ديباجة على الشهادة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 في الفيافي المترامية لآفاق الحياة الإنسانية التي سمّوها بممر ديار عشّاقها ثمّة قافلة منزهة عن الأدناس التي تلوّث أهل الأرض بلوث التراب، للذود عن القيم الإنسانية السامية.

 في أعينهم نور ساطع من شمس الصباح، وعلى جباههم ضياء متألّق من قمر الليل، وفي قلوبهم أمواج من مشاعل العشق الإلهي. يسيرون ويسيرون ثمّ لا يتوقّفون.

 فمن هم أولاء؟ وإلى أيّة غاية هم منطلقون بهذه الحركة الأسرع من حركة النور في آفاق الزمان والمكان، يحثّون الخطى على الأرض أخف من الأرواح المجرّدة لأهل الكمال وأفئدتهم أجنحة خفّاقة تطوي قمم الوجود السامقة الواحدة تلو الأخرى؟

 يا لها من قافلة ذات أبّهة وهيبة تتألّف من أناس كاملين تحرّروا من الفخاخ الخدّاعة للـ (أنا) والـ (نحن)، وداسوا الشراك والأحابيل الملتوية التي يلقيها أصحاب الصفات الدنيئة على قارعة الطريق من أجل بضعة أيام أخرى على قيد حياتهم البهيمية، ونحّوا جانباً العقل الماكر، والأفكار الأنانية التي أضلّت بني الإنسان لسنوات متمادية وجعلتهم على هاوية الفناء، واجتازوا تلك الذات الحيوانية التي تتوهم نفسها على الدوام أنّها هي الغاية وما الآخرون إلاّ وسيلة، وامتطوا الذات الحقيقية للإنسان الإلهي وهو مظهر جمال الله وجلاله متجهين صوب رواق المحبّة الخلاّقة.

 اسألهم من أيّ الربوع أنتم وإلى أيّ موطن سائرين، فأذهلتم بإيقاعات أرجلكم والأكف هذا الكون الفسيح؛ فلا البسمة تغيب عن شفاهكم، ولا الفرحة والبهجة والمسرّة تفارق أرواحكم. أجيبونا. مع أنّ المغفّلين المتهافتين على ميدان تنازع البقاء، المتاجرين بعقول الناس وضمائرهم، لا يروق لهم سماع جوابكم. تكلّموا، حتّى وإن كان الجاه والمقام لأيام معدودات في هذه الدنيا الفانية لا يعطي أذناً صاغية لسماع حديثكم. ولكن جوابهم سيكون:

 إنّنا انطلقنا من ديار معرفة «إنّا لله» ونحن سائرون إلى غايتنا النهائية وهي «إنّا إليه راجعون».

 فاسمعوا رسالتنا من لساننا في هذه البرهة الحسّاسة من التأريخ: إنّنا نخاطبكم أنتم أيّها القادمون بصوت جهوري ونقول: رسالتنا هي إنقاذ القيم الإنسانية السامية من المخالب الدامية للكواسر الضارية المفترسة للإنسان. ورسالتنا هي الدفاع عن قيم الصدق والإخلاص في الحياة التي سحقها المرضى بداء الأنانية وكأنّ هؤلاء الجهلة على خصومة قديمة ترفض التصالح مع جوهر الجمال والجلال الإنساني الباهر، وأنّهم قد قطعوا على أنفسهم عهداً بإطفاء نور الإنسانية هذا.

 ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾..

 أيّها الطاوون لمسير الحياة، إذا صادف ومررتم يوماً على هذه الفلاة والبراري المتلفّعة أجواءها بعطر المحبّة، توقّفوا لحظات في هذا الوادي وفكّروا مليّاً وأصيخوا أسماع قلوبكم لتسمعوا نغمات الله أكبر التي يردّدها عشّاق الحق ودوي كلمات لبيك الصادرة عن واهب الوجود الربّ المعبود.

 يا أيّها الناس القادمون بعد ذهابنا لتكونوا فراش شموع الحق والحقيقة، الواضعون أقدامكم من أفق عالم الطبيعة على ساحة ضريحنا، الباحثون عن رسالتنا وغايتنا، العائدون من بعد المعرفة إلى الأحضان الحصينة الرزينة للشهادة، اعلموا أنّنا لم نفوّض أحداً حقّ تغيير مسيرة حياتنا التي ختمناها بالشهادة، واسمعوا من أفواهنا تفسير صولتنا على مذبح العشق.

 نحن أناس سارعنا إلى ميعاد العشق الإلهي من غير إكراه أو إجبار وبكلّ وعي وحرّية استجابة لمشاعر الالتزام الرفيع، لا الأحاسيس الفجّة، ولم يسعنا العيش تحت شمس كدَّر صفو سطوعها أعداء الوعي الإنساني.

 نحن محاربو ميدان الحقّ والباطل أعددنا أدمغتنا والأفئدة وجعلناها هدفاً لحراب الجلادين المتهافتين على الشهوة والسطوة؛ لكيلا تبيعوا أنتم أفراد القافلة الكبرى السائرة من خلفنا عقولكم وقلوبكم للمتاجرين بعقول وضمائر بني البشر، ولا تخونوا ذاتكم ومجتمعكم. ولا يفوتنكم أبداً أنّنا لم يكن لنا همّ في سيرنا الحثيث نحو مذبح العشق سوى ذكر الله، ولا غمّ غير دين محمد(ص)، ولم تكن لنا مشاعر إنسانية رفيعة. ولهذا السبب فإنّنا لا نرتجي منكم حالياً إلاّ أن تقولوا لعبيد السلطة الانتهازيين: أن لا تصنعوا من أمواج دمائنا التي سفكت في السهول والجبال سلالم إلى عرش السلطة واستعباد بني الإنسان.

 إنّ الشهيد يجعل باستشهاده رسالته ممراً للإعصار، ويهوي بدمه كالسلاح طرقاً على رأس الأعادي، ويفضحهم ويوقظ الناس على حقيقتهم. تأريخ الإسلام والتشيّع هو تأريخ استمرار ملحمة الشهادة. فتأريخ الشيعة لم يدوّن تحت عروش السلاطين، بل سطّرته أيد سابغ وضوؤها سابحة في الدماء في مقتل الشهداء.

 إنّ أعزّ وأغلى حركة وأثمن جوهر وميراث في الثقافة الإسلامية وخاصّة ثقافة التشيّع هي الشهادة، وقيمة الإنسان في الإسلام تتحدّد وتقاس بكيفيّة موته لا بكيفية بقائه. نحن مسؤولون عن إيجاد أمة مثلى وأن نكون شهداء وشاهدين، فالرسول كان لنا مثالاً وشهيداً.

 لقد أنجز الشهداء رسالتهم في هذه الحياة الدنيا، وأدّى كلّ واحد منهم دوره خير أداء لإزاحة الظلم والجور واقتلاع جذور الفساد. وأعطى الشيخ والشاب، والكبير والصغير، والمرأة والرجل، والأخت والأخ درساً ـ على سبيل النيابة وبعنوان المثال ـ لجميع أولئك الذين يخفق مشاعر الإنسانية بين جنباتهم.

 اليوم هو يوم الشهادة والإيثار والقيام. فالشهداء باقون لأنّهم على المواجهة قادرون. ولقد دعا الحسين(ع) جميع شيعته للشهادة لأنّه على يقين بقدرة شيعته على كسر سدّ الظلم وإلحاق الهزيمة بالاستكبار العالمي.

  الشهيدان رجائي وباهنر في كلام القائد

 ـ يتميز شهداء الثامن من شهريور بأنَّ عملهم لا تطغى عليه سوى نيّة الخير، وكان دأب سياستهم التقوى لا المنهج السياسي.

ـ يجب أن يبقى هذين العنصرين [رجائي وباهنر] حيّين في الأذهان على الدوام كعنصرين لا يطالهما النسيان في تاريخ حكومة الجمهورية الإسلامية والثورة الإسلامية.

ـ كانا [رجائي وباهنر] مثالاً في الثورية والإيمان والتضحية.

ـ هاتان الشخصيتان الكبيرتان اللتان تتميزان بالحرص والشعبية، وكانا متفانيين في أهداف الثورة، كانا حقاً من صفوة العناصر البارزة في الدولة. إنّ الذين ذاقوا طعم المعاناة، وخرجوا من فترة المواجهة بنجاح وشموخ، أكّدوا حتّى النهاية وفاءهم للإسلام والثورة.

 

مكتب رئيس الوزراء تلتهمه النيران

 في ذلك اليوم وبكلام الله أضفى محمد علي رجائي على اجتماع مجلس الأمن القومي كالعادة الصفة الرسمية ﴿بسم الله الرحمن الرحيم * وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾. وكان يستهلّ حديثه به في كلّ الاجتماعات عادة.

كان اجتماع مجلس الأمن يعقد أسبوعياً وكان أعضاؤه الدائمون: رجائي (رئيس الجمهورية)، باهنر (رئيس الوزراء)، كلاهدوز (نائب قائد قوات حرس الثورة الإسلامية)، دستجردي (مدير الشرطة)، ضبّاط الدرك، ثلاثة من كبار ضبّاط القوات النظامية والأمن الداخلي، وأخيراً المجرم كشميري.

عقد الاجتماع المذكور في الساعة 45،2 ظهراً،. دخل الشهيد باهنر متأخّراً لبضعة دقائق وجلس إلى جانب رجائي رفيقه في النضال.

