حقيقة الشهادة

قد يتصور البعض أن القتل في ساحة المعركة هو هزيمة وتراجع على المستوى العام وهي خسارة وانتهاء على المستوى الفردي. ومن هذه الخلفية ينطلق ليفهم الشهادة على أنها حالة عزاء وحزن و... ومن هنا نطرح هذا السؤال:

 

هل القتل في ساحة الحرب نصر أم هزيمة؟!!

حتى نعرف الجواب الصحيح لهذا السؤال علينا أن نقف في البداية عند المعنى الحقيقي للنصر...

 

ما هو النصر الحقيقي:

إن النصر والهزيمة لا ينبعان من فراغ بل هما تابعان لهدف الإنسان والقدرة على تحقيق هذا الهدف، فبحسب الهدف الذي يرسمه الإنسان وقدرته على تحقيق هذا الهدف يكون النصر أو الهزيمة. فالحصول على أمر ما قد يكون نصراً لشخصٍ، وهو بعينه هزيمة لشخص آخر، فالتاجر الصغير الذي يهدف إلى ربح مائة ـ مثلاً ـ إذا ربحها يكون هذا نصراً بالنسبة له، وأما التاجر الكبير الذي يهدف إلى ربع ألف ـ مثلاً ـ إذا لم يربح إلا مائة يعتبر هذا هزيمة بالنسبة إليه وليس نصراً. ..

فمن خلال معرفة الأهداف التي رسمها الإنسان لنفسه يتم تحديد انتصار أو هزيمته.

ولكن هذا كله لا يعني أن النصر الحقيقي مرتبط بما يرسمه الإنسان لنفسه من أهداف، سواء كانت شريفة أو وضيعة، سواءً كانت أهدافه صحيحة أم سقيمة مزيّفة.

إن النصر الحقيقي لا يكون إلا من خلال تحقيق الأهداف الصحيحة والحقيقة، وأما الأهداف الزائفة فلا تولد إلا نصراً زائفاً...

الهدف الحقيقي والهدف الزائف: ...إن الهدف الحقيقي الذي رسمه الله سبحانه وتعالى للإنسان يتلخص بقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}..

فالهدف إذاً هو الوصول إلى مقام العبادة والقرب من الله سبحانه وتعالى.

وفي هذا المجال يقول الإمام الخميني (قدس سره): «إذا انتصرنا في هذه المرحلة من السير العرفاني، فإن موتنا نصر كما أن حياتنا نصر أيضاً. جدوا لكي تنتصروا في ميدان المبارزة بين الله والشيطان، ميدان الجهاد بين النفس الإنسانية والروح، فإذا انتصرتم في هذه المرحلة فلا تخشوا الهزائم لأنها ليست هزائم»..

«أنتم غلبتم أهواءكم، أنتم في خلف الجبهات وإخوانكم في الجبهات، جاهدتم أنفسكم وعلمتم أن الحياة أبدية وأن هذه الحياة الحيوانية المادية زائلة، فأنتم إذن منتصرون وما دامت هذه عقيدتكم فأنتم الغالبون حتى ولو انهزمتم صورياً ومادياً»...!!

فهذا الهدف الحقيقي وكل ما عداه فهو زائف زائل، وعندما نقيس الشهادة بهذا الهدف نجدها الطريق الأقصر لتحقيقه والحصول عليه، فهي إذاً النصر الحقيقي لأنها القادرة على تحقيق الهدف الحقيقي.

بل نجد الإمام الخميني (قدس سره) يعتبر أن وضع الشهادة في ميزان الأمور المادية هو إهانة للشهادة. فهي أعلى وأشمخ من أن تقارن بمثل هذه الأمور، يقول (قدس سره): «يجب أن يعلم عملاء أمريكا أن الشهادة في سبيل الله لا يمكن أن تقاس بالغلبة أو الهزيمة في ميادين القتال، مقام الشهادة نهاية العبودية والسير والسلوك في العالم المعنوي. لا تحقروا مقام الشهادة لتقابلوها بفتح خرمشهر أو سائر المدن، إنها أوهام القوميين الباطلة»

 

الشهادة فوز ونصر

ما دامت الشهادة تحقق هدف الإنسان الحقيقي فلا يمكنها إلا أن تكون النصر الحقيقي الذي يمكن أن يحصل عليه الإنسان ويحققه.

يقول الإمام الخميني (قدس سره): «إن قُتِلنا أو قَتَلنا فإن الحق معنا. إن قُتلنا فإننا سنقتل في سبيل الحق وهذا هو النصر، أو قَتلنا ففي سبيل الحق وهو النصر أيضاً».

ويقول (قدس سره): «هنيئاً لهؤلاء الشهداء ما نالوه من لذّة الأنس، ومجاورة الأنبياء العظام، والأولياء الكرام، وشهداء صدر الإسلام. وأكثر من ذلك هنيئاً لهم بلوغهم نعم الله التي هي (رضوان من الله أكبر)».

هذه الحقيقية التي رفع أمير المؤمنين (عليه السلام) صوته عالياً بها عندما ضربه ذلك الشقي، ليبقى صدى تلك الصرخة يتردد في آفاق الزمن ليقرع أسماع شيعته ومحبيه ويتعلموا الدرس: «فزت ورب الكعبة»!.

