مختارات من كلمات الإمام الخامنئي حول عظمة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)

 "فاطمة الزهراء(عليها السلام) شخصية عظيمة من المرتبة الأولى في الإسلام، بل من المرتبة الأسمى على مدى التاريخ، كما نقل عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) أنه قال لها: «أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين؟»([1]) فسألته سلام اللّه عليها: «فكيف مريم؟» وقد قال القرآن أنها سيّدة النساء، فقال لها: "إنّ مريم كانت سيّدة نساء زمانها، وأنتِ سيّدة نساء الأولين والآخرين"([2]).

 ولو توضّحت شخصية فاطمة الزهراء(عليها السلام) لأذهاننا البسيطة وأنظارنا التي لا تبصر إلاّ القريب، لآمنّا نحن أيضاً أنها (عليها السلام) سيّدة نساء العالم أجمعين.

 إنّها المرأة التي بلغت في عمرها القصير مراتب معنوية وعلمية توازي مراتب الأنبياء والأولياء.

 والواقع أنّ فاطمة فجر ساطع انبلجت من جنبة شمس الإمامة والولاية والنبوّة، وهي سماء عُليا ضمّت بين جوانحها كواكب الولاية الوضّاءة.

 وكان الأئمة (عليهم السلام) بأجمعهم يولونها تكريماً واحتراماً قلّما كانوا يولونه لشخص آخر([3]).

 التعمق في معرفة أهل البيت(عليهم السلام):

 "فاطمة الزهراء (عليها السلام) كلمة الله الزاخرة بالمضامين وهي كالبحر اللجّي العميق. كلما غار فكر الإنسان وذوقه والمواهب الدقيقة لأصحابها (المواهب في هذا المجال أكثر) وكلما تدبّر وتأمل أكثر، كلما حصل على جواهر أكثر.

 طبعاً، توصيتنا الدائمة هي أن يكون التعمق في بحار النور والمعنوية هذه بمساعدة أحاديث أهل البيت.. فلنأخذ معرفتهم منهم. لنجعَلَهم هم يُعَرِّفون أنفسهم. لنتأمل وندقق كي نفهم هذه الكلمات والمعاني بنحو عميق"([4]).

 أهل البيت (عليهم السلام) لجميع المسلمين:

 ينبغي أن لا يتصور أحد أن أهل بيت النبي هم للشيعة فقط، كلا، إنهم لكل العالم الإسلامي. من ذا الذي يرفض فاطمة الزهراء (عليها السلام)؟ ومن ذا الذي يرفض الحسنين ‘ سيدي شباب أهل الجنة؟ من ذا الذي يرفض أئمة الشيعة الأجلاء؟ البعض يعتبرونهم أئمة واجبي ومفروضي الطاعة والبعض لا يعتبرونهم كذلك، لكنهم لا يرفضونهم. هذه حقائق يجب فهمها وتكريسها. البعض طبعاً لا يفهم هذا وتستفزّه تحريضات الأعداء وهو يحسب أنه يحسن صنعاً... {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}([5]). يتوهمون أنهم يفعلون خيراً وهم في غفلة عن أنهم إنما يعملون للأعداء. هذه خصوصية زماننا([6]).

 الولادة والمقام المعنوي:

 «ولدت بنت النبي(صلى الله عليه وآله) الكريمة في السنة الخامسة للبعثة طبقاً للقول المشهور، وعلى هذا فإن عمر فاطمة الزهراء(عليها السلام) حين الاستشهاد كان 18 عاماً. وقيل إنّ ولادة هذه السيّدة الكريمة كانت في السنة الثانية أو السنة الأولى للبعثة، فيكون الحدّ الأكثر لعمرها 22 أو 23 عاماً.

 ولو أخذتم جميع القيود التي يمكن أن تحيط بالمرأة ـ خاصّة في تلك الفترة حيث كانت القيود أكثر - فعند ذلك ترون العظمة التي أثبتتها هذه السيدة المكرّمة في تلك الظروف وخلال هذا العمر القصير، وبالطبع إنّني لا أتمكّن أن أتكلّم عن الجوانب المعنوية والروحية والإلهية لتلك السيدّة الكريمة، فأنا أصغر من أن أُدرك تلك الأُمور، وحتّى لو استطاع شخص إدراك ذلك فإنّه لا يستطيع وصفها وبيانها كما هو حقّها، فتلك الجوانب المعنوية هي عالم آخر»([7]).

 معجزة الإسلام:

 «إنّ الإنسان كلّما فكّر وتدبّر أكثر في أحوال الزهراء الطاهرة(عليها السلام) يحتار أكثر، وحيرة الإنسان ليست ناجمة عن كيفية تمكّن هذا الكائن الإنساني من نيل هذه الرتبة من الكمالات المعنوية والمادّية في سني الشباب ـ وهي بالطبع حقيقة تثير الحيرة أيضاً ـ بل من القدرة العجيبة التي استطاع الإسلام بها أن يبلغ بتربيته الرفيعة إلى درجة تُمكّن امرأة شابّة كسب هذه المنزلة العالية في تلك الظروف الصعبة.

 فعظمة هذا الكائن وهذا الإنسان الرفيع تثير العجب والحيرة، وكذلك عظمة الرسالة التي أظهرت هذا الكائن عظيم القدر وجليل المنزلة»([8]).

 «إنها لمعجزة الإسلام، وإنها فاطمة الزهراء(عليها السلام) التي نالت مقاماً رفيعاً وباتت سيدة نساء العالمين رغم سنوات عمرها القصيرة، وفاقت جميع النساء عظمة وقدسية في تاريخ الإنسانية. فما هي تلك الطاقة، وما هي تلك القوة الباطنية العميقة التي استطاعت خلال مدة قصيرة أن تجعل من هذا الإنسان محيطاً لا حدود له من المعرفة والعبودية والقداسة والكمال المعنوي؟.

 إنّ هذه بحد ذاتها هي معجزة الإسلام»([9]).

 المقام المعنوي للزهراء(عليها السلام):

 قد روي عن الإمام الصـادق(عليه السلام) أنّه قال: «إنّ فاطـمة كـانت مُحَـدّثة»([10])، أي أنّ الملائكة كانت تنزل عليها وتأنس معها وتحدّثها، وهناك روايات عديدة في هذا المجال([11]).

 وإنّ كونها محدّثة لا يختصّ بالشيعة فقط، فالشيعة والسنّة يعتقدون أنّه كان هناك أشخاص في صدر الإسلام- أو من الممكن وجودهم- كانت تحدّثهم الملائكة، ومصداق هؤلاء في رواياتنا هي فاطمة الزهراء(عليها السلام)([12]).

 وقد ورد في هذه الرواية عن الإمام الصادق(عليه السلام) بأنّ الملائكة كانت تأتي فاطمة الزهراء(عليها السلام) وتتحدّث معها وتقرأ عليها آيات الله.

 وكما أنّ هنـاك تعبيراً في القرآن حول مريم(عليها السلام) في الآية: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾([13])، فإن الملائكة كانت تخاطب فاطمة الزهراء(عليها السلام) وتقول: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ».

 ثمّ يقول الإمام الصادق(عليه السلام) في هذه الرواية بأنّ الملائكة في إحدى الليالي كانت تتحدّث مع فاطمة(عليها السلام) وكانت تذكر هذه العبارات، فقالت فاطمة الزهراء(عليها السلام) لها: «أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم»؟ فقالت الملائكة لفاطمة الزهراء(عليها السلام): "إنّ مريم كانت المفضّلة على النساء في زمانها وفاطمة مفضّلة على النساء في كلّ الأزمنة من الأوّلين والآخرين".

 فأيّ مقام معنوي رفيع هذا؟.

 إنّ الإنسان العادي مثلنا لا يمكنه أن يتصوّر في ذهنه هذه العظمة والدرجة.

 وقد روي عن أمير المؤمنين(عليها السلام) أنّ فاطمة الزهراء(عليها السلام) قالت له بأنّ الملائكة تأتي وتتحدّث معها وتقول لها بعض المسائل، فقال لها أمير المؤمنين(عليه السلام) بأن تخبره عندما تسمع صوت الملك حتّى يكتب ما تسمع، فكتب أمير المؤمنين ما أملته الملائكة على فاطمة الزهراء(عليها السلام) وأصبح هذا كتاباً موجوداً لدى الأئمة(عليها السلام) اسمه (مصحف فاطمة)([14]) أو (صحيفة فاطمة).

 وقد جاء في روايات عديدة أنّ الأئمة (عليهم السلام) كانوا يراجعون (مصحف فاطمة) في مسائلهم المتنوّعة، ثمّ قال الإمام(عليه السلام): «إنّه ليس فيها حلال وحرام، فيها علم ما يكون»([15]).

 فأيّ علم رفيع هذا؟ وأيّة معرفة وحكمة ليس لها نظير هذه التي أعطاها اللّه تعالى لإمرأة في سنيّ الشباب؟.

 هذا هو المقام المعنوي للزهراء(عليها السلام).

 إنّ هذه المسائل المعنوية لها ارتباط كبير بالفضائل العملية، ارتباط بما ينجم عن جهد فاطمة الزهراء(عليها السلام) وهذا المقام لا يُعطى مجّاناً وبلا سبب، فعمل الإنسان له تأثير كبير في إحراز الفضائل والمناقب المعنوية"([16]).

 مقام الصديقة الطاهرة (عليها السلام):

 وأما بالنسبة إلى مقام الصدّيقة الطاهرة (عليها السلام) فإن لساننا قاصر عن بيانه، وليس بالإمكان وصف شأنها، لخروجه عن حدود قوالبنا البيانية، ولكن بالإمكان تقريب المعاني إلى الأذهان بلغة الفن، وهذا هو الذي يجعلني أُصرّ على المدائح والقصائد الإسلامية، فلا يمكن بلوغ حقيقتهم في مقام التوصيف، ولكن يمكن الاقتراب من هذه الحقيقة بواسطة التحليق بأجنحة الفن.

 وطبعاً يمكن للذين يطهّرون أفئدتهم وينزّهون أعمالهم، ويسلكون طريق التقوى، ويبتعدون عن الأدران المحيطة بأمثالي أن يشاهدوا تلك الحقيقة، إلاّ أنّ هؤلاء أيضاً لا يمكنهم وصف ما يشاهدون من الحقائق والأنوار المقدسة لأهل البيت (عليهم السلام) ومنهم الصديقة الكبرى (عليها السلام).

 ولدينا شواهد على ذلك، فإن ما نقل عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) قوله: "فداها أبوها"([17])، أو قيامه لها حينما تدخل عليه([18])، من الشواهد على عظمتها.

 كما أنّ نظرة العالم الإسلامي- من الشيعة والسنة على السواء- إلى هذه السيدة العظيمة بالجلال والتكريم من الشواهد على ذلك أيضاً؛ إذ لا يمكن لجميع العقلاء والعلماء والمفكرين مع اختلاف عقائدهم أن يجتمعوا طوال التاريخ على مدح شخص إلاّ لعظيم وصف ذلك الشخص.

 وجميع هذه العظمة تتمحور في سيدة شابّة لا يتجاوز عمرها ثمانية عشر ربيعاً، وإنّ أطول عمر ذكرته التواريخ لنا كعمر لفاطمة الزهراء(عليها السلام) يتراوح بين ثمانية عشر إلى اثنين وعشرين سنة.

 ومن خلال تكريم أمير المؤمنين (عليه السلام) لها، وما ورد في شأنها من الروايات والأحاديث ندرك العظمة التي تموج في كلمات الأئمة الأطهار بحق الزهراء (عليها السلام)، فإن كل واحد من الأئمة يعد بحراً متلاطماً من المعرفة التي تروي عطش البشرية وتنعشها، وإنّ جميع هذه المنابع تصدر من عين فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وإنّ روايات الصادقين، وعظمة الإمام موسى بن جعفر والرضا والأئمة من بعدهم إلى الحجة المنتظر(عليهم السلام) ما هي إلاّ ينابيع لذلك الكوثر الذي لا ينضب.

 هذه هي عظمة الزهراء التي أردنا جعلها أسوة لنا، فهي امرأة شابّة تعيش حياة بسيطة وتلبس ثياب الفقراء وتقوم بإدارة بيتها ورعاية أولادها، ومع ذلك فهي جبل عظيم من المعرفة وبحر زاخر من العلم"([19]).

 المنزلة السماوية:

 "قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة يربّي الرسول الأكرم بنتاً تحرز جدارة أن يقبِّل الرسول يدها!.

 تقبيل الرسول ليد فاطمة الزهراء يجب أن لا يحمل إطلاقاً على محمل عاطفي. إنه لمن الخطأ والتفاهة جداً أن يُتصور أنه كان يقبل يدها([20]) لأنها بنته ولأنه يحبها.