كان من المقرّر أن يكون هذا آخر اجتماع لمجلس الأمن يشترك فيه الشهيد رجائي، على أن تعقد اجتماعاته اللاحقة برئاسة الشهيد باهنر. وحتّى في هذا الاجتماع حاول رجائي عدّة مرات إعطاء مكانه لباهنر لمواصلة الاجتماع، إلاّ أنّ باهنر عارض الفكرة وطلب إليه أن يكون هذا آخر اجتماع يشارك فيه.

بدا رجائي في هذا اليوم أكثر هدوءاً من أيّ وقت مضى (ربّما ابتهاجاً لأنّه سيرى بعد الاجتماع زوجته وأولاده بعد غياب عدّة أيام. وصل ابنه الوحيد كمال إلى مقر رئاسة الوزراء قبل الآخرين، كانت عائلة الشهيد رجائي واستجابة لتأكيدات الإمام وبناءً على رغبة الشهيد نفسه تأتي إلى مجلس الوزراء بضعة أيام في الأسبوع ـ لكيلا تصبح من أصحاب القصور ـ وتعود ليلاً إلى دارها بواسطة الحافلة؛ لأنّ رجائي لم يوافق في تلك المدّة على استخدام السيارات الحكومية ولو مرّة واحدة لإيصال عائلته من رئاسة الوزراء إلى البيت؛لحرصه الشديد على بيت المال).

بدأ اجتماع مجلس الأمن بحديث (مدير الشرطة) الشهيد دستجردي الذي قدّم تقريراً عن أوضاع مدينة طهران والأحداث التي وقعت فيها خلال الاسبوع المنصرم. وكان كشميري الذي يعمل كأمين للمجلس قد دخل إلى قاعة الاجتماع قبل الجميع وبيده حقيبة سوداء، وكان يكثر الدخول والخروج وقد شغّل مسجّله الصغير كالعادة ووضعه على الطاولة في الوسط.

في المرّة الأخيرة التي دخل فيها كشميري إلى غرفة الاجتماع كان يحمل بيده طبقاً فيه آنية الشاي ولم يره أحد بعدها. كان رجلاً غامضاً. ومع أنّه عمل مدّة طويلة في مجلس الأمن وكان يشارك في اجتماعاته كمحرّر ومدير لكنّ المرء قلّما كان يشاهده.

لقد كان كشميري مجرماً حقّاً بما في الكلمة من معنى. وعلى الرغم من عمله لما يقارب السنة مع هاتين الشخصيتين ومع معرفته بخصائصهما السامية، إلاّ أنّه جلب في ذلك اليوم تلك «الحقيبة القاتلة» إلى قاعة الاجتماع بكل برود ووضعها بين كرسيي رجائي وباهنر.

كان على اطلاع تام بكلّ تفاصيل الاجتماع، حتى ان دخول أعضاء المجلس إلى قاعة الاجتماع لابدّ وأن يكون بإذنه.

لم يزل الاجتماع معقوداً حتّى الساعة الثالثة بعد الظهر، وكان حديث الأعضاء يتركّز حول كيفية استشهاد وسجايا النقيب همتي، الذي كان آمراً لوحدة مالك الأشتر، والذين استشهد أخيراً في باختران.

انتهى تقرير العقيد دستجردي، وكان رجائي يرد على سؤال كلاهدوز عن تفاصيل استشهاد آمر وحدة مالك الأشتر. ولا يتذكّر أحد ممن جرحوا في الحادثة على وجه الدقّة العبارات الأخيرة التي قالها رجائي في هذا الصدد؛ وذلك لأنّ قنبلة انفجرت بعد ذلك بلحظات، ولكن من المسلّم به أنّ آخر ما تحدّث به الشهيد رجائي كان بشأن الشهادة ودور الشهداء في الثورة الإسلامية.

في الساعة الثالثة والدقيقة الرابعة عشر كان رجائي يتحدّث بوجه وضّاء عن الشهادة والشهيد، وفجأة انطفأت مصابيح القاعة في لحظة واحدة ثمّ أضاء القاعة وهج شديد حيث التهبت النيران كلّ الأرجاء.

كانت القنبلة قد وضعت في حقيقة سوداء كبيرة أدخلها المجرم كشميري إلى الاجتماع ووضعها بين كرسيي رجائي وباهنر، وكانت من القنابل التخريبية الحارقة. ولهذا السبب أدّت قوّة عصفها إلى انهيار قسم من سقف القاعة وإلى تناثر كراسي المجتمعين إلى أطراف القاعة، وشبّت النيران بالتزامن مع ذلك في كلّ مكان، فيما سرت النار والدخان سريعاً في الصالة وسائر الغرف الأخرى فيذلك الطابق.

وقد أدّت البسط السميكة المفروشة في الغرف، وورق الجدران، والطبقة الخشبية التي تغطّي الممرات إلى تفاقم شدّة اللهب الذي أحدثه انفجار القنبلة الحارقة. وخلال بضعة دقائق تحوّل الطابق الأول من مبنى رئاسة الوزراء إلى كتل هائلة من النار والدخان.

أمّا كلاهدوز وضبّاط الدرك وثلاثة آخرين من الشخصيات العسكرية الذين رمت بهم قوّة العصف الناتج عن الانفجار إلى أطراف القاعة، فقد استعادوا وعيهم بعد دقائق فيما كان كلّ واحد منهم مجروح أو مصاب بنحو أو آخر، فرموا بأنفسهم من السلّم الواقع على يمين بناية رئاسة الوزراء.

سارع الشهيد كلاهدوز الذي ما فتئت معالم الإغماء بادية عليه ومن ساحة البناية إلى إطلاق نار سلاحه الشخصي إلى الجو ظنّاً منه بوقوع غارة جوّية، طالباً العون من الناس.

وفي تلك الأثناء استعاد الشهيد دستجردي وعيه أيضاً وكان جالساً إلى جانب كرسي الشهيد باهنر، لقد احترق كلّ جسده بشدّة، فرمى بنفسه من شبّاك الغرفة إلى الساحة فتكسّرت على إثر ذلك عدّة مواضع من بدنه المحترق.

سرى لهيب النيران والدخان بسرعة إلى جميع أقسام بناية رئاسة الوزراء، وصعد العاملون في البناية إلى طبقاتها العليا، وكان أحدهم ويدعى الشهيد دفتريان قد عزم على استخدام المصعد الكهربائي للنزول، إلاّ أنّه بسبب انقطاع التيار الكهربائي بقي في وسط الطريق فاستشهد جرّاء الدخان الكثيف.

كما وأنّ عجوزاً كانت تمرّ عند حصول الانفجار من جوار البناية أصيب رأسها بحجر فاستشهدت.

ومع تزايد الدخان والنار في البناية، صعد جميع من فيها إلى الطابق الخامس، وبعد مجيء سيارات الإطفاء أخرجوا من البناية بواسطة الرافعات، فيما بدت البناية وكأنّها أنبوب دخان مثقوب من الجوانب يقذف كتلاً من الدخان الأسود الكثيف إلى الخارج.

لعلّ أوّل اتصال هاتفي جرى من مبنى رئاسة الوزراء هو الاتصال الذي أجراه كمال رجائي مع والدته التي كانت تتهيء للمجيء إلى مبنى رئاسة الوزراء لمقابلة زوجها.

انهمك كمال في البحث عن أبيه. وإلى ما بعد 15 دقيقة من الانفجار لم يطّلع أحد على مصير الشهيدين، إلى أن دخل عدد من رجال الإطفاء الذين يرتدون ملابس خاصّة إلى غرفة مجلس الأمن وعثروا هناك على جسدين محترقين بالكامل لا يمكن التعرّف عليهما أصلاً.

إلاّ أنّ أحداً لم يسمح لنفسه حتّى بتصوّر أنّ هذين الجسدين المحترقين بنار حقد الأعداء هما رجائي وباهنر.

لفّوا الجسدين المتفحّمين ببطانية وأخذوهما إلى الطب العدلي، فيما كان البحث متواصلاً هناك للعثور على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. واتّخذ العمل طابعاً أكثر تنظيماً. أغلقت بالكامل جميع الطرق والشوارع المؤدّية إلى بناية مجلس الوزراء، في حين كان جرحى الحادثة يلفّون بالبطانيات وينقلون بسيارات الإسعاف إلى المستشفى القريبة من ذلك المكان في شارع باستور.

بعد ساعة من الاتصال الهاتفي الأول الذي أجراه كمال، دقّ جرس الهاتف مرّة أخرى في دار رجائي التي لازالت تحمل عنه الكثير من الذكريات، وإذا بصوت خنقته العبرة، وهو غير قادر على حبس بكائه يقول: «أمّاه لقد ذهب أبي» معلناً عن استشهاد رجائي. وهكذا هاجر رفيقا الخندق الواحد إلى ربّهما بجسد محروق وقلب طافح بالأمل لتقديم مزيد من الخدمة للأمة الإسلامية.