 

الشهادة سعادة:

فما دامت الشهادة هي النصر وهي الطريق الذي يحقق الهدف الإلهي لوجود الإنسان على أرض، فليس غريباً على الشهيد أن تطوى لأجله كل العوائق وتزال عن طريق في الدنيا والبرزخ في الآخرة.

فالشهادة هي السعادة الحقيقية للإنسان في كل حياة ينتقل إليها.

يقول الإمام الخميني (قدس سره): «كم هم سعداء أولئك الذين يقضون عمراً طويلاً في خدمة الإسلام والمسلمين وينالون في نهاية عمرهم الفيض العظيم الذي يتمناه كل عشاق لقاء المحبوب، كم هم سعداء وعظماء أولئك الذين اهتموا طيلة حياتهم بتهذيب النفس والجهاد الأكبر وفي نهاية أعمارهم التحقوا بركب الشهداء معززين مرفوعي الرأس، كم هم سعداء وفائزون أولئك الذين لم يقعوا في شباك الوساوس النفسية وحبائل الشيطان طيلة أيام حياتهم ـ في بأسائها وضرائها ـ وخرقوا آخر الحجب بينهم وبين المحبوب، وبلِحاهم المخضبة بالدماء التحقوا بركب المجاهدين في سبيل الله تعالى»

«لقد نال السعادة أولئك الذين سعوا باختيار منهم وبجهادهم ونضالهم ووقفوا صفاً واحداً أمام الكفر وسلموا أرواحهم لبارئهم وانتقلوا إليه سعداء مرفوعي الرأس»

وكلام الإمام الخميني (قدس سره) هذا يعكس الخط الإسلامي والفهم القرآني الصحيح الذي أشارت إليه الآية الكريمة في وصف الشهداء {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ...}

فالإنسان المؤمن والعارف بالحقائق، يطمع بمقام الشهادة الرفيع، الذي يرفعه إلى الله تعالى ويوصله إلى السعادة الأبدية والخالدة. فكيف يمكن الحصول على مقام الشهادة واللحاق بركب الشهادة!؟؟

 

 كيف تكون شهيداً..!!

لا شك أن الشهادة نعمة إلهية يمنحها الله سبحانه وتعالى، ولا يقدر عليها الإنسان بنفسه.

يقول الإمام الخميني (قدس سره): «إن الاستشهاد بالنسبة لنا فيض عظيم».

ولكن هذا لا يعني أن الله سبحانه وتعالى يمنحها لأي كان، وبشكل عشوائي، يقول الإمام الخميني (قدس سره): «الشهادة هدية من الله ـ تبارك وتعالى ـ لمن هم أهل لها»

فعلى الإنسان أن تتوفر فيه صفات الشهيد ويكون أهلاً للشهادة حتى يمن الله تعالى عليه بها.

 

كيف نكون أهلاً للشهادة:

هناك صفات يجب أن يتحلى بها الإنسان حتى يكون مستعداً للفيض الإلهي ومستحقاً لمنصب الشهادة، وتتلخص بالتالي:

 

1ـ هدف الشهيد:

من المعروف في الإسلام أن النية هي أساس العمل {إنما الأعمال بالنيات}، فمن الطبيعي أن يكون أول أمر يجب توفره هو خلوص النية لله سبحانه وتعالى.

وهذا أمر يؤكد عليه الإمام الخميني (قدس سره) في كلماته حيث يقول في بعضها: «أيها الشهداء! إنكم شهود صدق، والمذكورين بالعزم والإرادة الثابتة الفولاذية، وأفضل الأمثلة لعباد الله المخلصين، فقد أثبتم انقيادكم لله تعالى، وتعبدكم له ببذلكم الدماء والأرواح».

ويقول (قدس سره): «أن يضحي بنفسه من أجل الهدف لا من أجل الهوى... وها هو ديدن رجال لله».

هذا الإخلاص الذي يجب أن يتعمق حتى يصل إلى مرحلة العشق! فالإخلاص المطلوب ليس مجرد كلمة تقال على اللسان أو اعتقاد يتصوره العقل، وإنما المطلوب أن تصبح كل خفقة في قلبه تسبح الله سبحانه وتعالى وتهتف باسمه، حتى يصير المرء عاشقاً لله سبحانه وتعالى، لا يعرف قلبه سواه.

ويشير الإمام الخميني (قدس سره) إلى هذه الحالة قائلاً: «ما أشد غفلة عبيد الدنيا الأغبياء، الذين يبحثون عن معنى الشهادة في صحف الطبيعة، ويفتشون عن أوصافها في الأناشيد والملاحم والأشعار، ويجنّدون فنّ التخيّل وكتاب التعقل لكشفها. هيهات وأنّى لهم ذلك، فلا حلّ لهذا اللغز إلا بالعشق».

 

2ـ حب لقاء الله وتمني الشهادة:

إن من صفات المتقين التي أكدت عليها الروايات وذكرها أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة المتقين، حب لقاء الله حتى كادت أرواحهم تخرج من أجسادهم: «ولولا الأجل الذي كتب لهم، لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إلى الثواب وخوفاً من العقاب».

