المقدمة

 

كان يجلس تحت فيء شجرة في إحدى المناطق الجنوبية، قرب السياج الحدودي مع فلسطين، مصغياً إلى مراسم الأربعين، ذكرى استشهاد القائد الجهادي الكبير الحاج "عماد مغنية". ومع اختتامه حمل هاتفه الخليوي كاتباً سطوراً من تاريخ الشهيد القائد.. إنه أحد الشبان الذين نشأوا على جهاد وانتصارات الحاج رضوان.‏

 

هذا وجهك يشع في عيني وأراك بطل الأرض هنا...‏

 

أيها القائد الذي له تواريخ في الجهاد وفي النصر وحكايات بأس من بداية الحكاية...‏

 

تحكي الضاحية‏

 

أن أبيّاً طلع منها يسطر أولى مواجهاتها، ويقهر جيوش "شارون"، عند مداخلها، فلم يستطيعوا أن يدنسوا بيوتها وأزقتها.‏

 

تحكي الضاحية‏

 

أنه كان حارسها، يسهر على راحة سكانها، ليكبر الحلم ويشتد عود المقاومة، ويصبح "عماد" قائداً ميدانياً، وعقلاً ذكياً لامعاً..‏

 

يمد رجال القدس بزاد الجهاد وروح الثورة‏

 

ويقهر الصهاينة من حيثما توجهوا‏

 

يلاحق فلولهم بقاعاً وجنوباً، يدمر مواقعهم، ويزيل قلاعهم..‏

 

حتى أقلقهم وأرقهم..‏

 

فأصبح هدفهم يبحثون عنه في كل العالم..‏

 

وهو قربهم على بعد أمتار، يعطي إشارة النصر الأولى لأيار 2000.‏

 

كان بين رجاله في عرمتى قبل الهجوم ساهراً معهم قرب الموقع‏

 

وفي الدبشة والعزية إشعاعات عينيه تدمر دباباتهم ودشمهم، وفي البياضة يسقط آخر حصونهم..‏

 

حتى تقهقروا وبدأ الانسحاب‏

 

دخل بينهم وقطعانهم ما زالت في "بلاط"‏

 

يحاول أسر ضباطهم وفخر صناعتهم‏

 

ومن هناك..‏

 

كان "الحاج عماد" أول رجل يطل على فلسطين‏

 

سلم على عكا وحيفا وجبل الكرمل، ثم انحنى هامساً: "السلام عليك يا أولى القبلتين"‏

 

وترجل إلى بنت جبيل‏

 

تجول في سوقها وهنأ أهلها، قبّل العيون التي كانت أماناً للمقاومين...‏

 

ثم توجه إلى مركز الـ 17 وانحنى يشتَمُّ الأرض التي رواها "ملاك"..‏

 

ثم اعتلى دباباتهم وغنم سلاحهم.‏

 

وعانق كل رجالات الفتح.‏

 

عرج إلى "مارون"، حاملاً مسدسه القديم..‏

 

وقف عند سياجها مع فلسطين، وقبالته انكشفت كل مراكز قيادات العدو اللئيم..‏

 

وجهاً لوجه.. مقابل صلحا وجبل الجرمق ومرتفعات صفد..‏

 

تأمل في بعض الحساب.. وهو داحرهم وهو غالبهم‏

 

ثم أكمل صوب العديسة.. وعلى طول السياج ألقى حنيناً مزمناً.. وعيناه لم تفارقا تلاويح فلسطين.‏

 

ووصل إلى معبر فاطمة.. أعطى القرار الحكيم: لا تقتلوهم..‏

 

فالسماح من أخلاق المؤمنين‏

 

وفي الخيام كلام آخر..‏

 

هناك قلبه أثقل بالجراح..‏

 

فبكى.. للعمر الذي مضى.. وهو يغالب العتمة وصمت الزنزانة وقسوة الجلاد.‏

 

قرأ كتابات على الجدران كثيرة.. عن الصمود وعن الحرية..‏

 

قال: اجعلوه مزاراً..‏

 

هي أطيب أيام العمر كان يشعر بها.. حيث أولى ساعات الحرية..‏

 

ولكن، لا بد أن يعود..‏

 

كان الغروب.. وعاد‏

 

حاملاً عبق زهرة المدائن وشمس الانتصار..‏

 

