعم الإلهية؛ وكذلك تظهر خواص الدعاء حينما ندعوا الله فيستجيب دعوتنا.

إنَّ الاستجابة الإلهية من قِبَل الباري عزَّ وجلَّ، تتحقق بدون قيد أو شرط، إلا أننا نمنع الإجابة؛ نتيجة لِمَا نرتكب من معاصي، فنكون السبب الباعث لحجب ما ندعوا به، وهذا بحدّ ذاته يعتبر من المعارف التي نتعلّمها من الدعاء، وهو أحد الخصوصيات التي يمتاز بها الدعاء أيضاً.

إنَّ إحدى البركات التي نحصل عليها من خلال الأدعية المأثورة التي وصلتنا عن طريق الأئمة (عليهم السلام) هو: أنَّ هذه الأدعية مليئة بالمعارف الإلهية، فإنَّ أدعية الصحيفة السجّادية، ودعاء كميل، والمناجات الشعبانية، ودعاء أبو حمزة الثمالي ـ وبقية الأدعية الواردة الأخرى ـ كلَّها معارف إلهية، بحيث لو قرأها الشخص وفهمها، فإنَّه يحصل على مجموعة كبيرة من المعارف، فضلاً عما يصحبه من تعلّق قلبي وارتباط مع الذات الإلهية المقدّسة.

إنَّني أأكد في وصيّتي للشباب، على الاهتمام بقراءة ـ ترجمة ـ هذه الأدعية، فإنَّ دعاء عرفة وأبي حمزة الثمالي، طافحة بالمعارف، وكذلك دعاء كميل الذي نقرأ فيه: «اللّهم اغفر لي الذّنوب التي تحبس الدّعاء؛ اللّهم اغفر لي الذّنوب التي تُنزل البلاء» أو «تُنزل النقم»، فإنَّ كلّ ذلك يعتبر من المعارف الإلهية؛ ومعنى ذلك هو أننا ـ بني الإنسان ـ نرتكب أحياناً أخطاءً وذنوباً، تؤدَّي الى منع الاستجابة لأدعيتنا، وأحيناً تصدر منَّا بعض الذنوب تجلب لنا البلاء.

وفي بعض الأحيان تقع بلايا عامة وشاملة؛ نتيجة لبعض الذنوب، وبالطبع، لا يُنبأ عن السبب الذي أدّى الى وقوع هذا البلاء، إلا أنَّه عندما يفكَّر العارفون ويتدبّروا في ذلك؛ يدركون السبب الذي أدّى الى وقوع البلاء على هذه الأمَّة.

إنَّ بعض آثار الأعمال سريعة، وبعضها تحتاج الى بعض الوقت، وهذا ما يخبرنا به الدعاء أيضاً.

أو عندما نقرأ في دعاء أبي حمزة الثمالي: «معرفتي يا مولاي دليلي عليك وحبّي لك شفيعي إليك؛ وأنا واثق من دليل بدلالتك و ساكن من شفيعي إلاّ شفاعتك »[10].

لاحظوا إنَّ هذه الكلمات تفتح بصيرة الإنسان، وتزيد في معارفه، فهي من أنوار الله وفيوضاته، وتوفيقاته وعناياته الربّانية؛ وهذا هو ما نستطيع الحصول عليه في الدعاء، وبناءً على ذلك، ينبغي لكم إعطاء أهمية للدعاء.

إنَّ الدعاء، هو الطلب من الله تعالى، ويمكنكم أن تدعو باللغة الفارسية، أو أي لغة أخرى، وتطلبوا كل ما تحتاجونه منه، وهذا هو معنى الدعاء.

في بعض الأحيان لا توجد لدى الإنسان حاجة ـ رغم تعدد واختلاف حوائجه ـ بل يريد الاستئناس بالقرب من الله، وأحياناً يحتاج الى رضى الله أو مغفرته، وهذا يعتبر نوع من أنواع الحوائج أيضاً، وأحياناً يطلب الإنسان أمراً مادياً، فلا ضير في ذلك كلّه.

إنَّ الطلب من الله ـ أي شيء وبأي لغة ـ أمر مرغوب، ويحتوي على الخصائص التي تطرّقت إليها أيضاً؛ أي الارتباط بالله والشعور بالعبودية.

