وُلد الشهيد الشيخ مرتضى مطهري في 13 جمادى الأولى من العام ( 1338 هـ ) (2/2/1920م) مدينة فريمان(60 كيلومتر جنوب مشهد) في محافظة خراسان، وسط عائلة متديّنة معروفة بالعلم والفضل والتقوى.

 

والده العالم الفقيه الشيخ محمد حسين المطهري كان عالما تقيا وورعا. كان قد درس العلوم الدينية في النجف الأشرف فأبوه المرحوم الشيخ محمد حسين مطهري، درس العلوم الدينية في النجف ‏الأشرف، وبعد فترة من الإقامة في العراق والحجاز ومصر عاد إلى فريمان ‏وتوطن هناك وقضى عمره في ترويج الدين وإرشاد الناس. كان عالماً وزاهداً ‏ومخلصاً وتقياً، وبلغ مقامات معنوية رفيعة. توفي عام 1349هـ ش عن عمر ‏يناهز المائة عام.

 

وكان لزهد وتقوى والده دوراً رئيساً في بلورة الشخصية المعنوية للشهيد، وقد ‏تفضل عليه الباري تعالى بهذا الولد البار جزاءً لإخلاصه وتقواه.

 

تلقى الشيخ مطهّري دراسته الابتدائية عند والده انتقل إلى مدينة مشهد في العام 1351هـ ( 1932م) - لتحصيل العلوم الدينية، و كان عمره اثنتي عشرة سنة حيث درس مقدمات العلوم الدينية من فقه و منطق و نحو و عقائد.. على عدد من الأساتذة كان منهم: آية الله ميرزا مهدي شهيدي رضوي، شاهد الشهيد مطهري عام 1314هـ ش ملحمة مسجد كوهرشاد بمشهد. ففي عهد كبت رضا خان علت الصيحات واحتجاجات الناس بزعامة مراجع الدين ضد ممارسات رضا خان ومن جملتها كشف الحجاب، وكان المنطلق مسجد كوهرشاد، إلاّ أنها قمعت بشدة من قبل رضا خان وارتكبت مجازر رهيبة. هذا الحدث السياسي ترك أثراً كبيراً على الأفكار الجهادية للشهيد.

 

بعد عامين من إقامته في مشهد أقدم رضا خان على إغلاق ‏المدارس الدينية، فعاد الشهيد إلى مسقط رأسه وواصل دراسته الحرّة لمدة سنتين. ‏ينقل عنه أنه كان يقول: "إن كل ما لدى من مطالعات تاريخية، تعود إلى السنتين ‏اللتين رجعت فيهما من مشهد إلى فريمان".

 

رغم وجود العلماء الكبار في الحوزة العلمية بمشهد، إلا أن صيت قم كان قد ذاع في ‏الآفاق، مما جعل الشهيد مطهري يهاجر إليها، في العام( 1354 هـ ) (1936م) بعد ستة أشهر من وفاة آية الله الشيخ الحائري، وكانت زعامة الحوزة بيد الآيات الثلاث: الخوانساري والصدر وحجت. في وقت بلغت فيه ‏محاربة الشاه رضا خان للحوزات العلمية أوجها، وكان علماء و طلاب العلوم الدينية يتعرضون لأشد الضغوط.

 

في قم توفر للشهيد العدد الكبير العلماء الذين استفاد منهم فحضر دروس آية البروجردي و آية الله السيد محمد داماد، الشيخ مهدي المازندراني و الشيخ علي الشيرازي الأصفهاني.

 

وحضر في البحث ‏الخارج لدى الآيات العظام: الخوانساري، الحجة وصدر الدين الصدر، و‏الإمام الخميني قدس سره، الذي كان لدراسته عليه مدة 12 عاما تأثير كبير في تبلور شخصيته وقد تعدت علاقته به حدود علاقة التلميذ بالأستاذ فكان الإمام يزوره في غرفته في المدرسة.

 

كما أن لتتلمذ الأستاذ مطهري عند العلامة الطباطبائي دور كبير في بلورة ‏شخصيته العلمية والروحية. ورغم أن مدة الدراسة الرسمية للشهيد مطهري لدى العلامة ‏كانت في حدود الثلاث سنوات، إلاّ أن علاقته بالمرحوم العلامة كانت مستمرة ‏حتى استشهاده، وكان يستفيد منه حتى نهاية حياته. وعبارة "سماحة أستاذنا الأكرم ‏العلامة الطباطبائي" لدليل على ما يكنّه الشهيد من احترام للعلامة.

