سؤال: هل للفقيه ولاية مطلقة بسعة ولاية الأنبياء والأئمة(عليهم السلام)؟

جوابه: معاني الولاية (التكوينية والتشريعية والمطلقة)

تُقسم الولاية إلى تكوينية وتشريعية، وتعني التكوينية: التصرف بالموجودات والشؤون التكوينية، ومن الواضح أن مثل هذه الولاية مختصة بالله سبحانه، فهو المهيمن بإرادته وقدرته على جميع المخلوقات، وبيده أصل الخلق والتغيرات الحاصلة فيه وبقاء المخلوقات؛ فله إذن الولاية التكوينية على كل شيء، وقد أفاض بمرتبة من مراتب هذه الولاية على بعض عباده؛ وما معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء إلاّ تجليات لهذه الولاية التكوينية؛ ومورد البحث في ولاية الفقيه ليس الولاية التكوينية.

وتعني الولاية التشريعية امتلاك شخص لحق التشريع والأمر والنهي؛ فإذا ما قلنا إن لله الربوبية التشريعية؛ فذلك يعني أن بيده الأمر بالفعل والنهي عنه، وأمثال ذلك؛ وللنبي والإمام حق الأمر والنهي بإذن الله سبحانه؛ وهكذا الأمر بالنسبة للولي الفقيه؛ فإذا ما قلنا بالولاية للفقيه؛ فمرادنا من ذلك الولاية التشريعية، أي قدرته الشرعية على إصدار الأمر والنهي للناس.

ولا نجد على مدى التاريخ الشيعي فقيهاً ينفي أية ولاية للفقيه، وأن ما يدور حوله الاختلاف إلى حدٍّ ما هو مراتب ودرجات هذه الولاية، ولقد كان الإمام الخميني(رحمه الله) يرى امتلاك الولي الفقيه لكافة الصلاحيات التي كان يتمتع بها المعصوم(عليه السلام)إلاّ ما استُثني منها.

يقول(قدس سره): وإذا نهض بأمر تشكيل الحكومة فقيه عالمٌ عادلٌ؛ فإنه يلي من أمور المجتمع ما كان يليه النبي(صلى الله عليه وآله) منهم، ووجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا؛ ويملك هذا الحاكم من أمر الإدارة والرعاية والسياسة للناس ما كان يملكه الرسول(صلى الله عليه وآله)وأمير المؤمنين(عليه السلام)، على ما يمتاز به الرسول(صلى الله عليه وآله) والإمام(عليه السلام) من فضائل

﴿ صفحه 62﴾ومناقب خاصة»([1])؛ ومن بين المستثنيات الجهاد الابتدائي حيث اشتهر بين الفقهاء اختصاصه بالولي المعصوم(عليه السلام).

ويُطلق على مثل هذه الولاية في مجال صلاحيات الولي الفقيه «الولاية المطلقة» وهي لا تعني إطلاق يد الولي الفقيه؛ بحيث يفعل ما يشاء، لينبري البعض محاولا تشويه هذه النظرية؛ فيزعم إمكانية الفقيه نفي أو تعطيل التوحيد، أو أياً من أصول الدين، أو إحدى ضرورياته، مستنداً في ذلك إلى الولاية المطلقة التي يتمتع بها!!

إن تشريع ولاية الفقيه إنما جاء لصيانة الدين؛ وإذا كان مسموحاً للفقيه نفي أصول الدين؛ فما الذي سيبقى من الدين كي يكون مكلّفاً بالمحافظة عليه وصيانته؟

إن التعبير بـ «المطلقة» يقابل ما يراه القائلون باقتصار صلاحية الفقيه على التدخل والتصرف في الموارد الضرورية وحسب، فإذا ما احتيج إلى هدم أحد البيوت لغرض تزيين البلد فقط؛ فلا قدرة للفقيه على الإيعاز بهدمه لعدم ضرورته، وهؤلاء الفقهاء القائلون بالولاية المقيدة (غير المطلقة) يخالفون القائلين بالولاية المطلقة، التي تتسع فيها صلاحيات الولي الفقيه لتشمل جميع متطلبات المجتمع الإسلامي ضرورية كانت أم غير ضرورية.