طبعاً، إنَّ أفضل المضامين ذات الألفاظ الجميلة، والمليئة بالمعارف الإلهية، تجدونها في الأدعية المأثورة عن الأئمة (عليهم السلام)، وعليكم معرفة أهميتها، والاستعانة بها.

1/شعبان/1427هـ ـ طهران

* بُعد المعرفة، أي أنّ الأدعية المأثورة عن الأئمة هي بحر من المعارف الإسلامية، فلا شيء يحوي من المعارف أكثر مما في الأدعية، وهذه نتيجة استنتاجي الإجمالي من الأدعية، طبعاً من رغب في الوصول الى النتيجة القطعية فعليه أن يتتبّع كلّ رواية على حدة، ولكني أحتمل أنه لو جمعت كلّ الروايات حول المعارف فإنّها لا تكون بمقدار المعارف الواردة في الأدعية.

فالمعارف الإسلامية في أدعية الصحيفة السجادية ودعاء أبي حمزة الثمالي والمناجاة المتعددة المأثورة عن الأئمة، والمناجاة الشعبانية، ودعاء كميل كثيرة جدّاً، وخصوصاً في الصحيفة السجادية، فإنّ كلّ دعاء فيها هو كتاب للمعارف الإلهية في الموضوعات المختلفة.

ففهم الأدعية يجعل الإنسان على معرفة بالإسلام وبالمعارف الإسلامية ويبعده عن الخرافات، فأهل الخرافة غالباً هم اُناس بعيدون عن الأدعية والمعارف الحقيقية، فالتأمّل والتدبّر في الأدعية يرشدنا الى ما يجب الاعتقاد والإيمان به وما يجب ردّه.

1 رمضان 1414 ﻫ ـ طهران

* هناك قصص متنوعة عن عبادة أمير المؤمنين مثل قصة نوف البكالي, وهذه الصحيفة العلوية التي جمعها أكابر العلماء تعكس الأدعية المأثورة عن أمير المؤمنين, وأحدها هو دعاء كميل الذي تقرأونه ليالي الجمعة.

في أحد الأيام سألت إمامنا الراحل: أي دعاء من الأدعية الموجودة أحبّ إليك ؟ تأمل قليلاً وقال: أحبّها إليَّ دعاءان, هما دعاء كميل, والمناجات الشعبانية, ويحتمل أنّ المناجاة الشعبانية لأمير المؤمنين(ع)؛ لأنّ هناك رواية تشير إلى أنّ جميع الأئمة قرأوا هذه المناجاة.

وهذا ما جعلني أحتمل بقوة أنها لأمير المؤمنين؛ لأنّ كلماتها ومضامينها تشبه كلمات ومضامين دعاء كميل.

ودعاء كميل دعاء عظيم, يبدأ بالاستغفار, ويقسم على اللّه بعشرة أشياء منها: «اللّهم اني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء»، ويسأله غفران خمسة ذنوب: «اللّهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم، اللّهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم، اللّهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء و....الخ». أي أنه يستغفر من أول الدعاء حتى آخره،وهذه هي السمة الأساسية في دعاء كميل.

اعلموا يا أعزائي, إنّ أشرف الناس وأكثرهم تكاملاً هو القادر على السير في سبيل اللّه ونيل رضاه، وأن لا تستعبده الشهوات, وهكذا يكون الإنسان الكامل.

أما الإنسان المادي المنقاد لشهوته وغضبه وأهوائه النفسية ونزواته فهو إنسان تافه, حتى وإن كان في الظاهر كبيراً ويحتل منصباً ما. وحتى رئيس أكبر دولة في العالم, ومن يملك أكبر ثروات العالم إذا كان عاجزاً عن مجابهة نوازعه النفسية إنما هو شخص دنيء.

أما الفقير القادر على كبح رغباته والسير على الصراط السوي ـ وهو طريق اللّه وطريق التكامل ـ فهو إنسان كبير حقاً.

الاستغفار يستنقذ الإنسان من حضيض الحقارة، ويحرره من القيود والأغلال، ويطهر القلب ويزيل عنه الكدورة, والقلب هنا بمعنى روح الإنسان ونفسه وذاته الحقيقية.