نعم أولياء الله مشتاقون لذلك اللقاء، يقول الإمام الخميني (قدس سره): «دع أولئك المفترسين الذين لا يفكرون إلا بأنفسهم يأكلون كما تأكل الأنعام، يفكون قيود عشاق سبيل الحق من أغلال الطبيعة ويصلونهم إلى فضاء جوار المعشوق».

ولذلك فإن تمني الشهادة هو تمني لقاء الله تعالى على أفضل وجه يحبه ويرضاه، وهذا ما يتمناه أولياء الله على الدوام.

وقد ورد في رواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «قلت: يا رسول الله، أوليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين، وحيِزت عني الشهادة، فشق ذلك عليّ فقلت لي: أبشر فإن الشهادة من ورائك؟ فقال لي: إن ذلك لكذلك، فكيف صبرك إذاً؟ فقلت: يا رسول الله ليس هذا من مواطن الصبر ولكن من مواطن البشرى والشكر!».

وعنه (عليه السلام): «فو الله إني لعلى الحق، وإني للشهادة لمحب».

هكذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) عاشقاً للشهادة، وهكذا يجب أن يكون أتباعه ومحبيه، ويعلق الإمام الخميني (قدس سره) على قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه»، قائلاً: «أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول ذلك لأنه كان يعرف ما هي الدنيا وما هو عالم لغيب، كان يعرف معنى الموت، وأن الموت حياة، نحن قدمنا الشهداء لكن شهداءنا أحياء، أحياء عند ربهم يرزقون، خالدون، ونحن أيضاً نسأل الله تعالى أن يوفقنا للشهادة، لحظة واحدة تتبعها سعادة دائمة، عناء لحظة واحدة يتبعها السادة الأبدية والدائمة!».

هكذا كان أولياء الله على الدوام، كما يخبر الإمام (قدس سره): «لابد من اجتياز هذه المرحلة ولابد من السفر، فليكن في سبيل الإسلام وفي خدمة الشعب المسلم، ولتكن شهادة فوزاً بلقاء الله، وهذا ما كان يتمناه أولياء الله العظام ويطلبونه بإلحاح في مناجاتهم من العلي القدير»

وهكذا يجب أن يكون شيعة علي (عليه السلام) وكل مخلص يعمل في سبيل الله. يقول الإمام (قدس سره): «إن كنا نعتقد بالغيب فعلينا أن نشكر الله تعالى لكي نُقتل في سبيله وندخل في زمرة الشهداء»

«نحن خاضعون أمام التقدير الإلهي ونطيع أوامره، ولذلك فإننا نطلب الشهادة منه، ولهذا أيضاً لا نتحمل الذلة والعبودية إلا لله تعالى»

«عبر هذا الهدف يحتضن جميع الأولياء الشهادة ويعتبرون الموت أحلى من العسل، وإن أبناءكم في جبهات القتال، قد نالوا جُرعاً منها وأخذهم الوجد وتجلى ذلك في أمهاتهم وأخواتهم وآبائهم وإخوانهم، فلابد أن نقول »يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً«. هنيئاً لهم ذلك النسيم العطر والتجلي المبهج»

«كم هم سعداء أولئك الذين يقضون عمراً طويلاً في خدمة الإسلام والمسلمين وينالون في نهاية عمرهم الفيض العظيم الذي يتمناه كل عشاق لقاء المحبوب»

نعم إن هذا الشعب الذي خرجت منه مواكب الشهداء كانت سمته الأساسية حب الشهادة وعشق لقاء الله سبحانه وتعالى.

يتحدث الإمام الخميني (قدس سره) عن هذا الواقع في الكثير من كلماته، حيث يقول في بعضها: «يتوارث الأولياء الشهادة كلٌ من الآخر، وإن شبابنا الملتزمين يدعون الله دائماً لنيل الشهادة في سبيله»

«أنتم تلاحظون أن جميع شبابنا الذين استشهدوا كانوا جميعاً من المقبلين على الشهادة».

 

3ـ الزهد بالدنيا:

قيمة الدنيا أنها مرزعة الآخرة ومسجد أولياء الله، وطريق الوصول إلى ساحة رضاه، فلو قطعناها عن كل ذلك ونظرنا إليها نظرة مادية، فلن يكون لها أي قيمة على الإطلاق، كما أخبر عنها أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام له: «كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول: {تلك الدار الآخر نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين}

بلى والله لقد سمعوها ووعوها، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها. أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز

هكذا يجب أن يكون المجاهد في سبيل الله، زاهداً بالدنيا عارفاً بمقام الشهادة {ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون}.

وقد أكد الإمام الخميني (قدس سره) على ذلك في كلماته: «إن الدنيا بجميع بهارجها واعتباراتها هي أقل بكثير من أن تكون جزءاً وربتة للمجاهدين في سبيل الله».

«إن المجاهد في سبيل الله أسمى من أن يقيم عمله النفيس بزخارف الدنيا».