 شخصية بتلك المكانة السامية وبما له من العمل والحكمة وباعتماده على الوحي والإلهام الإلهيين ينحني ويقبل يد ابنته؟ لا، إن هذا شيء آخر وله معنى آخر. هذا دليل على أن هذه الفتاة الشابة وهذه المرأة التي كان عمرها حينما فارقت الحياة ما بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين، كانت في ذروة الملكوت الإنساني وشخصاً خارقاً للعادة. هذه هي نظرة الإسلام للمرأة ([21]).

 عظمة فاطمة الزهراء:

 إنّ كل ما نقوله حول الزهراء(عليها السلام) قليل، وفي الحقيقة إنّنا لا نعلم ما يجب قوله في الزهراء(عليها السلام) وما يجب التفكير فيه، فالأبعاد الوجودية لهذه الحوراء الإنسية والروح الخالصة وخلاصة النبوة والولاية، واسعة ولا متناهية وغير قابلة للإدراك وهي بصورة بحيث يتحيّر الإنسان فيها.

 فكما تعلمون فإن المعاصرة تعتبر من الأمور التي تمنع الإنسان من معرفة الشخصيات بصورة جيدة، فغالباً لم تعرف النجوم الساطعة في عالم البشرية في حياتهم من قبل معاصريهم، إلاّ مَنْ ندر من العظام كالأنبياء والأولياء، وهؤلاء أيضاً عرفوا من قبل أفراد معدودين فقط.

 إلاّ أن فاطمة الزهراء(عليها السلام) كانت في عصرها بصورة بحيث لم يمتدحها أبوها وبعلها وبنوها وخواص شيعتهم فحسب، بل إنها كانت تُمتدح حتى من قِبَل أولئك الذين لم تكن لهم علاقات سليمة معها.

 انظروا إلى الكتب التي اُلفت حول الزهراء(عليها السلام) أو حول كيفية تعامل النبي مع هذه العظيمة، فقد رويت من قبل الذين أشرنا إليهم كزوجات النبي والآخرين، فهذه الرواية المعروفة عن عائشة أنها قالت: "والله ما رأيت في سَمْتهِ وهَدْيِهِ أشبه برسول الله(صلى الله عليه وآله) من فاطمة، وكان إذا دخلت على رسول الله قام إليها"([22]) أي أنه(صلى الله عليه وآله) كان يقوم من مكانه ويتحرك نحوها بكل شوق، هذا معنى (قام إليها)، وليس معناه أنه إذا دخلت الزهراء(عليها السلام) قام أمامها النبي(صلى الله عليه وآله)، كلا، قام وذهب إليها، وفي بعض الروايات المروية عن عائشة أيضاً جاء هكذا "وكان يقبّلها ويجلسها مجلسه"([23]).

 هذه هي منزلة الزهراء(عليها السلام)، فماذا يقول الإنسان حول ابنة رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ وماذا يقول حول هذا الموجود العظيم؟.

 إن عظمة الزهراء(عليها السلام) - أيها الأعزاء - مشهودة في سيرتها..([24]).

 المكانة العظيمة:

 إنّ سلسلة الأنبياء هي أطهر سلاسل البشرية وأقدسها، وأشدّها نوراً على طول التاريخ، ومن بين العظماء والأطهار الذين يحظون بمعنوية إلهية وعرشية هو الوجود المقدّس لخاتم الأنبياء محمد المصطفى(صلى الله عليه وآله)، فهو على رأس هؤلاء؛ وكذلك أهل بيته الأطهار- الذين صرّح بطهارتهم القرآن الكريم- فهم من أطهر وأعظم الناس وأشدّهم نوراً على طول التاريخ، من هي المرأة من النساء- على مدى التاريخ - مثل فاطمة(عليها السلام)؟ ومن هو الرجل من الرجال مثل علي المرتضى سجّله لنا التاريخ؟.

 إنّ عترة النبي الأكرم في التاريخ، شموس مضيئة، استطاعت من حيث المعنوية أن تربط البشرية بعالم الغيب وبالعرش الإلهي "السبب المتصل بين الأرض والسماء"([25]).

 إنّ أهل البيت هم معدن العلم، ومعدن الأخلاق الحسنة، ومعدن الإيثار والتضحية، ومعدن الصدق والصفاء، ومنبع كل إحسان وجميل وإنارة تحلّى بها وجود الإنسان في كل عصر وعهد، وقد كان كلّ منهم شمساً مضيئة لوحده([26]).

 الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء(عليها السلام) أعظم سيدة في تاريخ الإنسانية وفخر الإسلام ومفخرة هذا الدين وهذه الأمة. مقام فاطمة الزهراء(عليها السلام) من جملة المقامات التي إما لا يمكن تصورها بالنسبة للبشر العاديين من أمثالنا، أو أن تصورها أمر صعب. إنها بالتالي معصومة. ليست بحسب المسؤولية الرسمية رسولاً، ولا هي بحسب المسؤولية الرسمية إماماً أو خليفة للرسول، لكنها من حيث المرتبة في مستوى الرسول والإمام.

 يذكر الأئمة الأطهار(عليهم السلام) الاسم المبارك لفاطمة الزهراء بعظمة وإكبار، وكانوا يروون عن معارف الصحيفة الفاطمية([27]).. هذه الأُمور على جانب كبير من العظمة. هذه هي فاطمة الزهراء(عليها السلام).

 ما يوجد في الحياة الظاهرية لهذه المرأة الجليلة هو من جهة العلم والحكمة والمعرفة، بحيث حينما تنظرون في خطبة كالخطبة الفدكية([28]) الشهيرة لها (عليها السلام)، والتي يرويها الشيعة، ويروي أهل السنة بعض فقراتها على الأقل- والبعض يروونها بتمامها([29])- حينما تنظرون في حمد وثناء هذه الخطبة وفي مقدماتها([30]) ترونها كلها حكمة ومعرفة تجري كالجواهر والدرر على لسان هذه الإنسانة العظيمة وتنتشر في الأجواء، وقد بقيت لنا اليوم والحمد لله.

 وذلك في موقف لم يكن موقف تعليم أو علم ومعرفة، بل كان الموقف في الحقيقة موقف محاججة سياسية. ثمة في هذه الخطبة المباركة معارف إلهية وإسلامية في أعلى المستويات مما يمكن بالنسبة لنا إدراكه([31]).

 * سيدة نساء العالمين وأعظم شخصية بين النساء في تاريخ البشرية الصدّيقة الطاهرة السيدة الزهراء (عليها السلام)([32]).

 * كوثر النور والمعرفة، الصديقة الطاهرة المرضية المطهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام)([33]).

 الزهراء (عليها السلام) قدوة

 القدوة:

 إنّ القدوة يجب أن لا يُعرّف ويُقدّم لنا كقدوة، ويقال: لنا هذا قدوتكم؛ فمثل هذا الإقتداء تعاقدي ومفروض وخالٍ من الجاذبية.

 فنحن الذين يجب أن نختار قدوتنا بأنفسنا، أي أن ننظر في أُفق رؤانا ومعتقداتنا الحقّة، ونلاحظ الصورة التي نرتضيها لأنفسنا من بين تلك الصور.. هكذا تصبح تلك الصورة وتلك الشخصية قدوة لنا.

 ولا أعتقد بوجود صعوبة في حصول الشاب المسلم، وخاصة الشاب المطّلع على حياة الأئمة وأهل البيت في صدر الإسلام، على قدوة له.. الأشخاص القدوة ليسوا قليلين.

 أذكر بضع كلمات حول الزهراء (عليها السلام)، ولعل هذه الكلمات يمكن تعميمها في شأن الأئمة والأكابر، ويمكن لكم التأمّل في هذا المعنى.

 أنتِ سيدة([34]) تعيشين في عصر طغى عليه التطوّر العلمي والصناعي والتقني، وعالَمٍ رحب وحضارة مادية زاخرة بمختلف المظاهر الجديدة، فما هي الخصائص التي يتحقق فيها معنى الإقتداء بشخصية سبقكِ عهدها بألف وأربعمائة سنة مثلاً، هل تتوقّعين في القدوة التي تتأسين بها أن يكون لها وضع كوضعك، تقتفين أثره في حياتك الحالية، وتفترضين على سبيل المثال كيف كانت تذهب إلى الجامعة؟ أو كيف كانت تفكّر في القضايا العالمية، أو ما شابه ذلك؟

 كلا، ليس الأمر كذلك، والأمور المطلوبة التي يُقتدى بها ليست هذه؟

 بل هناك في شخصية كل إنسان خصائص أصيلة يجب تحديدها أولاً، ثم يُنظر إلى القدوة في ضوء تلك الخصائص والميّزات.

 لنفرض على سبيل المثال كيفية التعامل مع وقائع الحياة اليومية المحيطة بالإنسان.

 فقد تكون هذه الوقائع متعلّقة تارة بعهد انتشار المترو والقطار والطائرة النفاثة والحاسوب، وقد تكون تارة أخرى متعلّقة بعهد لا وجود لمثل هذه الأشياء فيه، إلاّ أنّ الإنسان لابدّ وأن يواجه وقائع وأحداث الحياة اليومية، وبإمكانه التعامل معها على نحوين متفاوتين ـ من دون فرق بين العهدين- فهو إما أن يتعامل معها تعاملاً مسؤولاً، وإمّا أن يقف منها موقف اللامبالي.

 ويتفرّع التعامل المسؤول بدوره إلى عدّة أنواع وأقسام، فبأية روحية وبأية نظرة مستقبلية يكون التعامل؟.

 فالإنسان يجب أن يبحث عن تلك الخطوط العريضة والأساسية في الشخصية التي يتخذها قدوة له؛ من أجل إتبّاعها والسير على خطاها([35]).

 ذكر القرآن أربع نساء كن نموذجيات: اثنتان نموذج الصلاح فـي العالم، واثنتان نموذج السوء فـي العالم ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ﴾([36]) زوجة نوح وزوجة لوط ﴿كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾([37]). هذان نموذجان نسويان للكافرين على مر التاريخ. حين يروم الله تعالى تعريف الكفار فـي القرآن والإشارة إلى نموذج لوجود حالة الكفر وإنكار النعمة الإلهية، يذكر بدل فرعون ونمرود وغيرهما من الناس امرأتين : امرأة نوح وامرأة لوط، كانت أبواب الرحمة الإلهية مفتّحةً بوجهيهما، وجميع أسباب العروج والرفعة مُعَدَّةً لهما، وزوجاهما نبيان من طراز النبي نوح ولوط، كانتا تعيشان في بيتيهما، والحجة تامة عليهما. بيد أن هاتين المرأتين لم تعرفا قدر هذه الأنعم ﴿... فَخَانَتَاهُمَا...﴾، خانتا زوجيهما. ليست هذه الخيانة خيانة جنسية بالضرورة، إنها خيانة عقيدية، خيانة في المسلك، أي أنهما سارتا في الطريق المنحرف. الزوجان مع أنهما نبيّان لهما مقام شامخ لكنهما لم ينفعا مع هاتين المرأتين ﴿فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا﴾([38]) ليس لله تعالى مجاملة وصداقة وقرابة مع أحد. حين يسبغ محبته ولطفه ورحمته على أحد فإنما يفعل ذلك عن حساب وكتاب، لا عن مجاملات. ليس لله أقارب أو عشيرة. وهاتان أيضاً مع أن زوجيهما كانا نبيين إلاّ أن هذين النبيين لم يتمكنا من إنقاذ هاتين المرأتين من الغضب الإلهي. فكانتا نموذج الكافرين فـي كل التاريخ.

 وفي المقابل يذكر الله تعالى امرأتين نموذجاً للمؤمنين: ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ﴾([39]) إحداهما زوجة فرعون والثانية السيدة مريم ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ﴾([40]). المرأة الأولى لم يفتنها قصر فرعون. امرأة متربية في بلاط فرعون، إنها زوجة فرعون، ولابد أن أباها وأمها وعائلتها كانوا من نفس هؤلاء الطواغيت، فكانت تعيش إذن في منتهى الراحة والنعمة والرفاه والعز الظاهري، بيد أن إيمان موسى فتن قلبها واحتله، فآمنت بموسى. وحين آمنت وعرفت السبيل.. تركت جانباً كل تلك الراحة والرفاه ولم يعد لذلك القصر العظيم أي جاذبية في نفسها، قالت ﴿.. رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ..﴾([41])، أنا أفضِّل بيتاً في الجنة، إذ ليس للحياة الدنيا قيمة. والسيدة مريم أيضاً ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا..﴾([42])، صانت شرفها وعرضها، هذه هي القيم الإنسانية.