 

خلال وجوده في قم قصد الشهيد مطهري -و لمدة بسيطة- في عام ( 1362 هـ ) (1943م) مدينة بروجرد لحضور دروس الأخلاق التي كان يلقيها السيّد حسين البروجردي آنذاك، وفي محرّم عام ( 1364 هـ ) (1944م ) عاد إلى مدينة قم المقدّسة مع أستاذه السيّد البروجردي بدعوة من أساتذتها،توجه إلى طهران في العام عام 1331هـ ش (1953م) بعد 15 سنة قضاها الشهيد مطهري في قم و مع دخوله طهران التي استقر فيها تبدأ مرحلة جديدة في حياته عنوانها العمل و العمل تزوج في العام 1953م من كريمة أحد مشاهير علماء خراسان.

 

بدأ التدريس في مدرسة (مروى) واشتغل بتدريس الكتب الفلسفية المختلفة في العام1953م.

 

نشر أول مقالة له في مجلة حكمت التي تصدر في قم 1374 عام هـ ق (1955م)

 

أصدر أول جزء من كتاب أصول الفلسفة والمذهب الواقعي في العام 1376 هـ ق(1957م) وجهت له جامعة طهران دعوة للقيام بالتدريس بكلية الإلهيات والمعارف الإسلامية في العام 1957 م فقبل الدعوة واستمر مدرساً فيها إلى العام 1398 هـ ق (1978م) فبقي مدة 22 عام يعمل بالتدريس في الجامعة وببحث المسائل والموضوعات الإسلامية والمعاصرة ونشر عدة كتب وأبحاث.

 

اعتقل في 5/6/1963م(15 خرداد 1342هـ.ش) على أثر خطاب ألقاه ضد الشاه وأطلق سراحه بعد 43 يوماً على اعتقاله ازداد نشاطه الثوري والسياسي السري منذ إبعاد الإمام الخميني (رض) إبان 1343 هـ ش 1385 هـ ق(1964م) حيث تشكلت جمعية رجال الدين المناضلين(جامعه روحانيت مبارز) وصار مطهري عضواً فيها وكان هو نفسه أحد أصحاب فكرة تأسيس الجمعية و نشر آراءه في كتاب (مرجعيت وروحانيت) كما كان ممثلا للإمام في الحوزة العلمية في طهران.

 

عمل بقوة و نشاط بعد العام1385هـ ق (1964م) وخلال السنين السوداء من أجل توضيح المفاهيم الإسلامية ضمن خطبه وكلماته العديدة في الكليات والمجامع العلمية والمساجد والحسينيات ...

 

أوكل إليه الإمام مهمة الإشراف على جمعية المؤتلفة (مؤتلفه) و تحمل أعباء المسؤولية بعد إبعاد الإمام إلى تركيا بعد اغتيال منصور رئيس الوزراء آنذاك على يد محمد بخارائي وإلقاء القبض على زعماء جمعية المؤتلفة(جمعيت مؤتلفه) انكشفت روابط الشيخ مطهري بهم وأصبحت جميع أعماله تحت الرقابة الشديدة من قبل السافاك ولكنه استمر في نشاطه وأداء تكليفه ومن حسن حظه أن القاضي الذي تولى القضية كان تلميذاً سابقاً عند الشيخ مطهري فأرسل له رسالة يقول لله إني قد أديت حق أستاذي في إشارة إلى أنه لم يدرج اسمه بين أسماء المتهمين رغم معرفته بأنه على علاقة بهم.

 

أسس حسينية إرشاد في العام 1346 هـ ش (1967م) والتي تركها فيما بعد.

 

اعتقل الشهيد مطهري مرة ثانية في العام 1969 على أثر توجيهه دعوة من حسينية إرشاد مع السيد الطباطبائي وآية الله زنجاني من أجل دفع تبرعات للاجئين الفلسطينيين ووضع في سجن إنفرادي.

 

وبعد إطلاق سراحه استمر في إلقاء الخطب ومهاجمة النظام البهلوي في مسجد جاويد وأرك و...

