إن يوم التاسع عشر من شهر دي صفحة مشرقة ليس في تاريخ قم وحدها، بل على امتداد تاريخ بلدنا وثورتنا؛ ففي هذا اليوم لبّى شباب قم ورجالها ونساؤها، من طلاب العلوم الدينية وغيرهم، بكل إيمان وبسالة ما كان يقتضيه العصر. والمهم أن يستطيع كل امرئ أو مجموعة تلبية ما يتطلبه العصر الذي يحيونه؛ ولم تكن تلك المرة الأولى التي يعبّر أبناء قم عن وعيهم وفطنتهم وشجاعتهم، فقد تحولت مدينة قم منذ ألف ومئتي عام إلى قاعدة لنشر أفكار أهل البيت (ع).

في ذلك الوقت حيث كانت الحكومات المعادية لأهل البيت (ع) تستولي على مقاليد الأمور، حافظ أهل قم على موقفهم هذا وتحملوا الصعوبات التي واجهتهم في هذا السبيل، كما أن قم تمثل منذ سبعين عاماً مركزاً ومهداً فكرياً وعلمياً للعالم الإسلامي، حيث تبدلت إلى مركز علمي رئيس للعالم الإسلامي وعالم التشيع بالذات منذ أن حل فيها المرحوم آية الله الحائري عام 1340هــ ق، وبلغت ذروة مجدها أثناء عهد المرحوم آية الله البروجردي. فكانت ثمرة تلك الحقب بروز شخصية فذّة قلّ نظيرها هو الإمام الراحل (رض). هذا هو التاريخ المشرق لمدينة قم، فهي على الدوام تلبي ما يقتضيه الزمان، ومن هذا القبيل كان يوم التاسع عشر من شهر دي.

20/19/1379هـ.ش ـ  13 /10/1421هـ.ق ـ  9/1/2001م.

***

 

ينبغي الاهتمام بهذا اليوم من جهات عدّة: الأولى، هي أنّ مثل هذا اليوم في التاريخ المعاصر كان يمثل في الواقع بداية لمرحلة مهمة في تاريخ الثورة. فليس قليلا ما قدمه أهل مدينة قم من رجال دين وشباب ومواطنين عاديين بالنسبة للثورة، وليس قليلا ما ساهموا به من تضحيات ودماء كثيرة أدت إلى قيام الثورة، وكانت عاملا مهما في انتصارها. والثانية، هي أنّ مدينة قم كانت تمثل حقا مركزا للثورة وشعلة للحركة الثورية التي أوقدها الشعب الإيراني، وينبغي أن تستمر دائما في هذا الموقع إن شاء الله. فقد كانت هذه المدينة المركز الأساسي للثورة بسبب وجود الحوزة العلمية فيها ووجود شبابها الثوري ومواطنيها المضحّين الثوريين.

19/10/1371ش ـ 14/7/1413ق ـ 8/1/1993م.

***

 

الأحداث التي تقع في حياة الشعوب جمّة، لكن الأحداث التي تختم ببركات كالبركات التي أعقبت انتفاضة أهالي قم في التاسع عشر من شهر دي[1] نادرة الوقوع في العالم, فيجب إذاً معرفة قدرها، وحفظها فكراً وقولاً وعملاً, أسأل اللّه أن يشمل الشهداء الأعزاء لهذا اليوم والأيام المباركة الأخرى من مدينة قم، وكافة الشهداء المؤمنين الثوريين من أهالي قم المُنجبة للشهداء، وسائر أرجاء بلدنا، بلطفه ورحمته.

19/10/1375هـ.ش ـ 28 /8/ 1417 ﻫ ـ ق. 8/1/1997م.

***

 

لو لم ينهض أهل قم في التاسع عشر من شهر دي عام 1356هــ.ش ولم يصنعوا تلك الملاحم الكبرى التي توالت فيما بعد، لكان من المحتمل أن تتخذ الأحداث مساراً ومنحى آخر، لكنهم تميزوا بالبراعة فتظافروا جميعاً في هذه الحركة رجالاً ونساءً شيباً وشباناً من علماء دين وغيرهم، وإن وقع الثقل الأعظم على عاتق الشباب لأن صفاء الفطرة وعدم التعلق بالماديات هي التي تحفز الشباب للنزول إلى ميدان التكليف بكل يسر.

