مصاديق الأنفال (القسم الرابع)

 

الخامس عشر مما عدّ من الأنفال قطائع الملوك وصوافيهم:

وقد يقال مكان الصوافي: «ما يصطفيه الملوك لأنفسهم».

ولابدّ أولاً من ملاحظة كلمات الأصحاب حتى يعلم وضع أقوالهم ثم الرجوع إلى أدلة المسألة لتبيّن مفادها، فنقول:

1ـ قال شيخ الطائفة في باب الأنفال وفي عدادها... وصوافي الملوك وقطائعهم مما كان في أيديهم من غير وجه الغضب[1].

2ـ وقال في الجمل والعقود في فصل ذكر الأنفال وفي عدادها: «... وصوافي الملوك وقطائعهم التي كانت في أيديهم من غير جهة الغصب»[2].

3ـ وقال ابن حمزة في بيان حكم الأرضين من الوسيلة: والأرضون أربعة أقسام... والرابعة ـ يعني أرض الأنفال ـ للإمام خاصة وهي عشرة أجناس: ... وكل ما يصطفيه الملوك لأنفسهم وقطائعهم التي كانت في أيديهم على غير جهة الغصب[3].

فحيث إنه (قدس سره) في مقام عد أقسام أرض الأنفال فيعلم أنّ القطائع وما اصطفاه الملوك لأنفسهم أيضاً من جنس الأرض ولا يعم غيرها ثم إنه (رحمه الله) جعل في قبال القطائع ما يصطفونه لأنفسهم لا صوافيهم.

4ـ وقال ابن إدريس في السرائر في باب ذكر الأنفال وفي عداد مصاديقها: ... وصوافي الملوك وقطائعهم التي كانت في أيديهم لا على وجه الغصب[4].

5ـ وقال القاضي ابن البرّاج في باب ذكر أرض الأنفال من المهذب: ... وصوافي الملوك وقطائعهم ما لم يكن ذلك غصباً ـ إلى أن قال بعد عدّ جميع مصاديقها: ـ فجميع ذلك من الأنفال وهي للإمام (عليه السلام) خاصة دون غيره من سائر الناس[5].

وهو أيضاً حيث كان في مقام عدّ مصاديق أرض الأنفال فلا محالة يرى الصوافي والقطائع من جنس الأرض.

6ـ وقال الكيدري في إصباح الشيعة عند عدّ الأنفال: ... وصوافي الملوك وقطائعهم التي كانت في أيديهم لا على وجه الغصب[6].

7ـ وقال المحقق في الشرائع ـ بعد ذكر الأمور الخمسة التي يراها من الأنفال ـ : وإذا فتحت دار الحرب فما كان لسلطانهم من قطائع وصفايا فهي للإمام إذا لم تكن مغصوبة من مسلم أو معاهد.

وظاهر كلامه أنها ليست من الأنفال، وقد جعل عدل قطائع الملوك ما كان لهم من صفايا، وهو تعبير ثالث ولعله مرادف لما يصفونه لأنفسهم، وسيأتي إن شاء الله تعالى حق المقال.

8ـ وقال أيضاً في المختصر النافع في عداد الأنفال: ... وما يختص به ملوك أهل الحرب من الصوافي والقطائع غير المغصوبة.

فعبارته هنا ظاهرة جداً في أن الصوافي والقطائع من مصاديق الأنفال.

9ـ وقال العلامة في القواعد ـ عند عدّ مصاديق الأنفال ـ : ... وصوافي الملوك وقطائعهم الغير المغصوبة من مسلم أو معاهد[7].

10ـ وقال (قدس سره) أيضاً في الإرشاد ـ عند عدّ مصاديق الأنفال ـ: ...وصفايا الملوك وقطائعهم غير المغصوبة[8].

فهو (قدس سره) هنا قد عبّر بالصفايا مثل ما عرفت من الشرائع.

11ـ وقال (قدس سره) في المنتهى: ومن الأنفال صفايا الملوك وقطائعهم مما كان في أيديهم من غير جهة الغصب، بمعنى أنّ كل أرض فتحت من أهل الحرب فما كان يختصّ بملكهم فهو للإمام إذا لم يكن غصباً من مسلم أو معاهد[9]. وهنا أيضاً عبّر بالصفايا.

12ـ وقال في فصل الأنفال من التذكرة: ومنه ـ يعني من الأنفال ـ صفايا الملوك وقطائعهم التي كانت في أيديهم على غير وجه الغصب، على معنى أنّ كلّ أرض فتحت من أهل الحرب وكان لملكها مواضع مختصّة به غير مغصوبة من مسلم أو معاهد فإنّ تلك المواضع للإمام (عليه السلام)[10]. فهنا أيضاً قد عبّر بالصفايا وجعل جنس القطائع والصفايا نفس الأرض التي هي متعلقة وفي يد الملك.

13ـ وقال في كتاب إحياء الموات من التذكرة أيضاً ـ عند عدّ مصاديق أرض الأنفال ـ: وقطائع الملوك وصوافيهم التي كانت في أيديهم من غير جهة الغصب... وهذه كلها للإمام خاصة، يتصرّف فيها كيف شاء عند علمائنا أجمع[11].

14ـ وقال الشهيد (قدس سره) في عداد مصاديق الأنفال من الدروس: ... وصفايا ملوك الكفر وقطائعهم غير المغصوبة من مسلم أو مسالم[12]. فهو أيضاً قد عبّر بالصفايا.

فهؤلاء الأعلام من المتقدمين والمتأخرين قد عدّوا العنوان الذي للإمام (عليه السلام) اثنين: القطائع، وشيئاً آخر هو الصوافي أو الصفايا أو ما يصطفيه الملوك لأنفسهم، ونجد من أصحابنا من عبّر بعنوان واحد هو القطائع.

15ـ فقد قال شيخنا المفيد في عداد مصاديق الأنفال من المقنعة: ...وقطائع الملوك[13].

16ـ وقال سلاّر في عداد مصاديق الأنفال من المراسم... والقطائع[14].

17ـ وقال أبو الصلاح الحلبي في فصل الأنفال من الكافي: فرض الأنفال مختصّ بكل أرضٍ لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وقطائع الملوك...[15].

18ـ وقال ابن زهرة في عداد مصاديق أرض الأنفال: ... وقطائع الملوك من غير جهة غصب... ودليل ذلك كله الإجماع المتكرر وفيه الحجة[16]. وعبارته أيضاً ظاهرة في أن قطائع الملوك من جنس الأرض.

هذه كلمات جمع من أصحابنا، وقد عرفت أنّه لا خلاف بينهم في المقام بل ادعى ابن زهرة عليه الإجماع ونسبه العلامة في إحياء الموات من التذكرة إلى علمائنا أجمع، نعم المذكور في التذكرة عنوانان وفي الغنية خصوص القطائع، ولعله ليس خلافاً بينهما على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وقد قال صاحب الجواهر ذيل عبارة الشرائع الماضية بعد قول الماتن «للإمام»: بلا خلاف أجده فيه.

هذه وضعية المسألة بحسب الأقوال، ولابدّ من مراجعة الأدلة اللفظية الواردة في البحث وهي أخبار عديدة، والتأمل فيها يعطي أنّ هذه الأخبار على طوائف ثلاث:

الطائفة الأولى: ما تدل على أنّ كل شيء كان للملوك فهو للإمام، وهي أخبار متعددة:

1ـ فمنها موثق إسحاق بن عمار ـ المروي في تفسير علي بن إبراهيم أول سورة الأنفال ـ قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأنفال فقال: هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها فهي لله وللرسول، وما كان للملوك فهو للإمام... الحديث[17].

ودلالته على المطلوب واضحة، كما أنّه ظاهر في أنّه من مصاديق الأنفال، حيث وقع في مقام الجواب عن حقيقة الأنفال ومصاديقها.

2ـ ومنها ما رواه الشيخ في التهذيب بسنده. الصحيح عن عثمان بن عيسى عن سماعة بن مهران قال: سألته عن الأنفال فقال: كل أرض خربة أو شيء كان للملوك فهو خالص للإمام ليس للناس فيها سهم، قال: ومنها البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب[18]. ودلالته أيضاً على أصل المطلب واضحة وهو كالصريح في أنّه من الأنفال.

وأما سنده فقد عرفت صحّته إلى عثمان بن عيسى وعثمان وإن كان شيخ الواقفة ووجهها وأحد وكلاء المستبدين بمال موسى بن جعفر (عليه السلام) وعن نصر بن صباح أنه لم يدفع المال إلى الرضا (عليه السلام) فسخط عليه، وربما كان فيه دلالة على سوء حاله، إلا أنك تعلم أنّ فعله هذا بل ووقفه ربما كان لأجل شبهة في ذهنه في تلك الأزمنة الشديدة التقية فربما كان رجلاً صالحاً غير واقف أول الأمر بحق الإمامة، ويشهد له أن نصر بن صباح الناقل لعدم دفع المال أو لا قال: «ثم تاب وبعث إليه بالمال»[19] فتوبته كاشفة عن حسن حاله، وقد روى حمدويه بن نصير الثقة، عن محمّد بن عيسى الثقة أنّ عثمان بن عيسى رأى في منامه أنّه يموت بالحائر، فرفض الكوفة ومنزله وخرج إلى الحائر وابناه معه فقال: لا أبرح حتى يمضي الله مقاديره، وأقام يعبد ربّه جلّ وعزّ حتى مات ودفن فيه[20].

