يدهش هذا الرجل الستيني الكثيرين، ويغيظ بالقدر ذاته دولاً وممالك وحكومات وتنظيمات تكفيرية. تكرهه اسرائيل، ويتمنى الأميركيون لو أنه يختفي من الوجود.

تارة تجده في آمرلي ويحررها من قبضة الإرهاب. ثم تجده عند أبواب تكريت واربيل وكركوك وبغداد. مسعود البرزاني قالها صراحة لولا ما فعلته طهران سريعا، لسقطت اربيل. وفي العراق، يقولون انه لولاه، لضاعت بغداد وكربلاء والنجف وسامراء كما ضاعت الموصل وغيرها. ويقولون ايضا انه لولاه، لكان «داعش» على حدود الكويت وايران.

5646

ثم تراه في اليوم التالي عند أبواب دمشق وحلب واللاذقية وبيروت. اليوم تتوارد تقارير عن مجالسته رؤساء ورجالات دولة، من هنا الى طهران وموسكو، ثم تراه في اليوم التالي يجلس القرفصاء الى جانب الجنود والمقاومين يعانقونه ويلتقطون الصور معه.

ثم يختفي. كأنه طائر، تارة على جبهة في العراق، وتارة اخرى في ريف حلب. «مهندس محور المقاومة» يصفه أحدهم. ليس عجباً أن حيّر الاميركيين عندما تحداهم في العراق، وعرقل جموحهم السوري، وثبّت صلابة المقاومة في لبنان وفلسطين، وهو يعانق الشهيد ثم ابن الشهيد.

كثيرون هم رجالات الحروب الدائرة في مشارق هذه الأرض ومغاربها. كثيرون رحلوا، وسجلوا أسماءهم، وكثيرون ما زالوا، هنا وهناك، يعملون بصمت ولا تعرفهم سوى قلة من الناس. لم تكن مشيئة هذا الرجل، الصامت غالبا، ان يصعد الى واجهة الإعلام. كانت الناس تهمس باسمه وأخباره بخفر. سنواته الطويلة في قيادة «قوة القدس» فتحت شهية الإعلام العالمي لتتبع خيوط وشذرات من حياته ومهماته .. وبأسه.

index

تارة هو في حضرة السيد علي خامنئي، أو السيد حسن نصرالله، وتارة اخرى عند ضريحي عماد وجهاد مغنية، ثم تتوارد أنباء أنه قرب القنيطرة، وفجأة يتبين أنه في موسكو أو طهران ويتابع منسقاً لحظة بلحظة لمسار التناغم الايراني ـ الروسي - السوري المتصاعد.

قاسم سليماني لا يهدأ، من جبهة الى أخرى. يشيع على من حوله الطمأنينة والثقة. في لحظات أشرس المعارك، يحتفظ بابتسامة لا تفارقه. يثبت بذلك أقدام الرجال وبنادقهم. ويروى عنه أنه أثناء وجوده في غرفة العمليات العسكرية لحلب، يلتزم بهدوئه، والأهم الطمأنينة فيما يتابع سير المواجهات مع أشرس عصابات التكفير والإرهاب، بمن في ذلك المسلحون من الشيشان والعرب المدعومون بكل أشكال السلاح والمال، من تركيا الى السعودية وقطر، في مقابل محور سوريا، ايران، «حزب الله» وروسيا.

وبرغم اتساع الجبهات وتعددها، يتابع أدق التفاصيل، يخطط، يحدد الإرشادات للهجوم، ويكتفي بساعات نوم قليلة. ويروى عنه أنه يطلب فجأة الخروج الى الميدان، أو تراه يسير منفردا في مناطق حلب كأنه يحفظ تضاريسها وطرقها ومحاورها. وأحيانا لا يأبه لاشتعال جبهة، وتراه على خط النار الأمامي.

وهناك، في هذه الجبهة أو تلك، يفترش الأرض ويخرج خريطة صغيرة ترافقه دائما ويستمع الى تقديرات الموقف من القادة الميدانيين مباشرة ثم يعطي التوجيهات اللازمة. وبرغم خصوصية وضعه الأمني، يستجيب لمن يرغب من الجنود والمقاومين والقادة، بالتقاط صورة معه. قائد «قوة القدس» لم يتعود أن يكون أسير المكاتب. الالتصاق بالمقاومين، صارت حرفته الكاملة.