لقد عبّر أبناء الشعب الإيراني قاطبة عن تلك الروحية أثناء مرحلة الثورة، وإن تقدم بعض وتأخر آخرون، لكن قدم السبق كان لأهل قم، فكانت النتيجة أن خرجت تلك القلعة المستعصية ــ الحكومة الإيرانية ــ التي كانت حكراً على أعداء الشعب الإيراني والناهبين والسلطويين والقراصنة الدوليين، من قبضتهم لتتحرر على أيدي أبناء الشعب.

20/19/1379هـ.ش ـ  13 /10/1421هـ.ق ـ  9/1/2001م.

 

***

 

دور قم وأبنائها في أحداث الثورة

تقترن في هذا اليوم ذكرى الواقعة الكبرى في التاسع عشر من شهر دي [9 يناير 1977]، التي تحولت إلى منطلق لحركة جبارة في رحاب الثورة، مع ذكرى الحدث المؤثر الذي لا يطويه النسيان والذي شهدته المدرسة الفيضية في الخامس والعشرين من شوال عام 1342هــ. ش [1963م]؛ وهذان الحدثان يمثلان مؤشراً على عظمة مدينة قم وأبنائها والوقائع التي شهدتها وأهميتها على صعيد التطورات التي مرت بها البلاد.

لقد نهض القمّيون ــ سواء الحوزة العلمية في هذه المدينة المقدسة أو جماهيرها ــ والحمد الله بأدوار مؤثرة في الأحداث الكبرى والخالدة التي مر بها الوطن ما قبل اندلاع الثورة وخلالها وما بعد انتصارها؛ فتحية منا للشهداء، أولئك المضحين الذين صنعوا بعصارة أرواحهم وأفكارهم ووعيهم هذه المواقف الباهرة، سائلين الله تعالى أن لا يجعلنا من المتنكرين لهؤلاء الأعزة وأن نواصل ذات الدرب والأهداف بإذنه تعالى.

 

 متى تنعم الدنيا بالعدالة والتقوى؟

كان الدرب الذي اختطه أبناء قم وشبابها في التاسع عشر من شهر دي درباً محفوفاً بالمخاطر، بيد أن مآله كان هدفاً عظيماً يتمثل في إقامة نظام إسلامي، نظام قوامه العدالة والتقوى بفضل سيادة الأحكام والشريعة الإلهية؛ هذا النظام الذي كانت إقامته هدفاً سعى من أجله الأنبياء جميعاً.

20/10/1380هـ.ش. ـ 25 /10/ 1422هـ.ق ـ 10/1/2002م.

***

 

دور أهالي قم في يوم التاسع عشر من دي إنّ يوم التاسع عشر من شهر (دي) يوم من أيام الله بلا شك.

لقد كان لهذا اليوم تأثير بالغ على ما بعده من أيام, وعلى اتجاه المسيرة طوال تاريخ الثورة والنهضة. ولو أنّ نهضة أهالي قم لم تكتب في طليعة هذه الصحوة ولم ترتسم على غُرّة الثورة، لكان من الممكن جداً لحضور الشعب الإيراني وأعداء الثورة تعرية هذه النهضة حتى من هويتها الإسلامية؛ ولهذا فقد أضحت قم مظهراً ليقظة الجماهير الإيمانية وتجسيداً للاعتصام بحبل الله, مصداقاً لقول الله تعالى (قوموا لله مثنى وفرادى)[2]. ومن هنا فإن يوم التاسع عشر من شهر(دي) يعتبر نقطة الإرادة, ومنطلق العزيمة في نهضة إيران وثورتها الإسلامية.

لقد كان لأهالي قم ولحوزتها العلمية العظيمة والشامخة دور مهم في هذه الحركة التاريخية. إنّ الشبابوالرجال والنساء من أهالي قم قد أثبتوا قبل تلك الحركة وفيما بعدها أنّ تمسّكهم الإسلام ليس مجرد لقلقة لسان، كما أثبتت حوزة قم العلمية ومراجعها العظام في ذلك اليوم أنّ لديهم الاستعداد والقدرة على قيادة جماهير الشعب الحاشدة في خضم هذا المحيط الهادر والمتلاطم.

إنه تاريخ يستعصي على الزوال, وإنّ إيمان أهالي قم وعظمة حوزتها العلمية وحماس جماهيرها مازال راسخاً حتى اليوم؛ ولهذا فقد كانت قم وستبقى دائماً المحور الأساس للثورة.