إمام الأمة (قده) مخاطباً الجماهير المفجوعة باستشهاد الشهيدين رجائي وباهنر (ره)

 

منطقنا هو القرآن

إنّ منطقنا، ومنطق شعبنا هو منطق المؤمنين ومنطق القرآن الكريم وهو.. «إنّا لله وإنا إليه راجعون» لا يستطيع أحد أن يقف أمام هذا المنطق.. إنّ الشعب الذي يعيش لله يعتبر كلّ شيء من الله وأنّ مثل هذا الشعب يعتبر رحلته من الدنيا رحلة نحو الخالق والمحبوب. إذن لا يمكن مواجهة مثل هذا الشعب الذي يحتضن الشهادة ويعانقها كعناق الأحبة.. إنّ الذين عميت بصيرتهم لا يستطيعون الوقوف أمام هذا الشعب، إنّ هؤلاء الأعداء على خطأ لأنّهم لا يعرفون شيئاً عن الإسلام والإيمان والشعب الإسلامي، إنّهم يتصوّرون بأنّهم قادرون على مواجهة هذا الشعب بالاغتيالات التي تستهدف الأشخاص. إنّ هؤلاء الأعداء لم يدركوا بعد بأنّنا عندما نقدّم الشهداء في سبيل الله نعزّز نظامنا وانسجامنا وأنّ استشهاد الأشخاص يؤدّي إلى انسجام الشعب أكثر فأكثر، إنّ شعبنا ثار ونهض ضدّ القوى العالمية الكبرى لتحقيق الأهداف الإسلامية، إنّ الشعب الذي ينهض للإسلام وينهض من أجل الله ولتحقيق الأهداف والأحكام الإلهية لن يتراجع أمام الاغتيالات ولن تثبط همته مطلقاً. إنّ أعداءنا يتصوّرون بأنّ الشعب المؤمن والثائر في إيران يفكّر كما يفكّر الغربيون، وأنّهم يهتمون بالدنيا ولا ينظرون إلى الآخرة.

 

شعبنا والتاريخ

 إنّ الشعب الذي ضحّى قادته وولاته منذ صدر الإسلام وإلى اليوم بأرواحهم لتحقيق الأهداف الإلهية والإسلامية لا يمكن القضاء عليه بهذه السهولة وبواسطة هذه الأمور بل أنّه سيسير بعزم وإرادة دون أن يثبط عزيمته وإرادته شيء. إنّ شعبنا يعلم من خلال مطالعته للتاريخ بأنّ الإمام علي بن أبي طالب(ع) قد اغتيل على يد أحد هؤلاء المنافقين الذين ابتعدوا عن الإسلام“ إنّ شعبنا يفدي بنفسه كمولاه علي بن أبي طالب من أجل الإسلام“ إنّ استشهاد هؤلاء لن يؤثّر في مسيرة الإسلام بالرغم من أهميتهم ومنزلتهم الكبيرة لدى الشعب..

 إنّ جميع الشهداء أعزاؤنا وأنّ الشهيد رجائي والشهيد باهنر كانا قد حاربا الفساد والقوى الفاسدة في خندق واحد“ لقد أخبرني الأخ رجائي في إحدى لقاءاته بي.. بأنّه كان طيلة عشرين عاماً مع الأخ محمد جواد باهنر.. واليوم أراد الله أن يهاجرا سوية نحو الله“ إنّ من يهاجر إلى الله ويعتبر الشهادة فوزاً عظيماً كشهداء صدر الإسلام.. إنّهم كالإمام علي بن أبي طالب(ع) والحسن بن علي(ع) والحسين بن علي(ع) وأصحابه وكذلك هو كالأئمة والصفوة الطيبة التي عملت على حفظ وصيانة الإسلام وجنّدوا عمرهم لخدمة الأهداف الإسلامية..

 فعلينا اليوم أن نصرف كلّ حياتنا ونجنّد أنفسنا للحفاظ على الإسلام“ إنّه بالرغم من قساوة الحادث بالنسبة لي ولكنّي اعرف بأنّهم نالوا الدرجات العليا والتحقوا بالرفيق الأعلى وأنّهم حصلوا على السكينة والهدوء وتخلّصوا من المشاكل والمصاعب التي نواجهها اليوم، فعليه أبارك لهم ولعوائلهم وللشعب الإسلامي الذي يقدّم مثل هؤلاء الشهداء، وفي نفس الوقت الذي تعتبر فيه هذه المصائب صعبة علينا ولكن شعبنا صامد شامخ ومستعد لتقديم مثل هؤلاء الشهداء وأنّه لم يعرف للتراجع معنى، ولن يأخذه اليأس مطلقاً.

 

لا مكان للمجرمين في صفوفنا

 إنّ هؤلاء الذين عميت قلوبهم يتصوّرون بأنّ الجمهورية الإسلامية ستسقط باغتيال عدد من الشخصيات، لا يحملون الأفكار الإسلامية ولا يعرفون شيئاً عن الإسلام والإيمان وأنّ الأفكار التي يحملونها أفكاراً مادّية بحتة، إنّهم يعملون للدنيا فقط وتغلّبت عليهم أهوائهم. علينا أن نعرف دوافع من يرتكب هذه الأعمال، إنّهم لا يهدفون إلى إيصال جماعة إلى السلطة تخدم مصالحهم.

 

ألم يعرفوا شعبنا بعد.. وألم يعلموا بأنّه لا مكان لمن يحمل الأفكار الانحرافية والبعيدة عن الإسلام ولا مكان للفئة التي تقوم بالاغتيالات وترتكب جرائم التخريب“ إنّ من يحكم شعبنا اليوم أبناء الشعب وليسوا من الطبقات العليا البعيدة عن الشعب. لذلك فإنّ شعبنا هادئ ومطمئن لأنّ هناك الكثير ممن عشق الشهادة ويرشح نفسه مكان الشهداء استعداداً للوصول إلى الاستشهاد في سبيل الهدف.

 إنّنا وضمن تأثّرنا بفقداننا لهؤلاء الأشخاص الكبار والمفيدين للشعب والجمهورية الإسلامية نملك من يحل مكانهم ونملك شعباً لا يعرف للتراجع والتخاذل معنى، لذلك فلا تصاب الجمهورية الإسلامية بشيء، وإنّ الظرف الذي نعيشه اليوم لا يشبه ما كان عليه السلاطين سابقاً، حيث كانت الأمور تتدهور بقتل السلطان أو الحاكم أو موتهما لأنّهم كانوا يظلمون الشعب ولا يملكون قاعدة له، ولكن حكومة الجمهورية الإسلامية لا تواجه مثل هذا الوضع وإنّ الشعب هو الذي سينتخب من يحل مكان الشهداء الراحلين لأنّ الشعب يعتبر الحكومة منه وله.

 وعليه فإنّ شعبنا لا ينتهي باستشهاد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بل سيختار من يحلّ مكانهم. إنّنا لو نظرنا إلى ما يجري اليوم في طهران وبقيّة المدن وإلى تجمّع الجماهير لعرفنا مدى الفارق بين جمهوريتنا ودول العالم الأخرى.

 فعندما كان يقتل رئيس حكومة في السابق لم يكن يصدر عن عامة الشعب ردّ فعل سوى السرور والفرح، واليوم نرى البلاد كلّها تغرق في الحداد والعزاء لاستشهاد شهيدين عظيمين ونرى البلاد بأكملها تحافظ على انسجامها وغداً عندما يعلنون عن انتخابات رئاسة الجمهورية فإنّ كافّة المواطنين على استعداد للمشاركة في الانتخابات.

 

موقف الأمة من الفاجعة

 إنّني أعلم بأنّ العناصر المعارضة لجمهوريتنا الإسلامية بل المعارضة للإسلام في الخارج وكذلك الأبواق الدعائية الاستعمارية ستقول إنّ باستشهاد هذين الشخصين سيتدهور الوضع في إيران سيتدهور وسيقولون أيضاً بأنّ المواطنين لم يكترثوا في الحداد عليهما أو أنّهم فرحوا بذلك، مع أنّهم يعلمون أنّ هذه الدعايات هي باطل محض.

 انظروا إلى أنحاء البلاد ترون البلاد غارقة بالحداد والعزاء وترون المواطنين المتجمعين حول المجلس «مجلس الشورى الإسلامي» أكثر من عدد الذين تجمعوا اثر استشهاد الاثنين وسبعين شهيداً، إنّ شعبنا هو هكذا فإذا استشهد أشخاص بعد الآن ـ لا سمح الله ـ فإنّ شعبنا سيبقى على ما هو وأنّ ثورتنا ستبقى على حالها.

 المهمّ هو أنّ أيّ عمل في سبيل الله لا في سبيل الأفراد والأشخاص والشخصيات سيبقى ولا يموت، فذهاب الأفراد والشخصيات سوف لن يزلزل أوضاع البلاد لأنّ شعبنا لا يرتبط بالأفراد والأشخاص لكن البلاد التي تعتقد بالله وتثور من أجل الله ردّدت «لا شرقية ولا غربية“ جمهورية إسلامية» وثار أفرادها صغاراً وكباراً، نساءً ورجالاً بنداء «الله أكبر» وأقاموا هذه الحركة والثورة معتمدين على الله، فإن كان قد غاب رجائي وباهنر فإنّ الله لن يغيب وهو موجود معنا.

 

لمن يقاتل المسلمون؟

 في إحدى الحروب التي وقعت في صدر الإسلام قال المنافقون بأنّ النبي قد استشهد لكن البعض قال إذا كنتم تعبدون النبي فإنّ النبي قد استشهد عليكم أن تتأثّروا بذلك، وإذا كنتم تعبدون الله فإنّ الله موجود. لقد ضحى أميرالمؤمنين علي(ع) بروحه واستشهد في سبيل الإسلام، وبقي الإسلام. وقد ضحّى الإمام الحسين(ع) بنفسه وكلّ عائلته وأقربائه وقد قوّى الإسلام بعد شهادته.

 وإنّنا متوجّهون إلى الله وإنّ شعبنا قد ثار في سبيل الله، فذهاب أصحاب المنزلة الرفيعة هؤلاء سوف لن يزحزح إرادتنا مع أنّنا متأثّرون لهذا الحادث، فالله تبارك وتعالى كان منذ البداية معكم، وما دمتم في الميدان وسوف تكونون إن شاء الله فإنّ الله تبارك وتعالى سيدعمكم وستكونوا أقوياء.