فهذه الحالة لا تكون عادة إلا عن ديانة قوية فوق أن يكون من الثقات فقط. وقد قال فيه نصر بن صباح: وكان يروي عن أبي حمزة الثمالي ولا يتّهمون عثمان بن عيسى.

فالإنصاف أنّ مجرّد هذه الأمور يكفي لثبوت كونه ثقة. أضف إليه ما عن الشيخ في العدة أنّ الطائفة الإمامية عملت برواياته لأجل كونه موثوقاً به متحرّزاً عن الكذب، وما عن ابن شهر آشوب ـ في الجزء الرابع من المناقب ـ من أنّه من ثقات أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليهما السلام). وبالجملة: لا ينبغي الشك في أنّه ثقة.

وأما سماعة بن مهران فهو وإن كان واقفياً على ما ذكره الشيخ في رجاله إلا أنّه قال فيه النجاشي: «روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، مات بالمدينة، ثقة ثقة» ومع هذه الوثاقة فالظاهر أنّ الضمير في قوله في الحديث: «سألته» راجع إلى أحد الإمامين ولا يضر بسنده الإضمار، فهذا الحديث من حيث السند أيضاً معتبر موثّق. إلا أنه مع ذلك كله فشبهة إضمار الحديث غير مرتفعة لعدم حجة على أن مرجعه منحصر في خصوص أحد الإمامين، فتدبّر، إلا أنّه لا يضر بالمطلوب بعد وجود الموثّق السابق وغيره.

وقد روى هذا الحديث العياشي في تفسيره مرسلاً عن سماعة بن مهران، فراجع[21].

3ـ ومنها ما رواه شيخنا المفيد في المقنعة ـ في باب الزيادات من كتاب الزكاة والخمس ـ عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وسألته عن الأنفال فقال: كل أرض خربة أو شيء كان يكون للملوك، وبطون الأودية... فكل ذلك للإمام خالصاً[22].

وسند المفيد إلى ابن مسلم مجهول فلا محالة تكون الرواية مرسلة، إلا أنّ دلالتها على المطلوب واضحة، إلا أنّ حدودها غير واضحة، فإنّ ما كان للملوك ـ كما وقع في الموثّقين ـ يشمل كل ما كان ملكاً لهم، وأما هنا فقد وصف شيء بأن كان يكون للملوك، ولا يبعد أن يحتاج كونه بحيث يكون للملوك إلى ميز فيه به يناسب تعلّق ملك الملوك به كأموال نفسية أو غالية لا توجد إلا لدى الملوك، والأمر سهل بعد عدم ثبوت اعتبار سندها.

4ـ ومنها ما رواه العياشي عن أبي حمزة الثمالي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ﴾ قال (عليه السلام): ما كان للملوك فهو للإمام[23]. ودلالتها واضحة.

5ـ ومنها ما رواه العياشي أيضا عن الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام): ﴿َسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ﴾ قال (عليه السلام): ما كان للملوك فهو للإمام، قلت: فإنهم يعطون ما في أيديهم أولادهم ونساءهم وذوي قرابتهم وأشرافهم، حتى بلغ ذكر من الخصيان، فجعلت لا أقول في ذلك شيئاً إلا قال: «وذلك» حتى قال: يعطي منه مائتي الدرهم (ما بين درهم خ ل) إلى المائة والألف. ثم قال (عليه السلام): ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[24].

فصدر الحديث مثل ما مرّ من روايته الأخرى والموثّقين، وذيلها يدل على أنّ ما في أيديهم لو أعطوه غيرهم من الأقارب والأجانب لأخذ ما أعطوه وكان من الأنفال وللإمام، وذيله بعد قوله: «حتى قال» شاهد على أنه لا فرق في كون ما أعطوه غيرهم من الأنفال بين القليل والكثير.

فلا محالة تدل هذه الرواية على أنّ ما كان في أيديهم من الأراضي إذا أعطوه أحداً فهذه الأرض أيضاً تؤخذ ممن أعطوها، وسيأتي أنّ هذه بعض أفراد القطائع.

هذه هي الطائفة الأولى من الأخبار.

الطائفة الثانية: ما تدل على أنّ قطائع الملوك للإمام (عليه السلام)، وهي أيضاً أخبار متعددة:

1ـ ما رواه الشيخ في التهذيب بسند صحيح عن داود بن فرقد قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): قطائع الملوك كلها للإمام، وليس للناس فيها شيء[25].

فدلالة هذه الصحيحة على أنّ جميع قطائع الملوك للإمام واضحة، إلا أنّه لا تعرّض فيها لأنه من الأنفال.

2ـ ومنها ما رواه العياشي عن الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول ـ في الملوك الذين يقطعون الناس ـ : وهي من الفيء والأنفال وأشباه ذلك[26].

ودلالته على المطلوب واضحة، إلا أنّ مورده ما أقطعوه للناس وأعطوهم فلا يعم ما لو كان بأيديهم من القطائع.

3ـ ومنها ما رواه أيضاً عن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): بلغنا أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أقطع علياً (عليه السلام) ما سقى الفرات، قال (عليه السلام): نعم، وما سقى الفرات؟ الأنفال أكثر مما سقى الفرات قلت: وما الأنفال؟ قال (عليه السلام): بطون الأودية، ورؤوس الجبال والآجام والمعادن وكل أرض لم يوجف عليها خيل ولا ركاب وكل أرض ميتة قد جلا أهلها وقطائع الملوك[27].

فقد عدّ (عليه السلام) في آخر كلامه من مصاديق الأنفال قطائع الملوك، فلا محالة هي للإمام وليّ الأمر (عليه السلام).

فهذه الروايات الثلاث التي أولاها صحيحة السند دلت على أن قطائع الملوك للإمام، والأخيرتان منها قد تضمّنتا أنّها من الأنفال.

الطائفة الثالثة: ما تدلّ على أنّ صوافي الملوك للإمام (عليه السلام)؛ وهي رواية حمّاد ابن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح (عليه السلام) ففيها ـ بعد قوله: «وله بعد الخمس الأنفال» وعد بعض مصاديقها ـ: وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب، لأنّ الغصب كله مردود، وهو وارث مَن لا وارث له يعول مَن لا حيلة له[28].

فهذه الرواية دلت على أنّ صوافي الملوك للإمام (عليه السلام)، وظاهر قوله بياناً لها: «ما كان في أيديهم» أنّ الصوافي المذكورة تكون في أيدي الملوك، فلا محالة ليست شيئاً أعطوه غيرهم.

فهذه الطوائف الثلاث قد دلّت على أنّه إذا فتحت أرض الحرب بيد المسلمين فما كان لملوك أهل الحرب وقطائعهم وهكذا صوافي الملوك ممّا كان في أيديهم فهو للإمام وليّ أمر المسلمين، وقد تضمّنت الطائفة الأولى أنّ ما كان للملوك فهو من الأنفال، كما أن ظاهر الطائفة الثالثة أن صوافي الملوك من الأنفال حيث عدّتها عند عداد الأنفال وعطفت عليها أن الإمام وارث من لا وارث له وقد عرفت أنّ إرث من لا وارث له أيضاً من الأنفال، وأما الطائفة الثانية فصحيحتها إنما دلت على أن قطائع الملوك للإمام بلا تعرض لأنها من الأنفال، نعم بعض أخبارها الأخر قد صرّح بأنها من الأنفال.

هذا مقتضى الأخبار وقد مرت كلمات الأصحاب وأن جمعاً منهم صرحوا بكون القطائع وعِدلها من الأنفال.

وبعد ذلك فالمناسب التوجه إلى المراد من هذه العناوين الواقعة في أخبار الباب، فنقول:

أما عنوان «كل شيء كان للملوك» فظاهره كل ما كان ملكاً لهم فإنه المستفاد من لفظة اللام الظاهرة في الاختصاص التام الذي هو مساوق للملك، وعمومه يشمل الأموال المنقولة بأصنافها وغير المنقولة من دارهم وأراضيهم وبساتينهم، ولا محالة يعم الصوافي والقطائع أعني الأراضي الخاصة التي كانت تحت أيديهم، وأما ما أعطوه بالهبة أو معاملة أخرى غيرهم من الناس بحيث صار لغيرهم فهو خارج عن مدلول «ما كان للملوك» إذ ظاهره ملكيتهم له بالفعل، وهذه الأموال التي ذكرناها ليست ملكاً لهم بل هي ملك غيرهم.

نعم قد مر أن حديث الثمالي المروي في تفسير العياشي ـ الذي ذكرناه آخر أخبار الطائفة الأولى ـ قد دل على أن الأموال المنقولة التي أعطوها غيرهم فهي أيضاً من الأنفال وتصير ملكاً للإمام، إلا أن سنده ضعيف بالإرسال.

وأما «القطائع» فهي جمع القطيعة، والقطع الذي هو مادة لها بمعنى الفصل، والظاهر أنها فعيل بمعنى المفعول، تطلق على ما كان متصلاً بغيره مما كان مثله فقطعوه عن غيره وخصّوه بشخص أو شيء أو جهة، وبهذه الملاحظة يمكن إطلاقها على الأرض التي خصّت من أراضي المسلمين مثلاً بأحد ملكاً كان أو غيره كما يمكن إطلاقها على غير الأرض أيضاً.