«... لم يبيعوا أرواحهم بثمن بخس، ولم تلههم زخارف الدنيا الفانية وتعلقاتها»...

 

4 ـ الارتباط بمدرسة عاشوراء:

إن تاريخ المسلمين حافل بالجهاد والشهادة، وليس غريباً على المسلمين أن يرتفع شبابهم شهداء إلى بارئهم مخضبين بدمائهم، «القتل لنا عادة».

وإلى ذلك يشير الإمام الخميني (قدس سره) في كلماته: «نحن لا نبالي إذا سكبت دماء شبابنا الزاكية في سبيل الإسلام، لا نبالي إذا أضحت الشهادة ميراثاً لأعزائنا، إنه الأسلوب المرضي المتبع لدى شيعة أمير المؤمنين عليه السلام منذ ظهور الإسلام إلى اليوم»

«منهاج الشهادة القاني، منهاج آل محمد وعلي، ولقد انتقل هذا الفخر من آل بيت النبوة والولاية إلى ذراريهم وأتباع مناهجهم»

«لقد قدمت أمة الإسلام من حراب مسجد الكوفة إلى صحراء كربلاء وعلى مر تاريخ التشيع الأحمر، قدمت ضحايا قيمة إلى الإسلام العزيز وفي سبيل الله»

فما دام القتل لنا عادة فلن يكون له آثار سلبية على المجتمع ولن يتسبب بحصول تراجع وضغط كما نرى في الكثير من المجتمعات الأخرى.

إن ثورة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) بما تحمل من رسالة كتبت بأطهر دماء الأرض لتخترق بنورها كل أنواع الحجب وتصل إلى آذاننا، هي القادرة على صنع الشهداء بكل ما يحتاجه الشهيد من مواصفات إلهية، وقد استطاعت هذه المدرسة أن تخرّج ببركتها قوافل الشهداء على مر التاريخ.

يقول الإمام الخميني (قدس سره): «مهما كان، فإن قلمي ولساني عاجزان عن ترسيم المقاومة العظمى لملايين المسلمين، عشاق الخدمة والإيثار والشهادة في هذا البلد، بلد صاحب الزمان أرواحنا فداه، ولا يمكن توصيف مجاهداتهم وبطولاتهم وخيراتهم وبركاتهم، هؤلاء الأبناء المعنويين لكوثر فاطمة الزهراء سلام الله عليه، وبالتأكيد فإن هذه البطولات نابعة من منهج الإسلام الأصيل وأهل البيت، ومن بركات ولاية إمام عاشوراء سلام الله عليه»

 

5 ـ الارتباط بالشهداء:

وبالإضافة للارتباط بهذه المدرسة التاريخية العظيمة، يجب الاستفادة من أنوار شهداء هذا العصر أيضاً وزيادة الارتباط بهم، والتعرف على روحيتهم ومسلكيتهم وقراءة وصاياهم، لأن ذلك كله يقرب روحية الإنسان من روحيتهم، حتى يصير واحداً منهم، جاهزاً لتلقي هذا الفيض الإلهي الذي تلقوه، وهو الشهادة.

وقد أكد الإمام الخميني (قدس سره) في الكثير من المناسبات، أن الشهداء يعتبرون قادة المسيرة، وأنهم المعلمون في دنيا الجهاد، وعلينا أن نستفيد منهم، فمما قاله في هذا السياق: «إن قائدنا هو ذلك الطفل ذو الاثني عشر عاماً صاحب القلب الصغير، الذي يفوق المئات من ألسنتا وأقلامنا فضلاً، الذي حمل قنبلته ورمى بنفسه تحت دبابة العدو ففجرها محتسياً شراب الشهادة».

«الذين أوقدوا ـ بدمائهم الطاهرة ـ مشاعل طريق الحرية لكل الشعوب المكبلة».

«إن من كل شعرة تمس أو قطرة دم تسفك لشهيد، يولد معها رجال مجاهدون ومصممون»..!!

 

6ـ العزم الراسخ والهمة العالية:

يقول الإمام الخميني (قدس سره): «أيها الشهداء، إنكم شهود صدق والمذكورون بالعزم والإرادة الثابتة الفولاذية لخير عباد الله المخلصين، الذي سجلوا بدمائهم وأرواحهم أصدق وأسمى مراتب العبودية والانقياد إلى المقام الأقدس للحق جل وعلا، وجسدوا في ميدان الجهاد الأكبر مع النفس والجهاد الأصغر مع العدو، حقيقة انتصار الدم على السيف وغلبة إرادة الإنسان على وساوس الشيطان»

ويقول أيضاً: «العزم الراسخ والهمة العالية للشهداء، ثبتت قواعد الجمهورية الإسلامية في إيران وأضحت ثورتنا في أشمخ قلل العزة والشرق تنير الدروب لهداية الأجيال المتعطشة»

 

الشهيد الحي:

هناك بعض المجاهدين ممن قضى عمره في الجهاد وطلب الشهادة، لكنه لم يوفق لها، ولم تكن من نصيبه!

وقد نأسف عندما نجد مجاهدا ًمات على فراش المرض في نهاية الأمر بعد سنين طويلة من الجهاد.