 

أصبح منذ العام 1992 هـ ق (1972 م) وبصورة دائمة تقريبا من خطباء الجمعية الإسلامية للأطباء وأكثر مؤلفاته من نتاج تلك الخطب.

 

تولى الإشراف على مسجد الجواد في طهران ابتداء من العام 1972 ووضع له البرامج الثقافية المناسبة.

 

أصدر النظام البهلوي عام(1974م) قراراً بمنعه من الخطابة وصعود المنبر بعد أن استمر بمهاجمة النظام والتحريض على الثورة وقد بقي هذا المنع حتى انتصار الثورة الإسلامية.

 

استمر النظام في التضييق الخناق على الشيخ مطهري فاستغل خلافاً حصل له مع أحد الأساتذة الشيوعيين في كلية الإلهيات فتم إحالته على التقاعد المبكر عام 1976م.

 

ومع توسع الثورة الإسلامية في إيران العام 1398هـ ق (1978م) أصبح من أبرز قيادات جمعية رجال الدين في طهران والرابط بينها وبين الإمام الخميني (رض), فلم يصدر بيان ولا دعي لمسيرة ولا أقيم نشاط إلا بعد موافقة الشهيد مطهري التحق بالإمام بعد سفره إلى فرنسا حيث التقى به وتلقى توجيهاته وكلفه الإمام بتشكيل مجلس قيادة الثورة وقد استطاع أن يؤدي هذه المهمة على أحسن وجه.

 

كان رئيس لجنة استقبال الإمام الخميني(رض) عند عودته من المنفى مع انتصار الثورة الإسلامية، حيث شكّل هذه اللجنة، وأعد له مسكنه، وكتب إعلان الترحيب به وإعلان انتصار الثورة، وظل بجانبه طوال فترة وجوده في المدرسة العلوية بطهران.

 

ومع عودة الإمام إلى طهران في العام 1978 م برز الشهيد مطهري مجدداً إلى جانبه كأبرز معاون له إلى أن اغتيل في 4 جمادى الثانية 1399 هـ ق (2/5/1979).

 

(حركته العلمية):

 

انطلق الشهيد مطهري باكراً نحو البحث والتحقيق والتدقيق واستهوته المباحث الفلسفية والكلامية منذ كان في بداية حياته العلمية وقد تغذت هذه الروح من شخصية أبيه العلمية والثقافية والاجتماعية والتي كان لها أثر كبير في حياته.

 

وكان الشهيد مطهري يفتقد للساحة التي يمكن أن يعبر فيها عما يختزن من طاقات ومواهب وقد توفرت له فرصة ذلك مع انتقاله إلى طهران حيث بدأت مرحلة جديدة في حياته فقد وجد نفسه في قلب المجتمع وقضاياه بعد أن كان قيل ذلك طالباً متنقلاً بين حلقات الدراسة في مشهد وقم وبروجرد.... ووجد نفسه ملزماً بمواجهة التحديات والاستعداد لتقديم الإجابة على كل الأسئلة الموجهة إلى الإسلام .... لقد أصبح مطهري الآن العالم والعامل الخطيب والمحاضر والأستاذ وصاحب الدور في زرع بذور الثورة في نفوس جيل الشباب في العاصمة الإيرانية.. أصبح الشهيد مطهري الآن في قلب العاصمة الإيرانية طهران وعلى تماس مباشر مع مراكزها العلمية والثقافية أصبح في داخل جامعاتها ومدارسها وبين طلابها ومثقفيها وعمالها

 

وكل شرائحها الاجتماعية أصبح هناك يعيش همومهم ويحل مشاكلهم ويفكر في قضاياهم ويجيب على شبهاتهم وأسئلتهم في وكان لا بد من أن يتجه نحو التأليف والتدريس في الجامعة التي نال منها شهادة الدكتورا أيضا. و قد أضاف الشهيد مطهري إلى التدريس والتأليف المحاضرات والجلسات التي كان يعقدها مع الشباب. بعد أن أستقر الشهيد في طهران، بدأ بالتدريس في مدرسة مروي للعلوم الدينية؛ ‏واستمر تدريسه إلى قبل ثلاث سنوات من استشهاده.

 

وأول تأليف للشهيد هو مقدمة وحاشية على كتاب (أصول الفلسفة والمذهب ‏الواقعي). وكان لانتشار هذا الكتاب دور كبير في إثبات خواء الفلسفة المادية.