قال في المصباح المنير: قطعت له قطعة من المال: فرزتها... وقطع السيد على عبده قطيعة، وهي الوظيفة والضريبة.

ونحوه في أقرب الموارد. وفي لسان العرب: اقتطع طائفة من الشيء أخذها، والقطيعة ما اقتطعته منه، وأقطعني إياها أذن لي في اقتطاعها. واستقطعته إياها سألته أن يُقطعه إياها.

فترى أنهم قد جعلوا القطيعة بمعنى ما اقتطع من الشيء وأنها تحمل على الوظيفة والضريبة المجعولة للعبد، ومن الواضح أن كليهما حمل لمالها من المفهوم اللغوي على مصداقه، فلا اختصاص لأن يكون المصداق أرضاً وإن كانت قطعة من الأرض المقطوعة من أرض واسعة قطيعة أيضاً أخذاً بعموم المفاد.

إلا أنه مع هذا كله فترى كثيراً من أرباب اللغة قد جعلوا معنى القطيعة أو من معانيها القطعة من الأرض:

قال الخليل في كتاب العين: أقطع الوالي قطيعةً أي طائفةً من أرض الخراج، فاستقطعته... وتقول: أقطعني قطيعةً وثوباً ونهراً، تقول في هذا كله: استقطعته.

ففسر «قطيعة» بـ «طائفة من أرض الخراج» وجعلها في الجملة الأخيرة عدلاً للثوب والنهر، فكأنهما غيرهما.

وفي لسان العرب ـ بعد ما مضى من عبارته ـ : «قطعته قطيعةً أي طائفةً من أرض الخراج، وأقطَعَه نهراً: أي أباحه له... والإقطاع يكون تمليكاً وغير تمليك، يقال: استقطع فلانٌ الإمام قطيعةً، فأقطعه إياها إذا سأله أن يقطعها له ويبينها ملكاً له فأعطاه إياها. والقطائع إنما تجوز في عفو البلاد التي لا ملك لأحد عليها ولا عمارة فيها لأحد، فيقطع الإمامُ المستقطعَ منها قدرَ ما يتهيّأ له عمارته بإجراء الماء عليه أو باستخراج عين منه أو يتحجّر عليه للبناء فيه.

فظاهر هذه العبارات أنّ طائفة من الأرض المقطوعة عن أراضٍ عامة كأنه معنىً مستقلّ للقطيعة.

وفي مجمع البحرين: القطيعة محالّ ببغداد أقطعها المنصور أناساً من أعيان دولته ليعمروها ويسكنوها، ومنه: حدثني شيخ من قطيعة الربيع. وأقطعته إقطاعاً أي طائفةً من أرض الخراج. والإقطاع: إعطاء الإمام قطعةً من الأرض وغيرها، ويكون تمليكاً وغير تمليك. وفي الحديث: «خلق الله تعالى آدم وأقطعه الدنيا قطيعة» أي أعطاه إياها. والقطائع: اسمٌ لما لا ينقل من المال كالقرى والأراضي والأبراج والحصون، ومنه الحديث «قطائع الملوك كلها للإمام».

فترى أنه فسّر القطيعة بطائفة من أرض الخراج وغيرها ومما لا ينقل من الأموال، وفسر حديث بابنا بها.

وفي أقرب الموارد: القطيعة: الوظيفة، وما يُقطع من أرض الخراج، جمعاً مطائع، والقطيعة: مواضع في بغداد أقطعها الملك المنصور أناساً من أعيان دولته ليعمروها ويسكنوها، وهي قطيعة فلان وفلان.

وعبارته أيضاً قريبة مما مر خصوصاً من عبارات مجمع البحرين.

فالمتحصل من هذه الكلمات: أن القطيعة بحسب أصل اللغة وإن كانت بمعنى مطلق ما يقطع من غيره أرضاً كانت أو غيرها إلا أن معنى قطعة من الأرض كأنه منصرف منها، وفي حكمها ما لا ينقل من القرى والأبراج والحصون، ولذلك فليس من البعيد دعوى انصراف القطائع إلى هذه الأموال غير المنقولة كما فسّرها بها مجمع البحرين. نعم لا بد هنا من التنبّه لنكتة هي أن كونها من أرض الخراج غير معتبرة في مفهومها، كيف لا؟! وقطائع الملوك الكفر لم يتصوّر أن تكون من أرض الخراج بل التعبير بأرض الخراج إنما هو لكونها منها في الحكومة الإسلامية.

ثم إن لفظة (قطائع) أضيفت في أخبار الباب إلى الملوك الذين هم ملوك الكفر، والإضافة متقوّمة بأدنى مناسبة، وهذه المناسبة موجودة فيما كانت منها بيد الملوك وفيما أعطوها غيرهم كما في قطائع بغداد، واللازم الأخذ بإطلاقها، فما كان من الأموال غير المنقولة بيد الملك نفسه أو أعطاها الناس فهي قطيعة يعمّها قطائع الملوك وتكون ملكاً للإمام ومن الأنفال، وحيث إن التفسير الواقع في كلمات بعض من مضى من الأصحاب تعبير عن هذا المعنى اللغوي فلا حجة فيه على الخلاف لو فرض اختلاف ما في بعضه مع ما اخترناه. هذا بالنسبة إلى عنوان القطائع.

وأما «الصوافي» فهي جمع الصافية، وهي اسم فاعل من صفا، وفي المصباح المنير: صفا يصفو صفواً ـ من باب قعد ـ وصفاءاً: إذا خلص من الكَدَر، فهو صاف. وصفيته من القذى تصفيةً: أزلته عنه. وأصفيته ـ بالألف ـ : آثرته. وأصفيته الود: أخلصته. وقريبٌ منه في غيره. وعليه فالصافية هي الخالصة من الكدورة.

لكن لسان العرب: استصفيت الشيء: إذا استخلصته... ومنه قيل للضياع الذي يستخلصه السلطان لخاصّته: الصوافي. وقد نقل في النهاية لابن الأثير عن الأزهري أنه يقال للضياع... إلى آخره.

إلا أن في مجمع البحرين: وفي (حديث) آخر: للإمام صوافي الملوك، وهي ما اصطفاه ملك الكفار لنفسه. وقيل: الصوافي: ما ينقل، والقطائع: ما لا ينقل.

أقول: فرعاية أصل معنى المادة فيها بملاحظة خلاصها من حق الغير من عامة الناس فتختص بالملك أو بخاصته.

وقد عرفت أن الصوافي الواقعة في أخبار الباب ـ أعني رواية حماد بن عيسى ـ قد وصفت بقوله: «وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم» فخصّها بأن تكون في أيدي الملوك أنفسهم، فلا محالة تنطبق على ما في مجمع البيان لا على ما في النهاية ولسان العرب.

وقد وقع في عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) للأشتر ـ عند تعرّضه للطبقة السفلى من الناس ـ خطاباً لمالك: «واجعل لهم قسماً من بيت مالك وقسماً من غلات صوافي الإسلام في كل بلد، فإن للأقصى منهم مثل ما للأدنى وكلٌّ قد استرعيت حقه».

فأضاف الصوافي إلى الإسلام وجعل لها غلات، ومدلوله أن للصوافي غلات.

وهو كذلك إذا كانت أراضي خالصة للمسلمين حتى يكون غلاتها من أموالهم.

فالحاصل: أن المستفاد من الطوائف الثلاث أن الأراضي التي كانت بيد ملك الكفار التي هي المرادة من صوافي الملوك وكل شيء كان لملك الكفار وقطائع الملوك ـ وهي الأراضي التي خصّوها بأنفسهم أو أعطوها غيرهم وبحكمها سائر ما لا ينقل ـ فهي كلها من الأنفال وملك للإمام (عليه السلام) دون سائر الناس.

ثم إنك قد عرف موضوع القطائع والصوافي في كلمات كثير من الأصحاب بأن لا تكون غصباً من أحد، وهو قيدٌ متين، والدليل عليه أن الأخبار الواردة على كل شيء كان للملك مختصة مما كان ملكاً له، ورواية الصوافي قد قيدها بقوله: «ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب لأن الغصب كله مردود» فتقيدها بأن لا تكون غصباً، بل دلت بمقتضى التعليل المذكور على أن كل ما كان غصباً فلا بد وأن يرد إلى مالكه، فالقطائع إن كانت مطلقة تقيد بهذا التعليل، مضافاً إلى أنه لا يبعد دعوى انصراف «قطائع الملوك» إلى ما كانت بحيث يصح ويجوز لهم التصرف فيها وانصرافها عما كانت لغيرهم من الناس أخذوها عنهم غصباً وعدواناً. وبالجملة: فهذا القيد لا شبهة في اعتباره.

فبعدما دلت هذه الأدلة المعتبرة السند والدلالة على اختصاص ما للملوك بشرح ما مضى بالإمام فبها يقيد إطلاق قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ﴾[29] الآية، حيث إنّ إطلاق «ما غنمتم» يشمل غنائم الحرب فتكون أربعة أخماسه الباقية للغانمين الذين هم المقاتلون فإذ كان شيء مما للملوك في تلك الغنائم كان جميعه من الأنفال ولولي الأمر.