إن هذا الأسف في غير محله، لأنك إن أصلحت نيتك، وجعلت هدفك خالصاً لله، ووصلت إلى مرحلة عشقه سبحانه وتعالى، وزهدت بالدنيا، وتمنيت الشهادة، وارتبط بمدرسة كربلاء، فأنت لست مجرد إنسان أهل للشهادة، بل أنت شهيد فعلاً! شهيد حي، وهذا ما تؤكده الروايات.

فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه».

وفي رواية أخرى عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه».

إذاً فلتكن مع الشهداء وفي خطهم واحمل بين جنبيك روحيتهم، فستكون شهيداً.

 

مجتمع الشهداء الأحياء:

يجب أن يتمتع المجتمع الإسلامي كله بروحية الشهداء، حتى يتشكل لدينا مجتمع شهيد حي، فكل مجتمع استطاع أن يصل إلى هذه الروحية سيكون أشمخ من العُقاب وأرسخ من الجبال، سيكون مجتمعاً لله تعالى، والله لا يعطي مجتمعاً كهذا إلى العزة والقوة والثبات والنصر، {ولله العزة ولرسوله والمؤمنين}، {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}، وهذا ما أكدت عليه الروايات وأيدته التجربة، وأشار إليه الإمام الخميني (قدس سره) في أكثر من مناسبة، يقول (قدس سره): «الشعب يتمنى تلك الشهادة التي طلبها جميع الأنبياء وتمناها جميع أولياء الله»..

ويمكننا أن نلاحظ من بركات مجتمع كهذا ما يلي:

 

1ـ أثرها التربوي:

إن هذه الروحية تغير مفاهيم الإنسان وتوجهاته وأساليبه. فهي قادرة على صنع مجتمع الإنسان بمميزاته الإنسانية التي تميز تماماً عن المجتمع الحيوان.

إن من أحب الله تعالى وعشقه حتى صار لقاء الله تعالى هدفه الوحيد، لن تعني له هذه الدنيا وما فيها من ماديات شيئاً، سوى أنها أمور فرعية وجانبية، يهتم بها الإنسان لتلبية حاجاته فقط.

وهكذا يصف أمير المؤمنين (عليه السلام) المتقين: «عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم».

وهذه التربية ستغير مفاهيم الإنسان ومسلكيته في هذه الدنيا، وتصنع مجتمعاً سليماً بكامل المواصفات الإلهية.

 

2ـ أثرها المعنوي:

إن الحالة المعنوية تعتبر أساساً في نجاح أي عمل يريد أن يقوم به الإنسان، ولها دور أساسي في الحروب في النصر أو الهزيمة، لذلك تعتبر الحرب المعنوية جزءً أساسياً في أي حرب تنشأ بين الناس.

والمجتمع الذي يصاب بالإحباط أو اليأس لا يمكن أن يكون منتصراً ولو كان الأكثر عدداً والأعظم عدة.

 

والمجتمع الذي يملك روحية الشهادة لا يمكن أن يتسلل إليه الإحباط أبداً، والسبب في ذلك أن الإحباط ناتج عن العجز وعدم القدرة على تحقيق الأهداف، فإذا كانت الأهداف دنيوية فمن الممكن أن يصاب الإنسان بالإحباط إذا لم تصل يداه لهذا الهدف ووجد أنه يقتل ويضعف. ولكن إذا كان الهدف النهائي هو لقاء الله تعالى والالتحاق بركب الصديقين والشهداء، فالقتل سيكون تحققاً للهدف، وبالتالي لا يمكن أن يولّد إلا اندفاعاً وقوة وإصراراً، ولن يجد الإحباط له مكاناً في مجتمع الشهداء والأحياء.

يقول الإمام الخميني (قدس سره): «منطقنا ومنطق شعبنا ومنطق المؤمنين هو القرآن الكريم {إنا لله وإنا إليه راجعون}، لا يستطيع أحد مقابلة هذا المنطق، لا يستطيع أحد الوقوف في وجه شعب يحسب نفسه من الله وإلى الله وكل ما يملكه لله ويعتبر موته حركة نحو المحبوب والمطلوب»

إن قُتِلنا ـ إن شاء الله ـ فإننا سنذهب إلى الجنة، أو قتلنا فإننا ذاهبون إلى الجنة أيضاً»...!!

ويقول في كلام آخر: «إن قَتلنا فإننا سعداء، أو قُتلنا فإننا سعداء أيضاً».

وهذا هو الفكر القرآني الأصيل الذي أطل علينا في العديد من الآيات القرآنية كقوله تعالى: {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين} فإن انتصرنا فذلك حسن وسعادة، وإن استشهدنا فذلك أيضاً حسن وسعادة...!!

 

3ـ الشجاعة والثبات:

إن الخوف إذا كان من الخالق فهو صحة ومطلوب، وإذا كان من غيره فهو مرض يجب التخلص منه. وهذا المرض الخطير هو الذي أوصل الكثير من الشعوب إلى الفشل، بل نجده مصيبة العالم الإسلامي في كثير من قضايا هذا العصر الأساسية.