 هذه النساء الأربع لسن نماذج وأمثلة للنساء وحسب، بل لكل النساء والرجال. تلكم المرأتان مع أن باب الرحمة كانت مفتوحة أمامهما لكنهما لم تسلكا ذلك الصراط ولم تنتفعا منه. تنكرتا للمعنوية من أجل أشياء تافهة وحقيرة- لم يذكر القرآن الأسباب، ولابد أنها أمور من قبيل الأخلاق السيئة أو الخصال الذميمة- شيء صغير يجتذب إليه هذه القلوب الضعيفة فينحرف بها عن سبيل الحق، فتغدو مثال الكفّار والإنسان غير الشاكر لربه. أما المرأتان الأخريان فكانتا مثال القيم. جاذبية الروح المعنوية وجاذبية كلام الحق كانت شديدة بالنسبة لها إلى درجة جعلتها تضرب عرض الجدار كل البلاط والبهرجة الفرعونية، والأخرى أيضاً تحلّت بالطُهر والعفاف والتقوى.

 فاطمة الزهراء(عليها السلام) جمعت كل هذه الفضائل مع بعض. فثمة في القرآن حول مريم ﴿وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾ وهناك في الروايات أنها سيدة نساء العالم في زمانها، بينما فاطمة الزهراء سيدة نساء العالم في كافة عصور التاريخ. هذه هي النموذج. إخوتي الأعزاء، نحن اليوم بحاجة لهذا النموذج([43]).

 هذه هي منزلة الزهراء(عليها السلام)، فماذا يقول الإنسان حول ابنة رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ وماذا يقول حول هذا الموجود العظيم؟

 إن عظمة الزهراء(عليها السلام) - أيها الأعزاء - مشهودة في سيرتها..([44]).

 وهنا توجد مسألتان:

 المسألة الأولى: ما مدى معرفتنا بالزهراء(عليها السلام)؟

 حسناً، إن محبّي أهل البيت(عليهم السلام) قد سعوا طوال تاريخ الإسلام إلى احترام آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتعلّق بهم وخصوصاً الزهراء(عليها السلام) بالقدر المستطاع، وليس لأحد أن يتصوّر أنّ هذه العظيمة أصبحت عزيزة على القلوب في عصرنا فقط، نعم في عصرنا ما في القلوب يجري على الألسن؛ لأنّه عهد الإسلام وحكومة القرآن، عهد الحكومة العلوية وحكومة أهل بيت (عليهم السلام)، إنها كانت عزيزة دائماً.

 فأقدم جامعة إسلامية في العالم الإسلامي والتي يعود تاريخها إلى القرنين الثالث والرابع الهجري هي باسم الزهراء(عليها السلام) ألا وهي جامعة الأزهر في مصر والمشتق اسمها من الزهراء(عليها السلام)، فكان الخلفاء الفاطميون الشيعة الذين كانوا يحكمون مصر آنذاك يسمّون جامعاتهم باسم الزهراء(عليها السلام).

 وقد سعى الشيعة على مدى القرون الماضية للتعلّق بهذه العظيمة.

 المسألة الأخرى: هي أنّنا يجب علينا الاهتداء بالنجوم([45]).

  (أُم أبيها).. الزهراء(عليها السلام) مع رسول الله(صلى الله عليه وآله):

 لاحظوا أنّ الزهراء (عليها السلام) كانت في السادسة أو في السابعة من عمرها- والتردد لاختلاف الأخبار في تاريخ ولادتها- حينما وقع حصار شِعْب أبي طالب. وقد مرّت في الشِعْب على المسلمين فترة عصيبة من تاريخ صدر الإسلام.

 فبعدما أعلن الرسول دعوته في مكة بدأ أهالي مكة يستجيبون له وخاصة الشباب منهم والعبيد.

 أما أكابر الطواغيت من أمثال أبي لهب وأبي جهل فرأوا أنهم لا سبيل أمامهم سوى إخراج الرسول وأصحابه من مكة؛ وهكذا أخرجوهم وكان عددهم قد بلغ عشرات العوائل.. وفيهم الرسول وأهل بيته وأبو طالب الذي كان من أكابر قريش ووجوهها.

 كان لأبي طالب شِعْب- والشِعْب هو الشق بين جبلين - على مقربة من مكّة يُسمّى بشِعْب أبي طالب، عزموا على الذهاب إليه مع ما يتّسم به جو تلك المنطقة من حرّ شديد في النهار وبرد قارص في الليل([46]).

 كابدت هذه السيّدة أشد العناء في فترة طفولتها حينما أغلقت على المسلمين وعلى الرسول(صلى الله عليه وآله) منافذ العافية في شِعْب أبي طالب، فلم تتوفر لهم حينذاك متطلبات الحياة وأسباب العيش الكريم، وكانت فترة يسودها الاضطراب والفزع من غارات الأعداء، وتُباشر أسماعهم على الدوام الأخبار السيئة، وأصوات الأطفال وهم يتضورون جوعاً، ناهيك عن شتّى ألوان العناء والأذى وما يلقونه في ذلك الشِعْب الذي يلفّه الجفاف، حيث أُرغمت تلك المجموعة من عوائل المسلمين على المكث فيه ثلاث سنوات.

 وكانت تلك الويلات تزحف من أولئك الناس كبيرهم وصغيرهم لتلقي بثقلها على كاهل الرسول؛ لأنه هو القائد، ولأنهم جميعاً كانوا يعوّلون عليه، ويعرضون بين يديه كل آلامهم وعنائهم، وكان هو يتحسس جميع ما يقع عليهم من ضغوط مرهقة([47]).

 وكانت تلك الفترة من الفترات العسيرة التي مرّت في حياة الرسول، الذي لم تنحصر مسؤوليته حينذاك في قيادة تلك المجموعة وإدارة شؤونها، بل كان ينبغي عليه أيضاً الدفاع عن موقفه أمام أصحابه الذين وقعوا في تلك المحنة.

 فأنتم على بيّنة أنّ الجماعة الملتفّة حول القيادة، تُبدي ارتياحها ورضاها في حال الرخاء.. وتعبّر عن امتنانها.

 ولكن حينما يعرّضون للبلاء، أو يقعون في محنة يبدأ الشك يتسرّب إلى نفوسهم، ويُلقون على تلك القيادة مسؤولية قيادتهم إلى ذلك المآل، الذي لم يكونوا راغبين في الوقوع فيه أبداً.

 من الطبيعي أنّ أصحاب الإيمان الراسخ يصمدون ويصبرون في مثل هذه الظروف، إلاّ أنّ جميع الضغوط تُصب في نهاية المطاف على كاهل الرسول.

 وفي تلك الظروف العصيبة والضغوط النفسية الشديدة التي كان يواجهها رسول الله(صلى الله عليه وآله) تُوفي في أسبوع واحد كل من أبي طالب الذي كان أكبر عون وأمل له، وخديجة الكبرى التي كانت خير سند روحي ونفسي له، فكانت حادثة مريرة بقي الرسول على أثرها وحيداً فريداً.

 لا أدري إن كان فيكم مَن تّصدى لرئاسة فريق عمل وعرف معنى المسؤولية.

 في مثل تلك الظروف يُغلب الإنسان على أمره.

 ولكن لاحظوا دور فاطمة الزهراء في مثل تلك الظروف، وموقفها الإيجابي.. وإذا نظر المرء صفحات التاريخ يجد مثل هذه الموارد متناثرة بين ثناياها ولكن لم تُفرد بباب للأسف.

 كانت فاطمة في تلك الظروف بمثابة الأم والمستشار والممرضة بالنسبة للرسول.

 ومن هنا أُطلق عليها «أُم أبيها»([48]) وهذه الصفة تتعلّق بتلك الفترة التي تكون فيها صبية عمرها ست أو سبع سنوات على هذا النحو..

 ألا يمكن لمثل هذه الفتاة أن تكون قدوة للفتيات؛ ليصبح لديهن شعور مُبكّر بالمسؤولية إزاء القضايا المحيطة بهن، ويتفاعلن معها بنشاط([49]).

 فانظروا إلى حياتها كيف كانت؟ كانت إلى قبل الزواج حينما كانت فتاة، تعامل أباها - نبي الرحمة والنور ومؤسس الحضارة الحديثة، والقائد العظيم للثورة العالمية الخالدة، وحيث كان النبي(صلى الله عليه وآله) آنذاك يرفع راية تلك الثورة-بصورة بحيث أصبحت (أمُّ أبيها) ولم يقال اعتباطاً (أُمُّ أبيها)، فكانت الزهراء(عليها السلام) - سواء في مكة أو في شعب أبي طالب أو عندما توفّت خديجة وبقي النبي وحيداً مكسور القلب بوقوع حادثتين في فترة قصيرة وفاة خديجة ووفاة أبي طالب، فأحسّ النبي بالغربة- تزيل بيديها الصغيرتين غبار الحزن والغمّ عن وجه رسول الله(صلى الله عليه وآله)([50]).

 كان وجه فاطمة ينشرح بوجه أبيها، وتنشط قواها وهي تزيل بمنديل العطف والحنان غبار الهَمْ والحزن عن وجه أبيها، الذي تجاوز حينذاك الخمسين من عمره الشريف ودخل في سن الشيخوخة تقريباً، قبل أن تزيله بيدها([51]).

 لاحظوا هذه العظمة، فتاة صغيرة تهرع في أشد المحن قساوة وصعوبة لإغاثة أعظم إنسان! ليس هذا بالأمر الهيّن.

 هذه هي الفتاة والمرأة التي طوت على مر الزمن؛ في أيام صباها وحتى الخامسة عشرة أو السادسة عشرة أو الثامنة عشرة من عمرها، وإلى آخر حياتها كل هذه المراتب المعنوية، وأنجزت هذا العمل الكبير، وتركت هذا الأثر في تاريخ الإسلام والتشيّع، وأضحت كوكباً سيظل نوره الأبهى على مدى الزمان منيراً.

 كل هذه الخصال اجتمعت في فاطمة وهي في سنّ الشباب([52]).

 ألا يمكن لهذه الفتاة أن تكون قدوة للشابّات؟ هذه قضية ذات أهمية بالغة طبعاً([53]).

 فقد واست النبي(صلى الله عليه وآله) وتحمّلت العناء وعبدت اللّه وعزّزت إيمانها وهذّبت نفسها وفتحت قلبها للمعرفة والنور الإلهي، وهذه هي الأمور التي توصل الإنسان إلى الكمال([54]).

 في مجال الدعوة:

 إنّ حياة فاطمة الزهراء(عليها السلام) في جميع الأبعاد كانت مليئة بالعمل والسعي والتكامل والسمو الروحي للإنسان، وكان زوجها الشاب في الجبهة وميادين الحرب دائماً، وكانت مشاكل المحيط والحياة قد جعلت فاطمة الزهراء(عليها السلام) مركزاً لمراجعات الناس والمسلمين([55]).

جهادها:

 ومن جهة ثانية كانت حياتها (عليها السلام) مكتظة بالجهاد فقد كانت كجندي مضحّ في الميادين المختلفة، لها تواجدها ودورها الفعال والمؤثر منذ فترة الطفولة في مكة وفي شعب أبي طالب ومساعدة والدها العظيم وشحذه بالمعنويات، إلى مواكبة أمير المؤمنين في مراحل حياته الصعبة في المدينة.. في الحرب، وفي غربته، وحيال التهديدات التي واجهته، وفي صعوبات الحياة المادية ومختلف الضغوط، وكذلك خلال فترة محنته- أي بعد رحيل الرسول(صلى الله عليه وآله)- سواء في مسجد المدينة أو على فراش المرض، خلال كل هذه المراحل والأطوار كانت هذه الإنسانة الكبيرة مجاهدة ساعية مكابدة.. كانت حكيمة مجاهدة وعارفة مجاهدة([56]).

 وبعد وفاة الرسول قصدت المسجد ذات يوم وألقت فيه خطبة عصماء. وهذا من مواقفها الداعية إلى العَجَب، ونحن أصحاب الخطابات والكلمات الارتجالية نعرف مدى عظمة مثل هذه الخطبة، وما معنى أن تُقدم امرأة في الثامنة عشرة أو العشرين أو الرابعة والعشرين على أغلب الاحتمالات - والحقيقة أنّ عمرها الشريف غير معروف على وجه الدقّة؛ بسبب عدم وجود تاريخ مُوحّد لولادتها ـ مع كل ما كانت تحمله من هموم ومصائب، وتدخل المسجد وتخطب أمام حشد غفير من المسلمين، ويُسجّل التاريخ كل كلمة من تلك الخطبة([57]).

 قال العلاّمة المجلسي: "إنّ على كبار الفصحاء والبلغاء والعلماء أن يجلسوا ويوضّحوا كلمات وعبارات هذه الخطبة"([58]).

 فقد كانت قيّمة إلى هذه الدرجة، ومن حيث الجمال الفنّي فإنّها كانت مثل أجمل وأرفع كلمات نهج البلاغة وفي مستوى كلام أمير المؤمنين(عليه السلام).

 ذهبت فاطمة الزهراء(عليها السلام) ووقفت في مسجد المدينة وتكلّمت ارتجالاً أمام الناس حوالي ساعة كاملة بأفضل وأجمل العبارات وأصفى المعاني([59]).