ومثل الآية المباركة قول أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) ـ على ما في صحيح الربعي ـ : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له، ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه، ثم يقسمها أربعة أخماس بين الناس قاتلوا عليه... الحديث[30]، فإن موضوعة غنيمة الحرب، وتشمل ما إذا كان فيها شيء مما للملوك فيقيده بغيره. ومثله الأخبار الأخر الواردة في تقسيم غنائم الحرب.

كما أن هذه الأدلة تقيد إطلاق مثل قول أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ـ على ما في صحيح أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ـ : «... وما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخيبر قبل أرضها ونخلها والناس يقولون: لا تصلح قبالة الأرض والنخل إذا كان البياض أكثر من السواد، وقد قبّل رسول الله (صلى الله عليه وآله) خيبر وعليهم في حصصهم العشر ونصف العشر[31]. فموضوع كلامه هنا الأرض المفتوحة عنوةً فجعل مجرد تقبيلها إلى الإمام، وإلا فنفس الأرض للمسلمين وهو يقيد بهذه الأدلة، وهكذا الأمر فيما كان مثله.

 

السادس عشر مما عد من الأنفال غنيمة حرب لم تكن بأمر ولا إذن من ولي الأمر:

فلنذكر في ذلك كلمات من جمع من الأصحاب ثُمّ لنتعرّض لمقتضى الأدلة، فنقول:

1ـ قال الشيخ (قدس سرّه) في النهاية ـ عند عدّ مصاديق الأنفال ـ:... وإذا قاتل قومٌ أهل حرب من غير أمر الإمام فغنموا كانت غنيمتهم للإمام خاصّة دون غيره[32].

2ـ وقال (قدس سرّه) في الجمل والعقود ـ عند عدّ مصاديق الأنفال ـ: وفي عداد مصاديقه:... وإذا قوتل قومٌ من أهل حرب فأخذ غنائمهم من غير إذن الإمام فذلك له خاصّة[33].

3ـ وقال (قدس سرّه) في كتاب الفيء وقسمة الغنائم من الخلاف: إذا دخل قومٌ دار الحرب وقاتلوا بغير إذن الإمام فغنموا كان ذلك للإمام خاصّة، وخالف جميع الفقهاء ذلك، دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم[34].

4ـ وقال (قدس سرّه) في كتاب السير من الخلاف: إذا غزت طائفة بغير إذن الإمام فغنموا مالاً فالإمام مخيّر إن شاء أخذه منهم وإن شاء تركه عليهم، وبه قال الأوزاعي والحسن البصري، وقال الشافعي: يخمّس عليهم، وقال أبو حنيفة: لا يخمّس، دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم[35].

أقول: وما هنا لا ينافي ما في كتاب الفيء منه فإنّ كون الغنية يجمعها له لأزمة التخيير المذكور هنا، نعم ما في كتاب الفيء أوضح دلالة على المطلوب.

5ـ وقال ابن إدريس في باب ذكر الأنفال ومَن يستحقّها من السائر ـ عند عدّ مصاديق الأنفال ـ : وإذا قاتل قومٌ أهل حرب بغير أمر الإمام فغنموا كانت الغنيمة خاصّة للإمام دون غيره[36].

6ـ وقال القاضي ابن البرّاج في باب ذكر الأنفال من المهذّب ـ عند عدّ مصاديق الأنفال ـ: .. وكلّ غنيمةٍ غنمها قومٌ قاتلوا أهل الحرب بغير إذن الإمام أو ممّن نصّبه...[37].

7ـ وقال الكيدري في فصل الأنفال من إصباح الشيعة ـ عند عدّ مصاديقها ـ:... وما غنم من أهل الحرب بغير إذن الإمام كان كلّ هذا للإمام القائم مقام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)[38].

8ـ وقال المحقّق في الشرائع في كتاب الخمس بعد عدّ الأنفال: ... وما يغنمه المقاتلون بغير إذنه فهو له (عليه السلام).

9ـ وقال المحقّق (قدس سرّه) في المختصر النافع في المسألة الأولى من المسائل الملحقة بباب الخمس عندما يعدّ الأنفال:... وقيل: إذا غزا قوم بغير إذنه فغنيمتهم له، والرواية مقطوعة.

وفي المهذب البارع ـ ذيل قوله «والرواية مقطوعة» ـ: الرواية إشارة إلى ما رواه العبّاس الورّاق عن رجلٍ سمّاه... وعليها عمل الأصحاب... فضعفها بإرسالها يؤيّد بعمل الأصحاب[39].

10ـ وقال العلاّمة في القواعد ـ عند عدّ مصاديق الأنفال ـ: وهي عشرة:... وغنيمة مَن يقاتل بغير إذنه[40].

11ـ وقال (قدس سرّه) في الإرشاد ـ عند عدّ مصاديق الأنفال ـ:... وغنيمة مَن قاتل بغير إذنه (عليه السلام) له (عليه السلام)[41].

12ـ وقال (قدس سرّه) في التذكرة ـ عند عدّ مصاديق الأنفال ـ:... ومنه كلّ غنيمةٍ غنمت بغير إذن الإمام فإنّها له خاصّة[42].

13ـ وقال (قدس سرّه) في كتاب إحياء الموات من التذكرة ـ عند البحث عن أرض الأنفال ـ: ... وكلّ غنيمة غنمها مَن يقاتل بغير إذن الإمام وميراث مَن لا وارث له، وهذه كلّها للإمام خاصّة يتصرّف فيها كيف شاء عند علمائنا أجمع[43].

14ـ وقال (قدس سرّه) في المنتهى ـ عند عدّ مصاديق الأنفال ـ: وإذا قاتل قومٌ من غير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة للإمام ذهب إليه الشيخان والسيّد المرتضى (رحمهم الله) وأتباعهم، وقال الشافعي: حكمها حكم الغنيمة مع إذن الإمام لكنّه مكروه، وقال أبو حنيفة: هي لهم ولا خمس، ولأحمد ثلاثة أقوال: كقول الشافعي وأبي حنيفة وثالثها لا شيء لهم فيه. احتجّ الأصحاب بما رواه العبّاس الورّاق عن رجلٍ سمّاه ـ فذكر الرواية واحتجاج الشافعي وأبي حنيفة إلى أن قال: ـ واحتجّ أحمد على ثالث الأقوال بأنّهم عصاة بالفعل فلا يكون ذريعةً لفائدة التملّك الشرعي ـ ثُمّ أجاب عن حجّة  الشافي وأبي حنيفة ثُمّ قال:ـ وعن الثالث بالتسليم فإنّه دالّ على المطلوب[44].

هذه عبارة المنتهى في هذه المسألة، وهي كما ترى دالّة بوضوح على أنّ العلاّمة (قدس سرّه) أيضاً قائل كغيره من الأصحاب بأنّ غنيمة الحرب الّتي لم تكن بإذن الإمام خاصة بالإمام، واستدلّ له برواية الوراق وفي ذيل كلامه نقل أقوال العامّة وردّ أدلّتهم. نعم صحّح دليل القول الثالث المنقول عن أحمد في مجرّد أنّ المقاتلين بغير إذن الإمام لا يكون من غنيمته شيئاً، وهو أمرٌ صحيح يقول به الأصحاب، فليس في عبارته ما يوهم الميل إلى خلاف ما عليه الأصحاب أصلاً.

نعم أفاد في الاستدلال للشافعي قوله: «احتجّ الشافعي بعموم قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ﴾ الآية وهو يتناول المأذون فيه وغيره.

ثمّ أجاب عنه بقوله: «والجواب عن الأول أنّه غير دالّ على المطلوب لأنّه يدلّ على إخراج الخمس في الغنيمة لا على المالك وإن كان قول الشافعي فيه قوياً»[45]. فربما يتوهّم من عبارته الأخير مخالفته للأصحاب واختياره لقول الشافعي. لكنّ الأظهر أنّ مفادها تسليم دلالة الآية على تعيين المالك، ومجرّد تسليمها لا يلازم قبول فتواه، فإنّ الآية مطلقة تقيّد برواية العباس.

والغرض من التطويل هنا دفع ما نسبه إليه صاحب المدارك[46] وتبعه صاحب الرياض[47] والجواهر وغيرهما حتّى بعض الأعاظم[48] فنسبوا إلى المنتهى أنّه قوّى أنّ غنيمة هذا الحرب ليست للإمام خاصّة بل حكمها حكم غنيمة حرب كان بإذنه.

15ـ وقال الشهيد في الدروس عند عدّ الأنفال: وهي الأرض الّتي باد أهلها... وغنيمة مَن غزا بغير إذنه في رواية العباس المرسلة عن الصادق (عليه السلام)[49]. ولعلّ في توصيف الرواية بالمرسلة نحو إشعار بترددّه في المسألة.

هذه هي أقوال مَن وقفت على من أصحابنا إلى زمن الشهيد، وقد عرفت عدم الخلاف بينهم في المسألة، بل ادّعى الشيخ في الخلاف أنّ عليه إجماع الأصحاب، ونسبه العلاّمة في إحياء الموات إلى التذكرة إلى علمائنا أجمع، وقال ابن فهد في المهذب البارع: إنّ على العمل بالرواية عمل الأصحاب، نعم قد تأمّل فيه بل أشار إلى ضعفه المحقّق في النافع بقوله: «والرواية مقطوعة». وحكى تردّده في المعتبر أيضاً.