كم مرة فاجأ المقاومين بظهوره عند مواقعهم وهو يقود دراجة نارية. هكذا بكل بساطة. هذا الذي يشعر من حوله كأنه يقود حرباً عالمية دفاعاً عن أهل المنطقة وشعوبها، يخالط المقاتلين في جبهاتهم، واذا سقطت بالقرب منه قذيفة، كما جرى معه فعلا، يبدي خشيته على من هم حوله وهم في انشغالهم الأكبر عليه.

أكثر من 700 كيلومتر مربع جرى تحريرها في حلب وريفها خلال الآونة الأخيرة، بينها 450 كيلومترا مربعا في الريف الجنوبي وحده، بما يشمل عشرات القرى والبلدات. هؤلاء، من هم هناك، الجنود المجهولون في الجيش والمقاومة، يدركون أن صاحب الأعصاب الحديدية هذا، لعب دوراً كبيراً في هذه النجاحات العسكرية.

على لائحة «الإرهاب» الأميركية هو. وفي الإعلام الغربي له الكثير من الألقاب، من بينها «إله الانتقام» «قائد الظل» و «فارس الظلام». قليلون يجيبون عن السؤال التالي: ماذا لو كانت قد سقطت بغداد ودمشق؟ قلة على ما يبدو تدرك المخاطر الحقيقية لذلك. وبهذا المعنى، فإن وجوده على مختلف الجبهات له ما له من معان وتأثيرات. ولم يعد غريبا أن تطلق أبواق المحور الاقليمي الدولي المعادي العديد من الأخبار حوله، وآخرها راج في الأيام الماضية عن إصابته بجروح.

وقد علمت «السفير» من مصادر مؤكدة ان الامر لا يعدو كونه شائعة وهي غير صحيحة، مرجحة أن تكون مصادرها جهات إعلامية محسوبة على الفصائل المسلحة بإيعاز من الغرف السوداء التي تديرها في عواصم اقليمية عربية وتركية بهدف التشويش على الإنجازات الميدانية التي تحققت في أكثر من منطقة والتأثير على معنويات المقاتلين على الجبهات.

وعلمت «السفير» أنه أثناء وجوده في أحد الخطوط الأمامية سقطت عدة قذائف هاون خلال قصف المسلحين الروتيني للميدان، وكان هناك بالصدفة لكنه لم يصب بأذى وتابع جولته كالمعتاد. ولما نصحه البعض بإلغاء جولته رد مبتسماً كعادته «نحن لسنا أفضل من الإخوان في الخطوط الأمامية»، مستعيناً ايضا بالآية القرآنية «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا».

وكانت مواقع الكترونية تابعة لجهات معارضة مختلفة قد تحدثت عن إصابة سليماني منذ نحو أسبوعين، ثم عاد بعضها وروّج للخبر في الأيام الثلاثة الماضية، حتى ان المتحدث باسم الخارجية الاميركية أشار الى علمه بهذه الأنباء لكنه رفض تأكيدها. أما وكالة الانباء الايرانية «ارنا» فقد نقلت عن المتحدث باسم قوات «الحرس الثوري الايراني» العميد رمضان شرف نفيه هذه «المزاعم» واصفاً إياها بـ «الأكاذيب» قائلا انه «في أتم الصحة والعافية وواصل عمله ومساعيه في سوريا والعراق لمواجهة الجماعات الإرهابية والتكفيرية».

ولمّحت مصادر مطلعة الى أن الجنرال سليماني كان حاضرا شخصيا بعد استعادة السيطرة على بلدة الحاضر في ريف حلب الجنوبي. أما عند جبهة خان طومان الحساسة فقد التقى مع قادة وضباط الجيش السوري الميدانيين، وأوصى بزيادة الدعم الناري والتجهيز بعد وصول معلومات سرية بتحضير فصائل المسلحين لشن هجوم كبير، وهذا ما حصل في اليوم الثاني فيما تم إفشال هذا الهجوم.

وفي المعلومات ايضا انه بعدما قطع المسلحون طريق اثريا - حلب مؤخرا، عمل سليماني على التخطيط لفتح الطريق من جهة وضرب «داعش»، ومن جهة ثانية تابع العمليات في الريف الجنوبي وباندفاع أقوى، وهو على ما يبدو ما أثار جنون قادة فصائل المسلحين والدول الاقليمية الراعية لهم من تركيا وقطر الى السعودية، خصوصا أنهم يعرفون أنه هناك من خلال صوره المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يشكل بحد ذاته حرباً نفسية فاعلة على أعدائه المفتوحة أمامهم حدود شاسعة من حلب الى ريفها نحو تركيا.

المصدر: صحيفة السفير

 Image3_10201514144436