 كان العرب مشهورين بقوّة الحفظ. فكان الرجل يأتي ويلقي قصيدة من ثمانين بيتاً، ثم ترى عشرة رجالٍ- مثلاً- يسارعون إلى كتابتها عن ظهر قلب، وأغلب الأشعار المنقولة حفظت على هذه الطريقة. وعلى غرار حفظ القصائد كانت تحفظ الأحاديث والخطب. وعلى هذا المنوال دوّنت وحُفظت هذه الخطب أيضاً، وبقيت حتى يومنا هذا.

 والكلمات لا يخلّدها التاريخ اعتباطاً.. وما كل كلام يُحفظ؛ فلطالما قيلت كلمات وأُلقيت خطب وأشعار، إلاّ أنّ أحداً لم يأبه لها ولم تحفظ، ولكن الشيء الذي يحفظه التاريخ بين جوانحه، وحينما ينظر إليه الإنسان بعد ألف وأربعمائة سنة يشعر إزاءه بالخشوع، لا شكّ أنّ فيه دلالة على العظمة([60]).

 إنّ جهاد تلك المكرّمة في الميادين المختلفة هو جهاد نموذجي، في الدفاع عن الإسلام وفي الدفاع عن الإمامة والولاية، وفي الدفاع عن النبي(صلى الله عليه وآله)، وفي المعاشرة مع أكبر القادة الإسلاميين وهو أمير المؤمنين الذي كان زوجها.

 وقد قال أمير المؤمنين(عليه السلام) مرّة بشأن فاطمة الزهراء(عليها السلام): «ما أغضبتني ولا خرجت من أمري([61]).

 ومع تلك العظمة والجلالة فإن فاطمة الزهراء(عليها السلام) كانت زوجة في بيتها، وامرأة كما يقول الإسلام، وعالمة رفيعة في محيط العلم([62]).

 هكذا كانت عبادتها وفصاحتها وبلاغتها وحكمتها وعلمها ومعرفتها وجهادها وسلوكها كزوجة وكأم، وإحسانها إلى الفقراء([63]).

 ودافعت عن حق الولاية دفاع المستميت وتحمّلت في ذلك كل ذلك العذاب وتلك المصائب ثم استقبلت تلك الشهادة العظيمة بكل رحابة صدر. فهذه هي فاطمة الزهراء(عليها السلام)([64]).

 الصديقة الزهراء(عليها السلام) ومحنة أمير المؤمنين(عليه السلام):

 "لقد كانت مهمّة الأنبياء، بأسرهم، إيصال البشرية إلى نقطة تمثّل بالنسبة لها- أي للبشرية- بداية لحياة جديدة.

 لكن ماذا كان على نبينا الخاتم أنْ يفعل كي يؤدّي هذه المهمّة في ضوء رسالته الخاتمة؟.

 كان عليه أنْ يحافظ على المسار التربوي الذي كرّسه ليبقى مستمرّاً وحيّاً على مدى الأجيال.

 لكنّ النبي رحل عن الدنيا {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}([65])، إذن كان لا بدّ له من تنصيب مَن يقوم مقامه ويستمرّ بذات النهج النبوي ويستخدم ذات الأساليب، ولم يكن من أحد مؤهل لأن تناط به هذه المهمّة سوى علي بن أبي طالب.

 وهذا هو المراد من (التنصيب) الذي شهده يوم الغدير.

 ولو وعت الأمّة الإسلامية- في ذلك اليوم- المفهوم الحقيقي للتنصيب الذي قام به رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وتمسّكت به، واتبعت علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكُتِبَ للتربية المحمدية أنْ تستمر بواسطة أشخاص معصومين يتعاقبون بعد أمير المؤمنين ويسيرون بالأمّة تحت مظلّة التربية الإلهية، لتسنّى للبشرية الوصول إلى تلك النقطة التي من المفترض أن تصل إليها، ولم تصلها لحد الآن، بأسرع ما يكون. ولتقدّم العلم البشري، وارتفعت المنازل المعنوية والروحية للناس، وساد الأمن والسلام بينهم، وانطوت صفحات الظلم والجور والرعب والخوف والتمييز.

 تقول فاطمة الزهراء (عليها السلام)- وهي ذلك اليوم أعرف الناس برسول الله وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب- :

 "وأيم الله لو تكافوا([66]) عن زمام نبذه إليه رسول الله لاعتلقه([67]) ثم لسار بهم سيرا سجحا([68])، لا يكلم([69]) خشاشه([70])، ولا يتعتع([71]) راكبه، ولأوردهم منهلا([72]) رويا صافيا فضفاضا([73]) تطفح ضفتاه، ثم لأصدرهم بطانا([74]) قد تخير لهم الري غير متحل منه بطائل إلا بغمر الماء وردعه سورة الساغب([75])، ولانفتحت عليهم بركات من السماء والأرض، ولكنهم بغوا فسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون"([76]).

 "إنّ الأخطاء الجسيمة التي ترتكب من شأنها تغيير مجرى التأريخ بأسره، وهي عادةً ما تلقي بظلالها على البشرية فتخلق لها مشاكل وأزمات كبيرة جدّاً.

 وقد كان تأريخ صدر الإسلام تأريخاً حافلاً بالأحداث والمواقف، وقد تضمّن فلسفةً عميقة جدّاً.

 ومن المناسب ونحن في عام أمير المؤمنين([77])- وهذا العام والأعوام التي تليه كلها أعوامه- أنْ نقف عند هذه الفلسفة ونتأمّلها بإمعان.

 كما لا بدّ للبشرية اليوم من السير على ذلك النهج الذي خطّه أمير المؤمنين. وعلى سائر الأمم إذا ما أرادت الوصول إلى ذلك المستقبل الموعود أنْ تتمسك بالعدل وتهتم بالجانب المعنوي، وتتجنّب الرذائل الخلقية والأهواء والشهوات والآثام.

 ولطالما سارت البشرية في سبل منحرفة أقصتها بعيداً جداً عن مستقرّها النهائي"([78]).

 "لم تسبب الخسارة لذلك الزمان فحسب، إنما عادت بالخسارة على كل التاريخ الإنساني. فاطمة الزهراء(عليها السلام) قالت لنساء المدينة قبل خمسة وعشرين عاماً من ذلك التاريخ وهي على فراش المرض لو كانوا قد أمّروا علياً «لسار بهم سيراً سُجُحاً» و«السُجُح» هو السير المستوى المرن، أي أنه كان سيجعل طريق حياة الناس سالكاً سوياً. «لا يُكلِمُ خُشاشة»، لن يدع- حسب تعبيري- قوة الحكومة وروح السلطة الإسلامية تجرح جسد المجتمع الإسلامي حتى أبسط الجروح. ما كان سيسمح بأية أضرار أو خسائر. كان سيسيّر الأمور من دون أية آفات أو تبعات. أفضل أنماط الحكم هو أن لا تسبب الحكومة جراحاً أو خدوشاً للناس، فتعمِّر حياة الناس مادياً ومعنوياً. «ولا يكلّ سائره ولا يملّ راكبه ولأوردهم منهلاً غيراً صافياً رويّاً». هذا ما قالته فاطمة الزهراء يومذاك. تأخر هذا الحدث خمساً وعشرين سنة، إلاّ أن الأمة الإسلامية اجتمعت أخيراً وأمّرت أمير المؤمنين. خلال هذه الأعوام المعدودة أي منذ ذي الحجة سنة 35 حتى شهر رمضان سنة40- أربعة أعوام وتسعة أو عشرة أشهر- قام أمير المؤمنين بأعمال كبيرة. أسّس لأمور لولا سيف الغدر والخيانة، ولو لم تقع هذه الجريمة الكبرى على يد ابن ملجم والعناصر التـي اختبأت خلف الكواليس، لواصل أمير المؤمنين هذا الطريق ولكان ذلك ضماناً وحصناً إضافياً للعالم الإسلامي ربما إلى قرون من الزمن. لذا فإن الكارثة التـي حلت يومذاك كانت جسيمة الخسائر على العالم الإسلامي وتاريخ الإسلام. أبعدوا هذا المنهل الروي الصافـي الزلال الذي كان بوسعه إرواء العالم الإسلامي عن متناول أيدي العالم الإسلامي، لذلك كانت مصيبة خالدة"([79]).

 "لو كانت الأمة الإسلامية قد وعت يومها التنصيب الذي بادر إليه النبي(صلى الله عليه وآله) بمغزاه الحقيقي وأحسنت استيعابه، واقتفت أثر علي بن أبي طالب(عليه السلام) وتواصلت التربية النبوية، وظلّل المعصومون من بعد أمير المؤمنين (عليه السلام) الأجيال البشرية المتعاقبة بظلال تربيتهم الإلهية بعيداً عن الهفوات كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لأفلحت البشرية في بلوغ المستوى الذي عجزت عن بلوغه لحد الآن بسرعة فائقة، من تطوّر في العلم البشري وتسامٍ في المراتب الروحية للإنسان، واستتباب للسلام والوئام بين الناس، وزوال للظلم والجور وانعدام الأمن والتمييز والحيف بين الناس، وهذا ما صرّحت به فاطمة الزهراء (عليها السلام)- التي كانت أعرف أهل زمانها بمنزلة النبي وأمير المؤمنين- من أنّ الناس لو اتبعوا علياً لسلك بهم هذا الطريق وبلغ بهم هذا المآل. غير أنّ الإنسان كثيراً ما يقع في الأخطاء.

 طالما أوقعت الأخطاء الكبرى، التي شهدها التاريخ، الإنسانية في خضمّ من المحن الجسام، وإنّ مسيرة البشرية خلال عهد خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) زاخرة بالحوادث والقصص المهمة وتنطوي على فلسفة غاية في العمق، ونحن إذ نعيش عام أمير المؤمنين (عليه السلام)- وهذا العام وغيره من الأعوام إنما هي أعوامه (عليه السلام) أيضاً- خليق بأن تحظى هذه الفلسفة بمزيد من التأمّل والتمحيص، وعلى البشرية المعاصرة أن تبادر إلى نفس تلك الحركة والمسعى، وكلما تزيّنت المجتمعات البشرية بالعدالة والمعنويات وتنزّهت الإنسانية عن رذائل الأخلاق والأنانية والنوايا السيئة والنزعات الشهوانية وحب النفس؛ إذ ذاك ستكون أكثر قرباً من ذلك في المستقبل، فلقد وقعت البشرية ضحية الانحرافات على مدى التاريخ، وسلكت طريقاً ابتعد بها كثيراً عن غايتها المنشودة"([80]).

 عبوديتها:

 "فيجب علينا الاهتداء بها إلى الله وإلى طريق العبودية، وإلى الصراط المستقيم. فالزهراء(عليها السلام) قد سلكت هذا الطريق فأصبحت الزهراء، وإن رأيتم أن الله قد جعل طينتها طينة متعالية؛ لأنه كان يعلم أنها تخرج مرفوعة الرأس من الامتحان في عالم المادة والناسوت [الطبيعة الإنسانية]، وإلاّ فالطينة الطيبة كانت كثيرة، لكن هل تمكّن الجميع من الصبر على الامتحان؟ "امتحنك الله قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة"([81]).

 هذا جانب من حياة الزهراء(عليها السلام) التي نحتاج إليها لتطهير أنفسنا، فالحديث ورد من طريق الشيعة أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قال لفاطمة(عليها السلام): "يا فاطمة، إنّني لا اُغني عنك من الله شيئاً"([82]) أي يجب عليك أن تفكّري بنفسك، فكانت تفكّر في نفسها من صغرها إلى نهاية عمرها القصير"([83]).

 "إنّ قيمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) تكمن في عبوديتها لله، ولولا عبوديتها لَما اتّصفت بالصدّيقة الكبرى، فالصدّيق هو الشخص الذي يظهر ما يعتقده ويقوله على سلوكه وفعله، وكلما كان هذا الصدّيق أكبر، كانت قيمة الإنسان أكثر، فيكون صدّيقاً، كما قال تعالى: ﴿فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ﴾([84])، حيث جاء ذكر الصدّيقين بعد النبيين.

 فكانت هذه العظيمة صدّيقة كبرى، أي أفضل صدّيقة، وكانت صدّيقيّتها بعبادتها لله، فالأساس هو عبادة الله؛ وهذا لا يختصّ بفاطمة الزهراء(عليها السلام) فحتى أبوها الذي يعدّ مصدر فضائل المعصومين جميعاً، والذي يشكّل أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء‘ قطرات بحر وجوده المتلاطم، إنما كانت قيمته عند الله بفضل عبوديته (أشهد أنّ محمداً عبده ورسوله) فقد جاء ذكر العبودية قبل الرسالة، بل إنّ الرسالة إنما أعطيت له لعبادته؛ لأن الله تعالى يعلم بمخلوقه وما تصنع يداه، أفلسنا نقرأ في زيارة الزهراء (عليها السلام): "امتحنك الله الذي خلقك قبل أن يخلقك"؟([85]).