 فعلى قواتنا المسلّحة المرابطين في جبهات القتال أن تعلم بأنّها تقاتل في سبيل الله لا من أجل رئيس الجمهورية ولا من أجل رئيس الوزراء ولا من أجل الآخرين، على هذه القوات أن تقوّي نفسها، وكلّما يقوم الفاسدون بعمل ضدّ هذه البلاد على القوات أن تستمر بعزم أقوى في مراكزها بالجهاد والنضال، وعليكم ألاّ تظنّوا بأنّ هؤلاء الذين يقومون بمثل هذه الأعمال إنّما يقومون بها من موضع قوة، فوضع قنبلة في مكان ما وتفجيرها يمكن أن يقوم به الطفل ذو الاثني عشر عاماً، فهذا العمل لا يدلّ على القوّة بل هو الضعف بعينه، إنّني أعتبر هؤلاء أكثر جبناً من ابن ملجم (قاتل الإمام علي(ع)) لأنّه حضر بين الناس وقام بعمله (لعنه الله) وهؤلاء ليست فيهم ذرّة من الرجولة بقدر ما كان لدى ذلك الجبان إذ يقومون بعملهم خلسة ولا يظهرون أنفسهم.

 فهؤلاء الذين فرّوا إلى الخارج ويصدرون أوامرهم من الخارج لاغتيال المواطنين انّ اعمالهم هي أعمال جبانة، إنّني أرجو أن تبقى بلادنا صامدة كماصمدت في وجه كافّة القوى، ووقف النساء والرجال والشباب والمسنين والأطفال والكبار رافعين قبضاتهم صامدي ن وطردوا القوى العظمى من بلادنا وأرسلوها إلى جهنّم.

 إن شاء الله سيكون هذا الشعب حاضراً في الميدان وسيصبر أمام هذه المشاكل لأنّ منطقه هو ﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾، إنّا لله وكلّ ما لدينا من الله وسنبذله في سبيل الله ولا نخشى أحداً، ولا أن نظن بأنّنا إذا رحلنا من هنا لا حياة أخرى لنا. إنّ على أولئك الذين يظنّون بأنّ القيامة هي في هذه الدنيا وأنّ البعث في هذه الدنيا وينكرون بعثة الأنبياء والقيامة، عليهم أن يخافوا لأنّهم يفضّلون الموت الحيواني على الموت الإنساني.

 فشعبنا ومسؤولونا مستعدّون للشهادة ولا يخافون الشهادة، فشعبنا رأى شهداء كثيرين وقد قدّم خلال السنوات الأخيرة آلاف الشهداء وآلاف المعوّقين وهو صامد، فهؤلاء السادة الذين استشهدوا ونعتبرهم كباراً وأعزاءً التحقوا بربهم. إنّ لدينا أشخاصاً مؤمنين يفكرون بالشهادة ومتطوّعون للشهادة، إنّني أأمل بأن يزيد الشعب من انسجامه أكثر، وأن يثبت وجوده في الميدان أكثر من السابق، وأن يتعرّف على الحثالات الباقية من النظام البائد والأشخاص الفارّين. وعلى قوى الأمن وخاصّة الشرطة أن تهتمّ أكثر بأمر المراقبة وسائر الأمور. أتمنّى أن تنتصروا وأنتم منتصرون.

  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

الشهيد رجائي الرئيس الذي لم يتحمله الكفر شهراً واحداً

 إنّ مقتضى التقدير الإلهي والمشيئة الإلهية، أن يكون الذين نالوا الشهادة، أشخاصاً ذوي خصائص وخصال فريدة ورفيعة. فهم يعتبرون في حياتهم الدنيوية، نماذج وقادة للناس، ودروساً وعِبراً خالدة في التاريخ.

 والشهيد رجائي واحد من الأفراد النوادر الذين ارتقوا ـ بجهاد النفس والسيطرة عليها والتحرر من قيود الشيطان ووساوسه الخادعة ـ في مسيرة حياتهم الدنيوية الشاقة إلى الدرجات العالية للتكامل والإخلاص

 فالذين يعرفون مزايا رجائي ـ ولو معرفة بسيطة ـ يشهدون عنه من دون مبالغة، انه كان واحداً من أكثر عباد الله تقرباً وعبودية وإخلاصاً وحباً لله تعالى من بين الأشخاص الذين دخلوا الساحة السياسية والاجتماعية.

 ورغم أنّ رجائي قد وصل إلى مقام دنيوي إلاّ أنّه لم تبد منه أية حركة تدلّ على ابتعاده عن عبادة الله وخدمة الناس باعتبارها واجباً مفروضاً عليه.

 أحد أصدقائه يقول: «كنتُ عنده ذات يوم، إذ نظر إليّ وقال: يجب أن لا أنسى إنيّ كنتُ مدرّساً، ولا زلتُ مدرّساً، وليس الذي حوالي إلاّ وسيلة اختبار لي».

 كان رجائي من الطبقة المحرومة، من الطبقة المستضعفة، من طبقة عباد الله الصالحين.

 رجائي البائع المتجول بالأمس، ورئيس الجمهورية الشهيد اليوم، إنّما هو مصداق للآية الكريمة {ونُريد أن نُمن على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعَلهم الوارثين}.

 إنّ تحمل الشدائد والصعاب والاحتكاك بالوقائع الشاقة والوقوف أمام الحوادث والبلايا والمصائب، كُل ذلك قد جعل من الشهيد رجائي جبلاً راسخاً لا يتراجع أمام أية مشكلة مهما كانت عظيمة.

 لقد ابتنت شخصية رجائي من الشجاعة النادرة التي أبداها في سجون نظام بهلوي الوحشي والدموي، وتحمله التعذيب الرهيب والذي خلق منه انموذجاً للمقاومة تحت التعذيب.

 كان رجائي ذلك الرئيس الذي لم يستطع الكفر العالمي تحمّله حتى لشهر واحد.. فكيف كان رجائي إذن حتى كرهَهُ أئمة الكفر وعملاؤهم في الداخل كل هذه الكراهية؟

كانت لرجائي خبرة خاصة تتجلي فيه أكثر من سائر مميزاته، وتلك هي الميزة التي تبدو في أنصار الإمام المخلصين.

 لقد كان رجائي مسلماً، وأهم خصائص المسلم أنه لا يخضع ولاستسلم لأية قوّة غير الله. وقد كان رجائي يؤمن بكُل وجوده أنه «لا إله إلاّ الله» و «الله أكبر».

 هذه النظرة والاستعانة بالله تمنح النشاط والقوة للإنسان وترفع من شأنه وتصعد به من هذه الدّنيا الدنيئة إلى السماوات العُلى، وتجعل له عظمة خالدة.

 فإذا صار الإنسان كذلك، لن تؤثر فيه أية قوة استكبارية مهما كانت كبيرة، بل إنّ هذا الإنسان سيتمكّن أيضاً من الهجوم عليها ومقاتلتها.

 ذهب رجائي إلى هيئة الأمم المتحدة، وبدلاً من سرد المديح للقوى المستكبرة والتمجيد لها وتأييد جرائمها أو على الأقل التغاضي عنها، نجده يقف أمامهم بكل قوّة ليدافع عن الجمهورية الإسلامية ومواقفها الحقة، حيث صرخ في وجه القوى الطاغية وأعلن أن إيمان الناس هو المنتصر الحقيقي في الحرب، لا طائرات الآواكس الأمريكية أو طائرات توبولوف الروسية، وعند ذلك أدركوا أن رجائي لن يستسلم لأحد أبداً.

 وقف رجائي في مسرح الممثلين الذين اجتمعوا يمدحون الامبريالية، فصرخ فيهم منادياً: «سنُبرهنُ للعالم بأننا سوف لن نحتاج إلى الشرق في جهدنا ضد الاستعمار الغربي، واننا قادرون أن نعتمد على أنفسنا ونقدم أغلى الإيمان في سبيل المحافظة على استقلالنا... لقد علّمتنا تعاليم الإسلام والتجارب التأريخية أنه لم ولن يتيسر لنا النصر والغلبة على المشاكل إلاّ بالتوكل على الله والاعتماد على الناس».

 رجائي رجل ثقافة ووعي. لم يستمد وعيه من الكتاب والقراءة فحسب، بل استحصل الوعي والثقافة عن طريق التقوى والإيمان، كما يُعبّر القرآن: ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ﴾.

 نعم، إن ثقافة رجائي نابعة من تقواه، فالسجون وأنواع التعذيب التي شاهدها، بالاضافة إلى جهاده المستمر، كُل ذلك خلق منه هذا الإنسان المتقي وهذا الحكيم المُخلص.

 عندما رفض رجائي في قلب أمريكا اللقاء مع كارتر، ثم ذهب ليُقيم الصلاة مع الأمريكيين السود في هارلم، وعندما وقف أمام الصُحفيين والمراسلين في نيويورك ليكشف عن آثار التعذيب في جسمه، باعتبارها وثيقة عن جرائم الامبريالية، عند ذلك أدركوا أن رئيس وزراء هذا الشعب، رجل قد ذاق مع أبناء شعبه مرارة التعذيب والسجن، ولن يرضَ أبداً أن يُسلم وطنه بأيدي الناهبين.

 نعم منذُ ذلك الوقت حيث عَرفَهُ أعداء الإسلام، استعدوا بكُل قواهم من أجل إسقاطه وزملائه في الجهاد، وقد أدرك رجائي ذلك تماماً حيث قال قبل أيّام من تقبله مسؤولية رئاسة الوزراء «ها أنذا أضع كرامتي كلها رهناً لهذا الأمر».