 

فقد قال إحسان طبري منظر حزب توده الشيوعي في إيران، والذي نبذ الأفكار ‏المادية وعاد إلى الإسلام أواخر حياته، قال في مقابلة معه إن تغيير إيديولوجيته ‏كان نتيجة مطالعته لكتب الأستاذ مطهري خصوصاً كتاب (أصول الفلسفة و...). ‏

 

وقد عرف مطهري بأنه كان حجة في الفلسفة، وموسوعة في العلوم الدينية من فقه وتفسير وحديث، فضلاً عن إجادته للغة العربية حتى قيل عنه إنه جامع المعقول والمنقول، واسع المعرفة عميق الفكر.

 

امتاز الشهيد مطهري في حياته العلمية والفكرية بمميزات أساسية جعلته يحتل ذلك الموقع المميز في قلوب وعقول الشباب الجامعي والفئات المثقفة.فكان صاحب مطالعات واسعة . و بحث دائم وتحقيق دقيق وكان يملك إستعداداً عجيباً للاستماع للآخرين والإطلاع على النظريات والآراء الدينية والفكرية والفلسفية والاجتماعية وكان أميناً في نقله للآراء عندما كان يستعرضها قبل نقضها وعندما ينقد فكراً فإنه كان يمتاز بموضوعية لا حدود لها وبتجرد كبير كان يعتقد بضرورة توفير الحرية الفكرية وكان يدعو إليها وكان يدخل في بحث كل شبهة يجد فيها خطراً على العقيدة أو الدين أو على المجتمع و قيمه. ومما يميز الشهيد مطهري أنه كان صاحب مدرسة فكرية استطاع أن يولد فيها علما ويصوغ نظريات جديدة فيها فأصبحت تنسب بحق له بعد أن استطاع أن يقدم الإسلام بصورة معاصرة لقد كان مبدعاً بحق وكان يعرض المشكلات ويقدم حلها في المسائل الفلسفية والعلمية والدينية و الاجتماعية والخلقية وكان يستعمل الاستدلال البرهاني ويحفظ الأصول العقلية في إثبات العقائد الأصولية الإسلامية وتبين هذه الملاحظة بوضوح من خلال آثاره القيمة كان يعتمد الاستدلال طريقاً دائماً فيما يتبناه وكان التواضع الصفة التي لازمته في كتاباته ومحاضراته وكلماته وكل حركته يزيد من قيمتها قناعته وصدقه فيما يكتبها ويقوله.

 

كان صاحب الدور البارز في الثورة الإسلامية وفي التمهيد الفكري لها وإعادة الأصالة للمجتمع الإيراني المسلم الذي أمعن حكامه في تغريبه وعلمنته وإبعاده عن دينه وتاريخه ... فقد شن الشهيد حرباً لا هوادة فيها بأسلوبه الفكري الراقي ضد مظاهر البعد عن الدين والتغرب ومسخ الهوية الثقافية والإسلامية للشعب الإيراني وقد نشر العشرات من الأبحاث التي تعنى بقضايا المرأة والدين والسياسة وقضايا تاريخية دقيقة ودور الإيرانيين في الحضارة الإسلامية كمحاولة لإعادة ربط الذاكرة الإيرانية بأمجادها الإسلامية.

 

فقد كانت مشكلة إيران في تلك الفترة في محاولة تغريب مجتمعها في كل شيء ومحاولة دفعها للتخلي عن كل ما يربطها بالإسلام وحضارته وتبديل ذلك بانتماء جديد إلى الغرب واستحضار بعض من ثقافة وقيم ومفردات الحضارة الفارسية البائدة لصوغ وجه إيران الجديد وكانت الجامعة هي المدخل الذي يراد منه تنفيذ هذه الخطة وهنا كان دور الشهيد مطهري حاسماً فاعتبر أن مكافحة هذه الظواهر لا يمكن أن يتم إلا من خلال ضرب أسسها الفكرية والعقائدية والفلسفية .... وقد أجاد في ذلك كثيراً وقد استطاع أن يعرف الإسلام تعريفاً عصرياً وأن يوصل صوته إلى الآذان البعيدة وإلى الشرائح التي أريد لها أن تتغرب وتصم آذانها عن سماع صوت الدين وكما كان الحكام يخططون لذلك فقد كان هناك فئات أخرى تخطط لإبعاد الناس عن الدين ولكن بأهداف أخرى وتحت شعارات الاشتراكية والشيوعية وقد وجد الشهيد مطهري الخطر كامن في الدعوتين ولذا كان يعمل على دفع هذين الخطرين خطر الإلحاد الشرقي وخطر المادية الغربية ونجد ذلك في آثاره بشكل واضح كما أنه كان يرى خطراً آخر كان يجده ربما أكبر من الخطرين الآخرين وهو خطر بعض مدعي الدفاع عن الدين والذين يسيئون إليه عن قصد أو عن غير قصد.