 إنّ أعمالنا معلومة لله تعالى، فعندما نتعرّض للمعاصي والأهواء والأموال والشهرة، فهل نحاول الوصول إليها، وإن على حساب التخلّي عن الشرف والإيمان والتكليف وأمر الله ونهيه أوْ لا؟.

 هنا يكمن اختيارنا، فأي طريق نسلك؟ فحينما يؤدّي التكلّم بشيءٍ إلى إلحاق ضرر مادي بشخص ما، وحينما يُلبّي فعلُ هوى الإنسان في اقتراف المعاصي، نقف على مفترق طريقين، فأي الطريقين ننتخب؟ هل نختار طريق الهوى والمعصية والمال، أو طريق العفّة والتقوى وعبادة الله؟ سنختار واحداً من هذين الطريقين، فالنتيجة نحن من يختار، والله تعالى يعلم ما سنختاره؛ لأنه من علم الله سبحانه وتعالى؛ فإذا كنت شخصاً قادراً على الصمود أمام جبل من القيم المادية التي تلبّي الأهواء، فعندها سيكتب لك الله مقاماً محموداً: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا﴾([86]).

 إنّ الله سبحانه وتعالى لم يتفضّل على مريم بلطفه اعتباطاً، فهذا كلام القرآن، فقد حافظت على عفّتها بكل وجودها، فاستحقّت أن تكون أمّاً لعيسى (عليه السلام)... كما أنّ النبي يوسف (عليه السلام) قد ركل الهوى مع ما كان عليه من الجمال والشباب والرخاء المادّي في بيت عزيز مصر، فاستحق مقاماً محموداً عند الله، فكان نبيّاً.

 إنّ الله يعلم أنّ عبده هذا يمتلك مثل هذه الذات، وأنه سوف ينتفع بهذه الإرادة في سبيله؛ ولذلك يرصد له مسؤوليات جسيمة وكبيرة أخرى لكل واحدة منها أجور بحجمها.

 "امتحنكِ الله الذي خلقكِ قبل أن يخلقكِ فوجدكِ لما امتحنكِ صابرة"([87]).

 إنّ الله تعالى يعلم كيفية انتخاب فاطمة الزهراء (عليها السلام) في مدّة حياتها.

 إنّ عبودية الله هي المعيار والميزان، وقد غدا ذلك لنا خطاً واضحاً.

 أيها الأخوة والأخوات الأعزاء، علينا جميعاً السعي وراء عبودية الله، ويجب أن يؤدّي ثناؤنا على فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى هذه الغاية"([88]).

 "وكانت عبادة فاطمة الزهراء(عليها السلام) عبادة نموذجية، يقول الحسن البصري الذي كان أحد العبّاد والزهّاد في العالم الإسلامي حول فاطمة الزهراء(عليها السلام): "إنّ بنت النبي عبدت اللّه ووقفت في محراب العبادة إلى درجة (تورّمت قدماها)"([89]).

 ويقول الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام) بأنّ أُمّه وقفت تعبد اللّه في إحدى الليالي حتّى الصبح (حتى انفجر عمود الصبح)، ويقول الإمام الحسن(عليه السلام) إنّه سمعها تدعو دائماً للمؤمنين والمؤمنات، وتدعو للناس وتدعو للمشاكل العامّة للعالم الإسلامي، وعند الصباح قال لها: يا أمّاه أما تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك، فقالت: يا بنيّ الجار ثمّ الدار"([90])،([91]).

 زهدها:

 وعندما بدأت مرحلة الفتوحات والغنائم لم تأخذ بنت النبي ذرّة من لذائذ الدّنيا وزخرفها ومظاهر الزينة، والأُمور التي تميل لها قلوب الشابّات والنساء([92]).

 مع الفقراء:

 "فمرّة أرسل النبي(صلى الله عليه وآله) رجلاً عجوزاً فقيراً إلى بيت أمير المؤمنين(عليه السلام) وقال له أن يطلب حاجته منهم، فأعطته فاطمة الزهراء(عليها السلام) جلداً كان ينام عليه الحسن والحسين حيث لم يكن عندها شيئاً غيره، وقالت له أن يأخذه ويبيعه ويستفيد من نقوده"([93])،(2).

 حياتها الزوجية مع أمير المؤمنين وأبنائها(عليهم السلام):

 كذلك على صعيد واجباتها كامرأة، وكزوجة، وواجباتها كأم في تربية الأبناء ورعايتهم، والعطف على الزوج، كانت على هذا الصعيد أيضاً امرأة نموذجية. ما ينقل في مخاطبتها للإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) فيه الكثير من الخشوع والخضوع والطاعة والتسليم حيال الإمام علي(عليه السلام)، ثم هناك تربية هؤلاء الأبناء.. أبناء نظير الإمام الحسن، والإمام الحسين، وزينب الكبرى، هذا كله يدل على آية عظمى وعليا للمرأة المثلى النموذجية في أدائها لواجباتها كامرأة على مستوى التربية والعاطفة والمحبة التي تختص بالمرأة. وكل هذه الكنوز القيمة الفذة وهي في عمر الثامنة عشرة. فتاة في الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة ولها كل هذه المقامات المعنوية والأخلاقية والسجايا السلوكية. إن وجود مثل هذه الشخصية في أي مجتمع وفي أي تاريخ وفي أي شعب إنما هو مبعث فخر، وليس لدينا نظير لهذه الإنسانة العظيمة"([94]).

 الصبر:

 "يتجسّد المثال الآخر في حياتها الزوجية. فقد يتصوّر البعض أنّ الزوجية- في طرف المرأة- تعني الاهتمام بشؤون المنزل وإعداد الطعام وترتيب غرف البيت وتنظيفها، وعندما يأتي الزوج من العمل تُقدّم له الوسادة على غرار ما كان يفعله القدماء. الزوجية ليس معناها هذا فقط.

 أُنظروا كيف كانت الحياة الزوجية لفاطمة الزهراء. على مدى السنوات العشرة التي قضّاها الرسول في المدينة، عاشت الزهراء مع أمير المؤمنين حياة زوجية استمرت تسع سنوات، وقعت في تلك الفترة معارك متعددة صغيرة وكبيرة- بلغت حوالي ستين معركة- وشارك أمير المؤمنين في أغلبها.

 أُنظروا إلى حياة هذه الزوجة التي كانت في بيت زوج كان يشارك في المعارك باستمرار؛ لأنّ نتائجها تتوقف على مشاركته فيها، ولولاه لَما كُتب لها النصر.

 إضافة إلى أنّ حياتها المعاشية لم تكن على ما يرام من الرفاهية أو الغنى، ولا تتعدى ما سمعناه عنها، في قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ}([95]) بمعنى أنها كانت تعيش حياة فقر وعوز، على الرغم من كونها ابنة الرسول وزعيم الأمّة، وذلك يعني أنها كانت تحمل كامل الشعور بالمسؤولية.

 لاحظوا كم تستلزم وضعية هذه المرأة من صلابة حتى تفيض بها على هذا الزوج ليكون متفرّغاً من هموم وهواجس الأهل والعيال ومصاعب الحياة، ولتبعث فيه السكينة والطمأنينة، وتربّي الأولاد بتلك التربية العالية التي ربّتهم عليها.

 فإذا قال قائل: إنّ الحسن والحسين إمامان ومجبولان على العصمة، فزينب لم تكن إماماً، لكن فاطمة الزهراء ربّتها تربية صالحة خلال تلك السنوات القصيرة .. إذ لم تلبث فاطمة طويلاً من بعد وفاة الرسول! وهكذا كان دأبها أيضاً في حياتها العائلية، وفي إدارتها لشؤون البيت وفي حياتها الأُسرية"([96]).

 "فانظروا كم هو عظيم بحر هذه الشخصية وجهادها، ثم في العهد الإسلامي ومن بعده الزواج من علي بن أبي طالب(عليه السلام) الذي كان مصداقاً كاملاً للتعبوي المضحّي في سبيل الثورة. معنى التعبوي، أي أنه وقف حياته كلها للإسلام ولنبيّه مرضاةً لله، ولم يعمل لنفسه أبداً.

 ففي السنوات العشر من حياة النبي كان كل عمل أمير المؤمنين(عليه السلام) لأجل رفعة الإسلام، وان يقال إنّ أمير المؤمنين والزهراء وبنيهم(عليهم السلام) ظلّوا جياعاً فكان هذا سببه، وإلاّ لو كان يفكّر كبقية الشباب في التجارة لكان أفضل التجّار جميعاً.

 هذا هو علي بن أبي طالب الذي كان في أواخر عمره يحفر البئر ولا يخرج منه حتى يتدفّق الماء ولا يغسل يديه ووجه حتى يوقفه لبيت المال، فقد أحيى الكثير من البساتين، فلماذا يبقى أمير المؤمنين(عليه السلام) جائعاً، فقد ورد في الرواية أن الزهراء(عليها السلام) جاءت إلى النبي(صلى الله عليه وآله) وقد بان على وجهها آثار الجوع، فرقّ قلب النبي لها فدعا لها.

 لقد كانت كل مساعي أمير المؤمنين(عليه السلام) خالصة لله وللإسلام، فهو أمثولة رجال التعبئة، وإنني أهيب بمقاتلي التعبئة في بلادنا العلوية الفاطمية أن يجعلوا أمير المؤمنين(عليه السلام) قدوة لهم، فإنّه(عليه السلام) أفضل وأعظم قدوة للتعبويين المسلمين في كل أرجاء العالم، ثم إن فاطمة الزهراء(عليها السلام) وهي إبنة قائد الإسلام العظيم والحاكم المقتدر في زمانه رغم كل الذين تقدّموا لها ومن بينهم المتموّلين والشخصيات، إلاّ أنها انتخبت- أي أن الله انتخبه وهي كانت راضية بالانتخاب الإلهي وفرِحةً بذلك- هذا الشاب الذي وهب حياته مرضاةً لله وقضى عمره في الجهاد، ثم تعيش معه بتلك الصورة حيث كان أمير المؤمنين(عليه السلام) راضٍ بكل وجوده عنها، وعبارات أمير المؤمنين(عليه السلام) لها -  والتي لا أريد ذكرها في يوم العيد هذا([97]) - في أواخر حياتها خير دليل على ذلك. فصبرت وربّت بَنيها"([98]).

 "فالصبر على حياة كهذه، على فقر ومشّقة كهذه، والقيام بذلك الجهاد العظيم وتربية هكذا أبناء، وتلك التضحيات العظيمة التي قامت بها السيِّدة الزهراء، والتي سمعتم ببعضها، كل هذا قدوة في الحياة، فعلى بناتنا أن يقتدين بالسيدة الزهراء(عليها السلام) وعلى أبنائنا كذلك أن يقتدوا بالسيدة الزهراء وبأمير المؤمنين(عليه السلام)"([99]).

 "ألا يمكن أن يكون كل هذا مثالاً تحتذي به الفتاة أو ربّة البيت، أو من تشرّفت توّاً وأصبحت ربّة بيت؟ هذه الجوانب مهمّة جداً"([100]).

 الإعانة على الطاعة:

 "بعد عدة أيام من زواج علي وفاطمة ‘، سأل النبي(صلى الله عليه وآله) علياً(عليه السلام) عن زوجته: يا علي، كيف وجدت فاطمة؟ فأجاب علي(عليه السلام) بكلام يكشف عن شكره وبيّن رأيه في هذا العشق الخالد قائلاً: "نعم العون على طاعة الله"([101]).

 وبهذا كشفَ أفضل زوج في العالم([102]) عن سر عشقه الإلهي، ويشير إلى طريق السعادة الأبدية في الحياة المشتركة لكل العرسان والعرائس، أي، أيُّها العرسان العلويون وأيتها العرائس الفاطميات ضعوا يداً بيدٍ قربة لله، ولأجل طاعته، لكي تكونا رفيقي سفر إلى الجنة ورضوان الله الرحيم. الوقت محدود والأيام تمضي بسرعة على الجميع.

 انظروا إلى مجلس العقد، آباؤكم الأعزّاء وأمهاتكم العزيزات كانوا عرسان وعرائس الأمس القريب، وفي الغد القريب ستحضرون أنتم في حفلة عقد وزواج أبنائكم، معنى هذا أن الفرص كالسحاب في سماء الحياة.

 إنّ ما يصل حياتكم وارتباطكم الدنيوي في ضوء الرحمة الإلهية هو التقوى وطاعة الحق تعالى. اجتهدوا لتقوية إيمانكم، وليسقِ أحدكم الآخر كأس الذكر، وكونوا درعاً لبعضكم أمام هجمات الشيطان. شجِّعوا أو ساعدوا بعضكم للقيام بواجباته الدينية، وقد تسألون كيف؟.

 أقول اسألوا من هو عارف بهذا الطريق، ومطلع على أسرار العشق، والذي تُذكِّر رؤية وجهه بالله العظيم"([103]).