إنّ على شباب قم ألاّ ينسوا دورهم العظيم ونصيبهم الوافر. لقد كان ذلك اليوم هو يوم البداية. وأما اليوم فهو يوم الاستمرار على الصراط المستقيم . وإذا كانت تلك الحركة المهمة قد حدثت في ذلك اليوم, فإن من الضروري اليوم تحرّي الدقّة والحذر منعاً للميل, أو الانحراف عن الصراط المستقيم.

لقد قال الله تعالى مخاطباً الرسول(ص) وأصحابه (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا)[3] أي استقيموا على هذا الطريق ولا تنحرفوا عنه، ولا تضلوه، ولا تخطئوا النهج، ولا تنسوا الهدف، وهو خطاب لنا جميعاً ولكافة أبناء الشعب الإيراني.

وإذا ما واصل الشعب طريقه بهذه النيّة وهذه العزيمة دون أن يحيد عنه ـ ولن يحيد ـ فإن الأبواب الواسعة للمدينة الإلهية الموعودة، مدينة السعادة، سوف تنفتح على مصراعيها أمام جماهير الشعب المتوافدة.

لقد صبّ المستكبرون وأعداء الثورة كل جهودهم بعد الانتصار المجيد على حرف القافلة الثورية عن طريقها القويم, بعد أن فشلوا فشلاً ذريعاً في الحيلولة دون قيامها وانتصارها، وهي نفس المؤامرة التي حاكوها لنهضة المشروطة[4], إلاّ أنّ أغلبية جهودنا كانت هي الأخرى متمركزة حول محاولة الاستقامة على هذا النهج الإلهي,  وعدم الانحراف عن هذا الطريق الصحيح والصراط المستقيم.

وبالطبع فإن فضلاء وشباب وكبار ومراجع الحوزة العظام كان لهم النصيب الأوفر في هذا المجال وكانت تقع على عاتقتهم المسؤولية الكبرى.

كما أنّ وعي الجماهير وشجاعتها وإخلاصها وروحها التحررية وهي ظاهرة تتجلّى والحمد الله في أبناء الشعب الإيراني عامة وفي أهالي قم بصفة خاصةـ كانت هي الضمان الأكيد للمسيرة من أجل مواصلة طريقها.

19/10/1382هـ.ش ـ 15 /11/ 1424هـ.ق ـ 8/1/2004م.

***

 

إن التاسع عشر من شهر دي يُعَدّ واحداً من المنعطفات السياسية المهمة في تاريخ أمتنا، وهذا ما يلحظه كل من تمتع بنظرة تحليلية ثاقبة، وقد كان أهالي قم المقدسة هم أبطال هذه الحادثة التاريخية، حيث أدى الشباب المتحمس والمؤمن فيها وفي حوزة قم دورهم الحقيقي في ذلك اليوم وما تلاه من الأيام الأخرى.

وخلاصة الأمر أن الشعب الإيراني قد ساءه الضغط الدكتاتوري من قبل النظام المأجور من جهة، والوضع المعاشي من جهة ثانية وفرض ثقافة التهتك من ناحية ثالثة، والسيطرة الأجنبية المتمثلة على وجه التحديد بالعناصر الأمريكية من جهة رابعة وقد ارتوى هذا الغضب العارم وهذه الدوافع الجماهيرية من معين الإيمان الديني الذي يتمتع به الشعب الإيراني.. إن هذا الغضب العارم لم يكن عشوائياً، فقد كان الشعب يعي ما يريده وما يحاول فعله، متأثراً في ذلك بالتعاليم الإسلامية، فقد عملت الحركة الطلابية الشابّة والفضلاء من العلماء تحت قيادة الإمام الفريدة طوال سنوات متمادية، على بثِّ الوعي في صفوف الشعب الإيراني، فعلم الناس أن تلك الأوضاع لا تجلب لهم ولبلادهم سوى الذل، وبالإمكان تغيير هذه الأوضاع، ولكن لابد أن يتمّ هذا التغيير على يد الشعب نفسه، إن الغضب العارم كان سارياً في كافة أنحاء إيران، سوى أن هذا الغضب كغيره من الأمور الأخرى بحاجة إلى بارقة يقوم بها بطل يتمتع بجرأة كافية كي يصدع بها، وكان ذلك البطل هم أهالي قم والحوزة العلمية فيها، وهنا مكمن أهمية القضية، فالدافع هو الإسلام، والأهداف المنبثقة من المعارف الإيمانية والإسلامية، والثقة بدعم الله ونصره، والاعتماد على قوة الجهاد الوطني، وكان هذا هو مجموع ما استوفاه الشعب الإيراني سواء في التاسع عشر من دي أو الحوادث التي تلت ذلك اليوم كاستمرار له، فسسببت تلك الحادثة إعصاراً أودى بقوى الطغيان والشر، قال تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)[1].  وكان ذلك وعداً إلهياً، إن الحقّ ما لم تتوفر دعامته الإنسانية يبقى مجرد حقيقة ذهنية ومعنوية، ولا يمكن لها التحقق على المستوى الخارجي، فإذا تصدى المؤمنون إلى حمل الحق ومضوا به قدماً، فان الحق سيتجسّد وفقاً للمنظمومة الطبيعية في النظام الكوني،وقد تجسّد ذلك وتحقق.