وقد وصف الجواهر الحكم بأنّ هذه الغنيمة من الأنفال وللإمام (عليه السلام) بقوله: على المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً بل نسبه غير واحد إلى الشيخين والمرتضى وأتباعهم، بل في التنقيح نسبته إلى عمل الأصحاب كما في الروضة نفي الخلاف عنه، وفي بيع المسالك أنّ المعروف من المذهب مضمون المقطوعة الآتية لا نعلم فيه مخالفاً، بل عن الحلّي الإجماع عليه وهو الحجّة[50].

هذا هو تمام الكلام في أقوال الأصحاب في المسألة.

وأمّا مقتضى الأدلّة فلا ينبغي الشبهة في أنّ مقتضى إطلاق الآية المباركة أنّ ما غنمه المسلمون فالخمس منه لمصارف الخمس وأربعة أخماسه للغانمين الّذين هنا المقاتلون، كما أنّ إطلاق المغنم المذكور في مثل صحيحة ربعي بن عبد الله شامل لمغنم الحرب مطلقاً وإن كان بغير إذن الإمام. وبالجملة: فالأدلّة الواردة على الغنيمة أو غنيمة الحرب تشمل ما إذا لم يكن عن إذن الإمام أيضاً فتكون غنيمته كغنيمة الحرب الّذي بأمره تقسّم بعد أخذ صفوها وإخراج خمسها بين المقاتلين.

1ـ إلاّ أنّ في البين رواية الورّاق فتدلّ على تقييد هذا الإطلاق، فقد روى الشيخ في التهذيب بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفّار عن الحسن بن أحمد بن يسار (بشار ـ خ ل) عن يعقوب عن العبّاس الورّاق عن رجل سماه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا غزا قومٌ بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس[51].

ودلالتها على ما مرّ في كلمات الأصحاب من التفضيل واضحة، إلاّ أن الكلام في سندها، فالصفار نفسه من الأعاظم الثقات وإسناده الشيخ إليه صحيح في المشيخة والفهرست، إلاّ أنّ الحسن بن أحمد بن يسار (بشار) لم يذكر ترجمته ولا خبر عنه بمدح أو ذمّ. نعم في جامع الرواة ذيل ترجمة الورّاق ما نصّه: الحسن بن أحمد بن بشار عن يعقوب عن العبّاس الورّاق في باب الأنفال. وذكره العلاّمة الخوئي (قدس سرّه) في رجاله بلا قدح ولا ذمّ فهو مجهول الحال. وأما يعقوب فالمسمى بهذا الاسم في طبقة الحسن وقبله متعدّد بعضهم ثقة وبعضهم مجهول فلا محالة لا يثبت وثاقته أيضاً، وأمّا العبّاس الورّاق فهو العبّاس بن موسى أبو الفضل الورّاق ثقة نزل بغداد ومات بها وكان من أصحاب يونس على ما قاله النجاشي في رجاله. والرجل الّذي سمّاه الورّاق وروى عنه الرواية غير معلوم فلا يثبت اعتباره، فهذا هو وضع  سند الحديث.

إلاّ أنّه مع ذلك كلّه فقد عرفت أنّ الأصحاب أفتوا بمضمونها وادّعى بعضهم ـ كما عرفت ـ الإجماع عليه، وواضح أنّ هذا الحديث كان سند هذا الإفتاء ولذلك قال المحقّق في المختصر النافع تعريضاً على هذه الفتوى: «والرواية مقطوعة» فانحصار الدليل في هذا الحديث واعتماد الأصحاب عليه والفتوى بمضمونه جابر جدّاً لضعف سند، لا سيّما وفي المفتين به مثل السيّد المرتضى وابن إدريس اللذين ناديا بأعلى الصوت وادّعيا إجماع الشيعة على عدم اعتبار الخبر الواحد، فيطمأنّ أنّ الحديث كان عندهما معلوم الصدور وعند غيرهم أيضاً واضح الاستناد إلى المعصوم (عليه السلام) فلا ينبغي أيّة شبهة في الاعتماد عليه والإفتاء به، وبه تقيّد الإطلاقات الّتي مرّ ذكرها.

2ـ وقد يستدل بمفهوم الفقرة الأولى من صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف تقسّم؟ قال (عليه السلام): إنّ قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس لله وللرسول وقسّم بينهم أربعة أخماس، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ[52].

حيث قيّد إخراج الخمس عن غنيمة الحرب وتقسيم الباقي بين المقاتلين بأن يكون القتال مع أمير أمّره الإمام، فمفهوم هذا القيد أنّه لو لم يكن القتال بأمر الأمير فلا مجال لهذا التقسيم، فلا محالة تكون الغنيمة كلّها للإمام.

ولكن في أصل انعقاد المفهوم للقيد إشكال فإنّه يحتمل أن يكون ذكره لأنّه إذا كان لهم أمير فلا محالة بحسب الطبع يكون القتال وعدمه تحت أمره فذكر حكم كلّه من الشقّين، ولو سلّم له مفهوم فمفهومه مجرّد أنّه ليس إذا لم يكن القتال بأمر الأمير هذا التقسيم وأمّا أنّ كلّّ الغنائم حينئذٍ للإمام أو كلّها للمقاتلين أنفسهم أو أنّ حكمها شيء آخر فلا دلالة للمفهوم عليه أصلاً.

فالحاصل: أنّ دليل الحكم هو رواية الورّاق المجبورة السند بعمل الأصحاب، وإلاّ فالإجماع المدّعي في كلام الشيخ في الخلاف والعلاّمة في التذكرة حيث أنّه محتمل المدرك جدّاً فلا حجّة فيه.

وقد يستدل لمساواة هذه الغنيمة مع غنيمة حرب كان بإذن الإمام ـ كما في المدارك ـ بصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم ويكون معهم فيصيب غنيمة، قال (عليه السلام): يؤدي خمساً (خمسها ـ خ ل) ويطيب له[53].

وبيانه: أنّ حرب الجائر لم يكن بإذن الإمام قطعاً فلو كانت غنيمة للإمام لما طابت للرجل من أصحابنا بأداء مجرّد الخمس، فالاكتفاء بصرف خمسها شاهد على أنّ حكم الغنيمة في حرب لا تكون بإذن الإمام حكم غنيمة حرب تكون بأمره.

وفيه: أنّ موضوع الصحيحة إنّما هو غنيمة وقعت بيد مَن كان من الشيعة معهم وفي لوائهم فلا محالة كانت ممّا وصلت إليه منهم، فتجويز التصرّف له في الباقي بعد الخمس لعلّه من باب تحليل حقّهم لشيعتهم في الأموال الّتي تقع تحت أيديهم في معاملاتهم مع الناس. هذا مضافاً إلى منع ظهور لفظة «غنيمة» في الصحيحة في غنيمة الحرب فلعلّ المراد بها الفائدة الّتي تصل بيدها أُجرة لعمله لهم ويكون الخمس المذكور خمس أرباح التجارة. وبالجملة: فليس في الصحيحة دلالة على الخلاف.

وقد يزاد على هذه الصحيحة بما ذكره أبو جعفر الثاني (عليه السلام) فيما كتبه إلى علي ابن مهزيار حيث عدّ في مقام عدّ مصاديق الغنائم والفوائد:... ومثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله...[54].

ببيان أنّه عدّ المال المأخوذ من عدوّ استوصل من الفوائد الّتي إنّما هي لا يجب فيها إلاّ الخمس، وإطلاق العدوّ المذكور شامل لعدوّ قوتل بلا إذن الإمام فأخذ ماله أيضاً، فغنيمة القتال له ليس فيها أزيد من الخمس كما هو حكم غنيمة قتال كان بأمره.

لكن فيه: أنّ ظاهره عدوّ شخصي كالكافر الحربي استوصل فأخذ ماله وهو منصرف عن عدوّ يقاتل معه فلا ربط له بمورد البحث. وقد يزاد أخبار تحليل ما للأئمة من النصيب في الفيء لشيعتهم حيث إنّ مقتضاها أنّ لهم جزءاً من الفيء مع أنّ الحروب الواقعة في زمانهم كانت بأمر خلفاء الجور وبلا إذنٍ منهم فلو كانت غنيمة مثل هذه الحروب لهم لكان الفيء لهم لا جزء منه، ونخصّ بالذكر من هذه الأخبار ما عن الإمام العسكري (عليه السلام) ـ في تفسيره ـ عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لقد علمت يا رسول الله أنّه سيكون بعدك ملك عضوض وجبر فيستولي على خمسي من السبي والغنائم ويبيعونه فلا يحلّ لمشتريه لأنّ نصيبي فيه، فقد وهبت نصيبي منه لكلّ مَن ملك شيئاً من ذلك من شيعتي لتحلّ لهم منافعهم من مأكل ومشرب، ولتطيب مواليدهم ولا يكون أولادهم أولاد حرام، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما تصدّق أحد أفضل من صدقتك، وقد تبعك رسول الله في فعلك، أحلّ الشيعة كلّ ما كان فيه من غنيمةٍ وبيع من نصيبه على واحدٍ من شيعتي، ولا أحِلُّها أنا ولا أنت لغيرهم[55].