 ـــــــــــــــــــ

 ([1]) أمالي الشيخ الصدوق، ص: 248.

  ([2]) ورد في رواية عن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: >إنّما سمّيت فاطمة محدّثة لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها، كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة، إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين ـ إشارة إلى الآية 42 من آل عمران ـ فتحدّثهم ويحدّثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها، وإنّ الله جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها وسيّدة نساء الأولين والآخرين<. (البحار 43/ 78).

  ([3]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 19جمادى الثانية 1418ﻫ ق، 22/10/1997م.

  ([4]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 19جمادى الثانية 1429ﻫ.ق، 24/06/2008م.

  ([5]) سورة الكهف، الآية: 103.

  ([6]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 18 جمادى الأولى 1430ﻫ.ق، 13/05/2009م.

  ([7]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 21 جمادى الثانية 1413ﻫ ق، 17/12/1992م.

  ([8]) نفس المصدر.

  ([9]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 19 جمادى الثانية 1428ﻫ ق، 04/07/2007م.

  ([10]) عن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: >إنّما سمّيت فاطمة محدّثة لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها، كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة، إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين فتحدّثهم ويحدّثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها، وإنّ الله جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها وسيّدة نساء الأولين والآخرين<. (البحار 43 / 78).

  ([11]) ومن هذه الروايات:

 1- عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله(عليه السلام): >.. أن فاطمة مكثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمسة وسبعين يوما، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرئيل (عليه السلام) يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي (عليه السلام) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة (عليها السلام).

 2- عن أبي حمزة أن أبا عبد الله (عليه السلام) قال: مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب الله وإنما هو شيء ألقي إليها بعد موت أبيها ‘.

 3- عن حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الله تعالى لما قبض نبيه (صلى الله عليه وآله)، دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، فأرسل الله إليها ملكا يسلي غمها ويحدثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)، فقال: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي، فأعلمته بذلك، فجعل أمير المؤمنين(عليه السلام) يكتب كلما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفا.

 4- عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي ^ عن مصحف فاطمة، فقال: أنزل عليها بعد موت أبيها، قلت: ففيه شيء من القرآن؟ فقال: ما فيه شيء من القرآن...

  ([12]) نقل لنا القرآن الكريم نماذج من النساء تحدّثن وتكلّمن مع الملائكة، وهن لسن بنبيّات ولا وصيّات، وإنما كنّ وليات من أولياء الله منهن:

 1- مريم (عليها السلام) قال تعالى: {وَإذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ} (آل عمران:42).

 2- سارة (عليها السلام) قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى... وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإسْحَقَ وَمِن وَرَاء إسْحَقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ} (هود:69 ـ 72).

 3- أم موسى (عليها السلام) قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} (القصص:7).

 وإن الإيحاء لم يقتصر على الأنبياء والمرسلين وعلى من ذكرناهم من النساء! فقد أوحى الله تعالى إلى كل من:

 1- النحل، قال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا..} (النحل:68).

 2- الحواريون ـ أصحاب عيسى ـ قال تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي..} (المائدة:111).

 3- السماوات، قال تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا..} (فصلت:12).

 4- الأرض، قال تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} (الزلزلة:5) .

 ويظهر من خلال هذه الآيات القرآنية وآيات أخرى، أن الوحي ليس مختص بالأنبياء والرسل فقط! بل هو يتعدى إلى أولياء الله تعالى. نعم، الوحي هنا في هذه الآيات المفهوم منه غير الوحي في إبلاغ الرسالات إلى الأنبياء، بل هو شأن آخر من الوحي.

 فالوحي لغة: الإعلام الخفي السريع، واصطلاحاً: الطريقة الخاصة التي يتصل بها الله تعالى برسله وأنبيائه لإعلامهم ألوان الهداية والعلم. وإنما جاء تعبير الوحي عن هذه الطريقة باعتبارها خفية عن الآخرين، ولذا عبّر الله تعالى عن اتصاله برسوله الكريم بالوحي، قال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ..} (النساء:163)، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}. (الشورى:51).

 وهذه الآية الأخيرة حدّدت معنى الوحي الذي يختص بالأنبياء والمرسلين، أما الآيات الأخرى المتقدمة الذكر فلها معاني آخر للوحي، والذي نقول به أن فاطمة الزهراء(عليها السلام) إنما كانت محدّثة من قبل الملائكة بنحو من أنحاء الوحي الذي بينته الآيات الآنفة الذكر، فلا محالة أن تكون قد حدثت من قبل الملائكة كما دلّ القرآن على إمكان وقوع ذلك.

 فإن من أوحى لأحجار وحشرات، لقادر على أن يوحي لأفضل بريّته بعد رسوله (صلى الله عليه وآله).

 فاتضح أن تحديث الملائكة للزهراء (عليها السلام) لم يكن من الوحي النبوي ولا من الوحي القرآني. وممّا يدل على عدم الملازمة بين تحديث الملائكة والنبوة، ما رواه صاحب (بصائر الدرجات 323 ، ط مكتبة المرعشي) عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر(عليه السلام): ألست حدثتني أن عليا كان محدثا؟ قال: بلى، قلت: من يحدثه؟ قال: ملك، قلت: فأقول: إنه نبي أو رسول؟ قال: لا، بل مثله مثل صاحب سليمان، ومثل صاحب موسى، ومثل ذي القرنين. (أما بلغك أن عليا سئل عن ذي القرنين، فقالوا: كان نبيا؟ قال: لا، بل كان عبدا أحب الله فأحبه، وناصح الله فناصحه) (الغدير 5 / 48 ، عن بصائر الدرجات).

  ([13])  سورة آل عمران/الآية:42.

  ([14]) عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي‘ عن مصحف فاطمة، فقال: أنزل عليها بعد موت أبيها، قلت: ففيه شيء من القرآن؟ فقال: >ما فيه شيء من القرآن..<. وورد في رواية أخرى: >مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد<. (بصائر الدرجات: 3/151، والكافي: 1/238).

  ([15]) عن حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله (الإمام الصادق) (عليه السلام) يقول: (تظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة، وذلك إني نظرت في مصحف فاطمة (عليها السلام) قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: إن الله تعالى لما قبض نبيه (صلى الله عليه وآله) دخل على فاطمة(عليها السلام) من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلاّ الله عز وجل فأرسل الله إليها ملكا يسلي غمها ويحدثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي، فأعلمته بذلك فجعل أمير المؤمنين(عليه السلام) يكتب كلما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفاً، قال: ثم قال: أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون) (أصول الكافي ج: 1/240).

  ([16]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 21 جمادى الثانية 1413ﻫ ق، 17/12/1992م.

  ([17]) راجع الأمالي للشيخ الصدوق: ص: 234، ح: 7 المجلس الحادي والأربعون، والمناقب، ج: 2، ص: 343، وروضة الواعظين: ص: 443.

  ([18]) ينقل الإمام الخامنئي هذه الرواية: عن صحيح الترمذي، روى بسنده عن عائشة أم المؤمنين قالت: «ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله(صلى الله عليه وآله) في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله). وكانت إذا دخلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله) قام إليها فقبّلها وأجلسها في مجلسه. وكان النبي(صلى الله عليه وآله) إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبّلته وأجلسته مجلسها». المصدر: فضائل الخمسة عن الصحاح الستة.

 ويقول سماحته: >تقول عائشة: لم أرَ أحداً يشبه رسول الله(صلى الله عليه وآله) في وجهه وقيافته وأفعاله وحركاته وسيرته وسلوكه أكثر من فاطمة(عليها السلام).

 ولقد كانت علاقتهما وارتباطهما واحترامهما المتبادل بحيث أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذا دخلت عليه قام وسار نحوها وقبّلها وأجلسها في مكانه الذي كان يجلس فيه، وهي أيضاً تفعل ذلك مع أبيها حينما يدخل عليها.

 وهذه الرواية الواردة في مناقب وصفات فاطمة(عليها السلام) قد ذكرها مضافاً إلى الترمذي كلٌّ من أبي داوود في صحيحه والحاكم في المستدرك على الصحيحين والبخاري في كتاب الأدب المفرد.

 نسأل الله تعالى بحقّ عظمة فاطمة(عليها السلام) أن يجعلنا من محبّيها ومواليها وأنصارها وأن لا يحرمنا شفاعتها يوم القيامة. المصدر: كلمات مضيئة ـ الإمام السيد علي الخامنئي=.

  ([19]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 20 جمادى الثانية 1425ﻫ ق، 07/08/2004م.

  ([20]) عن عائشة قالت: «ما رأيت من الناس أحداً أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله (صلى الله عليه وآله) من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه رحّب بها وقبّل يديها وأجلسها في مجلسه، فإذا دخل عليها قامت إليه فرحّبت به فقبّلت يديه». المصدر: أعيان النساء: 304، وكذلك بحار الأنوار، ج:43، ص: 25 و51.

  ([21]) المصدر: مكانة المرأة في الثقافتين الإسلامية والغربية  08/02/2010م - مؤسسة حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئي.

  ([22]) عن عائشة: >ما رأيت أحداً أشبه سمتا ودلا وهديا وحديثا برسول الله في قيامه وقعوده من فاطمة، وكانت إذا دخلت على رسول الله قام إليها فقبلها ورحب بها، وأخذ بيدها وأجلسها في مجلسه<. أخرجه الحافظ ابن حبان كما في ذخائر العقبى 40 م والحافظ الترمذي وحسنه، والحافظ العراقي في التقريب كما في شرحه له ولابنه 1 ص: 150، وابن عبد ربه في العقد الفريد 2 ص: 3، وابن طلحة في مطالب السئول ص: 7)، إسعاف الراغبين 171.

  ([23]) مر ذكر نص الرواية في إحدى الهوامش.

  ([24]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 20 جمادى الثانية 1415ﻫ ق، 24/11/1994م.

  ([25]) الإقبال / السيد ابن طاووس، ج: 1، ص: 509.

  ([26]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 15 شعبان1420ﻫ.ق، 24/11/1999م.

 ([27]) الصحيفة الفاطمية، أو مصحف فاطمة(عليها السلام): هو ليس بمصحف قرآني، بل كتاب تضمن علوماً أخرى، قيل أنها كانت أمثالاً وحكماً، ومواعظاً وعبراً ونوادراً (المراجعات، شرف الدين، ص327). وقيل انه (كتاب تحديث بأسرار العالم كما يعرف ذلك من عدة روايات في أصول الكافي.. وفيها عن الإمام الصادق(عليه السلام): >وما أزعم أن فيه قرآناً<. مقدمة تفسير آلاء الرحمن، الشيخ البلاغي، مطبوع في مقدمة تفسير شبر، ص18) وهذه الصحيفة أو المصحف لم يصل إلينا، والروايات تذكر أنه من مصادر علوم أهل البيت^، وانه من المعارف الإلهية التي نزلت في بيت النبوة مما سوى القرآن الكريم. نقلاً عن كتاب النداء الأخير: ص76).

 ([28]) الخطبة الفدكية: خطبتها(عليها السلام) في مسجد النبي(صلى الله عليه وآله) بعد منع فدك عنها وبعد ما جرى عليها، والتي تقول فيها: >وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي، ولا رحم بيننا، أفخصّكم الله بآية أخرج أبي (صلى الله عليه وآله) منها؟ أم هل تقولون إنّ أهل ملّتين لا يتوارثان؟ أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟..<.

 ([29]) من رواتها: - أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر (204 ـ 280ﻫ): قال الإمام أبو الفضل في كتاب (بلاغات النساء): ذكرت لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب^ كلام فاطمة (عليها السلام) عند منع أبي بكر إيّاها فدك، وقلت له: إنّ هؤلاء يزعمون أنّه مصنوع وأنّه من كلام أبي العيناء (الخبر منسوق البلاغة على الكلام) (يعني إن الطعن هو في نسبة هذا الكلام البليغ إلى فاطمة (عليها السلام)، أمّا نفس الواقعة وهي منع الإرث فهي صحيحة ومبثوثة في كتب التاريخ).

فقال لي: رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم ويعلّمونه أبناءهم، وقد حدّثنيه أبي عن جدّي يبلغ به فاطمة (عليها السلام) على هذه الحكاية، ورواه مشايخ الشيعة وتدارسوه بينهم قبل أن يولد جدّ أبي العيناء، وقد حدّث به الحسن بن علوان عن عطية العوفي أنّه سمع عبد الله بن الحسن يذكره عن أبيه ، ثمّ قال أبو الحسين: وكيف يذكر هذا من كلام فاطمة فينكرونه وهم يروون من كلام عائشة عند موت أبيها ما هو أعجب من كلام فاطمة يتحققونه لو لا عداوتهم لنا أهل البيت، ثمّ ذكر الحديث، قال: لما أجمع أبو بكر على منع فاطمة بنت رسول الله (عليها السلام) فدك وبلغ ذلك فاطمة لاثت خمارها على رأسها، وأقبلت في لمة من حفدتها... (بلاغات النساء: 23 ـ 33).