19/10/1383هـ.ش ـ 26 /11/ 1425هـ.ق ـ 7/1/2005م.

***

 

إنّ بعض الحوادث التاريخية الكبرى التي قد تنطوي على قدر عظيم من العمق والحكمة والمثالية تترك بصماتها البارزة على حياة الشعوب لمدة طويلة ربما بلغت سنوات أو بلغت قروناً عديدة.

إنّ الحضور الواسع للجماهير، والغضب الشعبي المقدس والثوري، والنضال الضاري ضد النظام الطاغوتي الجائر والنفوذ الأجنبي المتغطرس، كان بحاجة إلى حركة واعية تبلغ بمسيرة الجهاد أوجها وذروتها المنشودة.

لقد قُدّر لكم أنتم يا أهالي قم القيام بهذه الحركة الضرورية في اليوم التاسع عشر من شهر (دي)، فكان أن حدث هذا المنعطف التاريخية العظيم.

إنّ ما سببه النظام الطاغوتي لهذا البلد ولهذا الشعب من آلام مضنية خلال سنوات حكمه الأسود التي تنضح خزياً وعاراً، لمن الفصول التاريخية المريرة في حياتنا.

19/10/1386هـ. ش ـ 29/12/1428هـ.ق ـ 9/1/2008م.

***

 

الشعب الإيراني استيقظ قبل فوات الأوان، ملبياً نداء قائده العظيم ومقتحماً ساحة المواجهة. لقد كان التاسع عشر من شهر دي تعبيراً عن مثل تلك اللحظة التاريخية الحساسة، ولهذا فلابد وأن يبقى دائماً ماثلاً في الأذهان، وهذا ما حدث ومازال يحدث حفاظاً على مشاعر الجماهير.

لقد أثبت أهالي قم وفاءهم والتزامهم. ولربما كان هناك خلال تلك السنين من نقضوا بيعتهم للثورة والإسلام والإمام، فكان ذلك خسارة لهم، أو بتعبير القرآن الكريم {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ}[5] ، ولكن البعض الآخر ظل باقياً على وفائه والتزامه وإخلاصه، فكانوا مصداقاً لقول الله تعالى: {وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}[6] وهؤلاء هم أغلبية أبناء شعبنا، فأبوا إلا الوفاء بالعهد، وبذلك نالوا الأجر الإلهي العظيم، وحباهم الله الانتصار في الحرب المفروضة والتوفيق في كافة مجالات المواجهة مع القوى العظمى، وأنعم عليهم بالعزة الوطنية والتقدم في شتى الحقول والأصعدة.

لقد أتخذ الشعب الإيراني خطوات واسعة على طريق بلوغ أهدافه المنشودة، ومازالت القافلة منطلقة بخطى واثقة نحو الأمام. وهذا فيما يتعلق بالتاسع عشر من شهر دي.

19/10/1386هـ. ش ـ 29/12/1428هـ.ق ـ 9/1/2008م.