وقد أشار الإمام الخميني (قدس سره) إلى أن هذا المرض لا يجتمع مع روحية الشهادة: «لقد اعتاد شعبنا الشهادة والتضحية ولا يخشى الأعداء والقوى الكبرى ومؤامراتها. فالخوف لمن لا تحتوي مدرسته على الشهادة»

«الخوف من الموت للذي يعتبر الموت نهاية الحياة، ولا يخشى الموت إلا من يعتبر الموت فناء أبدياً أو يخشى مراحل من الجزاء والعقاب، ولكن إذا ارتحلنا من الدنيا ونحن في سلامة من ديننا ـ في الجبهة أو خلف الجبهة والذي يعتبر فعلاً جبهة للحرب والشهادة ـ وإذا فزنا بالشهادة، فلن نهاب الهزيمة الظاهرية في هذا البحر اللجي من العالم، أو النصر الظاهري».

فالذي يبذل نفسه وروحه في سبيل الله سبحانه وتعالى قد تجاوز كل هذه الأمراض بمراتب، تجاوز من مرحلة الخوف من الموت إلى مرحلة اقتحامه، كما كان يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «والله لا يبالي ابن أبي طالب أوقع على الموت أم وقع الموت عليه».

يقول الإمام الخميني (قدس سره): «لا يمكن للشعب الذي يتمنى الشهادة أن يشعر بالخوف».

«ممَ يخاف أهل بلد إذا كانوا كلهم يقظين وعلى استعداد للشهادة؟ ممَ يخافون؟!».

«هذا الشعب الذي يطلب الشهادة ويدعو الله أن يرزقه الشهادة لا يخشى التدخل العسكري ولا المقاطعة الاقتصادية»

«الشعب الذي يعشق رجاله ونساؤه الشهادة ويهتفون بها، لا يمكن أن يتأوّه من نقص في بعض الموارد الاقتصادية، هذا الأنين لا يرفعه إلا المتعلقون بالمادة، وأما أولئك الذي يعشقون ربهم، لا تثنيهم الزيادة أو النقص ولا يؤلمهم ارتفاع الأسعار أو انخفاضها. هذا الذي يسير قدماً نحو الشهادة، لا يهتم إذا أعلمته بأن اللصوص قد سرقوا أمواله وارتفعت أسعار المواد الضرورية، إنه لم يذهب لجمع الغنائم، ذلك لأن غنيمته أبدية ولا تراجع فيها»

«الشعب الذي يتفجر عشق الشهادة من قلب امرأته ورجله، صغيره وكبيره، ويتسابقون نحو الشهادة ويفرون من الشهوات الحيوانية والدنيوية، ويعتقدون بعالم الغيب والرفيق الأعلى، لا يخرج من الميدان ولا ينعزل مهما كبرت خسارته»...

 

4 ـ الشهادة لا تغير الأعمار:

{يقولون لو كنا لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا، قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم}

إن القرآن الكريم يعطينا تصوراً يخالف كل التصورات الموجودة في أذهان الكثير من الناس، الذين يتصورون أن الشهادة تقصر من عمر الإنسان، حيث يؤكد أن الشهادة لا تقصر في عمر الإنسان حتى على المستوى الدنيوي، فلا البعد عن الجبهات سيؤخر موتهم ولا تواجدهم في خط النار سيعجله. إذاً فحتى على المستوى الدنيوي لن يخسر الشهيد شيئاً.

 

وهذا ما أكدته الروايات أيضاً:

فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إن الفار لغير مزيد في عمره، ولا محجوز بينه وبين يومه».

 

5 ـ الشهادة سلاح:

يقول الإمام الخميني (قدس سره): «لا يمكن لأية قدرة مواجهة الشعب الذي يقف نساؤه ورجاله على أهبة الاستعداد للتضحية بالنفوس، مصرين على الاستشهاد».

فاختيار الشهادة يعتبر أهم سلاح يملكه المجاهد ويغير فيه المعادلات، إن هذه الدماء هي التي طالما تغلبت على كل أسلحة وأدوات الطواغيت.

يقول الإمام الخميني (قدس سره): «إن دماء شبابنا تغلبت على البنادق».

ويقول أيضاً (قدس سره): «بقتل شخص ـ مهما كان هذا الشخص كبيراً ـ لن تتراجع الأمة، ستبقى اليد الإلهية ممدودة لتصنع من شهادة الشهيد موجاً عارماً، يحيينا من جديد، ويعطي للإسلام حياة جديدة»..!!

إن نقطة ضعف العدو ـ مهما كان مجهزاً بالسلاح ومهما كان عاتياً وظالماً ـ هي الشهادة وطلب الشهادة، فطريق الشهادة كان على الدوام هو الذي يكسر شوكة المتكبرين ويفضح ضعفهم وزيفهم، يقول الإمام الخميني (قدس سره): «مثل هذه الشهادات تضمن النصر، وتفضح أعداءكم حتى ولو كان العالم يؤيدهم»..!!