ورواها ابن أبي الحديد (المتوفّى 655ﻫ). المؤرخ المحقّق في (شرحه على نهج البلاغة) عن كتاب (السقيفة) لأبي بكر الجوهري قال: قال أبو بكر : فحدّثني محمّد بن زكريا قال: حدّثني جعفر بن محمّد بن عُمارة الكنديّ قال: حدثني أبي، عن الحسين بن صالح بن حيّ، قال: حدثني رجلان من بني هاشم، عن زينب بنت عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: وقال جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين عن أبيه. قال أبو بكر : وحدّثني عثمان بن عمران العجيفيّ، عن نائل بن نجيح بن عمير بن شَمِر، عن جابر الجُعفيّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ (عليه السلام)، قال أبو بكر: وحدثني أحمد بن محمّد بن يزيد، عن عبد الله بن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن عبد الله بن حسن بن الحسن. قالوا جميعاً: لمّا بلغ فاطمة (عليها السلام) إجماعُ أبي بكر على منعها فَدَك، لاثتْ خِمارَها، وأقبلت في لُمّةٍ من حَفَدَتِها ونساء قومها، تطأ في ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتـّى دخلت على أبي بكر... (شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16: 211).

فقد ذكرت هذه الخطبة الشريفة أو بعضاً منها عدّة مصادر من أهل السنة نذكر لك بعضها:

1ـ ابن أبي الحديد المعتزلي / شرح النهج ج 16/252 ذيل (كتابه (عليه السلام) إلى عثمان بن حنيف).

2ـ ابن منظور/ لسان العرب / مادّة (لم) (وفي حديث فاطمة (عليها السلام) أنها خرجت في لمّة من نسائها تتوطأ ذيلها إلى أبي بكر فعاتبته…).

3ـ ابن الأثير / النهاية / مادّة (لمّة).

4ـ المسعودي علي بن الحسين / مروج الذهب 2/311.

5ـ الأستاذ توفيق أبو علم / أهل البيت / 157.

6ـ المحقّق عمر رضا كحالة / أعلام النساء / 4/ 116.

7ـ أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري / السقيفة/ كما عنه العلامة الأربلي في كشف الغمة 1/479. (بالاستفادة من موقع العقائد).

 ([30]) روى عبد الله بن الحسن (عليه السلام) بإسناده عن آبائه ^ أنَّه لَمّا أجْمَعَ أبو بكر عَلى مَنْعِ فاطمةَ (عليها السلام) فَدَكَ، وبَلَغَها ذلك، لاثَتْ خِمارَها على رأسِها، واشْتَمَلَتْ بِجِلْبابِها، وأَقْبَلَتْ في لُمَةٍ مِنْ حَفَدتِها ونساءِ قَوْمِها، تَطأ ذُيُولَها، ما تَخْرِمُ مِشْيَتُها مِشْيَةَ رَسولِ الله (صلى الله عليه وآله)، حَتّى دَخَلَتْ عَلى أَبي بَكْر وَهُو في حَشْدٍ مِنَ المهاجِرين والأَنصارِ وَغَيْرِهِمْ فَنيطَتْ دونَها مُلاءَةٌ، فَجَلَسَتْ، ثُمَّ أَنَّتْ أَنَّةً أَجْهَشَ القومُ لها بِالْبُكاءِ. فَارْتَجَّ الْمَجلِسُ. ثُمَّ أمْهَلَتْ هَنِيَّئةً حَتَّى إذا سَكَنَ نَشيجُ القومِ، وهَدَأَتْ فَوْرَتُهُمْ، افْتَتَحَتِ الْكَلامَ بِحَمدِ اللهِ وَالثناءِ عليه والصلاةِ على رسولِ الله، فعادَ القومُ في بُكائِهِمْ، فَلَما أمْسَكُوا عادَتْ فِي كلامِها، فَقَالَتْ (عليها السلام): 

>الْحَمْدُ للهِ عَلى ما أنْعَمَ، وَلَهُ الشُّكْرُ على ما أَلْهَمَ، وَالثَّناءُ بِما قَدَّمَ، مِنْ عُمومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها، وَسُبُوغ آلاءٍ أسْداها، وَتَمامِ مِنَنٍ والاها، جَمَّ عَنِ الإحْصاءِ عدَدُها، وَنأى عَنِ الْجَزاءِ أَمَدُها، وَتَفاوَتَ عَنِ الإِْدْراكِ أَبَدُها، وَنَدَبَهُمْ لاِسْتِزادَتِها بالشُّكْرِ لاِتِّصالِها، وَاسْتَحْمَدَ إلَى الْخَلايِقِ بِإجْزالِها، وَثَنّى بِالنَّدْبِ إلى أمْثالِها. وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، كَلِمَةٌ جَعَلَ الإِْخْلاصَ تَأْويلَها، وَضَمَّنَ الْقُلُوبَ مَوْصُولَها، وَأَنارَ في الْفِكَرِ مَعْقُولَها. الْمُمْتَنِعُ مِنَ الإَْبْصارِ رُؤْيِتُهُ، وَمِنَ اْلأَلْسُنِ صِفَتُهُ، وَمِنَ الأَْوْهامِ كَيْفِيَّتُهُ. اِبْتَدَعَ الأَْشَياءَ لا مِنْ شَيْءٍ كانَ قَبْلَها، وَأَنْشَأَها بِلا احْتِذاءِ أَمْثِلَةٍ امْتَثَلَها، كَوَّنَها بِقُدْرَتِهِ، وَذَرَأَها بِمَشِيَّتِهِ، مِنْ غَيْرِ حاجَةٍ مِنْهُ إلى تَكْوينِها، وَلا فائِدَةٍ لَهُ في تَصْويرِها إلاّ تَثْبيتاً لِحِكْمَتِهِ، وَتَنْبيهاً عَلى طاعَتِهِ، وَإظْهاراً لِقُدْرَتِهِ، وَتَعَبُّداً لِبَرِيَّتِهِ، وإِعزازاً لِدَعْوَتِهِ، ثُمَّ جَعَلَ الثَّوابَ على طاعَتِهِ، وَوَضَعَ العِقابَ عَلى مَعْصِيِتَهِ، ذِيادَةً لِعِبادِهِ عَنْ نِقْمَتِهِ، وَحِياشَةً مِنْهُ إلى جَنَّتِهِ. وَأَشْهَدُ أنّ أبي مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله) عبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اخْتارَهُ وَانْتَجَبَهُ قَبْلَ أَنْ أَرْسَلَهُ، وَسَمّاهُ قَبْلَ أنِ اجْتَبَلَهُ، وَاصْطِفاهُ قَبْلَ أنِ ابْتَعَثَهُ، إذِ الْخَلائِقُ بالغَيْبِ مَكْنُونَةٌ، وَبِسِتْرِ الأَْهاويل مَصُونَةٌ، وَبِنِهايَةِ الْعَدَمِ مَقْرُونَةٌ، عِلْماً مِنَ اللهِ تَعالى بِمآيِلِ الأُمُور، وَإحاطَةً بِحَوادِثِ الدُّهُورِ، وَمَعْرِفَةً بِمَواقِعِ الْمَقْدُورِ. ابْتَعَثَهُ اللهُ تعالى إتْماماً لأمْرِهِ، وَعَزيمَةً على إمْضاءِ حُكْمِهِ، وَإنْفاذاً لِمَقادِير حَتْمِهِ. فَرَأى الأُمَمَ فِرَقاً في أدْيانِها، عُكَّفاً على نيرانِها، عابِدَةً لأَوثانِها، مُنْكِرَةً لله مَعَ عِرْفانِها. فَأَنارَ اللهُ بِمُحَمَّدٍ(صلى الله عليه وآله) ظُلَمَها، وكَشَفَ عَنِ القُلُوبِ بُهَمَها، وَجَلّى عَنِ الأَبْصارِ غُمَمَها، وَقَامَ في النّاسِ بِالهِدايَةِ، وأنقَذَهُمْ مِنَ الغَوايَةِ، وَبَصَّرَهُمْ مِنَ العَمايَةِ، وهَداهُمْ إلى الدّينِ القَويمِ، وَدَعاهُمْ إلى الطَّريقِ المُستَقيمِ. ثُمَّ قَبَضَهُ اللهُ إليْهِ قَبْضَ رَأْفَةٍ وَاختِيارٍ، ورَغْبَةٍ وَإيثارٍ بمحمد (صلى الله عليه وآله) عَنْ تَعَبِ هذِهِ الدّارِ في راحةٍ، قَدْ حُفَّ بالمَلائِكَةِ الأبْرارِ، وَرِضْوانِ الرَّبَّ الغَفارِ، ومُجاوَرَةِ المَلِكِ الجَبّارِ. صلى الله على أبي نبيَّهِ وأَمينِهِ عَلى الوَحْيِ، وَصَفِيِّهِ وَخِيَرَتِهِ مِنَ الخَلْقِ وَرَضِيِّهِ، والسَّلامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ. ثُمَّ التفتت إلى أهل المجلس وقالت: أَنْتُمْ عِبادَ الله نُصْبُ أمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَحَمَلَةُ دينِهِ وَوَحْيِهِ، وِأُمَناءُ اللهِ عَلى أنْفُسِكُمْ، وَبُلَغاؤُهُ إلى الأُمَمِ، وَزَعَمْتُمْ حَقٌّ لَكُمْ للهِ فِيكُمْ، عَهْدٌ قَدَّمَهُ إِلَيْكُمْ، وَبَقِيَّةٌ استَخْلَفَها عَلَيْكُمْ. كِتابُ اللهِ النّاطِقُ، والقُرْآنُ الصّادِقُ، وَالنُّورُ السّاطِعُ، وَالضِّياءُ اللاّمِعُ، بَيِّنَةٌ بَصائِرُهُ، مُنْكَشِفَةٌ سَرائِرُهُ، مُتَجَلِّيَةٌ ظَواهِرُهُ، مُغْتَبِطَةٌ بِهِ أَشْياعُهُ، قائِدٌ إلى الرِّضْوانِ اتّباعُهُ، مُؤَدٍّ إلى النَّجاةِ إسْماعُهُ. بِهِ تُنالُ حُجَجُ اللهِ المُنَوَّرَةُ، وَعَزائِمُهُ المُفَسَّرَةُ، وَمَحارِمُهُ المُحَذَّرَةُ، وَبَيِّناتُهُ الجالِيَةُ، وَبَراهِينُهُ الكافِيَةُ، وَفَضائِلُهُ المَنْدوبَةُ، وَرُخَصُهُ المَوْهُوبَةُ، وَشَرايِعُهُ المَكْتُوبَةُ. فَجَعَلَ اللهُ الإيمانَ تَطْهيراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْكِ، وَالصَّلاةَ تَنْزِيهاً لَكُمْ عَنِ الكِبْرِ، والزَّكاةَ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ وَنَماءً في الرِّزْق، والصِّيامَ تَثْبيتاً للإِخْلاصِ، والحَجَّ تَشْييداً لِلدّينِ، وَالعَدْلَ تَنْسيقاً لِلْقُلوبِ، وَطاعَتَنا نِظاماً لِلْمِلَّةِ، وَإمامَتَنا أماناً مِنَ الْفُرْقَةِ، وَالْجِهادَ عِزاً لِلإْسْلامِ، وَالصَّبْرَ مَعُونَةً عَلَى اسْتِيجابِ الأْجْرِ، وَالأْمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعامَّةِ، وَبِرَّ الْوالِدَيْنِ وِقايَةً مِنَ السَّخَطِ، وَصِلَةَ الأَرْحامِ مَنْماةً لِلْعَدَدِ، وَالْقِصاصَ حِصْناً لِلدِّماءِ، وَالْوَفاءَ بِالنَّذْرِ تَعْريضاً لِلْمَغْفِرَةِ، وَتَوْفِيَةَ الْمَكاييلِ وَالْمَوَازينِ تَغْييراً لِلْبَخْسِ، وَالنَّهْيَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ تَنْزِيهاً عَنِ الرِّجْسِ، وَاجْتِنابَ الْقَذْفِ حِجاباً عَنِ اللَّعْنَةِ، وَتَرْكَ السِّرْقَةِ إيجاباً لِلْعِفَّةِ. وَحَرَّمَ الله الشِّرْكَ إخلاصاً لَهُ بالرُّبُوبِيَّةِ، {فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلا وَأنْتُمْ مُسْلِمُونَ} وَأطيعُوا اللهَ فيما أمَرَكُمْ بِهِ وَنَهاكُمْ عَنْهُ، فَإنَّه {إنَّما يَخْشَى الله مِنْ عِبادِهِ العُلِماءُ}..<. إلى آخر خطبتها(عليها السلام).