فصرّح الأمير (عليه السلام) بأنّ نصيبه من الغنائم في هذا الزمن الّذي يكون فيه ملك عضوض إنّما هو خمس الغنائم مع أنّ المتغلب حينئذٍ لا يكون حربه بإذن الإمام (عليه السلام)، وصدّقه وحسّن عمله هذا وقال: «قد تبعك رسول الله» فقد أفاد كلاهما أنّ نصيب الإمام من غنيمة غزو ليس بأمر الإمام ولا إذنه خمسها لا كلّها. فهذه الرواية وتلك الروايات تدلّ على الخلاف.

أقول: إنّ دلالة هذه الرواية على المدّعى واضحة إلاّ أنّ سند التفسير ضعيف غير قابل للاعتماد عليه فلا حجة فيه. وأمّا سائر الأخبار فغاية ما فيها تحليل نصيبهم من الفيء للشيعة[56] وهو يجتمع مع أن يكون نصيبهم منه جميع الغنيمة كما لا يخفى.

فبالجملة: رواية الورّاق حجّة دالّة على أنّ كلّ غنيمة هذا الغزو للأمام ولم يقم في مقامها حجة على الخلاف، فاللازم هو الأخذ بها.

السابع عشر ممّا قد يعدّ من الأنفال الأرض الخراب الّتي ليس لها صاحب معلوم:

ولنذكر في ذلك كلمات جمع عن الأصحاب ثُمّ نتعرّض لمقتضى الأدلّة، فنقول:

1ـ قال ابن إدريس في السرائر عند البحث عن أقسام الأرضين وأحكامها: فأمّا الغامر [يعني بلاد الإسلام] بالغين المعجمة وهو الخراب فعلى ضربين: غامر لم يجر عليه ملك لمسلم، وغامر جرى عليه ملك المسلم، فأمّا الّذي لم يجر عليه ملك مسلم فهو لإمام المسلمين يفعل به ما شاء، وأمّا الّذي جرى عليه ملك مسلم فإن كان صاحبه أو وارثه معيّناً فهو أحق به وهو في معنى العامر ولا يخرج بخرابه عن ملك صاحبه، وإن لم يكن له صاحب معيّن ولا عقب ولا وارث فهي لإمام المسلمين خاصّة. وأمّا الغامر في بلاد الشرك فعلى ضربين... وأمّا الّذي جرى عليه ملك فإنّه ينظر... وإن لم يكن له صاحب معيّن ولا وارث فهو للأمام عندنا[57].

فهو (قدس سرّه) ـ مع التصريح بأنّ الغامر الّذي كان مسبوقاً بالإحياء لا يخرج عن ملك صاحبه ـ قد أفتى بأنّه إذا لم يكن له صاحب معيّن ولا وارث ولا عقب فهو للإمام خاصّة، سواء كان مالكه السابق مسلماً أو مشركاً وقد قال في الثاني قوله: «فهو للإمام عندنا» وقد يستظهر منه دعوى الاتفاق، ولعلّ الصورتين بحكم واحد ولذا حكى عن ظاهره الإجماع على ما في الجواهر، إلاّ أنّ مفاد عبارته أنّها للإمام ولم يقل بأنّها من الأنفال كما هو ظاهر للمتدبّر.

2ـ وقد يتوهم الإفتاء بمثله من عبارة الشيخ في إحياء الموات من الخلاف حيث قال الأرضون العامرة  في بلاد الإسلام الّتي لا يعرف لها صاحب معين للإمام خاصّة ـ ثُمّ حكى أقوال العامة، ثُمّ قال: دليلنا إجماع الفرقة على أن أرض الموات للإمام خاصة فإنّها من جملة الأنفال ولم يفصّلوا بين ما يكون في دار الإسلام وبين ما يكون في دار الحرب. ثُمّ ذكر في المسألة اللاحقة حكم العامر الّتي في بلد الشرك وأنّها أيضاً للإمام وقال: دليلنا ما قلناه في المسألة الأولى سواء[58].

فإنّ عبارته مثل عبارة السرائر وادّعى على ما أفتى به إجماع الفرقة.

إلاّ أنّه توهّم مبناه قراءة العامر بالعين المهملة كما في طبعة مؤسّسة النشر الإسلامي، إلاّ أنّ هذه النسخة لا تجتمع مع دعواه الإجماع ـ في مقام الاستدلال له ـ على أنّ أرض الموات للإمام خاصّة فإنّه شاهد غلط النسخة، وإنّ الصحيح هو الغامر بالغين المعجمة كما في النسخة المطبوعة زمن السيّد العظيم البروجردي (قدس سرّه) وبأمره، وعليه فهو متعرض للأرض الموات ولا مساس له بما نحن فيه.

3ـ نعم قال المحقّق في إحياء الموات من الشرائع: وكلّ أرضٍ جرى عليها ملك لمسلم فهي له أو لورثته بعده وإن لم يكن لها مالك معروف معيّن فهي للإمام، ولا يجوز إحياؤها إلاّ بإذنه، ولو بادر مبادر فأحياها من دون إذنه لم يملك.

4ـ ومثله بعينه عبارة العلامة في تنبيه مذكور في كتاب إحياء الموات من التذكرة فراجع[59].

فقد حكما بأنّ كلّ أرض لم يكن لها مالك معروف فهي للإمام وعمومها شامل للأرض الحيّ والمحياة والموات فينطبق على ما أفتى به السرائر، اللّهمّ إلاّ أن يجعل جملة «ولا يجوز إحياؤها إلاّ بإذنه» تلو العبارة السابقة شاهدة على أنّ مرادهما الموات من الأرض الّذي يتصوّر فيه إحياء، كما استفاد كذلك من صاحب المسالك فأفاد بعد قول المحقّق: «فهي للإمام» فقال: «لكنّ الحكم هنا مقيّد بما لو كانت ميتة إذ لو كانت حية فهي مال مجهول المالك وحكمه خارج عن ملكية الإمام له بالخصوص»[60]. هذه وضعية المسألة من حيث أقوال الأصحاب.

وأمّا الأدلّة فأنت تعلم أنّ الأرض المذكورة إذا مات مالكها ولم يكن له وارث فهي داخلة في عنوان ميراث مَن لا وارث له الّذي قد مرّ أنّه من الأنفال والإمام، وأمّا إذا كان مَن ملكها مجهولاً، فإن كانت ممّا لا ربّ لها دخلت في حكم هذا العنوان، هذا إذا كانت حية، وأمّا إذا ماتت بعد الإحياء فإن قلنا بأنّ الأرض الّتي يعرض عليها الموات بعد الإحياء فهي بحكم الموات بالأصالة كانت بحكم الموات من الأنفال وملكاًَ للإمام. وإن قلنا ببقائها على ملك مَن أحياها كما اختاره السرائر فلا دليل على أنّه ملك للإمام بل هي بحكم المال المجهول المالك.

الثامن عشر ممّا عدّ من الأنفال البحار.

فقد عدّها من الأنفال الكليني والمفيد وأبو الصلاح الحلبي:

1ـ فقد قال الأوّل في أصول الكافي بعد عدّ ما رجع إلى النبيّ والأئمة صلوات الله عليهم من غير أن يوجف عليه بخيلٍ ولا ركابٍ من الأنفال وأنّه لله والرسول خاصّة قال: فزال عنها اسم الفيء ولزمها اسم الأنفال، وكذلك الآجام والمعادن والبحار والمفاوز فهي للإمام خاصّة[61].

وقال المفيد عند عدّ الأنفال من المقنعة: والأنفال كلّ أرض فتحت من غير أن يوجف عليها بخيلٍ ولا ركاب... والآجام والبحار والمفاوز...»[62].

وقال أبو الصلاح في الكافي في الأنفال: فرض الأنفال مختصّ بكلّ أرضٍ لم يوجف عليها بخيلٍ ولا ركاب... وبطون الأودية من كلّ أرضٍ والبحار والآجام وتركات مَن لا وارث له من الأموال وغيرها[63].

ولم نجد أحداً ذكرها من الأنفال ولا من أموال وليّ الأمر ولا المسلمين بل لم يتعرضوا لها أصلاً إلى هذه الأزمنة المتأخرة إلاّ صاحب الجواهر فقد نقل... قول المفيد وأبي الصلاح فيها قائلا: «ولم نقف لهما على دليل في البحار كما اعترف به غير واحد، اللهم إلاّ أن يكونا أخذاه ممّا دلّ من الأخبار على أنّ الدنيا وما فيها للإمام وعلى أنّ الأنهار الخمسة أو الثمانية للإمام، فذكر الأخبار الأخيرة وزاد عليها الإشارة إلى رواية مسمع بن عبد الملك الآتية إن شاء الله تعالى، فراجع[64].

أقول: ولعلّ عدم تعرّض غيرهم من علمائنا لذكرها لأنّ البحار في الأزمنة السابقة لم يكن لها نصيب في الانتفاع بها إلاّ مجرد سير الفلك الخشبي عليها وأحياناً فائدة الغوص بلا وسيلة أو بوسائل ولكنّ في منتهى الدرجة العادية الأوليّة من جوانبها بخلاف زماننا الّذي صارت البحار منبعاً عظيماً للاستنتاجات الاقتصادية ولحمل أمور طبيعية وصناعية عليها بالفلك الصناعية العظيمة وصارت أيضاً مقرّاً للمهمّات العسكرية وللهجوم بها على مواضع الأعداء المهمّة ولعلّها ستظهر في الأزمنة الآتية لها منافع وفوائد عظيمة أعظم بمراتب ممّا ظهر إلى زماننا الحاضر، فمع هذه الفوائد لابدّ من التعرّض لأمرها وحكمها في الشريعة الإسلامية.