ويقول أيضاً: «هنيئاً الشهادة لشهداء الثورة الإسلامية، وبالأحرى شهدائنا الذين سارعوا إلى رحمة الله على أيدي أقذر الأعداء وألدهم وقد جلبوا العزة للإسلام والعار والخزي الأبدي لأعداء الشعب الشريف»..!!

 

6 ـ الشهادة والنصر:

لا شك أن الأسلحة المادية تملك دوراً في الحرب على صعيد القدرة وسعة اليد، وعلى صعيد زيادة رصيد القوة. ولا شك أن كفاءة المقاتل أيضاً لها دورها في حجم التضحيات التي يضطر الإنسان لتقديمها في ساحة المعركة، والخسارة التي يمكن أن يتكبدها، ولذلك أمر القرآن الكريم بالاهتمام بهذا الجانب {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ...} كل ذلك مهم يؤثر على طبيعة المجريات، وكيفية ومن حسم المعركة.

ولكن الأهم من ذلك كله روحية اليد التي تحمل هذا السلاح أو تمرست على تلك الكفاءة.

هذه الروحية هي التي تملك عنصر الحسم في المعركة مهما كانت المعادلات المادية، وهذا ما أكده الإمام الخميني (قدس سره): «لا يمكن لأية قدرة مواجهة الشعب الذي يقف نساؤه ورجاله على أهبة الاستعداد للتضحية بالنفوس، مصرين على الاستشهاد».

«أنتم المتنصرون لأن الله معكم، أنتم الأعلون لأن الإسلام حاميكم، أنتم الغالبون لأن الإيمان رأس مالكم ولأنكم احتضنتم الشهادة، وأما أولئك الذين يخشون الموت والشهادة، فهم المهزومون حتى ولو كان لهم جيشاً عظيماً»

«الشعب الذي تعتز أمهاته وأخواته الباسلات بموت أبنائهن الأبطال، الذين هم في صف الشهداء، منتصر لا محالة»

فالمعادلات المادية ليس لها الكلمة الأخيرة في المعركة، وهذا ما يؤكد عليه القرآن الكريم {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ}، ولا يستثنى من ذلك المسلمون، كما حصل في حنين {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ}..

فعندما تغيرت الروحية تغيرت نتائج المعركة رغم كل المعادلات المادية.

إن الروحية التي إذا امتلكها المجتمع حسم المعركة لصالحه هي روحية الشهادة، فإن هذه الروحية لا يمكن أن تجتمع مع الهزيمة، حتى على المستوى الدنيوي.

يقول الإمام الخميني (قدس سره): «إن الشعب الذي يتمنى الشهادة منتصر لا محالة».

ويقول أيضاً: «إنكم منتصرون لأنكم عانقتم الشهادة، أما أولئك الذين يخافون الشهادة والموت فهم مهزومون».

لأننا من خلال حب الشهادة والإقبال على الموت، نحوّل أهم نقطة ضعف في المعادلات المادية إلى أعظم قوة، بشكل يقلب المعادلات كلها.

وهذا ما أكدته التجربة أيضاً، يقول الإمام الخميني (قدس سره) الذي عايش التجربة مخبراً عنها: «إن حس السعي في طلب الشهادة والفداء هو الذي أدى إلى انتصار الشعب الأعزل على الطاغوت».

«أيها الشهداء العظام ويا شهداءنا الأكارم الأحياء: لولا جهادكم المتواصل وجهاد إخوانكم وأخواتكم الأجلاء في الجبهات وخلف الجبهات بإخلاص، حيث رزقكم الله عناياته الخاصة، لما كان بإمكان أي قدرة وأي عتاد عسكري إنقاذ الجمهورية الإسلامية، بلدكم العزيز الذي تصافح الغرب والشرق وأذنابهم وتعاضدوا من أجل إغراقه في هذا البحر اللجي الهائج. لم يعرف أولئك الذين أعمى الله بصيرتهم وسلبهم من المعنويات بأن هذه سفينة نوح وربانها الله»

 

 حفظ دماء الشهداء ..!!

كثيراً ما تحدث الإمام عن حفظ دماء الشهداء وحذر من هدر هذه الدماء الغالية وتضييعها، فما هي وظيفتها تجاه هذه الدماء، وكيف يكون حفظها؟

 

إحياء ذكراهم:

يقول الإمام الخميني (قدس سره): «اغتنموا هذه الأيام الكبرى، اغتنموا مثل أيام الأربعين وعاشوراء وأحيوا أيضاً أيام استشهاد أعزائنا مثل يوم مفتح رحمة الله عليه، هؤلاء الذين كانوا في خدمة الإسلام واستشهدوا على يد أعداء الإسلام».

«على الشعب الإيراني الشريف في جميع أنحاء إيران أن يحيي ذكرى الشهداء البواسل الذي أمنوا حياة الجمهورية الإسلامية وجلبوا لنا النصر بتضحياتهم».

إن الإمام يؤكد على ضرورة إحياء ذكر الشهداء بل ويحذر من نسيانهم وحذفهم من الذاكرة حيث يقول (قدس سره): «إن كنت حياً بينكم أو لم أكن، فإني أوصيكم جميعاً: ... لا تسمحوا أبداً للذين سبقوا نحو الشهادة المتقدمين بلبس زي الدم، أن يحالوا إلى النسيان في أزقة الحياة المعقدة».

