جاء في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ السيّدة فاطمة عليها السلام مكثت بعد أبيها صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الدنيا 75 يوماً وقد غلبتها اللوعة والحزن، وكان جبرائيل عليه السلام الأمين ينزل عليها ويعزّيها ويذكر لها مسائل عن المستقبل وما سيجري على ذريّتها، فيما أمير المؤمنين عليه السلام يدوّن ذلك(1). ظاهر الرواية أنّ هبوط جبرائيل عليه السلام وصعوده كان كثيراً في تلك الفترة، ولهذا الأمر دلالات كثيرة ويترتّب عليه مسؤوليّات كثيرة.

 

* للاقتداء بها

من الطبيعيّ أنّ الوحي بمعنى جلب الأحكام قد انتهى برحيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّ مسألة نزول جبرائيل عليه السلام على أحد ليست مسألة بسيطة، لأنّه لا يمكن أن يهبط من دون حدوث تناسب بينه -بوصفه الروح الأعظم- وبين روح من يتنزّل عليه، كما كان ذلك متحقّقاً بينه وبين الطراز الأوّل من الأنبياء نظير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموسى وعيسى وإبراهيم وأمثالهم عليهم السلام، ولم يكن قد حصل ذلك مع أيّ شخص آخر ولن يحصل بعده أيضاً، حتّى أنّه لم ينزل على الأئمّة عليهم السلام بهذه الكيفيّة، بل كان ينزل بصورة مكرّرة على الزهراء عليها السلام فقط في هذه الأيّام الخمسة والسبعين. على كلّ حال، أنا أعتبر هذه الكرامة والفضيلة من أسمى الفضائل وأرفعها التي ذُكرت لها، على الرغم من أنّ فضائلها الأخرى عظيمة أيضاً، لذا، على النساء التباهي والاقتداء بها عليها السلام .

 

لقد جاهدت السيّدة الزهراء عليها السلام بمقدار ما سمحت لها تلك المدّة القصيرة، وكان لها خطابات مع حكومات زمانها، وكانت تحاكم تلك الحكومات، وهو ما يجب عليكنّ أيضاً الاقتداء به لتثبتن مواقفكنّ. يجب أن تتأسّين بزهدها وتقواها وعفّتها وكلّ ما كانت تتّصف به، وإن لم تفعلن ذلك، فاعلمن أنّه لن تشملكنّ تلك الكرامة والفضيلة.

 

* وجوب الدفاع عن الإسلام

أيّتها الأخوات، جاهدنَ في ميدان الذَّود عن الإسلام، وهذه من الواجبات التي‏ يتحمّلها كلّ رجل وامرأة وصغير وكبير أيضاً، فالدفاع عن الإسلام دفاع عن الدولة الإسلاميّة، إذ لا يختلف اثنان من علمائنا أو من الأشخاص الذين عاشوا في كنف هذا الدين الحنيف أنّ هذا الأمر واجب. إنّ الجهاد الأوّليّ ليس واجباً على النساء، أمّا الذَّود عن قدسيّة المرء وحرمته، وعن بلده وحياته وماله، وعن الإسلام، فواجب على الجميع.

 

إذا أصبح الدفاع واجباً على الجميع، وجب إجراء مقدّماته، بما فيها الاستعدادات العسكريّة، وتعلّم الفنون القتاليّة لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً. ليس واجبنا الدفاع فقط في الوقت الذي لا نعرف كيف ندافع، بل يجب أن نتعلّم كيف ندافع. طبعاً، يجب أن يكون الفضاء الذي تتعلّمن فيه الفنون العسكريّة مناسباً وإسلاميّاً، تُحفظ فيه جميع جهات العفاف والشؤون الإسلاميّة.

 

* المرأة محفّزة لغيرها

بحمد الله، كانت النساء في هذه الجمهوريّة الإسلاميّة رائدات في جميع الشؤون العامّة التي طرأت في البلاد، خصوصاً في مسألة النظام الدستوريّ، ويحظين بنصيب كبير من المسائل التي نمرّ بها الآن أيضاً، بل يجب أن نقول إنّهنّ يتمتّعن بحظّ مضاعف، فلو دخل عدد من النساء إلى ميدان القتال على سبيل المثال، فبالإضافة إلى قتالهنّ بأنفسهنّ، تتضاعف قوّة الرجال لما لهم من مشاعر وحساسيّة تجاههنّ، ذلك أنّه من المحتمل ألّا يستاء الرجل كثيراً لو رأى مئة رجل يُقتلون أمامه، لكنّه يتأثّر لو رأى امرأة تُهتك حرمتها، حتّى لو كانت أجنبيّة ولا تمتّ له بصلة.

 

بناءً على هذا، إنّ مبادرتكنّ إلى جميع الشؤون بما فيها الدفاعيّة والجهاديّة وإسناد الجبهات، تؤدّي إلى ازدياد دخول الرجال في تلك الشؤون ومضاعفة قواهم.

 

* الريادة في الشؤون العامّة

التفتن أيّتها السيّدات إلى هذه النقطة جيّداً: كما يجب على الرجال المبادرة إلى الجبهات، يجب عليكنّ تقديم العون خلف هذه الجبهات، وتجهّزنَ للدفاع عن البلاد فيما لو وجب النفير العام، أي أصبح الدفاع واجباً على كلّ مستطيع بلا استثناء. ومن البديهيّ أنّ خندق العلم خندق دفاعيّ عن الثقافة الإسلاميّة قاطبة. أنتنّ تعلمن أنّ هذه الثقافة كانت مظلومة منذ رحلة النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وإلى الآن، وقد ظُلمت كذلك أحكام الإسلام، فيجب إحياء هذه الثقافة. ويجب عليكنّ مزاولة أعمالكنّ كما يزاول الرجال أعمالهم في الجبهة العلميّة والثقافيّة. وإنّي أتأمّل أن يوفقكنّ الله جميعاً فتتقدّمنَ في هذا الخندق أيضاً، وادْعونَ الباري تعالى أن ينصر أولئك العاكفين على الذَّود عن وطنهم وعن الإسلام بمشيئته.

 

(*) خطاب الإمام الخمينيّ قدس سره في مناسبة ميلاد السيّدة الزهراء عليها السلام ويوم المرأة، بتاريخ 20 جمادى الآخرة 1406ق. في طهران – حسينيّة جماران.

1- أصول الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص457.

 

المصدر: مجلة بقية الله