 وقد رأينا ما فعلوا به، اتهموه بأنه غير لائق، غير خبير، متعاون مع أمريكا، وغيرها من أنواع التهم، أملاً منهم أن يفصلوه عن الجماهير المحرومة، إلاّ أن الإمام ذلك القائد المثالي الذي استطاع أن يَدعم هذه الثورة المظفرة بإستراتيجيته المعروفة: «انتصار الدم على السيف». هذا الإمام العظيم(ره) وجد في رجائي شخصية إسلامية قديرة، فقال فيه: «إنّ عقله أكبر من علمه». وأية دعامة أهم من الحصول على الثقة التامة من إمام الأمة.

 قد جعل رجائي حياته كلها في سبيل دعم هذه الثورة وانتصارها، وفي النهاية أيضاً لقي ربه وهو باق على عهده.

 

التاريخ الجهادي للشهيد رجائي:

 عرف الشهيد رجائي، رجل التقوى والسياسة، فساد وظلم نظام بهلوي مبكراً وبدأ نضاله وجهاده ضدّ هذا النظام. بدأ تحرّكه وهو لايزال في القوة الجوّية مع منظمة فدائيي الإسلام بزعامة الشهيد نواب صفوي، تلك الحركة التي أثبتت وجودها وأعلنت عن نفسها منذ الإعدام الثوري لـ«رزم آرا» أحد رؤساء الوزراء للنظام المقبور.

 كما أنّه كان يشترك مع الشهيد محمد صادق إسلامي ـ الذي استشهد في حادث انفجار مبنى الحزب الجمهوري ـ في حضور دروس «المجتمع الإسلامي» للشهيد أماني ـ الذي اتهم بالإعدام الثوري لرئيس وزراء الشاه المقبور منصور ـ، وكانت هذه الدروس تعقد في منطقة «كذر قلعه». كما قام الشهيد رجائي وباستخدامه للاسم المستعار «أميد» وبالتعاون مع باهنر وجلال الدين فارسي بإعادة بناء تشكيلة «الهيئات المؤتلفة الإسلامية» التي كانت قد انحلّت.

 ومن الأعمال الاجتماعية ـ السياسية الأخرى لهذا الشهيد نذكر تأسيس مؤسّسة الرفاه والتعاون الإسلامي لأجل مساعدة المحرومين وكذلك إنشاء مدرسة الرفاه بالتعاون مع حجّة الإسلام رفسنجاني.

 تعاون الشهيد فترة من الزمن مع حركة الحرية «نهضت آزادي» واعتقل في عام 1963 ودخل السجن بتهمة توزيع منشورات تلك المجموعة، وتعرّف في سنوات دراسته الجامعية ومن خلال الجمعية الإسلامية على مؤسّسي منظمة المنافقين (مجاهدي خلق)، إلاّ أنّه انتبه مبكراً قبل الآخرين إلى أسس النفاق لتلك المجموعة وقطع ارتباطه معهم؛ لهذا ترون أنّه تحمّل أكبر الأذى من هؤلاء حتّى عندما كان في السجن بحيث أنّه قال بعد إطلاق سراحه من السجن: الكل دائماً يسألني ماذا فعل بك (السافاك) في السجن ولا يسألوني عما فعل بي المنافقون في السجن.

 بعد عودة الشهيد الدكتور بهشتي من ألمانيا إلى إيران توثقت عرى الصداقة بينهما، لذا فقد زاد نشاط رجائي. وبينما كان خارجاً من جلسة سرية انعقدت ليلاً مع الشهيد الدكتور بهشتي وأشخاص آخرين، اعتُقل رجائي اثناء عودته إلى البيت وبقي في السجن الانفرادي طيلة سنتين لاقى خلالهما ـ وبكل شهامة وشجاعة ـ ألوان التعذيب في السجن الانفرادي (لجنة محاربة التخريب التي أسّسها النظام البهلوي) وخلال ذلك لم يقدّم رجائي أية شكوى.

 فقد خلق أسطورة للاستقامة والشهامة، أسطورة للثبات والصلابة في العقيدة، حتى أن جلاوزة النظام الطاغي أعجبوا به ايضاً إذ بقي يقاوم بكل قوة وعزم أمام التعذيب المستمر كل يوم، حتى أنه ذات مرة كان عملاء النظام قد ضاقت صدورهم من هذا الإنسان الصامد، فألقوا به جريحاً عارياً في زنزانة غير مفروشة بشيء، وأبقوه هناك ثلاثة ايّام من أشد أيّام الشتاء برداً، وذلك ليكسروا أسطورة المقاومة فيه، أو لعله يستسلم لهم. فوقف في وجههم رافعاً رأسه بكل ثبات وقوّة، ولم ينبس ببنت شفة وبدون أدنى اعتراف أو عجز.

 

يقول الشهيد رجائي بنفسه:

 «من أنواع التعذيب الذي لاقيته أنهم كانوا يضربوني بصورة منظمة مدة عشرين يوماً على التوالي دون أن يسألوني عن شيء ما، إنّما كانوا يقولون لي فقط: تكلم.

 وأحياناً يربطون رأسي مع أصابع رجلي فأبقى راكعاً، ويأمرونني أن أقفز وأنا في هذه الحالة، أو يقيمون الصليب ويعلقوني عليه لكي أتكلم.

 وذات يوم حيث اغتيل رئيس اللجنة، جاؤوا وأخذوني، ثم قالوا نريد أن نقتل ثلاثة أو أربعة أشخاص وأنت واحد منه، وعذبوني تعذيباً شديداً، ولكن لحسن الحظ ساعدني الله ذلك اليوم أيضاً فنجوت بسلام.

 مرة أخرى بعد أربعة عشر شهراً من اعتقالي ـ وكان يصادف أوائل أيّام الثورة ـ حيث لم أزل في السجن، كانوا يدخلونني أحياناً في زنزانة انفرادية، أو يضعون معي شخصاً آخر في الزنزانة، وهذا الشخص كان يحاول أن يستدرجني في الحديث حتى يستفيدوا من هذا الحديث ضدّي.

 في منتصف شهر رمضان يوم ولادة الإمام الحسن(ع)، أخذوني في الساعة الثامنة صباحاً إلى الساعة الواحدة بعد الظهر، وعند إعادتي إلى الزنزانة كانت حالتي لا تسمح لي أن أمشي فاضطروا إلى سحبي على الأرض حتى وصلنا إلى الزنزانة.. كان ذلك اليوم من أحسن أيّام حياتي، وكنت فرحاً بأنني أعذّب وأنا صائم، فقد أرادوا أن يحطموا معنويتي إلاّ أنني كنت أتقوى في إيماني وعقيدتي.

 كنت مسروراً وأنا أردد الآيات والأدعية التي تقوي روحي، وأذكر أنني كنت أردد في غرفة التعذيب أو في زنزانتي هذه الآية: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

 عندما كنت أعذّب، كانوا يجبروني على أن أركض على قدميّ المتورمتين، وكنت أردد حينها هذا الجزء من الدعاء: «قوّ على خدمتك جوارحي».

 كنت أغتنم الفرصة عندما أبقي وحيداً في الزنزانة، فأقرأ جميع الآيات التي أحفظها من القرآن، وفي بعض الأحيان يدخل معي في الزنزانة أحد السجناء غير المسلمين فكنا نستعين بجميع الوسائل الممكنة لقضاء الوقت الطويل في السجن.

 بعد التعذيب الذي تعرضتُ له في منتصف شهر رمضان حيثُ انتهي بهزيمة الجلادين هزيمة منكرة، أرسلوني بعده إلى المحكمة، وهناك حكموا علي بالسجن خمس سنوات...

 وفي الليلة التي انتهت فيها محاكمتي أخذوني مباشرة إلى غرفة التعذيب وبدأوا يضربوني دون أن أكون قد ارتكبت شيئاً جديداً. لقد ضربوني بشدة وقالوا لي: «تكلم» وأجبتهم أن محاكمتي قد انتهت فلا معنى لتعذيبي بعد الآن.

 واستمر التعذيب أيّاماً، حتى جاء فصل الشتاء من سنة (96 ـ 1397هـ) حيث كنت سجيناً في زنزانة انفرادية غير مفروشة بشيء، رغم أن جميع السجناء الآخرين قد أعطي كل منهم فرشاً وملحفة.

 وهكذا قضيتُ الشتاء في الزنزانة المعروفة رقم 11 القريبة من المرحاض مدة ثلاثة أشهر من البرد، وأذكر أنني لم أكن أستطيع الرُقاد لشدة البرد فأحتضن ركبتي حتى استفيد من حرارة جسمي، ولكن بمجرد أن أغفو في المنام، تنفك يداي عن ركبتي واستيقظ من النوم، ولحسن الحظ قد انتهت ـ بهذه الصورة ـ هذه الأشهر الثلاث دون أن يحصلوا على أية معلومات جديدة مني».

 وعلى أثر هذه المقاومة. أرسله النظام الحاكم إلى سجن «القصر» وسجن «اوين». وبقي في السجن أربع سنوات.

 أمّا لقاؤه مع أهله، ففي السنتين الأوليتين عندما كان في مركز التعذيب لم يلتق بأهله إلاّ ثلاث مرات، وأما بعد هاتين السنتين فكان له لقاء كل أسبوع مع قصر المدة المحدّدة (عشر دقائق).

