مقام النبيّ الأعظم في حديث القائد

ماذا عسانا أن نقول بشأن النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) سوى: أن رسول الإسلام الأعظم هو مجموعة متكاملة من فضائل كافة الأنبياء والأولياء على مرّ التاريخ. فعندما نذكر اسم النبيّ الأعظم فكأنه تتبلور وتتجسّد في هذا الوجود المقدّس شخصية إبراهيم ونوح وموسى وعيسى ولقمان وجميع عباد الله الصالحين وشخصية أمير المؤمنين وأئمة الهدى (عليهم السلام).

 النبيّ الأعظم هو أنصع مجرّة في الكون بحيث يضمّ آلاف المنظومات والشموس الساطعة للفضيلة والكرامة؛ ففيه العلم المقرون بالأخلاق، والحكومة المقرونة بالحكمة، والعبادة المقرونة بخدمة الناس، والجهاد المقرون بالرحمة، والعشق الإلهي المقرون بعشق خلق الله، والعزة المقرونة بالتواضع، والحداثة المقرونة ببعد النظر، والصدق مع الناس رغم التعقيدات السياسية، وذوبان الروح في ذكر الله المقرون بسلامة الجسم.. وفيه الدنيا المقرونة بالآخرة، والأهداف الإلهية السامية المقرونة بالأهداف الإنسانية الجذّابة. إنه النموذج الأكمل لخلق الله الذي لم يأتِ من هو أكمل منه. إنه المبشّر والنذير والشاهد والناظر والداعي للبشرية إلى الله والسراج المنير في طريق الإنسانية {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}[1].

نقطة الوصل بين الشعوب المسلمة

إن وجود نبيّ الإسلام الأعظم على الصعيد الدولي يشكّل أيضاً نقطة وصل بين معتقدات وعواطف كافة الشعوب المسلمة وكافة الأمة الإسلامية[2].

دروس النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)

إن الأمة الإسلامية والشعوب هي أحوج ما تكون إلى نبيّها الأعظم اليوم. فهي بحاجة إلى هدايته وتبشيره وإنذاره ورسالته ومعنوياته وبرحمته التي علّمها للبشرية.. إن درس النبيّ الأكرم لأمته ولجميع البشرية في وقتنا الراهن هو التحلّي بالعلم والاقتدار والأخلاق والكرامة والرحمة والعزّة والجهاد والمقاومة[3].

أهداف النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)

لا يمكننا حصر الأهداف السامية لنبيّ الإسلام في (جملة واحدة)، لكن يمكننا جعل فصول منها دروساً لعملنا طوال عام وطوال عقد بل مدى العمر:

فمن جملة دروس النبيّ الأعظم هو إتمام مكارم الأخلاق "بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق"، فالمجتمع العاري من الأخلاق الحميدة لا يمكنه بلوغ الأهداف السامية للبعثة النبوية. فالأخلاق الحميدة تبلغ بالفرد والمجتمع إلى المراتب الرفيعة. والأخلاق الحميدة لا تعني حسن الخلق فحسب، بل هي بمعنى غرس الصفات الحميدة والفاضلة في الروح والقلب وانعكاسها في السلوك العملي. فالمجتمع المبتلى بالحسد والضغينة والتحايل والحرص والبخل والحقد وما إلى ذلك من الصفات الرذيلة لن ينال الاستقرار الحقيقي والسعادة المنشودة حتى لو تسلّح بالعلم وبلغ منتهى الحضارة الظاهرية. فمثل هذا المجتمع ليس بالمجتمع المنشود.

الدرس الآخر من دروس النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الاستقامة والصمود. يقول الباري تعالى في سورة هود مخاطباً نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم): {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ}، وقد روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «شيّبتي سورة هود»، ونقل أن المقصود هو الآية المذكورة، لأن الاستقامة والصمود عمل شاقّ. وأتصور أن الأهم في الآية هو الفقرة التالية {وَمَن تَابَ مَعَكَ}، لأن النبيّ ليس مأموراً وحده للاستقامة فحسب بل عليه أن يدعو جموع المؤمنين للصمود والمقاومة أمام ضغوط العدو الخارجي وأمام إغراءات الأهواء النفسانية، فهداية المؤمنين وتوجيههم على الصراط السويّ هو ما شيّب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).. وإننا أحوج ما نكون اليوم إلى استقامة كتلك الاستقامة[4].

يجب علينا وضع الدروس التي علّمنا إيّاها النبيّ الأعظم نصب أعيننا وفي مقدمة برامجنا، كدرس الأخلاق ودرس العزّة ودرس السعي إلى التعلّم والتحلّي بالرأفة والرحمة والكرامة والاتحاد[5].

علينا أن نغرس الأخلاق الإسلامية في نفوسنا يوما بعد يوما. وإذا ما أردنا أن يتحلّى مجتمعنا بالأخلاق الإسلامية يلزمنا أمران: الأول: التمرين والمجاهدة الفردية، والآخر التعاليم الأخلاقية التي ينبغي على وزارة التربية والتعليم والمراكز التربوية والتعليمية تدريسها لمختلف السطوح والمستويات.

كما أننا اليوم بحاجة إلى الصمود والمقاومة سواء أمام زخرف الدنيا وزبرجها والأهواء والميول النفسانية، أو أمام تهديدات العدو ووعوده ووعيده[6].

أحب النفقة إلى الله

عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم):

«ما أنفق مؤمن نفقة هي أحبّ إلى الله عز وجلّ من قول الحق في الرضا والغضب».

النفقات والمصارف التي يؤدّيها الإنسان، تارة تكون مادّية وأخرى معنوية، فالنفقات والمصاريف المعنوية أفضل وأعلى بمراتب من النفقات المادّية، وأثرها كذلك أفضل وأعلى.

وهذه الرواية توجّهنا إلى مسألة مهمة وهي: إن المؤمن لا ينفق نفقة في حياته أحبّ وأقرب لدى الله تعالى من قول الحق سواء كان في حال الرضا أم الغضب.

وذلك لأن قول الحق أحياناً يسبّب للإنسان بعض المشكلات والمتاعب التي تستتبع أن يدفع غرامة ثقيلة وخسارة كبيرة مقابلها.

طبعاً قول الحق ليس دائماً مورده القضاء والمحاكمات بل يشمل المسائل الاجتماعية والسياسية واتخاذ القرارات والمواقف، فإن هذه كلها مصاديق لقول الحق، وفي كل هذه الموارد يكون قول الحق احياناً صعباً وشاقّاً.

وكذلك الحال في القضاء والغضب والنقاش والجدال والتحاور مع الآخر، فإنه من الصعب جداً أن يقول الحق ويتجنب عن قول الباطل. والإلزام والإجبار على قول الحق في هذه الحالة يستلزم كلفة ثقيلة وكبيرة، ولكن قول الحق أحبّ وأفضل عند الله تعالى من كل النفقات والتكاليف والمصاريف الأخرى[7].

________

[3، 5] من كلمة لسماحته في رأس السنة الهجرية الشمسية 20/3/2006م.

[4، 6] من كلمة لسماحته في لقائه لجموع غفيرة من قوات التعبئة الشعبية 26/3/2006م.

[1، 2 ] من كلمة لسماحته في الصحن الرضوي الشريف 20/3/2006م.

[7] من كتاب "كلمات مضيئة" للإمام الخامنئي (دام ظله)، ص 187.