ليلتقي مع سيد الفتح الأول‏

 

ثم مجدداً..‏

 

بداية وحكاية‏

 

ليال.. أيام.. فسنون.. وعماد يسهر مع المخططين..‏

 

الناس تنام في أمان..‏

 

والمارد لا يهدأ..‏

 

يخطط.. يجهز، يترصد حركات اللئام..‏

 

أقسم أن يحرر بقية الأسرى، فلا ينام.‏

 

وبوعد صادق‏

 

وبهمة القائد‏

 

هشمهم.. واصطاد حاقدين.‏

 

ومن عيتا.. لاح شفق المجدين‏

 

والضربة الموجعة في صميمهم..‏

 

أرادوها فرصة، لينالوا من وجودنا..‏

 

لكن "العماد" بالمرصاد‏

 

زلزلهم في عقر دارهم‏

 

سحق دباباتهم‏

 

كسر ألويتهم ونخبهم‏

 

بعث إليهم بأس الأمين‏

 

رسائل إلى ساعرهم وعمق كيانهم‏

 

ومفاجآت المفاجآت‏

 

كلها من صنع "عماد"‏

 

وكلما اشتد النـزال‏

 

كان عقله الهادئ يدير المعركة بامتياز‏

 

إرموهم برعد هنا..‏

 

وبخيبر هناك..‏

 

إنقضوا عليهم عند كل مفترق وواد‏

 

إحموا الضاحية من عيون المتآمرين‏

 

وأقسم: سنبقى مستمرين‏

 

فالنصر قاب قوسين من رب العالمين‏

 

انهزم أقوى رجال الشياطين‏

 

وجاء نصر النصرَين‏

 

هذا الفعل من صاحب الكفين الأبيين‏

 

نصر تموز يذكرنا بنصر الألفين‏

 

عندها، أيقن أولمرت وحاشيته‏

 

أن صلابة هؤلاء القوم.. هي.. هي.. عماد‏

 

نصره أذل جنرالاتهم..‏

 

بيريتس.. أودي آدم.. حالوتس.. وخائبين آخرين‏

 

أسماء لن تنسى اسمه.. وسيظل رسمه يؤرقهم، ويطاردهم حتى في منامهم‏

 

وتحكي الضاحية..‏

 

أنه صلى صلاةً كأنها وداع..‏

 

وودع كل الأهل والأحبة وداعاً فيه غياب ورحيل..‏

 

ثم اللقاء الذي لا يحب أن يفارقه..‏

 

هو الحبيب والأخ والصديق الأمين..‏

 

جلس معه، وفي الجلسة أنس وحنين..‏

 

ثم عانقه، وانطلق.‏

 

وفي الرحلة جهاد من أجل شعب تحت النار والحصار..‏

 

ناقش واجتمع.. وحيّا ليوث أرض المعراج.. حيث الأباة في فلسطين..‏

 

ثم.. يختلي هنيهات..‏

 

فيغفو لحظات.. تسرح روحه في عالم الرؤيا.. ويبصر أنهاراً وجنات..‏

 

إنها بشارة الوصول..‏

 

فاستأذن ومضى..‏

 

والطريق درب فرش له من ورد ونجوم..‏

 

تهمس له الملائك:‏

 

لا مكان لهذا القلب المتوقد بالنور‏

 

إلا رضوان الله‏

 

ولا معبر نحو أرض الشهداء الذين تتوق إليهم..‏

 

بعد جهادك‏

 

إلا الشهادة‏

 

الآن..‏

 

أترك على الأرض دمك..‏

 

وهات روحك..‏

 

آن لعمرك أن يرتاح..‏

 

... وأخيراً، ها هي صورة "العماد" في وضح النهار‏

 

أسد الله محمول على الأكف‏

 

أحبة وجموع كالسيل‏

 

وكل المساءات نهار ولا ليل‏

 

ها هو مع أخويه جهاد وفؤاد..‏

 

وجنبه هادي ابن أبي الشهداء..‏

 

وروحه تحت التراب تنغرس‏

 

آلاف الرايات‏

 

تظلل كل الأمة‏

 

وتشتعل بأساً وهمة..‏

 

واليوم....‏

 

كل الأجيال تقرأ تاريخه..‏

 

وتقسم بدمه..‏

 

أن عصر الصهاينة حتماً إلى زوال.