 

وكان الشهيد مطهري يعتبر نفسه جندياً مكلفاً في الدفاع عن الإسلام الذي أصبح مهضوم الجناح في ذلك الزمن.

 

وهو يبين لنا هدفه من سلاح القلم الذي برع في استخدامه فيقول في كتابه العدل الإلهي: "منذ عشرين عاماً حيث مسكت القلم وكتبت المقالات والكتب لم يكن لي هدف من كل ما كتبته إلا حل المشاكل والجواب على الأسئلة المطروحة في عصرنا في مختلف المسائل الإسلامية وقد كتبت في الموضوعات الفلسفية والاجتماعية والأخلاقية والفقهية و التاريخية.

 

ومع أن مؤلفاتي تختلف من حيث الموضوع تماماً ولكن الهدف العام من جميعها أمر واحد فحسب. أن الشريعة الإسلامية المقدسة مجهولة لدى العامة.وقد حرفت حقائق هذا الدين في أنظار الناس تدريجيا والسبب الأساسي في تفرق جميع الناس عن هذا الدين هو التعاليم الخاطئة التي ألقيت إليهم باسم الدين وإن هذا الدين المقدس في الوقت الحاضر يصاب بالصدمات والضربات من جانب بعض المتشدقين حمايته أكثر من غيرهم.

 

فالهجوم الاستعماري الغربي مع عملائه المعروفين والمجهولين من جهة والقصور أو التقصير الصادر إن من المدعين لحماية الإسلام في هذا العصر من جهة أخرى كانت السبب في الهجوم التدريجي على الأفكار والنظريات الإسلامية في مختلف المجالات من الأصول والفروع.

 

وكان الشهيد مطهري ومن خلال وجوده في الجامعة ومن موقعه كأحد أبرز علماء الدين العاملين كان يمثل همزة الوصل بين الحوزة والجامعة وهذا الذي كان مفقوداً قبله حيث اعتبرت الجامعة في عقول البعض من مدعي الدفاع عن الدين ظاهرة غربية تشكل خطراً على الدين والتدين فكان الشيخ مطهري هو من أثبت خطأ هذه النظرية وأثبت كيف يمكن أن تكون الجامعة معقلاً من معاقل الإسلام والتدين وبرهن على إمكانية تعاون الجامعة والحوزة في خدمة الإسلام وتقريب المسافة بين الصرحين وإيجاد طريقاً للتكامل بينهما وقد جذب الكثيرين من الجامعات إلى الحوزة كما استطاع أن يوجه طلاب العلوم الدينية نحو الجامعة.

 

وكان الشيخ مطهري واثقاً مطمئناً من أصالة الإسلام وعظمة مبانيه الثقافية والعقائدية وغلبته على الأيديولوجيات الشرقية والغربية ولذلك لم يمتنع بكل شهامة ورحابة صدر من ترغيب الشباب على إبداء شكوكهم وأراد بذلك أن يهدم وإلى الأبد البناء الفكري القديم البالي الذي اكتسبه الشباب من الإسلام التقليدي

 

والسنن الخرافية والذي يعتبر أهم العوامل لنمو الأفكار الإنحرافية وقد اعتبر" أن هذا العصر هو عصر الاضطراب والشك في المسائل الدينية خصوصاً بالنسبة لشريحة الشباب فهذه المجموعة من الأسئلة و الشكوك الحديثة من متطلبات العصر ومقتضيات الزمان بل قد تجددت بعض الأسئلة القديمة أيضاً".