 وبعد إطلاق سراحه من السجن، واصل رجائي جهاده السياسي والثقافي في اطار العقيدة وتحت قيادة الإمام الخميني(قده)، وذلك إلى جنب أساتذة مثل الشهيد مطهري والشهيد الدكتور باهُنر والشهيد الدكتور بهشتي آية الله العظمى الخامنئي وحجة الإسلام هاشمي رفسنجاني والمرحوم الطالقاني.

 وقد لعب رجائي دوراً فعالاً في المسيرات العظيمة التي حدثت سنة 1357 هجرية شمسية.

 

الخط الفكري للشهيد رجائي:

 بانتصار الثورة الإسلامية في سنة 1358 هـ ش بدأ نشاطه مستشاراً لوزير التربية والتعليم ثم أصبح بنفسه وزيراً للتربية والتعليم، حيث كان يعتقد بأنّ التربية والتعليم في النظام السابق كانتا في أدنى مستوى لهما. يقول في هذا الصدد:

  (إنّ من واجبنا اليوم أن نبذل جهودنا لرفع مستوى التربية والتعليم في جميع المؤسسات الاجتماعية، فإذا لم نصلح التربية والتعليم فلا يمكن إصلاح أية مؤسسة أخرى. إن ثقافتنا يجب أن تكون ثقافة إسلامية ثورية وملتزمة).

 وأصبح رئيساً للوزراء بتاريخ 29 شوال 1400 هـ بإحراز أغلبية آراء نواب الشعب.

 يقول بمناسبة تقبله لهذا المنصب:

 «كنت أعتقد أن رئاسة الوزراء وظيفة شرعية ثورية، وعندما كانت بعض الأمور تجول بخاطري أثناء الحكومة المؤقتة وحكومة مجلس قيادة الثورة وكنت أرى أن المسؤولين لا يعملون أتألم لذلك، وكنت أتمنى أن أوفق في القضاء على تلك المشكلات إن أصبحت يوماً رئيساً للوزراء».

 كان رجائي يعتقد أنّ الحكومة يجب أن تسلم إلى الثوار الذين استقبلوا الرصاص بصدورهم في 17 شهريور 1357 وأول محرم في منطقة (سرجشمه) بطهران.

 ولانتخاب وزرائه كان يصرّح:

 «أنا بعيد 100% عن الحكومة المختلطة، وأعتقد أنّ الحكومة يجب أن تكون بصورة كاملة من الثوار الذين يسيرون على نهج الإمام».

 وهكذا بدأ رجائي رسالته في منصب رئيس الوزراء، وكان يسعى لحل مشكلات الثورة ومعضلاتها بالاتكاء على الأساليب العقائدية. وقد ابتدأ بتصفية المراكز الحكومية، وذلك بتوظيف الطاقة البشرية المؤمنة والثورية والشابة بدلاً من عملاء النظام الطاغوتي، وأقر القوانين والنظم الإسلامية على الوزارات بدلاً من الروابط الخاصة.

 محمد علي رجائي الذي كان يعترف دائماً بأنّه معلم متواضع اهتم ـ بعد التوجه إلى الثقافة الإسلامية ـ بتعميم الأصول التربوية والثقافية الإسلامية في جميع المستويات الدراسية، ولذلك فإنّه جعل محتوى البرامج والكتب الدراسة منطبقة مع الثقافة الأصيلة للإيديولوجية الإسلامية وطهرها من رواسب الثقافة الطاغوتية الأجنبية، الممزوجة بالشرك والإلحاد.

 رجائي، الذي كان يتحرّك دائماً في صراط «لا شرقية ولا غربية» منع استيراد البضائع الإضافية والكماليّات من الخارج وذلك لمنع العمالة الاقتصادية. واجتهد للتقليل من البضائع المصنوعة والمنتجة في الداخل وبدأ بتهيئة الإمكانيات لأجل إنتاج أكثر وأحسن، وخطا خطوات جديدة لقطع يد الوسائط الإضافية لأجل الوصول إلى الاكتفاء الذاتي.

 وبالنسبة للزراعة كان يعتقد الشهيد رجائي بأنّ «بلدنا بلد زراعي كبير، ويجب أن يعتمد على نفسه في قضاء حاجاته الإنتاجية». ولذلك فإنه بدأ يعمل بكل جدّ في سبيل القضاء على المشاكل، وازدياد المحاصيل الزراعية زيادة كميّة وكيفية وإيجاد التغيير الجذري في أسلوب الانتفاع من الإمكانيات والمواد الأولية.

 وبما أنّه كان من قلب الطبقة المحرومة، فقد جعل شعار «الصحة للجميع» في مقدّمة برامج وزارة الصحة، وبالاهتمام بأكثر مناطق البلاد حرماناً وفقراً سعى كل سعيه لكي ينتفع الجميع من الخدمات الصحية المجانيّة. وبذلك استطاع الشهيد رجائي باستقامته وإطاعته للإمام وأعماله الموافقة مع الدين والحق وأخلاقه أن يكسب صحبة عظيمة في ساحة السياسة في الداخل والخارج.

 الخطاب المهم الذي ألقاه رجائي في هيئة الأمم المتحدة وكشفه عن رجليه للصُحفيين هناك ليروا آثار التعذيب الشاهنشاهي عليهما، وفضحه للاستعمار في خطابه هناك بالإضافة إلى مواجهته الحاسمة مع الحكومة المعتدية السوفيتية الملحدة، وأسلوبه في مواجهة الدول العميلة في المنطقة، كلها تحكي عن قوته في إدارة البلاد على أساس «لا شرقية ولا غربية، الاستقلال، الحرية، الجمهورية الإسلامية».

 كان رجائي يقول «سوف نبذل كل جهودنا لكي نتحرك في صراط الإسلام المستقل من الشرق والغرب».

 تواضعه وصدقه وباطنه بالإضافة إلى أخلاقه وصفاء باطنه وحبّه وشوقه لخدمة الثورة وجميع المستضعفين، عملت منه وجهاً محبوباً.

 بعد عزل بني صدر من رئاسة الجمهورية دخل رجائي في عضوية مجلس رئاسة الجمهورية المكوّن من ثلاثة أشخاص وذلك وفقاً لدستور الجمهورية الإسلامية في إيران ثم شارك في انتخابات رئاسة الجمهورية بتاريخ الأول من شوال سنة 1401 (عيد الفطر) وانتخب رئيساً للجمهورية بعد أن حاز على أكثر من 13 مليون رأي.

 وفي مراسيم تنفيذ حكم رئاسة الجمهورية، قال الإمام الخميني قائد الثورة ومؤسس الجمهورية الإسلامية:

 «كلّما كثرت الآراء، ازدادت المسؤولية، فإن كانت آراؤكم خمسة ملايين فإن مسؤوليتكم كانت أقل، والآن حيث إنها أكثر من 13 مليون فإن حجم مسؤوليتكم أكبر...».

 بعد خطاب الإمام الخميني وتنفيذ حكم رئاسة الجمهورية من قبل الإمام. قال الشهيد محمد علي رجائي:

 «إلهي كم من نعم أنعمتها عليّ دون أن أستحقّها.. إلهي كم من مدائح مدحني بها الشعب ولم أكن مستحقاً لها أبداً.. والآن فإنني أحقّر نفسي أشد تحقير أمام هدايتك ورحمتك وأضعها بين يديك، فلا تكلني إلى نفسي أبداً. يا ربي.. يا خالقي.. أنقذني واحفظني من الزّلات التي تحصل لكل من يحرز منصباً».

 وحقاً إنّ هذا الابن البار للشعب الذي كان يلمس بكل وجوده عذاب الفقراء والبائسين، كان مع الشعب في كل لحظات الحياة.. بقوله وفكره وعمله عاش لله وصعدت روحه الطاهرة إلى الله مع الشهيد باهنر رئيس الوزراء على أثر انفجار قنبلة حاقدة في قاعة الاجتماع. فسلام عليه وعلى شهداء الإسلام الأبرار، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

نبذة من حياة الشهيد محمد جواد باهنر(ره)

   ـ ولد الشهيد حجة الإسلام محمد جواد باهنر في عام 1312هـ.ش في عائلة فقيرة كانت تسكن أحد أحياء كرمان القديمة. كان لوالده حانوت يقوّت منه أفراد عائلته.

 ـ دخل محمد جواد الكُتّاب وهو في سنّ الخامسة وتعلّم فيه قراءة القرآن والكتابة والقراءة. وفي سنّ الحادية عشر دخل المدرسة المعصومية العلمية في كرمان. في عام 1332 هـ.ش نجح الشهيد الغالي في نيل شهادة المرحلة العلمية الخامسة في النظام الدراسي القديم تزامناً مع مواصلة دراسته في الحوزة في مرحلة السطح ولم يكن قد تجاوز العشرين من عمره.

 ـ في أوائل شهر مهر من عام 1332 هـ توجّه باهنر إلى قم فسكن في المدرسة الفيضية، ودرس الكفاية والمكاسب على يد المرحوم مجاهدي والمرحوم سلطاني. ومنذ عام 1333 ولمدّة سبع سنوات كان الشهيد باهنر يحضر درسي الفقه والأصول في مرحلة البحث الخارج على يد زعيم الثورة الإسلامية الإمام الخميني (سلام الله عليه). وبالإضافة إلى حضوره دروس الإمام الخميني كان حجّة الإسلام باهنر يحضر درس الفقه للمرحوم آية الله البروجردي (رضوان الله عليه)، وفضلاً عن هذا كان الشهيد الدكتور يحضر لمدّة ست سنوات درس الأسفار للمرحوم العلاّمة الطباطبائي.