وهذا الاحتمال الّذي ذكرناه احتمالٌ قويٌّ عقلائيٌ لعدم ذكر الأصحاب لها، فليس عدم ذكرهم إعراضاً عمّا لعلّه يستفاد منها صحّة نفس مقالة الأعلام الثلاثة أو أمر آخر قريب منها، فلننتظر.

وكيف كان فربما يمكن الاستدلال لقول هؤلاء الأعاظم بعدّة من الأخبار:

1ـ منها ما رواه الكليني في الكافي والصدوق في الخصال ومن ولا يحضره الفقيه بسندٍ صحيح عن الحفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ جبرئيل كرى برجله خمسة أنهار ولسان الماء يتبعة: الفرات، ودجلة، ونيل مصر، ومهران، ونهر بلخ، فما سقت أو سُقي منها فللإمام، والبحر المطيف بالدنيا[65]. وزاد عليها في الفقيه: «وهو افسيكون».

فقد ذكر (عليه السلام) هذه الأنهار الخمسة العظيمة المعروفة في تلك الأزمنة، وحكم عليها بقوله: «فما سقت أو سُقي منها فللإمام». والفرق بين القسمين أنّ الأوّل ما يُشربها الأنهار المذكورة بنفسها وبلا علاج، والثاني يكون شربه منها بعلاج كالدلو والدوالي في الأزمنة السابقة وكالوسائل المختلفة الالكترونية الحديثة في أزمنتنا، ثُمّ بعد ذلك عطف عليها بقوله: «والبحر المطيف بالدنيا» وواضح لمن راجع الكتب الجغرافية أنّ البحر المطيف بالدنيا بحر كبير واحد اتصل جميع أجزائها بأنفسها ويكون المجموع ماءاً وبحراً عظيماًَ واحداً يحيط بجميع الأراضي الواقعة على كرة الأرض وتكون مساحته أضعاف الأرض بمراتب، فهذا هو البحر المحيط.

وأمّا ما ذكره في الفقيه تفسيراً له بقوله: «وهو افسكون» فالظاهر أنّه من الصدوق نفسه وليس جزءً للرواية ولهذا لم يذكره الكليني في الكافي ولا الصدوق نفسه في الخصال مع أنّ الرواية رواية واحدة، وهذا التفسير غير معتمد عليه فإنّ افسيكون على ما ذكره أهل اللغة معرّب آبِسكون وهي كلمة فارسية كانت في الأصل اسم جزيرة في سواحل طبرستان وبينها وبين جرجان كانت أربعة وعشرون فرسخاً وقد صارت اليوم تحت الماء، وعلى أيٍّ فسمّي البحر الّذي كانت هذه الجزيرة فيها باسم هذه البلدة وهذا البحر هو «بحر الخزر» والواقع الآن في شمال إيران وممالك أُخرى كآذربيجان وتاجيكستان وغيرهما، وهو بحر محدود ليس مطيفاً ومحيطاً بالدنيا كما هو واضح.

فالبحر المطيف بالدنيا هو ذاك البحر العظيم الواحد وإن كان ربما سمّوه كلّ أهل مملكة باسمٍ خاصّ كالبحر الهند والبحر الأحمر والاقيانوس الكبير والاقيانوس المنجمد الشمالي أو الجنوبي وغيرها، فهذه الأسماء كلّها حاكية عن بحرٍ واحد وإن سمّي كلّ جزءٍ منها باسمٍ خاصّ.

فبعد وضوح معناه فليس «البحر المطيف بالدنيا» عطفاً على الأنهار المذكورة فإنها كانت خمسة وقد مرّ ذكر جميعها، مضافاً إلى أنّ البحر المطيف بالدنيا ليس نهراً أصلاً بل الظاهر أنّه أصل هذه الأنهار والأنهار العظيمة الأُخرى، بل الظاهر أنّه عطف على الموصول المبتدأ في قوله «فما سقت أو سقي منها فللإمام» فلا محالة يكون حكم هذا البحر المطيف أيضاً أنّه للإمام، فالصحيحة تدلّ بوضوح على أنّ البحر المطيف بالدنيا للإمام (عليه السلام).

وهذا البحر المطيف وإن لم يشمل البحيرات الواقعة في أكناف الأرض كبحيرة حوض سلطان بقم وبحرية أُرومية وغيرهما ممّا في سائر الممالك إلاّ أنّه إذا حكم بأنّ هذا البحر العظيم الّذي هو مبدأ مياه العالم حتّى أنّه مبدأ الأغمام المطيرة فإنها أبخرة تصعد من ماء هذا البحر العظيم، فإذا ذكر البحر  المطيف الّذي هو أصل كلّ ماء علم منه أنّ جميع بحار الأرض وبحيراته للإمام (عليه السلام)، هذا تمام الكلام في دلالة الصحيحة.

فالصحيحة تامّة السند والدلالة على أنّ البحار كلّها للإمام إلاّ أنّه لا إشارة فيها على أنّ البحار من الأنفال، فالبحار ملك للإمام (عليه السلام) وإن لم يكن لنا حجة من طريق هذه الصحيحة على أنّها من الأنفال.

2ـ ومثل هذه الصحيحة بل لعلّه هي ما رواه في المستدرك عن فقه الرضا،: أروي عن العالم (عليه السلام) أنّه قال: ركز جبرئيل (عليه السلام) برجله حتّى جرت خمسة أنهار ولسان الماء يتبعة: الفرات، ودجلة والنيل، ونهر مهربان، ونهر بلخ، فما سقت وسقي منها فللإمام والبحر المطيف بالدنيا[66].

فهو كما ترى عن الصحيحة إلاّ في لفظة «مهربان» فإنّ الموجود في الصحيحة كما عرفت «مهران» وهو الموافق لكتب اللغة. وكيف كان فمدلوله هو مدلول الصحيحة بعينه. فيدّل على أنّ البحر المحيط بالدنيا بل البحار والبحيرات كلّها للإمام (عليه السلام).

3ـ ومنها ما رواه الكليني والشيخ بإسنادهما الصحيح إلى عمر بن يزيد قال: رأيت مسمعاً بالمدينة قد كان حمل إلى أبي عبد الله (عليه السلام) في تلك السنة مالاً فردّه أبو عبد الله (عليه السلام)، فقلت له: لم ردّ عليك أبو عبد الله (عليه السلام) المال الّذي حملته إليه؟ قال: فقال لي: إنّي قلت له حين حملت إليه المال: إني كنت ولّيت البحرين الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم قد جئتك بخمسها بثمانين ألف درهم وكرهت أن أحبسها عنك وأن أعرض لها وهي حقّك الّذي جعله الله تبارك وتعالى في أموالنا، فقال: أو مالنا من الأرض وما أخرج الله منها إلاّ الخمس؟! يا أبا سيّار إنّ الأرض كلها لنا، فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا، فقلت له: وأنا أحمل إليك المال كلّه؟ فقال: يا أبا سيّار، قد طيّبناه لك وأحللناك منه، فضمّ إليك مالك، وكلّ ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون حتّى يقوم قائمنا فيجيبهم طسق ما كان في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم، وأمّا ما كان في أيدي غيرهم فإنّ كسبهم من الأرض حرامٌ عليهم حتّى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم صغرة... الحديث[67].

واللفظ الّذي نقلناه هو من الكافي، والتهذيب نحوه إلى قوله: «يقوم قائمنا» الأوّل، وبعده هكذا: «فيجيبهم طسق ما كان في أيدي سواهم فإنّ كسبهم... إلى آخره.

بيان دلالته: أنّ مورد البحث وموضوعه في الحديث هو المال الحاصل من اكتساب الغوص، والغوص لا محالة يحصل من المياه والبحار، فإذا قال الإمام (عليه السلام): «إنّ الأرض كلّها لنا فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا» فقد دلّ على أنّ الغوص الحاصل من البحر ممّا أخرجه الله من الأرض، فيستفاد منه أنّ الأرض المذكورة شامل لما عليها الماء وأنّ الشيء الخارج من البحار أيضاً يكون ممّا أخرج من الأرض. والحاصل: أنّ كلامه يدلّ على أنّ المقصود بالأرض معنى شامل للبحار الواقعة فيها.

وعليه فيدلّ قوله المذكور على أن الأرض بالمعنى الشامل للبحار وما يخرج الله منها من شيء فهو للإمام، واللام ظاهرة الدلالة على كون مفاد الضمير مختصّاً باختصاص مطلق بمجرورها، والاختصاص المطلق مساوق للملكية، فلا محالة يكون مفاد الرواية أنّ البحار وما يخرج الله منها ملك طلق للإمام (عليه السلام) وهو المطلوب.

فهذه الرواية أيضاً تامّة الدلالة على ما نحن فيه، وأمّا سندها فقد مرّ أنّه إلى عمر بن يزيد صحيح، ومسمع بن عبد الملك أبو سيّار أيضاً وثّقه الكشّي ويستفاد وجاهته من كلام النجاشي والعلامة في الخلاصة، إلاّ أنّ عمر بن يزيد مشترك بين عمر بن يزيد بيّاع السابري مولى ثقيف وعمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل الّذي لا دليل على وثاقته، ولا دليل على أنّ المذكور هنا هو الأوّل فإنّ ابن محبوب يروي عن الثاني وكلاهما من أصحاب الصادق (عليه السلام) ولهذا فلا يثبت اعتبار سندها.