 

وكان يربط بين الفكر والعمل وكان لا يؤمن بعمل لا يكون منطلقاً من أساس فكري واضح فكان يرى امتلاك الفكر والرؤية الثقافية الشاملة مقدمة ضرورية حتى يمكن القيام بأي نشاط آخر فكان يقول إن: "كل حركة اجتماعية لا بد لها من الاعتماد على حركة فكرية وثقافية وألا فستقع في شباك الحركات التي تتمتع برصيد ثقافي وتنصهر فيها فتغير مسيرها لا محالة كما رأينا الجماعة الذين لا يملكون من رصيد الثقافة الإسلامية شيئاً كيف وقعوا كالذباب في نسيج العنكبوت".

 

وبناء على هذه الرؤية العقائدية الأصيلة كان الشهيد مطهري في صراع دائم مع الأفكار المنحرفة وكانت مواجهته لها مدروسة فلم يكن يكتفي بنفيها وردها بل كلما أعلن عن فكر انحرافي عقبه فوراً بآرائه النظرية الصحيحة في ذلك الموضوع بالذات.

 

كان له دور مؤثر في التعريف بالإسلام الأصيل وهو يمثل ترجمان عملي لفكر الإمام الخميني (رض) الذي ما كان يستطيع أن يقوم بما قام به الشهيد مطهري لانشغاله بقيادة الثورة وشؤون المرجعية.

 

(حركته السياسية):

 

كان آية الله الشيخ مرتضى مطهَّري قد التحق باكرا بركب الجهاد ضد نظام الشاه فتعاون مع منظمة فدائيي الإسلام قبل الثورة التي قادها الإمام الخميني في( 15 خرداد 1342 ش ـ 1963 م )، وقد شكل فيما بعد أحد الدعائم الأساسية التي قامت عليها الثورة الإسلامية وبعد اعتقال الإمام على أثر أحداث خرداد 1963 كان الشيخ مطهَّري من بين الذين اعتقلهم النظام، لأنَّه كان على علم بمكانته التي يحتلّها عند الإمام وفي قلب الثورة. بعد ترحيل الإمام الخميني إلى تركيا ومن ثم إلى العراق اضطلع الشيخ مطهري بدور أساسي في تنسيق التحركات والنشاطات ضد نظام الشاه وبعد هجرة قائد الثورة الإسلامية إلى باريس، كان الشهيد مطهري على ارتباط دائم ‏معه، وكما قال حجة الإسلام والمسلمين هاشمي رفسنجاني في مقابلة تلفزيونية: ‏‏"كان منزل الأستاذ مطهري مركز هداية الثورة في داخل البلد، والتنسيق مع قيادة ‏الإمام".

 

وكان الشهيد مطهري طوال فترة اشتداد وتيرة الثورة الإسلامية، يحرص على إبقاء الثورة على نقاوتها ومحافظتها على أهدافها وهويتها الإسلامية وإن تكون كما صارت لا شرقية ولا غربية، فسعى جاهداً إلى ‏عدم استغلال الأحزاب والجماعات المتظاهرة بالإسلام وذات الأفكار المنحرفة لها للثورة.

 

وقد شكل وجود الشهيد مطهري في الجامعة عاملاً مهماً في استنهاض الشباب الجامعي والنخب الثقافية والفكرية وكان دوره هناك كبيراً في غرس بذور الثورة في نفوس الشباب الذين انطلقوا فيما بعد في تلك الحركة المليونية ليقودوا التظاهرات والتحركات الثورية الفاعلة كما أنه من خلال موقعه الآخر في قلب الحركة العلمائية في طهران والتي كانت تحت عنوان روحانيت مبارز قد استطاع أن يشكل صلة الوصل بين الإمام وعلماء الدين الذي استطاعوا أن يبينوا للناس مفاسد هذا النظام وعداءه للإسلام وخطر بقائه كما أنهم استطاعوا أن يشرحوا الإسلام بلغة عصرية وبعيداً عن الخرافات ومفاهيم الإسلام التقليدي كما قدموا للناس حلولاً لمشاكلهم وكان لتأسيس حسينية إرشاد في قلب طهران دوراً فاعلاً في جعلها مركزاً للتوعية والتثقيف الثوري وموقعاً جامعاً لمختلف شرائح المجتمع حيث كان يشارك في نشاطاتها الطالب الجامعي والثانوي والتاجر والمثقف ورجل الدين وعامة أفراد الشعب الأخرى فكانت الحسينية موقعاً تحتاجه الثورة ليكمل دور الجامعة والمسجد الذين كان يعمل فيهما الشهيد مطهري من خلال موقعه في كليهما.