***

 

قضية التاسع عشر من دي ليست مجرد حدث تاريخي. أهمية هذا الحدث تعود إلى أن شريحة من الشعب الإيراني - وهم أهالي قم الأعزاء - شعروا بوقوع شيء معين قبل وقوعه. ساعدهم حس اليقظة والوعي لديهم كي يطلقوا تياراً هائلاً في البلاد. قضية توجيه إهانة للإمام الجليل في إحدى الصحف وبقلم أحد مرتزقة البلاط الطاغوتي لم تكن شيئاً على جانب كبير من الأهمية من وجهة نظر الكثيرين من ذوي النظرات السطحية الظاهرية آنذاك، إذ لم يكن هؤلاء ليشعروا ويدركوا عمق القضية والجوانب الخفية لهذه المؤامرة. حينما لا يشعر الإنسان بالمؤامرة فمن الطبيعي أن لا يبدي ردود فعل حيالها. لكن أهالي قم وشبابها شعروا بأهمية الحدث وأدركوا مغزاه وفهموه. هذا أهم جانب من هذا الحدث الذي وقع في تاريخ ثورتنا. لو لم تتحلوا أنتم أهالي قم بالوعي والفهم الذي تحليتم به يومذاك، ولم تخرجوا إلى الشوارع ولم تدافعوا ولم تقدموا الشهداء، ولم تفضحوا نظام الطاغوت تلك الفضيحة المنقطعة النظير، لربما لم يكن سياق الكفاح الثوري قد سار ووقع بالشكل الذي سار فيه واستمر. نقطة البداية مهمة جداً وهي ليست بالشيء الذي تأتي به الصدفة، إنما ينبع من فهم وإدراك حدث تختفي الكثير من أبعاده عن الأعين. وقد توفرت هذه الميزة في حدث التاسع عشر من دي في قم والذي أثبت أن أهاليها يتحلون بالوعي الصحيح لقضية وحالة سوف تأتي مستقبلاً، أي إنهم فهموا المؤامرة، وعلموا ما الذي سيقع بعد هذه المقالة التي نشرت في الصحيفة ضد الإمام (رضوان الله تعالى عليه). ولأنهم فهموا المؤامرة لذلك أبدوا ردود الفعل حيالها.

وهذا هو الدرس اليوم أيضاً. الحاسة الإنسانية العميقة لشعب من الشعوب يجب أن تشعر بالأحداث قبل وقوعها وتفهم أي شيء سوف يقع فيبدي الشعب بذلك ردود الفعل المناسبة. وحينما ننظر على طول تاريخ الإسلام نجد أن عدم توفر هذا الإدراك والحس السياسي السليم أبقى الشعوب نائمةً على الدوام ومكّن أعداء الشعوب من أن يلحقوا بها كل ما يحلو لهم وهم آمنون من ردود أفعالها.

19/10/1378ﻫ ش ـ 11/1/1430ﻫ ق ـ 8/1/2009م.

***

 

إنه حدث قيم، بالتأمل والتدقيق من أبعاد مختلفة: البصيرة تتموج في هذا الحدث، وكذلك تشخيص الظرف، ومعرفة الأعداء، مضافاً إلى الجهاد والإقدام والتضحية.. هذه أبعاد حدث عظيم وقع في التاسع عشر من دي سنة 56 أي قبل اثنين وثلاثين عاماً. من جهة أخرى أضحى ذلك الحدث منطلق تحول وحركة وتيار عظيم في الشعب الإيراني. إذن، الحدث حدث مهم حقاً ترك تأثيره يومذاك، واليوم أيضاً حيث تحيون ذكراه وذكرى شهدائه من رجال الدين أو من غير رجال الدين لا يزال يترك تأثيراته ويعطي دروسه ويُسبغ البصيرة ويشير لنا إلى اتجاه الحركة.

 

أيام السنة متشابهة بعضها مع بعض بشكل طبيعي، والبشر والإرادات والجهاد هو الذي يرفع يوماً معيناً بين باقي الأيام ويجعله متميزاً مختلفاً ويعليه كالراية التي تهدي الآخرين... كذلك الحال بالنسبة ليوم التاسع عشر من دي.

19/10/1388 ﻫ.ش ـ 23/1/1431 ﻫ.ق ـ 9/1/2010م.

***

 

المهم هو أن يمارس الإنسان هذا الجهاد، إنه جهاد لصالح الإنسان نفسه، والله تعالى يمدّ له يد العون في هذا الجهاد. يوم التاسع عشر من دي وما اشتمل عليه من انتفاضة لأهالي قم في سنة 56 كان من هذا القبيل.

19/10/1388 ﻫ.ش ـ 23/1/1431 ﻫ.ق ـ 9/1/2010م.