 ـ إلى جانب دروس الحوزة، شرع الشهيد محمد جواد باهنر بالدراسة في كلّية الإلهيات، وكان يسافر إلى طهران عدّة ساعات أسبوعياً للحضور في دروس الكلّية. نجح سنة 1337 بنيل شهادة البكلوريوس في الإلهيات، وبعد مدّة حصل منها على شهادة الدكتوراه، كما ونجح أيضاً في الحصول على شهادة الماجستير في الشؤون التربوية من كلّية الآداب.

 ـ تزامناً مع تبلور آفاق النهضة الحديثة في المجال العلمي والفكري وانبثاق عصر جديد على صعيد التأليف والتحقيق والترجمة ومع انطلاقة المطبوعات تآزر مع عدد من رفاقه على إصدار مجلة «مكتب تشيّع» أي «المذهب الشيعي» منذ عام 1336 إلاّ أنّها للأسف أغلقت بعد صدور سبعة أعداد منها.

 ـ قُبض على الشهيد باهنر لأول مرّة عام 1337 في مدينة آبادان بعد خطاب احتجّ فيه على الموقف البغيض لنظام الشاه في الاعتراف بدويلة إسرائيل الغاصبة.

 ـ في السابع من محرّم عام 1342 اعتقل محمد جواد باهنر في مدينة همدان إثر إثارة الناس ضدّ نظام الطاغوت، إلاّ أنّه أطلق سراحه بعد تحشّد الأهالي واعتراضهم.

 وظلّ يواصل مهمته في التبليغ والإرشاد حتّى الثاني عشر من محرّم، إلاّ أنّه اضطرّ للعودة خفية إلى طهران بسبب ملاحقة جلاوزة النظام له.

 ـ في أواخر شهر اسفند من عام 1342 ألقي القبض عليه مرة أخرى حينما كان يتحدّث في المسجد الجامع بطهران بمناسبة مأساة الفيضية وأودع السجن لمدّة أربعة أشهر.

 ـ بعد إطلاق سراحه دخل الشهيد الدكتور باهنر بواسطة الشهيد آية الله الدكتور بهشتي إلى وزارة التربية والتعليم، واستطاع بمعية الشهيد بهشتي ـ ووفق خطّة ذكية ـ من وضع البرامج وتأليف الكتب الدينية للمراحل الدراسية. وعلى الرغم من كثرة المصاعب والمشاكل والعراقيل إلاّ أنّهما واصلا جهادهما الثقافي المقدّس وبلغا حدّاً وجد النظام نفسه معه غير قادر على استبدالهما أو إيكال مهامها إلى شخص آخر.

 ـ تعاون الشهيد باهنر مع الجمعيات المؤتلفة الإسلامية في مجال الدروس التعليمية. وبعد اعتقال قادة الجمعيات المؤتلفة، وبهدف تشكيل تنظيم شبه سرّي بغطاء اجتماعي بادر الشهيد إلى تأسيس مؤسّسة الرفاه والتعاون الإسلامي عرفت فيما بعد بمؤسّسة (الرفاه)، هذه المؤسّسة التي أسست بالتعاون مع الشهيد رجائي والشهيد بهشتي والشيخ الرفسنجاني وكانت تقوم في الظاهر بأعمال الإغاثة وبناء المدارس وإيجاد صناديق قرض الحسنة إلاّ أنها كانت في الواقع مركزاً للنضال السياسي والثقافي ضدّ الطاغوت.

 ـ منع عام 1350هـ.ش من الخطابة، إلاّ أنّه استمرّ في نشاطه وإلقاء الخطب العلمية والدينية في الجمعية الإسلامية للمهندسين، والرابطة الإسلامية للأطباء، ومسجد الجواد ومسجد الهداية وحسينية الإرشاد.

 ـ من خدماته القيّمة أيضاً تأسيس مركز (توحيد) التبليغي ـ العلمي، وتأسيس مركز نشر الثقافة الإسلامية حينما شعر بالحاجة الملحة للكتب الدينية.

 ـ اعتقل مرّة أخرى عام 1352هـ.ش وسجن لمدّة سنة، واستدعي عدّة مرات بعد إطلاق سراحه. كما اعتقل عام 1357 ثلاث مرات متكرّرة.

 ـ قبل انتصار الثورة الإسلامية انتدب الشهيد باهنر من قبل الإمام الخميني لتشكيل لجنة لتنظيم الإضرابات واجبها تأجيج الإضرابات المختلفة في شتّى أرجاء البلاد.

 ـ عيّنه الإمام بعد انتصار الثورة عضواً في مجلس قيادة الثورة.

 ـ كان للشهيد باهنر أيضاً دور فاعل في تأسيس الحزب الجمهوري الإسلامي إلى جانب الشهيد المظلوم آية الله بهشتي.

 كما وانتدب هذا العالم الشهيد بعد الثورة الإسلامية في قرار أصدره الإمام لتشكيل لجنة تتولّى إعادة فتح المدارس والاهتمام بشؤونها، وكان الشهيد محمد علي رجائي الصديق المخلص للشهيد باهنر عضواً في هذه اللجنة أيضاً.

 ـ قدّم الشهيد محمد جواد باهنر خدمات جليلة من خلال عمله كوزير للتربية والتعليم وأمين عام للحزب الجمهوري الإسلامي ـ بعد استشهاد بهشتي ـ ورئيس للوزراء، لا ينساها البلد على مدى تأريخه.

 ـ استشهد على يد عملاء الاستكبار مع رفيق دربه الشهيد رجائي في 8 شهريور 1360هـ.ش.

 

رئيس الجمهورية الإسلامية يتحدّث عن الشهيد باهنر(ره)

  لقد كنت ولثلاثين سنة تقريباً من أقرب أصدقاء ورفاق وزملاء الدكتور الشهيد في الميادين المختلفة. ولعلّي كنت شريكاً وأنيساً له في كافّة مجالات الحياة، وأعتقد بأنّنا لم نكن نخفي شيئاً عن بعضنا البعض، ولهذا السبب، فإنّي أعطي الحقّ لنفسي بالقول بأنّي حقّاً فريد ووحيد في معرفته ونعيه والأسى عليه.

 بدأت آفاق المعرفة والتعاون فيما بيننا منذ الأيام الأولى لمجيئه إلى مدينة قم المقدّسة وفي مطلع الثلاثينات من هذا القرن[وفق التقويم الإيراني الشمسي أي قبل ما يقارب الأربعين سنة]، بدت علاقتنا مع ابتداء صفوف الدراسة وحتّى آخر ساعات حياته في الثامن من شهريور [الشهر السادس من السنة الإيرانية] عام 1360 عندما كان يشغل منصب رئيس وزراء الجمهورية الإسلامية حيث كانت علاقاتنا تطوي مسيرتها التكاملية بشكل متواصل من غير أن تطرأ عليها علامات الفتور إطلاقاً. والله يعلم بأنّ اهتمامي وتعلّقي به كان ذا منحيً تكاملي طوال تلك المدّة ويعود السبب في ذلك إلى أنّ كلّ حدث أو واقعة جديدة كانت تؤدّي إلى فتح صفحة جديدة أمامي مفعمةٍ بالطراوة والجاذبية من صفحات كتاب وجوده الكبير.

 لقد كان شهيدنا وبحق جامعاً لصفات الإنسان المسلم الواعي والملتزم، حيث كان يتّصف بـ: الإيمان، الإخلاص، النجابة، الأصالة، العلم، البحث والتحقيق، الكتابة، رسوخ القدم، الأدب، الفن، الجهاد، الإيثار، العبادة، الشهامة والرشاد، المثابرة، الاستقامة، الكتمان، المحبّة، الخلوص، الصفاء، الوفاء، النشاط، الأمل، الولاية والعرفان وسجايا أخرى كثيرة من أصول وموازين الأخلاق والآداب والعلوم الدينية والفن والعمل الإنساني والإسلامي مما كانت تفوح به حياته المباركة.

 لقد كنت معه شخصياً جنباً إلى جنب سواء في: صفوف الدراسة، أثناء المناقشات، في إعداد النشرات والكتب الشيعية، في الحياة المشتركة أثناء الدراسة في حجرات الدراسة الدينية في مدينة قم، وخلال عشرين عاماً من جهاد علماء الدين، وفي إدارة مدرسة الرفاه، وفي تأليف الكتب والكراسات الدراسية والاجتماعية والإسلامية، وفي إدارة الجلسات الأسبوعية والمنشورات السرية التي كانت توزّع ليلاً ونشرات «بعثت وانتقام» السرية، وفي المشاكل العائلية وفي الحياة الخاصة والسعي من أجل تهيئة مستلزمات الحياة المعاشية، وفي المظاهرات التي كانت تقام عندما وصل النضال إلى ذروته، وفي السفرات السياسية ـ الاجتماعية والخاصة المتكرّرة، في إحياء الهيئات المؤتلفة، في إدارة رابطة العلماء المجاهدين، وفي إدارة الإضرابات، وتأسيس الحزب الجمهوري الإسلامي، وفي كتابة وتدوين مبادئ الحزب، وفي مجلس قيادة الثورة، وفي مجلس الشورى الإسلامي، وصفوة القول: في جميع المعضلات والمواقف والتحدّيات التي واجهتنا. وأشهد الله سبحانه وتعالى بأنّني لم ألحظ عليه أيّ نقطة ضعف في جميع هذه الميادين أو على الأقل لا أتذكّر شيئاً من هذا القبيل له أهمّية تذكر.

 وقد بقيت الكثير من صفات وخصال شهيدنا هذا ونقاط القوّة فيه خافية اليوم عن الناس وذلك لحيائه وحبّه للعمل والخدمة واحترازه من الرياء والتظاهر، وقلّة كلامه، وكثرة عمله، وغيرها من فضائله الأخرى.