 

وحاول ربط المجتمع الإيراني بقضايا المسلمين العامة فكان يذكر دائماً بالقضية الفلسطينية ويحض على دعمها وقد توجه العديد من الشباب الإيراني إلى لبنان للالتحاق بالمقاومة الفلسطينية ونيل شرف مواجهة الصهاينة وقد عمل على جعل قضية فلسطين تأخذ موقعها الأساسي في ضمير الشعب الإيراني كما أنه قام بحملات عدة  لجمع التبرعات للفلسطينيين و قد أصدر بيانا مشتركاً مع آية الله زنجاني والعلامة طباطبائي لإدانة الإجراءات الأمريكية في فلسطين، وجمع التبرعات لصالح اللاجئين الفلسطينيين وقد اعتقل على أثر ذلك.

 

مؤلفاته:نذكر منها ما يلي :

 

كان الشهيد مطهري من أغزر رجال الفكر في النتاج العلمي وكان مواكباً للحركة الفكرية العالمية والمحلية ولذا فقد أغني المكتبة الفكرية والثقافية والإسلامية.

 

1- شرح نهج البلاغة.

 

2- قصص الصالحين.

 

3- مقدمة على أصول الفلسفة للعلامة الطباطبائي.

 

4- الحركات الإسلامية.

 

5-نظام حقوق المرأة في الإسلام.

 

6- أسباب التوجه للمادية.

 

7- الإنسان والمصير.

 

8- نقد على الماركسية.

 

9- العدل الإلهي.

 

10- الحركة والزمن.

 

11- دروس الشفاء.

 

12- مقدمة على الرؤية الإسلامية الشاملة للعالم.

 

13- الإسلام ومقتضيات الزمان.

 

14- الإمامة والزعامة.

 

15- الجهاد.

 

16- جولة في السيرة النبوية.

 

17- الحماسة الحسينية.

 

18- النهضة وثورة المهدي(عج).

 

19- الخدمات المتقابلة بين الإسلام وإيران.

 

20- فلسفة الأخلاق.

 

21- التعليم والتربية في الإسلام.

 

22- حول الثورة الإسلامية.

 

23- حول الجمهورية الإسلامية.

 

24- فلسفة التاريخ.

 

25- قضية الحجاب.

 

عبادته :

 

يقول أحد زملاء درسه:

 

"أتذكر عندما تعرفت عليه، كان ملتزماً بصلاة الليل وكان يحثني على ذلك،غير أنني كنت أتهرب من الصلاة بذريعة أن ماء البركة مالح أو وسخ ومضر لعيني. وفي ذات ليلة رأيت في المنام أنني نائم وإذا برجل يوقظني ويقول إنني عثمان بن حنيف ممثل أمير المؤمنين (ع)، والإمام يأمرك بأن تستيقظ وتصلّي صلاة الليل، وهذه الرسالة أيضاً بعثها إليك. تلك الرسالة الصغيرة كتب فيها بخط أخضر فاتح:"هذه برائة من النار". في عالم الرؤيا كنت جالساً حيراناً، وإذا بالشهيد مطهري يوقظني وهو يحمل وعاء ماء، وقال:هذا الماء قد أحضرته من النهر. قم وصلّ الليل ولا تتذرع."

 

و تقول زوجته :

 

"كان يقف لصلاة الليل والمناجاة من الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل. كانت مناجاته عجيبة. كما كان يأنس بالقرآن كثيراً، وكان يقرأ القرآن قبل النوم".

 

شهادته:

 

أستشهد الشيخ مطهري ( قدس سره) في الرابع من جمادى الثانية في ليلة الثاني عشر من ارديبهشت (الشهر ‏الثاني الفارسي) عام 1358هـ ش،)/5/1979) بعد أقل من أربعة أشهر على انتصار ‏الثورة، على يد جماعة فرقان المنحرفة، والتحق بالرفيق الأعلى.(على يد زُمرة المنافقين الذين أطلقوا النار عليه، وعلى أثر انتشار نبأ استشهاده أُعلِن الحداد العام في الجمهورية الإسلامية، وشُيِّع جثمانه تشييعاً مهيباً، ودفن (قدس سره) بجوار مرقد السيّدة فاطمة المعصومة(عليها السلام) في مدينة قم المقدّسة وقد نعاه الإمام الخميني قدس سره في بيان نعرضه هنا لأهميته:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إنا لله وإنا إليه راجعون