ويمكن أن يمنع دلالة هذا الرواية على الملكية وذلك أنّها دلّت على أنّ الأرض كلّها للإمام وهذا العموم إذا أريد من اللام فيه الاختصاص الملكي لا يمكن القول به فإنّ  ضرورة الفقه بل المذهب بل الإسلام قائمة على أنّ أهل الأرض أيضاً مالكون لشيءٍِ من الأرض والشجر والزرع باشتراء وإحياء وارث ونحوها من أسباب الملك وقد صرّح بهذا المعنى في باب إحياء الموات وغيره في روايات متعددة، فإرادة الاختصاص الملكي من كلامه (عليه السلام) غير ممكنة، فلا محالة أريد من اللام الاختصاص والسلطة الّتي لوليّ الأمر على أراضي أو مياه البلاد الّتي تحت ولايته، فمدلول الرواية أنّ الأرض ـ بمعناها الوسيع ـ وما أخرج الله منها من الأشجار والنبات والثمار والحبوب حتّى مثل ما يخرج من البحار من الأسماك والغوص فكلّ ذلك واقع تحت اختيار وليّ الأمر يفعل بها ما يكون فيه صلاح الأمّة، فالرواية من أدلّة إثبات سعة دائرة ولاية الوالي الإلهي على جميع الأرض وما يتعلّق بها.

بل منه تعرف المناقشة في دلالة صحيحة حفص بن البختري وخبر فقه الرضا على مالكية الإمام البحار، وذلك أنّ وجه دلالتهما كما عرفت أنّ البحر المطيف عطف على الموصول المذكورة قبله في قوله (عليه السلام): «فما سقت أو سقي منا فللإمام» ومفاد الموصول شامل لجميع الأشجار والنباتات المستقية بمياه تلك الأنهار العظمية الخمسة، وإرادة الاختصاص الملكي من اللام الجارّة غير ممكنة فإنّها تؤول إلى أن لا يكون أحد من الناس مالكاً للأشجار والنباتات وثمراتها من الثمار والحبوب وهو خلاف ضرورة الفقه والمذهب، فلا محالة يراد بها الاختصاص الّذي يكون للوالي والإمام على الأموال الموجودة في بلاد أمّته، وصدر الصحيحة وذكر حفر الأنهار الكبيرة وإحداثها برجل جبرئيل من باب سرّ هذا الاختيار وسرّ سعة هذه الولاية الإلهية.

ولا يتوهّم أنّ هذا المقال يوجب الخدشة في استفادة ملكية وليّ الأمر للأنفال، وذلك أنّ الأنفال قسم خاصٌ من الأموال وأدلّتها تستثنيها عن باقي الأموال، وحاصل مفادها أنّ الأنفال مُلك للإمام ووليّ الأمر وباقي الأموال يكون ملكاً للناس، ونحوه الكلام في أدلّة الخمس فإنها في مقام تقسيم الغنيمة التي يجب فيها الخمس فتدل على أن خمسها للمصارف الستّة وأربعة أخماسها لمن اغتنمها، فكما أنّ المغتنم يكون مالكاً للباقي فهكذا وليّ الأمر يكون مالكاً لماله من الخمس.

فالحاصل: أنّ البحار ممّا يكون تحت دائرة الاختيار الوسيع الّذي للإمام ولا دليل على أنّها ملكة.

وبهذا تمّ الكلام عمّا قد يعدّ من مصاديق الأنفال. والله الهادي إلى سواء السبيل.

 

 

[1] النهاية ونكتها: ج1 ص450.

[2] الجمل والعقود: ص54.

[3] الوسيلة: ص133.

[4] السرائر: ج1 ص497.

[5] المهذب: ج1 ص548.

[6] إصباح الشيعة: ص128.

[7] قواعد الأحكام: ج1 ص365 طبع مؤسسة الإسلامي.

[8] الإرشاد: ج1 ص293.

[9] المنتهى: ج1 ص553.

[10] التذكرة: ج5 ص440.

[11] التذكرة: ج2 ص402 الطبعة القديمة.

[12] الدروس: ج1 ص263.

[13] المقنعة: ص278، طبع مؤسسة النشر الإسلامي.

[14] المراسم: ص142.

[15] الكافي في الفقه: ص170.

[16] الغنية: ص204 ـ 205.

[17] تفسير القمي: ج1 ص254، عنه الوسائل: الباب1 من أبواب الأنفال ج6 ص371 الحديث20.

[18] التهذيب: ج4 ص133، المصدر السابق: ص367 الحديث8.

[19] رجال الكشي: ص598 الرقم 1117 ـ 1118.

[20] رجال الكشي: ص598 الرقم 1117 ـ 1118.

[21] تفسير العياشي: ج2 ص48، عنه المستدرك: الباب1 من أبواب الأنفال ج7 ص297 الحديث8.

[22] المقنعة: ص290، عنهما الوسائل: الباب1 من أبواب الأنفال ج6 ص371 الحديث22.

[23] تفسير العياشي: ج2 ص48 ح17، عنه الوسائل: الباب1 من أبواب الأنفال ج6 ص372 الحديث31، البحار: باب الأنفال ج96 ص211 الحديث11.

[24] تفسير العياشي: ج2 ص49 ح20، عنه المستدرك: الباب2 من أبواب الأنفال ج7 ص298 الحديث3، البحار: باب الأنفال ج96 ص211 الحديث14.

[25] التهذيب: ج4 ص134، عنه الوسائل: الباب1 من أبواب الأنفال ج6 ص366 الحديث6.

(286 و 287) تفسير العياشي: ج2 ص48 و 49 ح16 و 21، الوسائل: الباب1 من أبواب الأنفال ج6 ص372 الحديث30 و 32، البحار: باب الأنفال ج96 ص211 و 212 الحديث11 و 15.

 

[28] الكافي: ج1 ص542، التهذيب: ج4 ص130، عنهما الوسائل: الباب1 من أبواب الأنفال ج6 ص365 الحديث4.

[29] الأنفال: 41.

[30] الوسائل: الباب1 من أبواب قسمة الخمس ج6 ص356 الحديث3.

[31] الوسائل: الباب72 من أبواب جهاد العدو ج11 ص120 الحديث2.

[32] النهاية ونكتها: ج1 ص451.

[33] الجمل العقود: ص54.

[34] الخلاف: ج4 ص190 المسألة 16 طبع مؤسّسة النشر الإسلامي.

[35] الخلاف: ج5 ص518 المسألة 3.

[36] السرائر: ج1 ص497.

[37] المهذّب: ج1 ص186.

[38] إصباح الشيعة: ص128.

[39] المهذب البارع: ج1 ص567.

[40] القواعد: ج1 ص365.

[41] مجمع الفائدة والبرهان: ج4 ص342.

[42] التذكرة: ج5 ص441 الطبعة الجديدة.

[43] التذكرة: ج2 ص402 الطبعة القديمة.

[44] المنتهى: ج1 ص553 ـ 554 الطبعة الحجرية.

[45] المنتهى: ج1 ص553 ـ 554 الطبعة الحجرية.

[46] المدارك: ج5 ص418، طبعة مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).

[47] الرياض: ج5 ص267.

[48] دراسات في ولاية الفقيه: ج4 ص64.

[49] الدروس: ج1 ص262 ـ 263.

[50] الجواهر: ج16 ص126.

[51] التهذيب: باب الأنفال ج4 ص135، عنه الوسائل: الباب 1 من أبواب الأنفال ج6ص 269 الحديث 16.

[52] الكافي: ج5 ص33، عنه الوسائل: الباب 41 من أبواب جهاد العدوّ ج11 ص84 الحديث 1، والباب 1 من أبواب الأنفال ج6 ص 365 الحديث 2.

[53] التهذيب: ج4 ص124، عنه الوسائل: الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس ج6 ص 340 الحديث 8.

[54] الوسائل: الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس ج6 ص349 الحديث5.

[55] الوسائل: الباب4 من أبواب الأنفال ج6 و1 ص385و381 الحديث 20 و10.

[56] الوسائل: الباب4 من أبواب الأنفال ج6 و1 ص385و381 الحديث 20 و10.

[57] السرائر: ج1 ص481.

[58] الخلاف: ج3 ص525 المسألة 1و2.

[59] التذكرة: ج2 ص403 الطبعة الحجرية القديمة.

[60] المسالك: ج12 ص402.

[61] الكافي: باب الفيء والأنفال ج1 ص538.

[62] المقنعة: ص278.

[63] الكافي في الفقه لأبي الصلاح: ص170.

[64] الجواهر: ج16 ص131ـ 132.

[65] الكافي: ج1 ص409، الخصال: ص291، ومن لا يحضره الفقيه: ج2 ص45، الوسائل: الباب 1 من أبواب الأنفال ج6 ص370 الحديث 18.

[66] المستدرك: الباب 1 من أبواب الأنفال ج7 ص295 الحديث2.

[67] الكافي: باب أنّ الأرض كلّها للإمام ج1ص408 الحديث 3، والتهذيب: ج4ص144. الوسائل: الباب 4 من أبواب الأنفال ج6 ص382 الحديث 12.