 

زيارة قبورهم:

يقول الإمام الخميني (قدس سره): «هذه تربة الشهداء الطاهرة التي ستبقى على يوم القيام مزاراً للعاشقين والعارفين والمتيمين ودار الشفاء للأحرار»

إذن من المطلوب الاستمرار على زيارة قبور الشهداء مهما تقلبت الظروف والأحوال إلى يوم القيامة.

ولهذه الزيارة أثرها المعنوي الكبير، فيكفي أنها دار الشفاء للأحرار، فالذي يمتلك في قلبه شعلة الحرية ورفض الذل، ستكون زيارة قبور هؤلاء الشهداء والارتباط بهم له أثره المعنوي الملحوظ والأساسي في تفعيل نور الحرية هذا وتقوية الإرادة والثبات.

 

حفظ عوائلهم:...!!

هناك جوانب مادية ينبغي الالتفات إليها وايلائها الاهتمام الخاص، كأيتام الشهيد وعائلته التي كان يتكفلها، وقد أكدت الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) على استحباب إظهار العطف لهم والتحنن عليهم من الجهة المعنوية، وكذلك من يتكفلهم من الجهة المادية ويسد الفراغ المادي الذي قد يحصل نتيجة غياب معيلهم ورحيله من هذه الدار، وقد أشار الإمام الخميني (قدس سره) إلى هذا الموضوع وأكد عليه، حيث يقول: «على الشعب الإيراني الشريف في جميع أنحاء إيران... أن يسلّوا ذوي الشهداء ويتفقدوا أمورهم، ولو أن الألسنة والأقلام عاجزة عن وصف الشباب والكهول الأعزاء الذي أفدوا دماءهم وأرواحهم لإحياء الإسلام والوطن وإنقاذ البلاد من شر الأعداء والسفاكين، وإنها عاجزة أيضاً عن تسلي وتفقد أحوال الآباء والأمهات الذين ربوا في أحضانهم مثل هؤلاء الأولاد وقدموهم هدية للإسلام»

 

إيصال صوتهم وإبلاغ رسالتهم ...!!

يقول الإمام الخميني (قدس سره): «آخر حديثي معكم يا من وجود وبقاء الجمهورية الإسلامية نتيجة دماء آبائكم، أن تبقوا لها أوفياء وتفدونها بحياتكم، وباستعدادكم وتصدير الثورة وإبلاغ رسالة الشهداء»

 

حفظ المنجزات ..!!

إن حفظ دماء الشهداء يكون بحفظ الثمار والنتائج التي قدموا ما قدموه للحصول عليها، فحفظ هذه النتائج هو حفظ لتلك الدماء، يقول الإمام الخميني (قدس سره): «لقد قدمتم شهداء كثيرين لتحصلوا على الحرية والاستقلال بكل ما أوتيتم من قوة»

«أيها الشهداء، اطمئنوا في جوار الحق تعالى فإن شعبكم لن يتوانى عن النصر الذي جلبتموه له، ويا ذوي الشهداء وأيها المعلولين الأعزاء الذين ضمنتم الحياة الأبدية ببذل سلامتكم، اطمئنوا وثقوا فإن شعبكم عازم على حراسة حكومة الله إلى ظهور بقية الله ـ روحي فداه ـ حتى النصر»

 

متابعة الطريق: ..!!

إن الشهيد بفضل جهاده وتعبه ودمائه كان يتقدم بالأمة نحو الأمام، فعلينا أن لا نكتفي بعد استشهاده بالوقوف مكاننا والحفاظ على المنجزات، بل علينا أن نستمر بالمسيرة إلى الأمام أيضاً، فالحفاظ على المنجزات مطلوب ولكنه غير كافي، علينا أن نتقدم ونتابع الطريق التي كان يسيرها الشهيد إلى الأمام، يقول الإمام الخميني (قدس سره): «على الشعب الإيراني وخاصة القوى المسلحة، أن يحيوا بشجاعتهم وقوتهم وجهادهم وسعيهم المتواصل، ذكر الشهداء ويتبعوا النصر تلو النصر في الجبهات وخلف الجبهات ويتحركوا إلى الأمام»

«أدعوا الله تعالى أن يكرمنا جميعاً توفيق تحمل المصائب ويمنحنا القدرة لمتابعة مسيرة الشهداء النيّر أكثر من قبل، ويرد كيد الظالمين إلى نحورهم، ويثبت أقدام الشعب الإسلامي المكرم في مسير الجهاد والشهادة»

 

كلمة أخيرة ..!!

لا شك بأن دماء الشهداء أمنت حياة الثورة والإسلام. لقد أعطت دماء الشهداء دروس الصمود وللأبد، لجميع أهل العالم، والله يعلم أن نهج الشهادة لن يُمحى ولن يزول، وهذه الشعوب والأجيال القادمة سوف يقتدون بسبيل الشهداء ونهجهم.

 

تم بحمد الله...

وجعلنا الله من الشهداء تحت راية الإمام المهدي..عجل الله فرجه الشريف..