 

إنني أعزي وأهنئ الإسلام والأولياء الكرام والأمة الإسلامية وخاصة الشعب الإيراني المجاهد، بمصابهم المؤسف بالشهيد الجليل والمفكر الفيلسوف والفقيه الكبير المرحوم الحاج الشيخ مرتضى المطهري قدس سره؛ أما العزاء فباستشهاد ذلك الرجل الفذّ الذي قضى حياته الكريمة الغالية في سبيل تحقيق الأهداف الإسلامية المقدسة والكفاح المتواصل مع كل الأفكار الملتوية المنحرفة. ذلك الرجل الذي عزّ له مثيل في معرفة الدين الإسلامي والمعارف الإسلامية المختلفة وتفسير القرآن الكريم. أما أنا فقد فقدتُ ولداً عزيزاً وقد فُجعت بوفاته فكان من الشخصيات التي أعدّها ثمرة حياتي.

 

وقد ثلم في الإسلام باستشهاد هذا الولد البار والمفكر الخالد ثلمة لا يسدّها شيء.

 

وأما التهنئة فلأننا نحظى بوجود أمثال هؤلاء الرجال الذين يضحّون بأنفسهم ويشعون بالنور في حياتهم وبعد وفاتهم. إنني أهنّئ الإسلام العظيم مربّي الأجيال وأهنّئ الأمة الإسلامية بتربية رجال يفيضون بالحياة على القلوب الميّتة وبالنور على الظلمات. وإني وان خسرت ابناً عزيزاً كان كبضعة مني، ولكني أفتخر؛ بأنه كان وسيكون في الإسلام وسيكون مثله.

 

لقد غاب عنّا المطهري الذي قلّ له مثيل في طهارة الروح وصلابة الإيمان وقوة البيان، والتحق بالرفيق الأعلى، ولكن الأعداء لن يستطيعوا أن يقضوا على شخصيته الإسلامية والعلمية والفلسفية، وإن المغتالين لن يتمكنوا من اغتيال الشخصية الإسلامية لرجال الإسلام. وليعلموا أن فقدان الشخصيات الكبار لن يزيد شعبنا ـ إن شاء الله العزيز ـ إلاّ تصميماً وعزماً في استمرار الكفاح ضد الفساد والاستبداد والاستعمار. إن شعبنا قد اهتدى إلى سبيله ولن يألو جهداً في قطع الجذور النتنة للنظام البائد وأعوانه الخبثاء. إن الإسلام العزيز نما وترعرع بالتضحيات وتقديم الأبطال. ولقد جرت سنّة الإسلام منذ نزول الوحي على الشهادة والشهامة. ومن أهم ما يدعو إليه الإسلام هو القتال في سبيل الله والمستضعفين {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان..}.

 

وهؤلاء الذين تيقّنوا الهزيمة والفناء يحاولون الانتقام بهذا العمل اللا إنساني أو إرعاب المجاهدين في سبيل الإسلام. وإن خابت ظنونهم؛ فمن كل شعرة لكل شهيد ومن كل قطرة دم تروي الأرض سينبعث مجاهد قوي العزيمة. فلا سبيل لكم للعودة إلى نهب ثروات الشعب ألاّ أن تغتالوا جميع أبناء هذه الأمة، ولن ينفعكم اغتيال الفرد مهما كان عظيماً، ولن يتراجع الشعب الثائر لإعادة مجد الإسلام متوكلاً على الله تعالى بهذه المحاولات اليائسة؛ فنحن مستعدون للتضحية والاستشهاد في سبيل الله.

 

إنني أعلن يوم 12 ارديبهشت 1358هـ.ش الموافق ليوم 6 جمادي الثاني 1399[هـ.ق]. يوم حداد عام على رجل فذّ مناضل مجاهد في سبيل الإسلام والشعب، وسأقيم شخصياً مجلس التأبين في المدرسة الفيضية يومي الخميس والجمعة. وأسأل الله تعالى لابن الإسلام العزيز الرحمة والغفران وللدين الإسلامي الكرامة والمجد. والسلام على شهداء الحق والحرية.