 إنّ هذه الخطوة يجب أن تكون نقطة انطلاق وثّابة من أجل التعريف بشكل أفضل بهذه الشخصية الفذّة، وإني أدرك أهمّية هذه الخطوة القيّمة والخدمة الجليلة في نضج وترشيد المجتمع والثورة. ويجب أن تكون مؤلّفاته وخطاباته ولقاءاته وأحاديثه المسجّلة في الاجتماعات الرسمية وغير الرسمية، وخدماته في الحوزات، وفي النضال، وفي مجلس قيادة الثورة، وفي التربية والتعليم، وفي مدرسة الرفاه، وفي مؤسّسة نشر الثقافة الإسلامية، وفي مجلس الشورى، وفي رئاسة الوزراء أو في أيّ مكان آخر، المرفقة بالتحليلات والتوضيحات اللازمة، يجب أن تكون موضوعاً لسلسلة من المطبوعات والإصدارات كي تكون في المستقبل منهلاً ومصدراً للباحثين عن سبيل الحق.

 ونظراً للملاحظات التي ذكرتها آنفاً، فإنّ القارئ الكريم سيعطيني الحقّ في التعبير عن عميق حزني وأسفي لهذا المصاب الجلل، والإفصاح عن شدّة استيائي وغضبي لهذه الجريمة البشعة والجناية المروّعة والتي ارتكبت على أيدي المنافقين.

 لو وضعتم أنفسكم مكاني لأدركتم شدّة وقع ما جرى عليَّ في تلك اللحظة التي سمعت فيها صوت الانفجار في مكتب رئاسة الوزراء، كنت حينها مشغولاً في مكتبي في مجلس الشورى الإسلامي واتّضح بأنّ الدكتور باهنر وشهيدنا الكبير رجائي و“ كانوا في المكتب، وكنت أرى من نافذة غرفتي لهيب النيران وألسنة الدخان وأسمع أصوات الاستغاثة وأتوقّع بأنّ هؤلاء الأعزاء يحترقون في ذلك المكان، فكنت أشعر بأنّ جميع أوصالي تحترق وتذوب معهم ولم أكن في تلك اللحظة قادراً على القيام بأيّ عمل لإنقاذهم غير الدعاء لهم والتحسّر والتألّم عليهم.

 المصيبة الأدهى من ذلك، هي تلك اللحظة التي جاءوا فيها بجنازتي الشهيدين رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية إلى قاعة المجلس وفتحوا التابوتين وشاهدت جسديهما المحترقين حيث تعرّفت على جنازة الشهيد باهنر من خلال سنّ ذهبي في مقدّمة فمه فقط ـ والذي كان يبدو وكأنّه قد أبرزه من خلال ابتسامة ساخرة تطفح بالمرارة على المصير الأسود لأعداء الثورة وأسيادهم الجلادين في آخر لحظات حياته ـ وتبادر إلى ذهني بأنّ رجائي وباهنر في تلك اللحظة، وكما حصل لي ولجميع الحاضرين قد تجسدت أمامهم صورة تلك الذكرى المؤلمة لانفجار مكتب الحزب الجمهوري الإسلامي والذي أودى بحياة اثنين وسبعين مجاهداً من أنصار الإمام وخاصة الشهيد المظلوم وهم وسط ألسنة النيران وهول الانفجار. ولم يكن قد مضى على تلك الفاجعة المؤلمة سوى شهرين.

 والآن عندما أتذكّر تلك اللحظات القاسية والمرّة ولكن المفعمة بالعظمة يتبادر إلى مخيّلتي وكأنّ العالم بأسره قد جمع في مطرقة عظيمة وهوت على رأسي ومع هذا فقد بقيت حيّاً، وإنّي لأعجب لنفسي كيف تمكّنت من أن أتمالك نفسي وأعجب أيضاً لعظمة هذه الأمة وهذا الإمام وجميل صفحهم عن أولئك المجرمين الذين لا أرى مأوى لهم سوى جهنّم جزاء لما كسبت أيديهم.

 وفي الخاتمة، أرى من المناسب أن أعبِّر عن أسمى درجات الشكر والاحترام لعائلة وأسرة فقيدنا المبجّلة، الذين صانوا بوقارهم وجلدهم حيال هذه المصيبة الكبرى عزّة ومكانة هذه الشخصية العظيمة التي كانت مصدر فخر للثورة ونصيراً مخلصاً للإمام، وأسأله تعالى أن يلهمهم الصبر والأجر والسعادة.

 

 الصديق الذي هجره الدكتور باهنر

 

 أكبر هاشمي رفسنجاني

 

حزب الله في كلام الشهيد رجائي

 

تنويه:

 كان الشهيد محمد علي رجائي رئيس الجمهورية المؤمن والملتزم المتفاني في الإسلام يكنّ محبّة خاصّة ومنقطعة النظير للقوى المخلصة المسمّاة بـ«حزب الله» باعتبارها قوى منبثقة من أعماق الثورة وجعلت من نفسها درعاً للإسلام والنظام. وقد عبّر عن هذه المحبة مرات ومرات في أقواله وأفعاله. وكان يؤكّد دوماً أنّ سلامة المجتمع وأمنه منوط إلى حدٍّ بعيد بوجود هذه القوى المعروفة بالإخلاص ونكران الذات.

 تعكس الكلمة المدرجة أدناه الأوصاف التي يعرضها هذا الشهيد الجليل «لحزب الله»:

 * حزب الله هم أولئك الذين انطلقوا مع الإمام منذ الخامس عشر من خرداد عام 1342 مصرّحين ـ من خلال الشعارات التي رفعوها في المساجد والتكايا وشعائر العزاء، والتي كانت تصبّ منذ ذلك الوقت في خطّ الإمام ـ عن خطّ جديد في المواجهة.

 * حزب الله هم أولئك الذين ملأوا طهران من أقصاها إلى أقصاها عند عودة الإمام وأحدثوا كلّ ذلك الشوق والحماس الذي شاهدناه.

 * حزب الله هم أولئك الذين نزلوا إلى الساحة في السابع عشر من شهريور، الأول من محرم، في تبريز وقم ويزد وفي بقاع أخرى من البلاد تلبية لدعوة العلماء الملتزمين الواعين {وجاهدوا في سبيل الله} مبتعدين عن الكثير من الفئات التي كانت تنظر إلى موضوع المواجهة بمنظار علمي، وقد لاحظنا أنّ تلك الفئات كانت تصف جهادهم بالجهاد الأعمى.

 * حزب الله هم أولئك الذين نزلوا إلى ميدان الصراع من غير مطمع أو ادّعاء وضحّوا بأرواحهم، وهم يعملون في المصانع حتّى وقت متأخّر من الليل، ويعملون وراء الطاولة حتّى تملّهم الساعة والفرصة.

 * حزب الله هم الذين إذا أمرهم الإمام ـ عند الضرورة ـ صمتوا، وإذا استلزم الأمر صرخوا.

 * حزب الله هم الذين يحرسون الثورة بوعي، فهم حماتها عن جدارة، فهم الذين صنعوا الثورة وهم الذين يذبّون عنها.

 * وإذا أردنا معرفة الصيغة التي يعمل بها حزب الله فما علينا إلاّ النظر إلى طبيعة مسيرة هذه الثورة منذ الخامس عشر من خرداد عام 1342، وحتّى الثاني والعشرين من بهمن من عام 1357 لنلاحظ أنّ حزب الله لم يكن يتوقّع من الثورة شيئاً فحسب بل لازال يشعر بأنّه مدين للثورة، وما برح حين الذهاب إلى الجبهة ترتعش كلّ أوصاله عندما يتناهى إسم الإمام إلى سمعه.

 * صحيح أنّ البعض حينما شاهد القوّة الخارقة لحزب الله بدأ يسمه بمختلف النعوت ويسيئ إلى سمعته؛ فإذا ما لاحظوا أربعة أشخاص يطلقون شعارات متنافرة ومنحرفة، نسبوهم إلى حزب الله، ووسموهم بسمة أصحاب الهراوات.

 إنّني وكلّ شعبنا الذي يعرف حزب الله لا نبالي بمن يصفون أبناء حزب الله بهذه الصفة؛ لأنّنا نعتقد أنّهم لم يعرفوا حزب الله، وحتّى أنّهم «لم يعرفوا الله» لكي يعرفوا حزب الله. فحزب الله هم أولئك الذين ينقادون لقانون الأحزاب إذا ما سنّت الحكومة للأحزاب قانوناً.

 * حزب الله هم الذين شاهدوا اجتماع حزب توده في الحادي عشر من ارديبهشت وكانوا هناك حتّى في ملعب محمد نصيري، ولكن بما أنّ الحكومة حكومتهم وهم الذين جاءوا بها إلى السلطة، لذلك وافقوا على ذلك الاجتماع. لقد شاهدوا ذلك ولكنّهم انصاعوا للقانون الذي أقرّته الحكومة. لقد انقادوا حالياً على هذا النحو، ولكن إذا رأوا هجوماً على هذا النظم فلن يطيقوه قطعاً.

 * حزب الله يعني الرجال والنساء والفتيان والفتيات الواعين الملتزمين المتّقين السائرين حقّاً على خطّ الإمام، وهم الذين صنعوا الثورة بكلّ قواهم.

 أجل يا أخي العزيز ويا أختي العزيزة هؤلاء هم حزب الله الذين سنرى أيضاً في المستقبل إن شاء الله المزيد من كفاءتهم».