لكل إنسان نور، وحتى الإنسان الذي لا يعرف اللّه ولا صلة له به، له في ذاته وجوهره نور، غاية ما في الأمر أنّ الصدأ يتراكم عليه نتيجة للجهل وكثرة الذنوب, والاستغفار يجلو عنه الصدأ.

شهر رمضان موسم الاستغفار والدعاء والإنابة, مرّت ليلتان من الليالي المحتمل أن تكون فيها ليلة القدر، وهما ليلة التاسع عشر وليلة الواحد والعشرين, ولا زالت ليلة الثالث والعشرين على الأعتاب، فاحسبوا أنها هي ليلة القدر, وتعاملوا معها كذلك, وإنها منذ غروب الشمس ﴿سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾[11], وفي هذه الساعات تتنزل الرحمة الإلهية على الكون بأجمعه, يالها من ليلة ثمينة، وكم يستطيع ألف شهر في حياة الإنسان أن يستنزل له الخير والرحمة.

عدّوها ليلة القدر وتوجهوا فيها بالدعاء والتفكر في آيات اللّه وفي مصير الإنسان، وفي ما أمر به اللّه، وفي تفاهة هذه الحياة المادية، وأنّ كل ما نراه في هذا العالم انما هو مقدمة لذلك العالم, الذي تعتبر لحظة الاحتضار مدخلاً إليه.

يا أعزائي، إننا في لحظة الاحتضار نَرِد عالماً آخر، وينبغي لنا إعداد أنفسنا لذلك اليوم.

فهذه الدنيا وما فيها من ثروات وما مَنَّ اللّه به علينا من طاقات، وكل ما أراده اللّه لبني الإنسان من حكومة عادلة وحياة زاخرة بالرفاه، وما شابه ذلك، فهي لأجل أن يُعدّ الإنسان ذاته للنشأة الآخرة، فاستعدوا لذلك اليوم واذكروا اللّه واستغفروه.

ومن الطبيعي أنّ الإنسان الذي يتوجّه إلى ربّه بهذه الصورة, ويطهر قلبه, ويعرض عن المعاصي, ويعقد العزم على فعل الخير هو إنسان عظيم, وقادر على مجابهة المعضلات في هذا العالم.

ومثال ذلك هو إمامنا الكبير, والمثال الآخر هم المؤمنون من أبناء هذا الشعب, من الشبان المخلصين، ومن الشهداء والمعوقين، ومن الذين تحمّلوا السجن في فترة الأُسر، ومن الذين تحمّلوا فراق أعزّتهم، ومن الذين تحمّلوا مصاعب ساحات الحرب, من الذين تشيّعون اليوم ألفاً منهم , كل واحد من هؤلاء مثال رفيع، وخليق بكل شعب لديه شخص واحد من هؤلاء الشهداء أن يكرمه ويمجّده ويجعله مثالاً يُحتذى به.

اُشير هنا باقتضاب إلى ذكرى يوم الواحد والعشرين من شهر رمضان عام أربعين للهجرة، وهو يوم استشهاد أمير المؤمنين(ع)، فكيف كان وضع الكوفة في مثل هذا اليوم.

أنتم تتذكرون تلك اللحظة التي عَلِمَ فيها أهالي طهران برحيل الإمام الخميني, ورأيتم كيف كان البكاء وكيف خَيّم الحزن على القلوب، مع فارق أنّ الإمام كان مريضاً لمدة من الزمن, وكان البعض يخشى نزول المكروه.

21 رمضان  1417 ﻫ / جامعة طهران

ــــــــــــــــــــ

[1] صورة فصلت، الآية: 30.

[2] مستدرك الوسائل: ج5، ص318.

[3] سورة هود: الآية 3.

[4] بحار الأنوار: ج90، ص284.

[5] سورة المائدة: الآية 105.

[6] سورة التوبة: الآية 118.

[7]. بحار الأنوار: ج90، ص300.

[8]. بحار الأنوار: ج4، ص203.

[9]. المصدر السابق.

[10]. بحار الأنوار: ج95، ص83.

[11] سورة القدر، الآية:5.