***

 

بخصوصكم أنتم تحديداً يا أهالي قم ثمة‌ حساسية شديدة جداً يبديها أعداء البلد والثورة، فهم مستاؤون وسلبيون جداً من قم والقميين والحوزة العلمية وشباب قم ومعنويات أهالي قم، لماذا؟ لأنهم تلقوا صفعة من قم. الاستكبار والجبهة المعادية للإسلام والشعب الإيراني تلقت صفعة من قم. من الحالات والمصاديق التي تلقوا فيها الصفعة من قم هو يوم التاسع عشر من دي حيث شعر أهالي قم بالواجب والتكليف أسرع من الآخرين، وعرفوا الأوضاع وأدركوها وشعروا بالمسؤولية ونزلوا إلى‌الساحة. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. معرفة الأوضاع أمر مهم يحتاج إلى بصيرة وكذلك الشعور بالواجب والتكليف. لا بد من روح الالتزام والإيمان لكي يشعر الإنسان بالتكليف والواجب. البعض يرون الأحداث العظيمة المزلزلة ويرون مخططات الأعداء لكنهم لا يشعرون بالواجب ولا يتحركون. والبعض يرون أن العدو يصطف، وحين يصطف العدو فلا بد لنا بدورنا أن نشعر بالواجب في مقابله فهذا من لوازم الالتزام والإيمان، لكن البعض لا ليس لديهم مثل هذا الشعور. طبعاً كانت مثل هذه الروح متوفرة لدى الشعب الإيراني العزيز وتعززت وتجذرت بالنهضة‌ والحركة الإسلامية، وعبّرت عن نفسها في الثورة. لكن الأماكن كانت مختلفة. كان أهالي قم في الطليعة. وقد شعروا بالواجب في التاسع عشر من شهر دي ونزلوا إلى الساحة. والساحة لم تكن ساحة سهلة بل كانت ساحة صعبة وساحة مواجهة للرصاص والقمع العنيف الذي تمارسه أجهزة النظام الطاغوتي البوليسية والأمنية حيث لا يرحمون أحداً. لكن القميين نزلوا مع ذلك إلى الساحة.

هذه البصيرة‌ وهذا الشعور بالواجب وهذا النزول إلى الساحة كان صفعة قوية للأعداء.

19/10/1389ﻫ.ش ـ 4/2/1432ﻫ.ق ـ 9/1/2011م.

 ـــــــــــــــــــ

[1] التاسع عشر من دي: يوم انتفاضة أهالي مدينة قم تنديداً بالمقال الموهن الذي نشرته صحيفة «اطلاعات» يوم 17/10/1356هـ ش المصادف 7/1/1978م. أهانت فيه الإمام الراحل(قدس سره).

[2] سورة سبأ، الآية: 46.

[3] سورة فصلت، الآية: 30.

[4] الحركة الدستورية (المشروطة) في إيران التي تزعّمها اثنان من كبار علماء الدين في إيران هما السيّد محمّد الطباطبائي، والسيد عبد الله البهبهاني. عملت الحركة على إقامة حكم ملكي دستوري مشروط ببرلمان، ونجحت في (5/8/ 1906م)، في إجبار مظفَّر الدين شاه على إعلان الدستور، والاحتفاظ بمكانة عليا تضمن للفقهاء الإشراف على قوانين المجلس. ولكن انقسام الحركة الدستورية إلى فريقين، يطالب أحدهما بحكم ديموقراطي مطلق، وآخر يطالب بحكم يلتزم بالشريعة الإسلامية، أدى إلى إعدام الشيخ فضل الله النوري أكبر دعاة «المشروطة المشروعة» في طهران على يد فريق «المشروطة المطلقة»، ما جعل حالة من التشكيك في الحركة الدستورية تسود في أوساط العلماء، فاتهموها بالعمالة لبريطانيا. وقد حاولت الحركة الاعتماد على المرجعية الدينية في النجف الأشرف لتتخذ موقفاً حاسماً ضد السلطة القاجارية التي كانت تعارض أهداف الحركة في إنشاء مجلس شورى، والحركة الدستورية، فكان على رأس أنصار المشروطة الشيخ كاظم الخراساني والشيخ حسن الخليلي والشيخ عبد الله المازندراني والشيخ محمّد حسين النائيني وغيرهم. وفي 24جمادى الثانية 1327 هـ /13حزيران 1909م. حققت المشروطة انتصاراً ساحقاً بسقوط الشاه على أيدي أنصار المشروطة وخروج الروس من إيران.

[5] سورة الفتح: الآية 9.

[6] سورة الفتح: الآية10.