 ([31]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 20 جمادى الثانية 1431ﻫ ق، 03/06/2010م.

 ([32]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 19 جمادى الثانية 1428ﻫ ق، 4/7/2007م.

 ([33]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 19جمادى الثانية 1418ﻫ ق، 22/10/1997م.

 ([34]) جواب الإمام الخامنئي على سؤال إحدى السيدات.

 ([35]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 11 محرم 1419ﻫ ق، 29/3/1999م.

 ([36]) سورة التحريم، آية: 10.   (2) سورة التحريم، آية: 10.   (3) سورة التحريم، آية: 10.

 ([39]) سورة التحريم، آية: 11.   (2) سورة التحريم، آية: 12.   (3) سورة التحريم، آية: 11.

 ([42]) سورة التحريم، آية 12

 ([43]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 20 جمادى الثانية 1425ﻫ.ق، 07/08/2004م.

 ([44]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 20 جمادى الثانية 1415ﻫ.ق، 24/11/1994م.

 ([45]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 20 جمادى الثانية 1415ﻫ ق، 24/11/1994م.

 ([46]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 11 محرم 1419ﻫ.ق، 29/3/1999م.

 ([47]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 14 جمادى الأولى 1418ﻫ.ق، 17/11/1997م.

 ([48]) هذه إشارة إلى الحديث الشريف الوارد في كتب الفريقين، فلقد جاء في (أسد الغابة 5: 520) من كتب الجمهور في ترجمة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: وكانت فاطمة تكنّى أم أبيها. كما ورد في أحاديث أصحابنا.

 ([49]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 11 محرم 1419ﻫ ق، 29/3/1999م.

 ([50]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 20 جمادى الثانية 1415ﻫ ق، 24/11/1994م.

 ([51]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 11 محرم 1419ﻫ ق، 29/3/1999م.

 ([52]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 14 جمادى الأولى 1418ﻫ ق، 17/11/1997م.

 ([53]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 11 محرم 1419ﻫ ق، 29/3/1999م.

 ([54]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 21 جمادى الثانية 1413ﻫ ق، 17/12/1992م.

 ([55]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 21 جمادى الثانية 1413ﻫ ق، 17/12/1992م.

 ([56]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 20 جمادى الثانية 1431ﻫ ق، 03/06/2010م.

 ([57]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 11 محرم 1419ﻫ ق، 29/3/1999م.

 ([58]) وقال العلامة المجلسي (رحمه الله): >لنوضح تلك الخطبة الغراء الساطعة عن سيدة النساء (عليها السلام) التي تحير من العجب منها والإعجاب بها أحلام الفصحاء والبلغاء..<. البحار: ج: 8، ط الكمباني، ص: 114.

 ([59]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 21 جمادى الثانية 1413ﻫ ق، 17/12/1992م.

 ([60]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 11 محرم 1419ﻫ ق، 29/3/1999م.

 ([61]) جاء في بعض النصوص: ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمراً، بحار الأنوار، ج 43، ص134.

 ([62]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 21 جمادى الثانية 1413ﻫ ق، 17/12/1992م.

 ([63]) نفس المصدر.

 ([64]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 20 جمادى الثانية 1415ﻫ.ق، 24/11/1994م.

 ([65]) سورة الزمر، الآية: 30.                                 

 ([66])  تكافوا: أي كفوا أيديهم عنه.

 ([67])  لاعتلقه: لأخذه بيده.

 ([68])  السجح: السير السهل.

 ([69])  لا يكلم: لا يجرح ولا يدمي.

 ([70])  الخشاش: ما يكون في أنف البعير من الخشب.

 ([71])  لا يتعتع: أي لا يكره ولا يقلق.

 ([72])  المنهل: مورد الماء.

 ([73]) فضفاضا: كثيرا.

 ([74])  البطان: جمع بطين، وهو الريان.

 ([75])  غير متحل منه بطائل: أي كان لا يأخذ من مالهم قليلا ولا كثيرا.

 ([76])  خطبة مولاتنا السيدة الزهراء(عليها السلام).

 ([77]) كما هو المتعارف عندما يلقي الإمام الخامنئي خطاباً في بداية كل عام شمسي يطلق على ذلك العام اسماً خاصاً أيضاً، فسمى عام 1379ﻫ.ش بعام أمير المؤمنين(عليه السلام).

 ([78]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 29 رمضان 1421ﻫ ق، 26/12/2000م.

 ([79])  خطبتا صلاة الجمعة بطهران، 22 رمضان 1425ﻫ ق، 05/11/2004م.

 ([80]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 18 ذي الحجة 1421ﻫ ق، 14/3/2001م.

 ([81]) الإمام صادق(عليه السلام) ـ التهذّيب، ج: 6، ص: 10.

 ([82]) أحاديث أم المؤمنين عائشة، السيد مرتضى العسكري: ج2، ص294.

 ([83]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 21 جمادى الثانية 1413ﻫ ق، 17/12/1992م. وقوله تفكري بنفسك: أي بحالك مع الله.

 ([84]) سورة النساء، الآية: 69.

 ([85]) الإمام صادق (عليه السلام)، التهذّيب، ج: 6، ص: 10.

 ([86]) سورة التحريم، الآية: 12.

 ([87]) الإمام صادق(عليه السلام) - التهذّيب - ج 6 - ص 10.

 ([88]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 20 جمادى الثانية 1426ﻫ ق، 28/7/2005م.

 ([89]) عن الحسن البصري: ما كان في هذه الأُمة أعبد من فاطمة كانت تقوم حتى تورّم قدماها.

 ([90]) عن الإمام الحسن(عليه السلام) أنه قال: >رأيت أمي فاطمة (عليها السلام) قائمة في محرابها ليلة الجمعة، فلم تزل راكعة ساجدة حتى انفلق عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت: يا أماه لم تدعي لنفسك كما تدعين لغيرك؟ قالت >يا بني الجار ثم الدار<. (بحار الأنوار 43:81).

 ([91]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 21 جمادى الثانية 1413ﻫ ق، 17/12/1992م.

 ([92]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 21 جمادى الثانية 1413ﻫ ق، 17/12/1992م.

 ([93]) عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: صلَّى بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاة العصر، فلما انفتل جلس في قبلته والناس حوله. فبينما هم كذلك إذ أقبل شيخ من العرب مهاجر، عليه سمل قد تهلل وأخلق وهو لا يكاد يتمالك كِبَراً وضعفاً، فأقبل عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستحثه الخبر، فقال الشيخ: يا نبي الله أنا جائع الكبد فأطعمني، وعاري الجسد فاكسني وفقير فارشني. فقال (صلى الله عليه وآله): ما أجد لك شيئاً، ولكن الدال على الخير كفاعله، انطلق إلى منزل مَن يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يؤثر الله على نفسه، انطلق إلى حجرة فاطمة. وكان بيتها ملاصق بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي يتفرد به لنفسه من أزواجه، وقال: يا بلال قم فقف به على منزل فاطمة. فانطلق الإعرابي مع بلال، فلما وقف على باب فاطمة نادى بأعلى صوته: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ومختلف الملائكة، ومهبط جبرئيل الروح الأمين بالتنزيل من عند رب العالمين. فقالت فاطمة: وعليك السلام، فمن أنت يا هذا؟ قال: شيخ من العرب، أقبلت على أبيك سيد البشر مهاجراً من شقة، وأنا - يا بنت محمد - عاري الجسد، جائع الكبد، فواسيني يرحمك الله. وكان لفاطمة وعلي - في تلك الحال - ورسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاثاً ما طعموا فيها طعاماً، وقد علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) من شأنهما. فعمدت فاطمة إلى جلد كبش مدبوغ بالقرظ كان ينام عليه الحسن والحسين، فقالت: خذ هذا يا أيها الطارق، فعسى الله أن يرتاح لك ما هو خير منه. فقال الإعرابي: يا بنت محمد شكوت إليك الجوع، فناولتني جلد كبش؟ ما أنا صانع به مع ما أجد من السغب؟ قال: فعمدت فاطمة - لما سمعت هذا من قوله إلى عقد كان في عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمها حمزة بن عبد المطلب، فقطعته من عنقها، ونبذته إلى الأعرابي فقالت: خذه وبِعهُ، فعسى الله أن يعوِّضك به ما هو خير منه. فأخذ الإعرابي العقد، وانطلق إلى مسجد رسول الله، والنبي (صلى الله عليه وآله) جالس في أصحابه فقال: يا رسول الله أعطتني فاطمة بنت محمد هذا العقد فقالت: بِعه فعسى الله أن يصنع لك. قال: فبكى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: وكيف لا يصنع الله لك، وقد أعطته فاطمة بنت محمد سيدة بنات آدم. فقام عمار بن ياسر (رحمه الله) فقال: يا رسول الله أتأذن لي بشراء هذا العقد؟ قال: اشتر يا عمار، فلو اشترك فيه الثقلان ما عذبّهم الله بالنار، فقال عمار: بكَمْ العقد يا أعرابي؟ قال: بشبعة من الخبز واللحم، وبردة يمانية استر بها عورتي وأصلّى فيها لربي، ودينار يبلغني إلى أهلي. وكان عمار قد باع سهمه الذي نفله رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خيبر ولم يبق منه شيئاً فقال: لك عشرون ديناراً ومائتا درهم هجرية، وبُردة يمانية، وراحلتي تبلغك أهلك، وشبعك من خبز البر واللحم. فقال الإعرابي: ما أسخاك بالمال أيها الرجل؟ وانطلق عمار فوفّاه ما ضمن له. وعاد الإعرابي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له رسول الله: أشبعت واكتسيت! قال الأعرابي: نعم، واستغنيت بأبي أنت وأمي: قال: فأجزِ فاطمة بصنيعها؟ فقال الأعرابي: اللهم أنت إله ما استحدثناك، ولا إله لنا نعبده سواك، فأنت رازقنا على كل الجهات، اللهم أعط فاطمة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.. وإلى أن قال: فعمد عمار إلى العقد فطيّبه بالمسك، ولفَّه في بردة يمانية، وكان له عبد اسمه سهم ابتاعه من ذلك السهم الذي أصابه بخيبر، فدفع العقد إلى المملوك، وقال له: خذ هذا العقد فأدفعه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنت له. فأخذ المملوك العقد فأتى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخبره بقول عمار فقال النبي: انطلق إلى فاطمة فادفع إليها العقد وأنت لها. فجاء المملوك بالعقد وأخبرها بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخذت فاطمة العقد، وأعتقت المملوك. فضحك المملوك فقالت: ما يضحكك يا غلام؟ فقال: أضحكني عِظَم بركة هذا العقد، أشبع جائعاً، وكسا عرياناً وأغنى فقيراً، وأعتق عبداً، ورجع إلى ربه (أي إلى صاحبه). بحار الأنوار، ج: 43، ص: 56.

 (2) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 21 جمادى الثانية 1413ﻫ ق، 17/12/1992م.

 ([94]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 20 جمادى الثانية 1431ﻫ ق، 03/06/2010م.

 ([95]) سورة الإنسان، الآية:8 ، 9.

 ([96]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 11 محرم 1419ﻫ ق، 29/3/1999م.

 ([97])  كلمة الإمام الخامنئي، بمناسبة مولد مولاتنا الصديقة الكبرى فاطمة(عليها السلام) ـ وكان حديث أمير المؤمنين(عليه السلام) الذي أشار إليه الإمام الخامنئي= هو:

حضر علي (عليه السلام)، فقالت: (يا ابن العم! إنه قد نُعيتْ إلي نفسي، و إنني لا أرى ما بي إلا أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة، وأنا أوصيك بأشياء في قلبي)، قال لها علي: (أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله)، فجلس عند رأسها، وأخرج من كان في البيت، ثم قالت: (يا ابن العم! ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني)، فقال: (معاذ الله، أنت أعلم، وأبر، وأتقى، وأكرم، وأشد خوفا من الله من أن أوبخك بمخالفتي، وقد عز علي مفارقتك وفقدك، إلا أنه أمر لا بد منه، والله لقد جددت علي مصيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد عظمت وفاتك وفقدك فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأحزنها، هذه والله مصيبة لا عزاء عنها، ورزية لا خلف لها)، ثم بكيا جميعا ساعة، وأخذ علي رأسها وضمها إلى صدره...<. (بحار الأنوار ج43 ص191).

 ([98]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 20 جمادى الثانية 1415ﻫ ق، 24/11/1994م.

 ([99]) خطبة العقد المؤرخة 24/9/1376ﻫ.ش ـ 15/12/1997م، نقلاً عن كتاب انطلاقة المودة ـ الصادر عن دار الولاية.

 ([100]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 11 محرم 1419ﻫ ق، 29/3/1999م.

 ([101]) بحار الأنوار ج43، ص 117.

 ([102]) لأفضل نساء العالمين.

 ([103]) خطبة العقد المؤرخة: 30/3/1379ﻫ.ش19/6/2000م.