 

دليل على ولاية الفقيه

كيف يتم إثبات حق الولاية والحكم للولي الفقيه في عصر الغيبة؟

كلنا يعلم أن الأئمة المعصومين(عليهم السلام) ـ ماخلا علياً(عليه السلام) ـ لم يتحقق لهم الحكم ظاهرياً، أي أن حكمهم الإلهي المشروع لم يتحقق عينياً.

ومن ناحية أخرى في الفترات التي لم يصل الأئمة(عليهم السلام) إلى سدّة الحكم الظاهري؛ كان الشيعة يضطرّون لمراجعة أجهزة الدولة، فإذا ما تنازع مؤمنان ـ على سبيل المثال ـ حول ملك، ولم يكن أمامهم بدٌ إلاّ مراجعة القاضي، ونحن نعلم ـ من ناحية ثالثة ـ أن أيَّ حاكم لا تنبثق حاكميته عن التنصيب الإلهي بنحو من الأنحاء فهو غير شرعي، وطاغوت في نظر تعاليم المذهب الشيعي، فالخلفاء الذين تربعوا على مسند السلطة بعد تنحيتهم للإمام المعصوم إن هم إلاّ طواغيت، يحرم الرجوع إليهم، وذلك ما صرّح به القرآن الكريم: «يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ»([2]). فما هو يا تُرى تكليف المؤمنين في مثل هذه الحالة؟

لقد وضع المعصومون(عليهم السلام) الحل لشيعتهم ويتلخص في موارد اضطرارهم لمراجعة حاكم، وكان الحاكم الرسمي غير شرعي أن يرجعوا إلى من عرف الحلال والحرام، وهذا ما تضمنته مقبولة عمر بن حنظلة عن الإمام المعصوم(عليه السلام): «مَنْ كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً، فإنى قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا ردّ، والراد علينا كالراد على الله، وهو على حدّ الشرك بالله»([3]).

إن ما يُصطلح عليه اليوم بـ «الفقيه» هو ما عبّرت عنه الروايات بـ «العارف بالحلال والحرام» وما شابه ذلك.

وفي ضوء ما تقدم يمكن الاستدلال على ولاية الفقيه في عصر الغيبة بالشكل التالي:

لو لم يتسنَّ الوصول إلى المعصوم(عليه السلام) في زمن حضوره أو عدم إمساكه بزمام الأمور؛ فإن تكليف الأمة يتمثل بالرجوع إلى الفقهاء الحائزين على الشرائط؛ وكذا عليها الرجوع إلى الفقهاء بطريق أولى في حالة عدم حضور المعصوم(عليه السلام) بالمرة، استناداً للروايات الواردة بشأن عصر الغيبة، ومنها التوقيع الشهير الصادر عن صاحب الزمان(عليه السلام) حيث يقول: «أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم.»([4])

وحيث أثبتنا حق الولاية والحكم للولي الفقيه في عصر الغيبة، أي إنه الآمر والناهي، وهو الذي يلي شؤون المجتمع رتقاً وفتقاً، وعلى الأمة بذل الطاعة لمثل هذا الفقيه، كما هو الحال في عصر المعصوم الذي إن نصَّبَ أحداً إذ ذاك يتعين على الأمة الانصياع لأوامره؛ كما في تعيين الإمام علي(عليه السلام) لمالك الأشتر والياً على مصر، فإن ذلك يعني وجوب طاعته وإن مخالفته بمثابة مخالفة علي(عليه السلام)، فمخالفة المندوب والرد عليه تمثّل في الواقع مخالفة وردّاً على مَنْ انتدبه. وفي عصر الغيبة فإن طاعة الولي الفقيه أو مخالفته كطاعة المعصوم(عليه السلام) أو مخالفته والرد عليه، لأنه منصوب للحكم على الناس من قبل المعصوم(عليه السلام).

وعلى نحو الإيجاز حريٌّ بنا القول:

أولا: لا ولاية تكوينية للفقيه.

ثانياً: إن ولاية الفقيه المطلقة هي عينها صلاحيات المعصوم(عليه السلام)، ولا يلازمها أي تلاعب في الدين.

ثالثاً: ليس هنالك فقيه لدى الشيعة يُنكر أصل ولاية الفقيه.

رابعاً: إن الاختلاف الدائر بين الفقهاء حول ولاية الفقيه إنما يدور حول سعة صلاحياته، لا أصل الولاية.

[1]. الحكومة الإسلامية: 49.

[2] النساء: 60.

[3]. أصول كافي: 1/67.

[4]. كمال الدين: 2/483.